
ما تلا إطلاق سراحه في عام 2011 فاق التوقعات. عاد إلى سوريا وسرعان ما برز كقائد في جبهة النصرة، الفرع التابع للقاعدة وأحد الفصائل التي ثارت ضد نظام بشار الأسد الدموي.
وعلى عكس ما تروّجه بعض الحسابات على وسائل التواصل، لم يكن “أحد أصولنا” عندما كنت مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية عامي 2011 و2012؛ وبخلاف توصياتي آنذاك، قدّمت الولايات المتحدة دعماً محدوداً للغاية للفصائل المعارضة للنظام السوري في تلك الفترة .
بحلول عام 2016، قطع الشرع علاقته مع تنظيم القاعدة، وأعاد تشكيل حركته تحت اسم هيئة تحرير الشام (HTS)، التي أصبحت لاحقاً الفصيل المهيمن في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا، وقوة عسكرية كبيرة.
تحت قيادته، أنشأت الهيئة هياكل حكم بدائية محاكم، ونظم تجارة، ومؤسسات تعليمية وإن كانت ذات طابع سلطوي وإسلامي واضح.
ثم جاءت اللحظة الحاسمة في أواخر عام 2024 التي غيّرت مسار سوريا حين أسقطت قوات الشرع نظام بشار الأسد.
بدأت قوات الهيئة بمحاولة تحرير حلب من سيطرة النظام، وحين سقطت المدينة أسرع مما كان متوقعاً، واصلوا التقدم جنوباً لتحرير حماة وحمص. ومع انهيار قوات النظام أمامهم، انفتح الطريق إلى دمشق، فتابعت قوات الشرع التقدم، مما دفع الأسد وزوجته إلى الفرار نحو روسيا.
وبحلول يناير 2025، أدى أحمد الشرع اليمين الدستورية رئيساً للجمهورية العربية السورية.
بعد سنوات من فرض العقوبات على نظام الأسد وتصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية، رفعت الولايات المتحدة العديد من العقوبات وكذلك مكافأة العشرة ملايين دولار الموضوعة على رأس الشرع (مع بقاء العقوبات التي أقرها الكونغرس والتي ينبغي الآن رفعها، مع ربط أي دعم مستقبلي بأداء الحكومة الجديدة على الأرض).
التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالشرع في الرياض في مايو، خلال قمة نظمتها القيادة السعودية، ثم نشر ترامب تعليقاً إيجابياً عنه على منصة “تروث سوشال”.

كان يمتلك رؤية لافتة ومعرفة واسعة بمكونات الاقتصاد السوري وبنيته التحتية. لم يتحدث كثوري، بل كرجل مثقل بالتاريخ وعازم على إعادة صياغته.
وعلى المنصة قال:
“لا يمكننا أن نحكم على الماضي بمعايير الحاضر، ولا أن نحكم على الحاضر بمعايير الماضي.”يسعى الشرع اليوم إلى توحيد سوريا، البلد الذي تتقاطع فيه خطوط الصدع العرقية والطائفية والقبلية في الشرق الأوسط. يحاول إقامة نظام حكم يمثل جميع مكونات سوريا المتنوعة، ويضمن حقوق الأقليات إلى جانب حكم الأغلبية. وهو يعمل على إخضاع القوى المختلفة لسلطة الدولة، وإعادة بناء اقتصاد سوريا المدمر وبنيتها التحتية المتهالكة بسبب الحرب.
كانت تلك العبارة مؤثرة ليس فقط للجمهور، بل لي أيضاً حتى وأنا أتذكر أن هذا الرجل كان يوماً يقود هجمات القاعدة ضد قواتنا في العراق.
الجمهور، الذي ضمّ العديد من الأمريكيين السوريين المتحمسين الذين طالما حلموا بإسقاط الأسد، كان معجباً ومتحمساً لكلمات الشرع. وأنا كذلك. في الواقع، كنا جميعاً “معجبين” بما قال إنه يسعى إلى تحقيقه.
كما فتح قنوات حوار سرية مع إسرائيل، ودعا إلى إلغاء عقوبات “قانون قيصر” التي أصدرها الكونغرس وفرضها على النظام السابق.
خطابه وطني لا جهادي، وموقفه براغماتي لا أيديولوجي.
هل هذا التحول حقيقي؟ الزمن كفيل بالإجابة.
لقد حدثت بالفعل أعمال وممارسات مثيرة للقلق، منها إعدامات نسبت إلى قواته استهدفت الدروز في الجنوب والعلويين على الساحل.
لكن، بوصفي شخصاً قضى حياته في دراسة التمرد، ومكافحة التمرد، وإدارة الحكم بعد النزاعات، أعلم أن الخلاص في الجغرافيا السياسية أمر نادر وهش.
ومن مصلحة الشعب السوري، وجيران سوريا، والولايات المتحدة، أن ينجح الشرع وأن تنجح سوريا.
مقابلتي لأحمد الشرع، الرجل الذي كان على “الجانب الآخر” خلال سنواتنا الأولى في العراق، لم تكن مجرد لحظة تأمل شخصي بل كانت شبه سريالية.
كانت أيضاً تذكيراً بأن التاريخ ليس خطياً، وأن أكثر الشخصيات غير المتوقعة قد تصبح أحياناً الأكثر تأثيراً.
فلنأمل أن يكون هذا هو حال أحمد الشرع.سواء استمر تحوّله أو تعثر، فإن المخاطر على سوريا وعلينا جميعاً لا يمكن أن تكون أكبر.
الجنرال ديفيد بترايوس، قائد الجيش الأمريكي (متقاعد)، قاد “الصحوة” في العراق، وقيادة القيادة المركزية الأمريكية، وقوات الناتو في أفغانستان، وشغل منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA).
وهو مؤلف مشارك لكتاب الصراع: تطور الحرب من عام 1945 إلى غزة.
ميديا - الناس نيوز
المصدر: ناشيونال انترست


الصفحات
سياسة









