المفاجأة والاختيار ممنوعان في نظام الأسد، وحتى الأعلام التي تنتشر في أوقات المباريات الدولية لمختلف المنتخبات العالمية كنوع من الانتماء لمنتخب ما تخضع للرقابة، وقد يُقبل وضع علم إيران في كأس آسيا كتعبير عن التعاطف مع المنتخب الإيراني، إلا أن العلم السعودي قد يثير فضيحة لدى العائلة التي يُعلق أحد أبنائها العلم المذكور على شرفة منزله، وسيتهم بالإرهاب دون شك.
لا يُنتج الرمز من مخيلة مجردة، الرمز كائن حي، يَلدُ في أوج التناقضات وفي أقصى إرهاصات الواقع، خاصة عندما يخضع الرمز لعملية مُركبة في عمليات إنشاءه واستخلاصه.
مع تزايد"الفيتويات" الروسية وانفلات عنفوان الموالاة إلى حدٍ تحول فيه الشعور العاطفي الوجداني يميل إلى نحو عصبة طائفية منغلقة، بدا السلوك السياسي الرمزي منه والمادي يتحول إلى استبطان العنف والتماهي مع كل أشكاله، وبعيداً عن العنف والتعنيف، بدا على المولاة احتياجهم لأبعاد سياسية أكثر عمقاً وقوة، فبعد سيل التعبيرات المعتادة عن حزب الله وإدعاء افتدائه بالدم والروح، دخل إلى المستطيلات اللفظة للموالاة الساحلية شعار جديد" نفديكِ يا بوتين"، يتم رفع الشعار هذا بِلا أي دهشة أو تفكير بالفعل بصفته ترميزاً ساذجاً لا يُمكن تحقيقه على الواقع حتى لو حرق موالٍ نفسه أمام صور بوتين ذاتها.
لربما التضخم الذاتي للأسد الذي سارع لتأييد"البوتينية التدخلية" في أوكرانيا وكأن تأييده نقطة علام على الساحة الدولية، انعكس مباشرة على مواليه فيتحول بوتين إلى رمز، تقوم نحوه الواجبات التقليدية للعبادة والفداء، هنا تشوب الموالين حالة تقليدية ذلك في عبادة التسلط والطغيان والاستعلاء التي لطالما كانت من صفات زعيمهم الفاشي.
يندرج تحت هذا مثلاً تعظيم القيادة الكورية الشمالية، فالتلفزيون السوري يُقدمها كنموذج تاريخي لمعاداة الإمبريالية التي يُعاديها الأسد أيضاً، لكن هنا لا يُعمم النظام كل الرموز التي يحبذ وجودها التاريخي، إلا أن الموقف الروسي يبدو مُخجلاً، ويحتاجُ إصباغ صفات مثل"الشريك،الحليف"..إلخ.
ولأن النظام لا يقود عمليات تعبئة سياسية ذات نسق مُنظم أو فاعل، فيكتفي ومجتمعه الأقرب بإلحاق أي سيد سواء كان إيراني أو روسي بمستطيل العبادة والتعظيم، وتتحول حياة المجتمعات الموالية إلى مجرد تظاهرات مشابهة لما يُعامل به الرئيس، اتجاه أي مُتسلط يكرسه النظام على أنه حليف ويدعي رئيسه بسذاجة مُطلقة وقوفه إلى جانبه وتأييد بِلاده الشبه محروقة له، بوتين يوماً بعد يوم سيتحول إلى شخصية خالدة، مقدسة فأحد رجال الدين المسيحيين لا ينكفئ عن الدعاء له وتعظيم دوره سورياً، لا بل يتحدث عن دعم الكنيسة الروسية والتي في الحقيقة لم تقدم أي مساعدة للسوريين، والمسيحيون الأرثوذكس لم يُقدم لهم أي مساعدة إنسانية من قِبل روسيا التي تُحسب إعلامياً كبوصلة لمسيحي الشرق الأرثوذكس.
--------------
أورينت نت -
ورفضت روسيا استقبال الآلاف من المتقدمين للسفر أليها، على المقلب الآخر بدا لبوتين حساب أهم ومتعاظم لدى العلويين الذين اصطحبوا صور بوتين إلى واجهة البيوت، مما جعل أصحاب المكتبات يطبعون آلاف الصور لبوتين تحضيراً لبيعها، وإن طال الحدث الأوكراني قد يلجأ بوتين لتصوير مناطق في مدينة اللاذقية عوضاً عن روسيا الاتحادية ليُثبت مدى شرعية فعله بأوكرانيا، خاصة أن الحديث عن بوتين أصبح يُشبه الحديث عن الأسد أي أن بوتين يتعرض لمؤامرة وصون أخلاقيته وتصرفاته واجب فهي من تصرفات المعصومين، أي سائق تكسي عادي، أو صاحب بسطة على الشارع قد يؤذيك إن شتمت بوتين.
في مدينة اللاذقية قد يُصبح بوتين ولياً دينياً، هذا ما استشرفهُ مُبكراً الكثير من الثوار. "بو علي بتوين" ليس نكتة يومية تفرضها الأحوال، بل هي دلالة مُكتملة الأوجه لمرض بعض السوريين والأقليات خاصة، بسياقات العُنف المنتشرة في عالمٍ يبدو فيه للطغاة حيزاً واسعاً.