نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


الأزمة في فنزويلا تدفع الفقراء إلى البحث عن الفتات في المجارير




كاراكاس - ج م لوبي- كالمعتاد، يغوص أوجوستو رنخيل حافي القدمين كل يوم في مياه نهر جوايري الآسنة، هكذا يبدأ يوم عمله، بالرغم من أنه ليس صيادا، كما أنه لا يبدو من المحتمل أن توجد هنا أية كائنات حية باستثناء البكتريا والميكروبات، فهذا النهر تكون من تراكم مياه مجارير الصرف الصحي في العاصمة الفنزويلية كاراكاس، ومن ثم فإن المياه الراكدة العطنة على طول مجراه تصطبغ باللون البني، وتفوح منها رائحة عفنة تصيب المارة بالغثيان.


  إذاً لم يأت أوجوستو بحثا عن أسماك، بل قطع ذهبية أو فضية أو أي نوع معادن أخرى مهما كان ضئيل القيمة. "سوف تندهش من كم المجوهرات التي يمكن العثور عليها في مياه مجارير الصرف، نحن ننقب بين أطنان من المخلفات القذرة التي يتم صرفها كل يوم في مياه نهر جوايري"، يؤكد بينما غاص في مياه الصرف حتى ركبتيه. إلى جواره، توماس ميلو /23 عاما/ يمارس نفس العملية. "لقد وقع اختيارنا على هذه البقعة من النهر نظرا لأنه يسهل الوصول إليها وانخفاض منسوب المياه بها. نعمل عادة في مجموعات. نحن خمسة أفراد، ونتقاسم فيما بيننا ما نحصل عليه من عملية فرز نفايات الصرف"، يحكي ميلو. يقوم البعض بتكويم المخلفات والبعض بفرزها بواسطة سكين بعناية بحثا عن خيال المعدن الثمين. وتعاني فنزويلا من أزمة اقتصادية طاحنة، نتيجة تراجع أسعار البترول، مما دفع بالكثير من المواطنين للبحث عن مورد للرزق لتوفير الطعام لأسرهم وسط ظروف قاسية للغاية. أوجوستو /21 عاما/ متزوج ولديه طفل، كان يعمل منذ فترة في فرز نفايات مجارير الصرف بنهر جوايري. حيث يوضح "نحصل على 180 ألف بوليفار مقابل كل جرام ذهب واحد نحصل عليه، وهذا يقتضي يوم عمل يتراوح بين 5 إلى 6 ساعات. أما أكثر ما نعثر عليه فيكون عادة أقراط أو سلاسل ذهبية". بكل فخر يبرز في راحة يده حصيلة اليوم، مؤكدا أن قيمتها تتجاوز الـ 2ر1 جرام، سيتقاسم عائدها مع رفاقه. في مساحة لا تزيد عن 100 متر يوجد على الأقل ثلاثة أو أربعة مجموعات، يتقاسمون مجرى النهر في عملية فرز النفايات، تحيط بهم أطنان من المخلفات والأكياس البلاستيكية التي جرفها تيار النهر. وقد يزيد العدد أو ينقص، من يوم لآخر، بينما يؤكد أنهم يرحبون بكل من على استعداد لمشاركتهم العمل، لا توجد صراعات أو مشاجرات على مساحات الفرز، القريبة من قصر ميرافلوريس، الذي يوجد به مقر الحكومة وديوان الرئاسة وحيث تتخذ أهم القرارات التي تحدد مصير البلاد. يذكر أن الرئيس نيكولاس مادورو، قرر مجددا التصدي لمعدلات التضخم المرتفعة وزيادة الرواتب ليصل الحد الأدنى إلى 250 ألف بوليفار ما يعادل 25 دولارا. وقد اتخذ القرار في ظل تفاقم حالة التوتر في البلاد، بسبب الأزمة الاقتصادية التي أسفرت عن تردي الأوضاع الاجتماعية بصورة خرجت عن السيطرة نتيجة للانخفاض المستمر في سعر العملة المحلية أمام الدولار، وتراجع الاحتياطي النقدي من العملات الصعبة اللازمة لاستيراد المنتجات مما رفع من تكلفة كل شيء، يكفي أن راتب موظف حكومي في الوقت الراهن لا يكفي لشراء ثلاثة كيلوجرامات من اللحم، بينما وصل سعر رغيف الخبز إلى 10 آلاف بوليفار. وسط هذه الأوضاع، لم يعد الناس ينظرون باستياء لامتهان حرف مثل فرز القمامة، بالرغم مما تنطوي عليه من مخاطر. فلاديمير بيريث يبلغ من العمر 25 عاما، أمضى سبعة منها في العمل في نهر جوايري، حيث يقول "ما اكسبه من هذه المهنة يكفينا لنقتات أنا وأسرتي، وإن كنت اتمنى ممارسة عمل آخر. الرائحة لا تحتمل، ولا تزول منا أبدا. الأمراض الجلدية شائعة بكثرة، والمعوية أيضا، لكن الأسوأ من ذلك، الفيضانات المتوقعة التي تحدث نتيجة ارتفاع منسوب المخلفات في المجارير، أو بفعل الأمطار، مما قد يؤدي إلى الموت غرقا".

"يمكن أن تعثر على أي شيء وكل شئ في القمامة"، يقول شاب مثل الكثير من أبناء العاصمة كاراكاس، اضطرتهم الأوضاع الراهنة للبحث عن قوته اليومي بين النفايات. يبدأ هؤلاء في الانتشار مع حلول المساء بعد إغلاق الأسواق أبوابها والمراكز التجارية، وتحين ساعة إخراج المطاعم مخلفاتها والمنتجات التي ساءت حالتها. "أحيانا تبقيك على قيد الحياة، ولكن ما جدوى الحياة على مخلفات الآخرين"، يتحدث بينما يلعق بقايا قالب شيكولاتة ملتصقة بورقة العبوة التي عثر عليها في المكب. ويتابع "في الماضي كنا بلد غني جدا والآن أصبحنا فقراء جدا".

من أجل مكافحة السوق السوداء ونهب السلع من مراكز التوزيع، والتهريب، انشئت لجان شعبية للمحافظة على التموين والمنتجات تعرف اختصارا باسم (كلاب- CLAP) تشرف على توزيع السلع الأساسية مثل الأرز ودقيق الذرة والزيت تنتقل من بيت إلى بيت بالتساوي، مع إعطاء الأولوية لمحدودي الدخل، إلا أن هذه المنظومة لا تشمل المشردين الذين يعيشون في الشارع، وهم ليسوا قلة، لأنه لا يوجد لديهم أية بطاقات تموينية. كما يشكو الأهالي من الفساد والمحسوبية في التوزيع، فضلا عن قلة الكميات.

على ناصية الشارع، تقلب أدريانا محتويات كيس قمامة بحثا عن لقمة تسد رمقها. على مسافة ليست ببعيدة منها، تحتضن صديقتها رضيعتها ذات العام والنصف، تعلوهما القذارة وتبدو عليهما علامات سوء التغذية. "نتأكد من حالة الطعام من الرائحة واللون الذي أصبح عليه"، توضح بينما تفصل أجزاء من ثمار فاكهة ونثائر من بقايا دجاج مشوي. لا تميز الحاجة بين الشافيزيين ومعارضيهم. تشهد البلاد بوتيرة متسارعة تزايد أعداد المواطنين الذين ينحدرون إلى هذه الحالة. "أنا الآن أعيش في الشارع، ولكن ما زلت أذهب لرؤية أسرتي. رحلت لأني لم أعد أريد أن أكون عبئا على أحد"، يقول "البلانكيتو"، شاب في الثالثة والعشرين من عمره، لم يرد الكشف عن اسمه الحقيقي. "كانت الأوضاع الاقتصادية أفضل بكثير قبل ثلاثة أعوام، كانت هناك وظائف وكانت الرواتب جيدة، والآن مع الحد الأدنى لم تعد الحياة ممكنة"، يتحسر على الأيام الخوالي. ويتابع "في الشارع تجد نساء ومعهن طفلين وثلاثة، أنا لا استطيع أن اكفي حالي، كيف ستوفر تلك النساء طعام لأطفالهن". على عكس اسمه، الواقع قبيح للغاية في حي بييو مونتي أو "الجبل السعيد"، حيث يعيش مجموعة من المشردين والمدمنين، يطهون تحت أحد الكباري أرزا مع قطع اللحم على نار أشعلوها عند مجرى نهر جوايري، يؤكدون أن كل ما حصلوا عليه وما يتناولونه من القمامة. "نحن ستة أشخاص، نعيش هنا، ونحمي بعضنا ولا نسمح لأحد غيرنا بالقدوم"، يؤكد خيرمان بينما يقلب الطعام على النار. ويضيف "في السابق كانت لي زوجة، هربت مع آخر، وكان لدي مطبخ وحمام، كان بوسعي الاستحمام، صحيح أنا الآن أفضل، لكن سأكون كاذبا لو قلت أن الاستمرار في الشارع أفضل من الحياة في بيت". يعيش هؤلاء اسفل الكوبري، ينامون على مراتب ووسائد متآكلة قذرة، ضوضاء السيارات المارة من فوق رؤوسهم لا تتوقف، والعادم المتصاعد منها يصلهم ليل نهار. الأصعب أنه لكي يصلوا إلى هذه البقعة المطلة على النهر، يتعين عليهم الهبوط بحركات أكروباتية صعبة من فوق الكوبري لأسفل عند مجرى النهر.

يقول خيرمان "البلانكيتو لم يأت اليوم"، مشيرا بإصبعه إلى خيط من الدم المتخثر ينتهي عند حافة النهر، "يبدو أنه طعن أحدهم بالأمس، والشرطة تبحث عنه الآن"، يواصل حديثه بمنتهى الهدوء وبصورة عادية للغاية، حيث يعتبر العنف في العاصمة أشبه بالوباء المتفشي، لم تفلح أية حكومة في استئصاله. تشير الإحصاءات الرسمية إلى مصرع نحو ستة آلاف شخص جراء العنف في شوارع العاصمة، وهي المحصلة الأسوأ منذ عشر سنوات، أغلب الضحايا من المتشردين وعصابات الجريمة المنظمة، والبعض منها تصفية حسابات، ينتهي أغلبها هنا في قاع نهر جوايري.

ج م لوبيز
الثلاثاء 28 نونبر 2017