2. أول ما ننصح به الأعضاء الكرام هو السعي لتغيير الصورة الذهنية لهذا المجلس في نفوس السوريين؛ فمجلس الشعب هذا يحمل إرثاً قذراً، وله في ذاكرة السوريين سمعة سيئة، فقد كان مجلساً للتكسّب والفساد، والتمجيد والتصفيق، فضلاً عن دوره في سنّ القوانين التي تحقق مصالح النظام والمنتفعين من وجوده.. أما اليوم فالمعوّل على الأعضاء الصالحين الأكفاء أن يجعلوه مركز إشعاع يحقق مصالح أبناء البلد قبل كل شيء، ويضبط مسيرة البناء بإطار الشريعة الإسلامية والقوانين المرعية، ويسن القوانين والتشريعات التي من شأنها حفظ الضروريات وتحقيق الحاجات بما يحفظ على الناس دينهم ومعاشهم، ويضبط أداء الحكومة، ويكون رقيباً أميناً على أداء أجهزة الدولة.. وعلى هذا فالاقتصاد في مظاهر الفرح والتركيز على اليوم التالي للانتخابات أولى، وفي هذا السياق لا بد أن ينتبه كل عضو لتوفر الشفافية والنزاهة في سلوكه ومناشطه.
3. من أكثر ما أسعد السوريين في نتائج الانتخابات، هو وصول عدد كبير من الثوريين إلى قبة البرلمان، فهذا أجدر بالحفاظ على مكتسبات الثورة السورية، وأجدى في إعادة صياغة المشهد السياسي والتشريعي في البلاد وفق مبادئ الثورة وأهدافها.. لكنه في الوقت نفسه يحمّل الإخوة الأعضاء مسؤوليةً عظيمةً في ترسيخ قيم الثورة وتحويلها إلى تشريعات وسياسات حكومية تنعكس في واقع الناس عدلاً وحريةً وكرامة.
4. لقد ورث الأعضاء الجدد إرثاً ثقيلاً في هذا المجلس، وأقبلوا على مهام جسيمة ومسؤوليات متزاحمة، والحال هذه فإنه لا غنى لأعضاء المجلس عن التركيز على عظائم الأمور وكبرى القضايا، ولا بد لهم من إدراك الأولويات وترتيبها الأهم فالمهم، وتحصيل المصالح من الأكبر إلى الأصغر، ودفع المفاسد من الأشد إلى الأخف.. وهذا يقتضي بصيرةً في الواقع، وفهماً في علوم الشريعة والسياسة، وبراعةً في علاج علل التشريع، ويقتضي إلى جانب ذلك الاستعانة بالعلماء العاملين، ومكاشفةً وشفافيةً مع الناس.
5. إن أخشى ما نخشاه على ممثلينا في مجلس الشعب أن تتسلّل فتنة السلطة إلى نفوسهم، فتضيع -مع الوقت- البوصلة وينحرف المسار، وتصبح المظاهر والبروتوكولات أو الروتين والإجراءات مسيطراً على الأداء الفردي والجماعي للمجلس. سيكون الأعضاء في المرحلة المقبلة تحت المجهر الشعبي، وقد يؤدي إلف المنصب إلى الوقوع في مطبّات ربما يصنّفها الناس في سياق سوء استغلال المنصب، وهذا تحدٍ أمام كل عضو مع ذاته؛ كيف يحافظ على سموّه الأخلاقي ونُبله النفسي ولا يفقد توازنه ووقاره أمام سطوة السلطة وريحها الجارفة؟ وإن سيرة هؤلاء الكرام تجعلنا نحسن الظن بهم أنّهم سيراعون هذه المسائل ويلينوا بأيدي الناس ويتواضعوا لهم ويقدّموا مصالحهم، ولكنها الذكرى..
6. إرضاءُ الناس ليس سهلاً وصبرُ العامة قليل، ومع ذلك فلا تستثقلوا نصح الناس وملاحظاتهم، واصبروا على جلافة صاحب الحاجة وقسوة المضطر، وكما إن من واجبكم الرفق بالناس والسعي لتحقيق مصالحهم، فإن واجب المجتمع من حولكم مؤازرتكم وإعانتكم لتحقيق برامجكم.. لذا ركّزوا على مراعاة المصلحة وتقديم الأهم إلى جانب تأسيس الوعي وبناء التشريعات، فمحصلة ذلك مرضاة الله ومآله رضا الناس.
7. العمل ضمن منظومة الدولة كثيراً ما يصبغ صاحبه بالرتابة، فتصبح الإجراءات الإدارية مقيّدة لمرونة الإنجاز، ومؤخِّرة لسرعة التغيير، وربما استهلك الجانب الإجرائي بعد حينٍ رصيدكم في الاندفاع للعمل والفاعلية للتأثير، لكثرة الاجتماعات والروتينيات والبروتوكولات على حساب ما يُنتظر منكم من الإنجازات. وهذا لا يعني إغفال الجانب الإداري والتنظيمي في العمل، ولكنه يعني عدم الاستسلام لرتابة الأعمال على حساب فاعلية الإنجاز وسرعته وجودته.
8. الفوز بالانتخابات بلا شك قد استند إلى السمعة الشخصية بالدرجة الأولى، فالفائزون في معظمهم من أصحاب السمعة الحسنة والأوزان الاجتماعية والعلاقات القوية، لكن الفائز استفاد أيضاً من قلة المزاحمة؛ فكثيرٌ من النخب وأصحاب الكفاءة كان يمكن أن ينافسوا الفائزين في الترشّح لكنهم اختاروا دعم الفائزين والوقوف خلفهم، وعياً منهم وإفساحاً للطريق وتركيزاً على الهدف.. وهذا يقتضي أن يوسّع الفائز -خلال رحلته التشريعية- دائرة المشورة والاستئناس، ويقوّي موقعه وموقفه بأهل الكفاءة والمكانة، ويستمع لأصحاب الاختصاص والتأثير والرؤى السياسية، حتى وإن خالفت برنامجه!
9. حريّ بكل عضو في مجلس الشعب أن يشكّل لنفسه فريقاً يعينه على إدارة وقته وضبط أدائه، يرتبون له جولاته الميدانية، ويصنّفون معه ملفات البرلمان، وينبهونه إلى مكامن الخطر أو الزلل، ويكونون عينه الباصرة لنبض الشارع وحديث الناس. وفي الحديث: "إذا أراد الله بأميرٍ خيراً يسّر له بطانةَ خير تدله على الخير وتأمره به، إذا نسي ذكّرته، وإذا ذكر أعانته، وأما إذا أراد به غير ذلك يسّر له بطانة شرّ، إن نسي لم تذكّره، وإن ذكر لم تعنه".
10. النية الخالصة أساس التوفيق، والعون الحقيقي من الله تعالى، ومن كانت نيته لله خالصة يسّر له أسباب السداد والرشاد، وبالنية المخلصة والعزيمة الصادقة والخطة الصالحة تُستكمل ثلاثية النجاح بإذن الله.
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى
فأولُ ما يجني عليه اجتهادُه
أخيراً؛ نسأل الله للسادة الأعضاء في مجلس الشعب السوري التسديد والتوفيق..
ياسر محمد القادري
11-10-2025


الصفحات
سياسة








