
قانون الانتخابات صُمم لاستبعاد جبهة العمل الإسلامي
ولكن هذه النتيجة بالرغم من وجود خروقات هنا وهناك، بالإضافة إلى ظاهرة شراء الأصوات، تؤكد تراجع دور الأحزاب السياسية التي وصل عددها إلى 21 حزبا، ليس فقط في الأردن وإنما في معظم البلدان العربية، وبروز القبيلة وخاصة في البلدان التي لعبت فيها القبائل دورا مهما في تكوينها الاجتماعي والسياسي.
ثمة أسباب عديدة لفوز مرشحي القبائل والعشائر في الأردن، من بينها قانون الانتخابات الذي صمم لاستبعاد جبهة العمل الإسلامي المقربة من حركة حماس، حيث خصص للعاصمة عمان التي يعيش بها 2.3 مليون نسمة 28 مقعدا، بينما خصص لمنطقة معان الجنوبية التي تهيمن عليها القبائل سبعة مقاعد في البرلمان الذي يتسع لمائة وعشرين مقعدا، كما أن محاولة استبعاد السكان من ذوي الأصول الفلسطينية من الدخول إلى البرلمان ساهم إلى حد كبير في هذه النتيجة، لأنهم ينشطون في الحركات والأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، ولا ينتمون إلى عشائر وقبائل مثل بقية الأردنيين، وفي هذه الانتخابات بالذات امتنع الكثير من المرشحين من ذوي الأصول الفلسطينية من الترشح خوفا من سحب الجنسية منهم، بعد الحملة التي سبقت الانتخابات والتي سحبت خلالها العديد من جنسيات الفلسطينيين الأردنيين.
تغير الولاء للقصر
تاريخيا لعبت القبائل البدوية القاطنة في الجنوب والوسط، مثل قبيلة الحويطات، بني صخر، والعدوان دورا كبير في تأسيس الكيان الأردني، وكان العرش الهاشمي يعتمد عليها بالكامل وخاصة في المؤسسة العسكرية والأمنية، وبرهنت على ولاءها للعرش الهاشمي في مناسبات عديدة، أهمها وأخطرها، المواجهة بين الجيش الأردني وقوات منظمة التحرير الفلسطينية في سبتمبر عام 1970، كما أعتمد العرش الهاشمي على عشائر الشمال الفلاحية، مثل عشيرة المجالي والطراونة والتي يعتبر وضعها الاقتصادي والتعليمي أفضل من القبائل البدوية، في مجالات الخدمة العامة، حيث قدمت هذه العشائر معظم وزراء وتكنوقراط الأردن، وبالرغم من أن أبناء هذه العشائر انضموا للحركات اليسارية، وحاولوا حتى الانقلاب على النظام، لكن ولاء العشائر ظل دائما للعرش الهاشمي، إلا أن الضغوط الاقتصادية في السنوات الأخيرة جعل قبائل الجنوب تنتفض أكثر من مرة.
الباحث الأردني جمال الطاهات يرى تغييرا واضحا في الولاء السابق، ويقول الطاهات إن العشائر والقبائل في الأردن تاريخيا هي منصة اجتماعية سياسية ثقافية، أكثر منها كتلة للتعبئة والحشد وتحريك الجماهير، وبالتالي فإن جزاء كبيرا من المرشحين الحزبيين يقدم نفسه على المنصة العشائرية، ويضيف الطاهات قائلا:
"أوضح مثال جرى مؤخرا هو أن بدو الوسط منحوا أصواتهم لأبرز وجوه المعارضة البدوية والعشائرية، وهو الشايش نايف الخريشا، وبالتالي فإن الحديث عن العشائرية باعتبارها تضاد مع الحياة الحزبية والسياسية في الأردن، فإن هذه الفرضية تحتاج إلى مراجعة. والفرضية الأخرى التي في حاجة إلى مراجعة هي ليس عزوف النخب السياسية عن الترشح، وإنما ما جرى في الانتخابات الأخيرة هو قرار للشارع الفلسطيني بعدم الذهاب إلى التصويت، لأن لدى الشارع الفلسطيني إحساس حقيقي بالخوف مما يحاك الآن خلف الأبواب المغلقة، في عمان وتل أبيب وواشنطن حول مستقبل القضية الفلسطينية. الحقيقة المرة هي أن النخب الفلسطينية من اليسار إلى اليمين قدمت مرشحين لهذه الانتخابات، ولكن مجموع الذين صوتوا من أصول فلسطينية في هذه الانتخابات لا يتعدى عشرة بالمائة من الناخبين".
ويرى الطاهات أن الأردن تشكل في سياق فاعلية عشائرية سياسية حزبية منذ نهايات الحرب العالمية الأولى، فالعشائر هي التي صاغت مشروع الدولة، وهي التي صاغت مقررات مؤتمر أم قيس قبل وصول الهاشميين إلى البلاد، وهي أول كتلة اجتماعية في العالم العربي تحمل السلاح وتقاتل مطالبة بالدستور، وقدموا شهداء من أجل الدستور المكتوب.
تهميش العشائر
كما يرى الطاهات أن أهم ظاهرة في الانتخابات الأردنية الأخيرة هي محاولة تكسير كل البنى السياسية في البلاد، بما فيها البنى العشائرية، والتعبيرات الحزبية، ومنذ أربعين سنة كان هناك جهد حقيقي لإفراغ الأردن من القدرات الحزبية والسياسية والفكرية في الدولة، ويضيف الطاهات قائلا: "ومؤخرا بدأ جهد حقيقي لتكسير حتى البنى العشائرية ذات البعد الوطني، لكن الحقائق التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة، هي أنه حتى في معاقل التاريخية للدولة والنظام في الأردن ذهب جزء كبير من الأصوات لرموز معارضة بدوية للنظام، وهم شخصيات غير قادرة على بلورة خطاب حزبي، ولكنهم بوجدان وطني صادق يدعمون الخيارات الحزبية، ويدعمون المشاريع والرؤى والبرامج الحزبية".
ويؤكد الطاهات أن الأنظمة العربية تشجع على الاتفاق مع القبائل والعشائر بدلا من الأحزاب، ومنظمات المجتمع المدني، لأن القبائل والعشائر يبدو احتواءها وترويضها أسهل بكثير من الأحزاب، ويضيف قائلا: "في تقديري المجتمع الأردني يتطور باتجاه بنى مدنية، والذي أعاق نمو هذه البنى منذ السبعينيات من القرن الماضي حتى اليوم، هي آليات عمل النظام، وآليات عمل مؤسسات الدولة المختلفة".
كما يؤكد الطاهات أن انتفاضة نيسان 1989 لم تقم بها الأحزاب، وإنما قامت بها كتل عشائرية في جنوب الأردن، كما أن التحول الديمقراطي في الأردن، وهز بنية النظام السابقة جاء على أيدي هذه العشائر، كما يرى الطاهات أن البنى الاجتماعية في الأردن عادت مؤخرا للمنصة العشائرية، ولا توجد عشائر في الأردن بالمعنى الذي نراه في إفريقيا، حيث تتحول إلى أداة للحشد والتعبئة، هي أقرب إلى المنصة التي يقف عليها الحزبي، ويقف عليها الموالي للقصر والمعارض له.
ووفقا لطاهات فقد حدث في يوم واحد خلال الانتخابات الأخيرة ستون صداما بين الشرطة وبين جموع الناخبين التي قدر أعدادها بحوالي مائة ألف شخص، والستون صداما قادوها العشائر، وصاحب الصدامات خطاب سياسي مستنير ومتقدم، وهو ما عجزت عنه الأحزاب على مدى الستين سنة الماضية، ويضيف الطاهات قائلا: "لم تكن الأحزاب قادرة على التصدي للتزوير، ففي عام 2007 حدث تزوير بشع للانتخابات، لكن هذه المرة تمكنت العشائر من تحشيد كل هذه الأعداد للتصدي لعمليات التزوير، هذه الحقائق أرجو أن يتم التوقف عندها لمراجعة فرضيات قد لا تكون صحيحة، ربما كانت هذه الفرضيات صحيحة في السابق ولكنها لم تعد صحيحة الآن، ولم تعد تعبر عن الدينامكية الاجتماعية والسياسية في الأردن".
الملكية الدستورية
ويرى الطاهات أن هناك كتل عشائرية ضخمة في الأردن تحولت إلى المعارضة، وأنها تتخذ موقفا نقديا من الملك والقصر، وهذه الكتل كان من غير المفكر به أن تتخذ أي موقف باستثناء الولاء الكامل للنظام وللقصر، والسبب في ذلك وفقا للطاهات وهو وجود تغير حقيقي في طبيعة النظام، كما انه اعتمد سياسات في السنوات العشر الأخيرة تهمش هذه الكتل سياسيا واقتصاديا، كما تأخذ الجزء الأهم من نصيبهم في الثروة وتمنحه لجماعات تم استقدامها من الخارج، سلم لها السلطة والموارد، بالرغم من أنه ليس لهم جذور في المجتمع الأردني، لا مدينية ولا بدوية ولا فلاحية، في السابق كانت هناك كتل مدينية في حالة صدام مع سلوك الفساد، ومؤخرا بدأت الكتل العشائرية اكتشاف ما يجري من فساد، وبدأت بالتعبير عن نفسها بمواقف احتجاجية، ويضرب الطاهات مثلا قائلا إن مبادرة الملكية الدستورية التي ظهرت منذ عامين، بدأت في جزءها الأكثر زخما في مقرات بدوية وعشائرية، ومازال القائمون عليها بجلهم من أبناء هذه العشائر
ثمة أسباب عديدة لفوز مرشحي القبائل والعشائر في الأردن، من بينها قانون الانتخابات الذي صمم لاستبعاد جبهة العمل الإسلامي المقربة من حركة حماس، حيث خصص للعاصمة عمان التي يعيش بها 2.3 مليون نسمة 28 مقعدا، بينما خصص لمنطقة معان الجنوبية التي تهيمن عليها القبائل سبعة مقاعد في البرلمان الذي يتسع لمائة وعشرين مقعدا، كما أن محاولة استبعاد السكان من ذوي الأصول الفلسطينية من الدخول إلى البرلمان ساهم إلى حد كبير في هذه النتيجة، لأنهم ينشطون في الحركات والأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، ولا ينتمون إلى عشائر وقبائل مثل بقية الأردنيين، وفي هذه الانتخابات بالذات امتنع الكثير من المرشحين من ذوي الأصول الفلسطينية من الترشح خوفا من سحب الجنسية منهم، بعد الحملة التي سبقت الانتخابات والتي سحبت خلالها العديد من جنسيات الفلسطينيين الأردنيين.
تغير الولاء للقصر
تاريخيا لعبت القبائل البدوية القاطنة في الجنوب والوسط، مثل قبيلة الحويطات، بني صخر، والعدوان دورا كبير في تأسيس الكيان الأردني، وكان العرش الهاشمي يعتمد عليها بالكامل وخاصة في المؤسسة العسكرية والأمنية، وبرهنت على ولاءها للعرش الهاشمي في مناسبات عديدة، أهمها وأخطرها، المواجهة بين الجيش الأردني وقوات منظمة التحرير الفلسطينية في سبتمبر عام 1970، كما أعتمد العرش الهاشمي على عشائر الشمال الفلاحية، مثل عشيرة المجالي والطراونة والتي يعتبر وضعها الاقتصادي والتعليمي أفضل من القبائل البدوية، في مجالات الخدمة العامة، حيث قدمت هذه العشائر معظم وزراء وتكنوقراط الأردن، وبالرغم من أن أبناء هذه العشائر انضموا للحركات اليسارية، وحاولوا حتى الانقلاب على النظام، لكن ولاء العشائر ظل دائما للعرش الهاشمي، إلا أن الضغوط الاقتصادية في السنوات الأخيرة جعل قبائل الجنوب تنتفض أكثر من مرة.
الباحث الأردني جمال الطاهات يرى تغييرا واضحا في الولاء السابق، ويقول الطاهات إن العشائر والقبائل في الأردن تاريخيا هي منصة اجتماعية سياسية ثقافية، أكثر منها كتلة للتعبئة والحشد وتحريك الجماهير، وبالتالي فإن جزاء كبيرا من المرشحين الحزبيين يقدم نفسه على المنصة العشائرية، ويضيف الطاهات قائلا:
"أوضح مثال جرى مؤخرا هو أن بدو الوسط منحوا أصواتهم لأبرز وجوه المعارضة البدوية والعشائرية، وهو الشايش نايف الخريشا، وبالتالي فإن الحديث عن العشائرية باعتبارها تضاد مع الحياة الحزبية والسياسية في الأردن، فإن هذه الفرضية تحتاج إلى مراجعة. والفرضية الأخرى التي في حاجة إلى مراجعة هي ليس عزوف النخب السياسية عن الترشح، وإنما ما جرى في الانتخابات الأخيرة هو قرار للشارع الفلسطيني بعدم الذهاب إلى التصويت، لأن لدى الشارع الفلسطيني إحساس حقيقي بالخوف مما يحاك الآن خلف الأبواب المغلقة، في عمان وتل أبيب وواشنطن حول مستقبل القضية الفلسطينية. الحقيقة المرة هي أن النخب الفلسطينية من اليسار إلى اليمين قدمت مرشحين لهذه الانتخابات، ولكن مجموع الذين صوتوا من أصول فلسطينية في هذه الانتخابات لا يتعدى عشرة بالمائة من الناخبين".
ويرى الطاهات أن الأردن تشكل في سياق فاعلية عشائرية سياسية حزبية منذ نهايات الحرب العالمية الأولى، فالعشائر هي التي صاغت مشروع الدولة، وهي التي صاغت مقررات مؤتمر أم قيس قبل وصول الهاشميين إلى البلاد، وهي أول كتلة اجتماعية في العالم العربي تحمل السلاح وتقاتل مطالبة بالدستور، وقدموا شهداء من أجل الدستور المكتوب.
تهميش العشائر
كما يرى الطاهات أن أهم ظاهرة في الانتخابات الأردنية الأخيرة هي محاولة تكسير كل البنى السياسية في البلاد، بما فيها البنى العشائرية، والتعبيرات الحزبية، ومنذ أربعين سنة كان هناك جهد حقيقي لإفراغ الأردن من القدرات الحزبية والسياسية والفكرية في الدولة، ويضيف الطاهات قائلا: "ومؤخرا بدأ جهد حقيقي لتكسير حتى البنى العشائرية ذات البعد الوطني، لكن الحقائق التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة، هي أنه حتى في معاقل التاريخية للدولة والنظام في الأردن ذهب جزء كبير من الأصوات لرموز معارضة بدوية للنظام، وهم شخصيات غير قادرة على بلورة خطاب حزبي، ولكنهم بوجدان وطني صادق يدعمون الخيارات الحزبية، ويدعمون المشاريع والرؤى والبرامج الحزبية".
ويؤكد الطاهات أن الأنظمة العربية تشجع على الاتفاق مع القبائل والعشائر بدلا من الأحزاب، ومنظمات المجتمع المدني، لأن القبائل والعشائر يبدو احتواءها وترويضها أسهل بكثير من الأحزاب، ويضيف قائلا: "في تقديري المجتمع الأردني يتطور باتجاه بنى مدنية، والذي أعاق نمو هذه البنى منذ السبعينيات من القرن الماضي حتى اليوم، هي آليات عمل النظام، وآليات عمل مؤسسات الدولة المختلفة".
كما يؤكد الطاهات أن انتفاضة نيسان 1989 لم تقم بها الأحزاب، وإنما قامت بها كتل عشائرية في جنوب الأردن، كما أن التحول الديمقراطي في الأردن، وهز بنية النظام السابقة جاء على أيدي هذه العشائر، كما يرى الطاهات أن البنى الاجتماعية في الأردن عادت مؤخرا للمنصة العشائرية، ولا توجد عشائر في الأردن بالمعنى الذي نراه في إفريقيا، حيث تتحول إلى أداة للحشد والتعبئة، هي أقرب إلى المنصة التي يقف عليها الحزبي، ويقف عليها الموالي للقصر والمعارض له.
ووفقا لطاهات فقد حدث في يوم واحد خلال الانتخابات الأخيرة ستون صداما بين الشرطة وبين جموع الناخبين التي قدر أعدادها بحوالي مائة ألف شخص، والستون صداما قادوها العشائر، وصاحب الصدامات خطاب سياسي مستنير ومتقدم، وهو ما عجزت عنه الأحزاب على مدى الستين سنة الماضية، ويضيف الطاهات قائلا: "لم تكن الأحزاب قادرة على التصدي للتزوير، ففي عام 2007 حدث تزوير بشع للانتخابات، لكن هذه المرة تمكنت العشائر من تحشيد كل هذه الأعداد للتصدي لعمليات التزوير، هذه الحقائق أرجو أن يتم التوقف عندها لمراجعة فرضيات قد لا تكون صحيحة، ربما كانت هذه الفرضيات صحيحة في السابق ولكنها لم تعد صحيحة الآن، ولم تعد تعبر عن الدينامكية الاجتماعية والسياسية في الأردن".
الملكية الدستورية
ويرى الطاهات أن هناك كتل عشائرية ضخمة في الأردن تحولت إلى المعارضة، وأنها تتخذ موقفا نقديا من الملك والقصر، وهذه الكتل كان من غير المفكر به أن تتخذ أي موقف باستثناء الولاء الكامل للنظام وللقصر، والسبب في ذلك وفقا للطاهات وهو وجود تغير حقيقي في طبيعة النظام، كما انه اعتمد سياسات في السنوات العشر الأخيرة تهمش هذه الكتل سياسيا واقتصاديا، كما تأخذ الجزء الأهم من نصيبهم في الثروة وتمنحه لجماعات تم استقدامها من الخارج، سلم لها السلطة والموارد، بالرغم من أنه ليس لهم جذور في المجتمع الأردني، لا مدينية ولا بدوية ولا فلاحية، في السابق كانت هناك كتل مدينية في حالة صدام مع سلوك الفساد، ومؤخرا بدأت الكتل العشائرية اكتشاف ما يجري من فساد، وبدأت بالتعبير عن نفسها بمواقف احتجاجية، ويضرب الطاهات مثلا قائلا إن مبادرة الملكية الدستورية التي ظهرت منذ عامين، بدأت في جزءها الأكثر زخما في مقرات بدوية وعشائرية، ومازال القائمون عليها بجلهم من أبناء هذه العشائر