تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

المسار التفاوضي بين الحكومة السورية وقسد.. إلى أين؟

01/10/2025 - العقيد عبدالجبار العكيدي

أعيدوا لنا العلم

18/09/2025 - أحمد أبازيد

عودة روسية قوية إلى سوريا

17/09/2025 - بكر صدقي

لعبة إسرائيل في سوريا

10/09/2025 - غازي العريضي

من التهميش إلى الفاشية

10/09/2025 - انس حمدون

الوطنية السورية وبدائلها

04/09/2025 - ياسين الحاج صالح


زحام وظلام وامتزاج لرائحة التاريخ العتيقة مع رائحة اللبان في سوق مطرح العماني




مسقط - عاصم الشيدي - على الجانب الأيمن من الطريق البحري حيث يربض البحر مستكينا ببعده الأسطوري وانت تتجه إلى مدينة مسقط القديمة التي اتخذت العاصمة اسمها منها وتحت ظلال قلاع مطرح التي ما زالت جدرانها تحكى قصص البطولات العمانية في سنوات الحرب تقبع سوق قديمة ما زالت تشهر وجهها للبحر في تحد واضح ، وتفوح من بين جنباتها رائحة لتاريخ ضارب في القدم. وبعيدا عن نتائح التحدي بين السوق والبحر فقد نشأت ألفة بينهما على مر السنين وصارت السوق بدون البحر لا معنى لها وكذلك بحر مطرح بدون سوقه


زوار من كافة الجنسيات يرتادون السوق يوميا
زوار من كافة الجنسيات يرتادون السوق يوميا
و" سوق مطرح" نموذج للاسواق الشرقية القديمة إذ يتميز بممراته الضيقة والمتعرجة والمسقوفة بالخشب أو الحجارة، وترتفع الحوانيت التي تتوزع على جانبي الازقة عن الارض بدرجات صغيرة، وعادة ما تكون لها ابواب خشبية. وللسوق تسمية أخرى معروفة بين اهل البلد وهي سوق الظلام، ويرجع السبب لاطلاق هذه التسمية على سوق مطرح لكثرة الأزقة والسكك التي كانت تصطف عليها المتاجر، بحيث تحجب عن هذه الأزقة أشعة الشمس خلال النهار وتتضاعف العتمة في الأيام الغائمة فيحتاج حينهـا السائر إلى ضوء مصباح لكي يحدد خطواته.

ويطلق بالتحديد تسمية سوق الظلام على الجزء الذي يمتد من مسجد اللواتيـا إلى خور بمبة، وفيه بالفعل دكاكـين مكتظة بحيث لا تترك المساحة الضيقة للأزقـة والسكك بداخله فرصة لدخول ضوء الشمس، وهناك تسمية أخرى لهذا السوق بشقيه الغربي والشرقي التي تفصل بينهمـا فتحـة خور بمبة، وهي السوق الصغير والسوق الكبير، وسوق الظلام هو السوق الصغير، أما السوق الكبير فهو سوق الجملة.

ويجذب الزائر إلى السوق بعدها وعمقها التاريخي، وحاضرها الجميل، فالسوق أساخ السمع لسنوات طويلة لحكايات البحارة الذين يجوبون شواطئ أفريقيا وأسيا والصين، وصولا إلى أمريكا.

أما البعد الجمالي الذي يتميز به السوق، فلم يفقده رغم الترميم الذي حرصت بلدية مسقط أن يكون امتدادا لجماليات السوق القديمة. رغم ما تعرضت له السوق من تغيرات زمنية وأخرى طبيعية منها الحرائق لأن السوق مغلقة وأي تماس كهربائي قادر على أن يشعل عشرات المحلات الصغيرة المكدسة ببضائع قابلة للاشتعال خلال ساعة واحدة. يضاف الى ذلك أنه في مواسم الأمطار يفيض البحر بمياهه ليغرق مداخل السوق فتتجول المياه بحرية في كل الممرات، كما أن بعض الأودية بإمكانها أن تقتحم السوق في سنوات الخصب والأمطار

ولا يخفى على زائر سوق مطرح أو سوق الظلام تلك النقوش الجميلة التي زين بها سقوف السوق، والأحجار الصغيرة المصفوفة بعناية، بينما السقف يبدو لوحة موزاييك طويلة أخذت من التراث العماني ملامحها، فيما أعطت السوق بعدا فنيا إضافة إلى بعده الإقتصادي، الأمر الذي يجد معه الزائر الغربي مساحة للوقوف على جماليات الأسواق الشرقية.

ورغم أن سكك ومداخل السوق ضيقة لكنها كثيرة ومتعددة، لكن عندما يكون الحديث عن بوابتي السوق فيقصد بهما الواجهتان الأولى المواجهة للبحر، والثانية من الطرف الداخلي لمطرح. ويستطيع أن يجلس زائر السوق عند مدخل البوابة المواجهة للبحر ليستمتع ببعض فناجين القهوة التي يوزعها مقهوي السوق الذي يجول بإبريق أسفله موقد جمر. وتوجد مصطبة على جهة اليسار عند دخول السوق تباع بجانبها أيضا بعض الفواكه العمانية.

والسير بين ردهات وأزقة السوق لها متعة لا تتكرر، فالزائر يتماس مع خليط غرائبي ربما من مختلف الروائح، سواء كانت روائح بشرية أو روائح عطور وبخور عماني، في مقدمته اللبان الذي يعتقد العمانيون أنه بخور ملائكي.

ولن يعود الزائر من السوق دون أن يأخذ ولو قليلا من الحلوى العمانية، وكثيرا من الفضيات والحلي النسائية التي تعود إلى سنوات بعيدة في التاريخ.

ومتى ما قررت زيارة سوق مطرح تجده مكتظا بالزوار، خاصة الأوروبيين، إلا أن العمانيين وخاصة كبار السن تربطهم بالسوق علاقة أكبر من كونها حميمية، إنها علاقة الكل بالجزء كما يقول عقيل اللواتيا (65) عاما.

وكل ما يحتاجه الزائر من سوق تقليدي يجده بسهولة ويسر بدءا بالملابس وليس انتهاء بالفضيات وأصناف الأسلحة التقليدية العمانية، والحلي النسائية التي انقرضت منذ عقود كثيرة لكنها ما زالت موجودة في السوق تبث رائحة سنوات ماضية.

ويقول سليم البلوشي إن السوق تشهد تغيرا جذريا خلال السنوات الماضية، كانت السوق في الماضي تقتصر على نوعية معينة من البضاعة الآن هناك تغيير كامل حيث دخلت أصناف لم تكن موجودة بالسوق

إلا أنه يقول أن ما يلاحظ على السوق الآن وجود تجار أسيويين فيما كان العمانيون وحدهم من يبيعون في السوق، إذا ما اعتبرنا أن البانيان هم جزء من نسيج السوق منذ وقت مبكر.

تقول الهولندية هيلكن وهي تحمل في يدها مجموعة من الفضيات اشترتها من السوق " لا أصدق .. امر مذهل للغاية، ثمة جمال كبير في هذا السوق، أعتقد أنه يستحق أن يكون من بين أجمل الأسواق التقليدية في العالم".

وكانت جميع المدن العمانية في الداخل والساحل تأخذ بضائعها من سوق مطرح حيث كان سوق الجملة الوحيد، خاصة وأنه يتمدد بالقرب من الميناء.

وفيما كان الإماراتي سلطان الكتبي يحمل بعضا الأقمشة كان يبتسم وهو يقول " نفخر في الخليج أن يكون هناك سوق بهذه العراقة .. أكاد أشم رائحة التاريخ وأسمع صوته وأنا أسير بهدوء شاقا الزحام في السوق .. المر ممتع جدا".

وتبذل بلدية مسقط جهودا كبيرة من أجل إبقاء السوق على حال أقرب إلى وضعها القديم، دون المساس حتى بالتفاصيل الصغيرة التي يشكل وجودها عمق السوق وجماله.

وقد تم بناء السلالم بشكل منظم أمام المحلات بأشكال هندسية تستلهم الشكل القديم، بالإضافة إلى تنسيق شكل ولون واجهات المحلات التجارية ومواد البناء المستخدمة، وكذلك توحيد لوحات المتاجر من حيث الأبعـاد والبروز والشكل، وكذلك قامت البلدية بإعـادة تصميم مداخل السوق عـلى شكل أقواس عـمانية وتوحيد المنظر العـام لهـا.

تقول خلود الشمري وهي سائحة من المملكة العربية السعودية، إنها " أحسست بحنين التاريخ، وجماله، وأنا أسير في ردهات السوق، لكن ما أزعجني أن الكثير من المحلات إن لم يكن أغلبها تحتلها العمالة الوافدة الأمر الذي ربما يفقد السوق بعضا من خصوصيته العمانية". وهو أمر يشاركها فيه زوجها البحريني، نواف سليمان الذي يرى "أن السوق واجهة حضارية لا بد أن تستثمر، من خلال المفردات التي نعتقد أنها بسيطة لكن السائح الغربي يقرأ فيها تفاصيل لا ندركها نحن مباشرة".

ومن حسن حظ السوق أو من حسن حظ رواده ربما أنه يقع وجها لوجه للطريق البحري الذي يشكل بتصاميمه الفريدة واجهة يحرص السياح على زيارتها، فيكتمل المشهد بين السوق والكورنيش

وحتى لو أطلق على سوق مطرح «سوق الظلام» فسيبقى علامة بارزة في سجل التاريخي الحضاري العماني كما يحرص العمانيون أن يسجلوا ذلك في سجلات زيارتهم للسوق، أو وهم يتحدثون عنه أمام السياح، فهم يرون أن الجزء الذي كان يسمى سوق الظلام والذي أخذ السوق تسميته منه أصبح منيرا أكثر مما ينبغي لردهة ضيقة في سوق

عاصم الشيدي
الاربعاء 13 أكتوبر 2010