نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي


جهاديو الحاضر كجهاديي الأمس... أحلامهم كوابيس





ما الذي يدفع رجلاً وُلد ونشأ في بريطانيا، في بداية العقد الخامس من العمر، أباً لثلاثة أولاد، لأبوين باكستانيي الأصل هاجرا إلى بريطانيا منتصف القرن العشـرين، إلى قيادة شاحنـة محمّلة متفجرات في عملية انتحارية فجرّت بوابة سجن مركزي في سـورية؟ هذا ما فعله عبـدالـوحـيد مجـيد، البريطاني العاشر الذي يسـقط في حقول القتل السورية حتى الآن، لسـجن حلب في السادس من شباط (فبراير) الماضـي. مجيد الذي عُرف باسمه الجهادي «أبو سـليمان البـريطـاني»، كان رجلاً عادياً جداً قبل موته التراجيدي، يعـمل مهندساً لدى وكالة تزفيت الأوتـوســترادات ويقـطــن حياً هادئاً (اسمـه شارع الشهداء) في ضاحـية «كراولي» «غرب ساسيكس» المعروفة بحدائـقها الغنّاء وأشجارها الوارفة وبيئتها المسالمة. «أبو سليمان» التحق بتنظيم «جبهة النصرة» أثناء وجوده في شمال سورية التي انتقل اليها في تموز (يوليو) الماضي، للمساعدة في الـعمل الخيري لمصـلحة اللاجئين السوريين.


 
حالة تطرح في آن أسئلة محيّرة للحكومة والمجتمع البريطانيين وغيرهما، حيث يضاعف مقتل مجيد قلقاً يتراكم يوماً بعد آخر إزاء أزمة تتراكم أيضاً، ليس في بريطانيا فحسب، بل في مجتمعات أخرى أوروبية. فللمرة الأولى منذ نصف قرن تقريباً، تواجه أوروبا أساساً تهديدات إرهابية معقدة كانت كامنة لفترة في عواصمها الرئيسة. فعندما يسمع المرء مثلاً كيف أن مراهقين، مثل ابنتي السابعة عشرة اللتين اعتقلتا في مطار هيثرو في كانون الثاني (يناير) الماضي وفي حوزتهما كميات كبيرة من المال، كانتا تنقلانها إلى جهاديين في سورية عبر تركيا، فإنه يتوقف عند هذه الحالة التي تسبب ذعراً لا حدود له في تلك المجتمعات. إذ باتت مراكز البحث في لندن وباريس وبروكسيل وغيرها من العواصم الأوروبية، المتخصصة في شؤون الإرهاب، مهتمة بعمق بتفاصيل نشاطات إرهابية في أوروبا مهما كانت صغيرة مثل حادث مطار هيثرو. فهي ترى في ذلك الحادث مجرد حبكة واحدة في شبكة كبرى من العلاقات الغامضة عبر القارات. فعدد الجهاديين في سورية تضاعف مرات في النصف الثاني من 2013 نتيجة انضمام جهاديي أوروبا إلى حقول القتل.
والسائد الآن أن هناك حوالى 8000 جهادي في سورية، حوالى 2000 منهم جاؤوا من غرب أوروبا، لا سيما فرنسا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا وهولندا. وهناك آخرون ولكن بأعداد أقل جاؤوا من الدنمارك والنروج. المسؤولون في لندن يعتقدون بوجود 200 من مواطنيهم بين الجهاديين، في حين يعتقد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بأن جهاديي بلاده في سورية يصلون إلى 700. معظم جهاديي أوروبا من المراهقين ولا تتحدر غالبيتهم بالضرورة من أصول إسلامية باكستانية أو شمال إفريقية، بل ظهر بينهم من اعتنق الدين الاسلامي. مع هذا يجمعهم هدف واحد مرعب وهم في طريقهم إلى سورية، ألا وهو: الشهادة.
القلق الأكبر في الغرب ليس من عدد شبّان جهاديي أوروبا المتزايد المتوجهين إلى سورية، بل يكمن في عدد العائدين منهم إلى بلادهم ومجتمعاتهم وأسرهم بعد بضعة أشهر يمضونها في حقول القتل. فاحتمال المشاركة هؤلاء في عمليات إرهابية ليس بعيداً أو لن يكون غريباً لدى حدوثه. وهذا يعني أن على كل من يعتقد في أوروبا بأن بلاده بعيدة من التأثر بأزمة سورية، أن يعيد النظر بسرعة في هذا الأمر. فقد عُرض أخيراً فيلم على «يو-تيوب» ظهر فيه مراهق بلجيكي اعتنق الاسلام قبل أشهر، يدعى براين دي مولدر، يستعرض «إنجازاته» في حياته الجديدة في أحد مخيمات الجهاديين الإرهابية في سورية، وكيف أنه سينقل هذه التجربة إلى بلاده.
نزوح هؤلاء الشبان من أوروبا باتجاه حقول القتل والإرهاب في سورية، يعيد إلى أذهان بعضنا ممن عاصروا نزوحاً آخر، ليس غريباً كثيراً عن النزوح الراهن، لأوروبيين باتجاه منطقتنا أواخر السـتينـات وخـلال الـسبعينات من القرن العـشـرين. الوجهة المفضلة لهؤلاء كانت الأردن أو لبنان أو سورية وبدرجة أقل العراق. النـزوح الأوروبـي والغربي من إيـطاليـا وفرنسا واليابان وألمانيا الغربية (تسمية فترة الحرب الباردة) نحو مناطق الأزمة في الشرق الأوسط، كان في طبيعته مختلفاً بعض الشيء من ناحية القِيَم، لكنه لا يختلف كثيراً عن أهداف الجهاديين المعاصرين وأحلامهم وسبلهم. فمعظم هؤلاء كانوا من المتمردين على تنظيماتهم الشيوعية واليسارية، ووجدوا في أسلوب التطرف الجهادي المضمون، السبيل لتحقيق الأهداف.
هؤلاء كانوا ينتمون إلى تنظيمات سريّة وغامضة النشأة، لكنها تخريبية، من النوع الجهادي كـ «الكتيبة الحمراء» في إيطاليا و «الجيش الأحمر» في اليابان و «المقاومة المسلحة للثورة البروليتارية» في ألمانيا الغربية، والمشهورة باسم «بادر-ماينهوف» نسبة الى اسمي مؤسّسَيْها. هؤلاء جميعاً حلّوا ضيوفاًَ في إطار ما سمّي «التضامن الثوري ضد الإمبريالية العالمية» في مخيمات تدريب تابعة لحركات أعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية، بينها الجبهتان الشعبية والديموقراطية لتحرير فلسطين وحركة «فتح». أولريكا ماينهوف وأندرياس بادر أعلنا عن تنظيمهما عام 1970 ووصفاه بأنه «حركة شيوعية ضد الامبريالية لخوض حرب عصابات في المدن». وقامت هذه الحركة بعدد من العمليات الإرهابية والسطو على مصارف قبل اعتقالهما وصدور حكم بسجنهما. كلاهما انتحر في السجن عام 1977.
هناك أيـضاً اليابانية فوساكو شيغينوبو التي «أسست» الجيش الأحمر الياباني مطلع 1971 بمساعدة مباشرة من «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» التي نفذت من خلال الامتداد الياباني عمليات إرهابية في المنطقة واليابان. وكان أكثر تلك العمليات شهرة، الهجوم على مطار اللد (بن غوريون الآن) عام 1972. كذلك هناك عسكر «الكتيبة الحمراء» الإيطالية التي زرعت اسماً لها من خلال عملياتها الارهابية الجريئة، وآخرها خطف رئيس وزراء إيطاليا السابق آلدو مورو ووضعه في صندوق سيارة مدة طويلة وقتله لاحقاً في 1978. هذا التنظيم نفذ في تاريخه الطويل والدموي نحو 14000 عملية عنفية مختلفة الأحجام، بينها عمليات سطو.
إرهـابـيـو «الـحرب الـباردة» في الـقرن الـعـشرين لا يخـتلفون كـثـيراً عن إرهـابيي العصر: أحـلامـهم كوابيس.
------------------
الحياة

مصطفى كركوتي
الاحد 23 مارس 2014