وتستعد تونس لدخول مرحلة انتقالية ثالثة بعد تعهد حكومة علي العريض بالاستقالة وفسح المجال لخامس حكومة منذ الإطاحة لنظام بن علي لتولي المرحلة القادمة.
ومن المنتظر أن يعلن رئيس الحكومة الجديد مهدي جمعة عن فريقه الوزاري الذي سيقود المرحلة الانتقالية خلال أيام قليلة، ويرى الملاحظون أن مهمة جمعة صعبة جداً لصعوبة هذه المرحلة الانتقالية وتميزها على بقية المراحل سابقا ولاحقا، فهي محطة لتهدئة الأوضاع الإجتماعية والخروج من الأزمة الاقتصادية والأهم هو مكافحة الارهاب والتأسيس للانتخابات والدخول لمرحلة
أما المجلس الوطني التأسيسي الذي ضرب موعدا مع الشعب التونسي يوم الرابع عشر من يناير الانتهاء من الدستور، فقد تعذر عليه ذلك .
في قراءة للأوضاع التونسية يقول المؤرخ الدكتور عادل لطيفي : "يعيش التونسيون هذه الأيام على وقع إحياء الذكرى الثالثة لسقوط سلطة بن علي وذلك على وقع الكثير من الاستياء من الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي آلت إليه البلاد وبقليل من التفاؤل بالمستقبل بالرغم من الانتقال الحكومي المرتقب تسارع وتيرة عمل المجلس التأسيسي في مجال صياغة الدستور.
وقد أدى هذا الجو المشوب بالخوف وبعدم الثقة في ما سيأتي إلى العودة إلى التشكيك في ختى في إمكاني حصول ثورة في تونس".
ويؤكد الدكتور لطيفي ذلك بأن جانب كبير من الفاعلين الاجتماعيين العاديين يرددون تلك الفكرة كتعبير عن التذمر من وطأة واقع اقتصادي واجتماعي وأمني ما انفك يتأزم.
مضيفا بالقول : "هذا ليس موقفا سياسيا بل هو رد فعل عفوي من باب الواقعية الاجتماعية لأن الفاعلين الاجتماعيين الأقل حديثا يحكمون على الواقع من منطلق تأثيراته المباشرة على حياتهم اليومية المعيشية لا غير. كما يردد هذه الفكرة البعض ممن كان مرتبطا بشكل مباشر أو غير مباشر بالنظام القديم ومن مصلحته التشكيك في الفاعلين السياسيين الحاليين عن طريق عم مؤامرة حيكت ضد النظام السابق الغرب والله يعين أهل هذا الرأي على تحمل صبيانيته.
أما الطرف الثالث الذي ينفي الثورة فهم أصحاب القراءة الإيديولوجية خاصة من بعض الأطراف اليسارية التي لم تخرج عن أرثوذوكسيتها لأنها لم تجد في نمط الثورة التونسية ذاك النموذج النظري الذي تم رسمه".
ومن وجهة نظره التاريخية وبعيدا عن هذه الانفعالية السياسية والإيديولوجية يرى عادل لطيفي ان ما حدث في تونس هو ثورة لأنه لأول مرة في تاريخ تونس المعاصر يتخلص المجتمع من سطوة الدولة.
وفي قراءته السوسيولوجية يوضح أن الثورة تجسدت في ذلك التجانس الاجتماعي الذي تكون على قاعدة رفض حكم بن علي والذي شمل في الأيام الأخيرة تقريبا كل فئات المجتمع.
ويزيد الدكتور لطيفي : "هذا التجانس الثوري لا يفسر بالمؤامرة أو بغيره بل بعوامل التراكم التاريخي والاجتماعي.
ثم هي ثورة بالمعنى السياسي بالنظر إلى الحرية التي أصبح يتمتع بها التونسيون خاصة في علاقتهم بالشأن السياسي والتي لا تكاد تقارن اليوم في العالم العربي."
حول الوضع السياسي التونسي المتحول يؤكد المؤرخ لطيفي أن التونسيين يحيون هذه الذكرى وهم منقسمون بين انسداد الأفق السياسي وبين أمل فتح أبوابه رباعي المجتمع المدني الراعي للحوار الوطني.
مبينا على حد قوله : "لقد وصلت الأزمة السياسية ذروتها بعد اغتيال النائب محمد البراهمي عندما تبين أن كل المرحلة الانتقالية مهددة بسبب فشل الحكومة في مقاومة الإرهاب وخاصة بسبب الشلل الاقتصادي. فقد تاه المسار داخل المجلس التأسيسي نتيجة هيمنة عقلية الأغلبية والاعتماد على شرعية تهرأت قانونا وأخلاقا وأداء.
لكن المسار الذي أفضى إليه الحوار الوطني يبشر في الحقيقة بكل خير ليس فقط على مستوى النتائج التي وصل إليها بل كذلك من حيث رمزيته. فعلى مستوى النتائج نلاحظ أن الحوار الوطني قد حول الثقل السياسي من المجلس التأسيسي إلى قاعة الحوار مما ساهم في تحييد الأغلبية التي كانت فاعلة. ومن جهة ثانية ساهم الحوار في تحول مهم من منطق الأغلبية إلى منطق التوافق. أما على المستوى الرمزي فهذه التجربة التونسية في الحوار يشهد لها باعتبار أنها كشفت عن حيوية المجتمع المدني الذي استطاع عبر منظمات تاريخية أن يعدل الحياة السياسية عندما تنسد أبواب التواصل بين الأحزاب.
بقي أن مصير الحوار ومن ورائه ربما كل المرحلة الانتقالية سيبقى رهين مدى نجاح الحكومة الجديدة في الإعداد لانتخابات حرة ونزيهة"

ويبقى الوضع الاجتماعي المتردي يطرح أكثر من سؤال على الحكومة الانتقالية القادة ويصف الدكتور عادل لطيفي الأوضاع الاجتماعية بالمعضلة الكبيرة مضيفا : "المسألة الاجتماعية في تونس سواء من حيث الوضع العام أو من حيث مصير المطالب التي كانت قد رفعتها الثورة. فالوضع العام تميز وللأسف بزيادة التهميش وتوقف عجلة التنمية والنمو بسبب تعطل الوضع الاقتصادي.
حيث ارتفعت الأسعار بشكل لا يطاق في ظل انخرام أمني لم يمكن من استعادة الاستثمار لعافيته. كما لا ننسى بأن استعادة التنمية لم تمثل أولوية سياسية للحكومة الانتقالية بسبب انغماسها في السيطرة على دواليب الدولة ومحاربة خصومها السياسيين. ربما نضيف غلى ذلك غياب سياسة اتصالية ناجعة من طرف الحكومة لنفهم ما حصل في الجهات الداخلية مؤخرا من احتجاجات وصلت حدا من التهور بحرق المقرات الأمنية والمؤسسات العمومية. هذه التحركات تبين أن الثورة لم تتمكن من طمأنة التونسيين عن إمكانية تحسين وضعهم الاجتماعي. قد نضيف إلى ذلك أن العمل السياسي متركز في العاصمة وبعض المدن الكبرى في حين تبقى المناطق الداخلية أقل حركية وبالتالي أقل تأطير للشارع".
ويستخلص لطيفي في النهاية الى أنه في ظل هذه المعطيات يرى أن التجربة الانتقالية في تونس تسير بخطى بطيئة لكنها ثابتة بالرغم من التجاذبات والاختلافات.