نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


قصيدة النثر: كتلة أم سطر؟







جيريمي نويل ــ تود محاضر في مدرسة الأدب والدراما والكتابة الإبداعية، جامعة إيست أنغليا، وهو محرر «دليل أكسفورد للشعر الحديث»، وناقد الشعر في صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية. وقد حرّر مؤخراً «كتاب بنغوين لقصيدة النثر»، الذي اختار فيه 200 قصيدة نثر، لأكثر من 180 شاعرة وشاعراً، في الأصل الإنكليزي أو بترجمات إليها من اللغات العربية، البنغالية، الصينية، التشيكية، الدانمركية، الهولندية، الفرنسية، الألمانية، اليونانية، العبرية، الهندية، المجرية، الآيسلندية، الإيطالية، اليابانية، الكورية، البولندية، الروسية، الإسبانية، والسويدية. المدى الزمني للقصائد يمتدّ على 175 سنة، تبدأ من عام 1842 مع الفرنسي ألويسيوس برتران؛ وأمّا توزيع هذه الأزمنة على «تصانيف»، إذا جاز القول، فقد استقرّ المحرر على التالي: قصيدة النثر الآن، قصيدة النثر ما بعد الحداثية، وقصيدة النثر الحديثة.


 

جهد جدير بالتحية، غنيّ عن القول، وهو يضيف جديداً ضرورياً إلى ملفّ شائك لا يخصّ مفهوم قصيدة النثر وإشكاليات تعريفها وقراءتها وتجنيسها، فحسب؛ بل يشمل أيضاً محاسن ــ وبالتالي: مساوئ ــ مختارات من هذا الطراز، ليس في وسعها تفادي منزلقات شتى تخصّ معايير اختيار هذا، أو استبعاد ذاك، من الشعراء. لديّ، بعد تثمين جهد نويل ــ تود، تحفظات ثلاثة على هذه المختارات؛ لعلّ من الخير أن أبدأها من الحصة العربية في الكتاب، والتي تضمّ قصائد من عبد اللطيف اللعبي وأمجد ناصر وجولان حاجي. ورغم أنني أعدّ ناصر بين أصفى وأرفع نماذج قصيدة النثر العربية المعاصرة، وقد سبق لي أن تناولت تجربته في مناسبات شتى؛ إلا أنّ الاقتصار على هذه الأسماء الثلاثة لا يشير إلى نقص فادح في تمثيل المشهد العربي فقط، بل قد يثير الشك في تقصير بحثي مريع استراح إليه المحرر، أو تكاسل فيه، لا كما فعل مع مشاهد قصيدة النثر بلغات أخرى.

ليس جديداً التذكير بأنّ من المتعذّر على أيّ تصوّر نظري لقصيدة النثر أن يتفادى مناقشة الإشكالية الكبرى الأولى، الكامنة في التسمية ذاتها.

التحفظ الثاني يخصّ المعيار، الوحيد في الواقع، الذي أعلنه المحرر في اختيار القصائد: أنها لا تنقسم إلى سطور شعرية، على طريقة الشعر الحرّ مثلاً، أو تعتمد صيغة الفقرة حصرياً، أو «قصيدة الكتلة» كما يتردد في المصطلح العربي. وهذا إجحاف بالغ، رغم أنّ فضيلته الكبرى تتمثل في انتهاج بعض الصرامة المنهجية. الثمن، في المقابل، كان استبعاد عشرات الأسماء الكبرى في قصيدة النثر العالمية، من مستوى والت ويتمان مثلاً، وخاصة «أوراق العشب»، من جهة أولى؛ وكذلك، من جهة ثانية، اختيار قصائد لا تندرج تماماً داخل المعيار، بل تتراوح بين السطر والفقرة (نماذج أدريان ريش، ماري آن كوز، هنري ميشو، أو حتى شارل بودلير نفسه). هذا إلى جانب حقيقة كبرى تقول إنّ عدداً كبيراً من الشاعرات والشعراء المختارين لا يعتمدون صيغة الفقرة أو الكتلة حصرياً، بل قد يكون العكس هو الصحيح؛ الأمر الذي يعني أنّ نماذج القصائد، وليس الشعراء بالضرورة، هي التي استأثرت بالمعيار.
التحفظ الثالث هو انقياد المحرر إلى إغواء تصنيف عدد من المقاطع النثرية لكتّاب غير شعراء (إيفان تورجنيف وكاثرين مانسفيلد، مثلاً) في باب قصيدة النثر؛ لا لأيّ اعتبار آخر سوى أنه استشعر فيها هذه السمة، وهو حقّ له بالطبع، ما خلا أنّ ممارسة هذا الحقّ لا تنفي عنه المساءلة العميقة. كذلك فإنه استمرأ إضافة قصيدة ت. س. إليوت الشهيرة «هستيريا»، التي يحلو للكثيرين اعتبارها قصيدة النثر الوحيدة في حياته؛ وذلك رغم أنّ إليوت كان بالغ الوضوح حين أعلن أنها «نوع من هامش يمهّد لقصيدة، ولكنها ليست قصيدة». وفي مقدمته يعترف المحرر بمشكلة إدراج ــ وفي المقابل الطبيعي: استبعاد ــ عدد من النصوص النثرية؛ مبرراً الأمر هكذا: «من وجهة نظر التاريخ الأدبي، أيّ عرض نقدي للمنابع الشعرية في النثر الحديث يمكن أن يغفل، على سبيل المثال، عمل صمويل بيكيت وجيمس جويس وفرجينيا وولف؟».
ومنذ النماذج الأبكر لمحاولات استخدام النثر، وليس الوزن بأنساقه المختلفة، العمودية أو التفعيلية، في كتابة الشعر؛ بدا أنّ اختيار التسمية المناسبة لتوصيف هذه المحاولات أمر شائك يتجاوز معضلات النحت اللغوي، أو عسر المصالحة الدلالية بين قطبَيْ «الشعر» و«النثر»، أو صعوبة إزاحة التباين الأنواعي بين وسيطَيْ التعبير. وليس جديداً التذكير بأنّ من المتعذّر على أيّ تصوّر نظري لقصيدة النثر أن يتفادى مناقشة الإشكالية الكبرى الأولى، الكامنة في التسمية ذاتها، أي سعي هذا الشكل في الكتابة الشعرية إلى خلق مقولة ثالثة تتوسط بين، أو أحياناً تتنازع وظائف، المقولتَين الرئيسيتين الراسختين في خطاب التعبير الأدبي: مقولة الشعر، التي تحيل إلى الوزن على اختلاف أنماطه، وبصرف النظر عن قيوده وحرّياته؛ ومقولة النثر، التي تحيل في المنطق البسيط إلى ما لا يُصنّف في عداد الشعر، والذي يُكتب باستخدام لغات تعتمد غالباً الإيعاز الملموس والتصريح المباشر والتقرير والتوثيق والسرد، وما إلى هذا من تقنيات القول.
وفي مطالع النقاش حول قصيدة النثر، كان حسّ التناقض بين طرفَي التسمية هو الذي يتصدر السجال؛ ومختارات نويل ــ تود تضيف إليه ثنائية جديدة، الفقرة أم السطر، ليس دون إثارة مزيد من الأسئلة على ملفّ مُثقَل بها أصلاً!
-----------
القدس العربي


صبحي حديدي
الثلاثاء 11 ديسمبر 2018