نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


ماهي أسباب الانتفاضة الشعبية..؟




مقدمــــــــــــــــة - مهما عظمت التضحيات سوف تنتصر إرادة الشعوب ولا بد أن تسقط الأنظمة القمعية الدكتاتورية، غير أن لهذا الانتصار وذلك السقوط متطلبات يجب أن تتوفر. بمعنى أكثر دقة وأمانة إن سقوط الدكتاتورية ليس مرهونا بتناقضاتها الداخلية فحسب وإنما بإرادة الطرف الأخر على الاستفادة من تلك التناقضات والقدرة ليس على اسقاطها بل القدرة على الحلول محلها أيضا.

عشر سنوات مأساوية دموية عجاف من تاريخ هذا البلد الحضاري العريق سبقتها مجموعة من الحروب التحريكية العبثية التي سئمتها الغالبية العظمى من أبناء شعبنا. تلك الحروب التي خطط لها من أجل ترويض الشعوب ودغدغة مشاعرها بشعارات المقاومة والصمود والتصدي لم تجلب لها سوى النكبات والويلات، كما كانت نتائجها مهرجانات قومية على المنصات المخملية لتقليد الحكام المستبدين الفاسدين تيجان الهزيمة وتكريس سلطاتهم القمعية.


ماهي أسباب الانتفاضة الشعبية؟

قد تتناقض أو تختلف الآراء حول كثير من الأسباب التي أدت الى انتفاضة الشعب السوري، غير أن الثابت في القول بأن هناك بعض العوامل الأساسية لا يمكن أن يتجاهلها كائن من كان، كما كانت أدوات السلطة الحاكمة في حالة استنفار دائمة حتى في الحالات الاعتيادية لاستخدام الألة العسكرية الضخمة في مواجهة النتائج المترتبة على تلك العوامل أي أنها كانت مهيأة للذهاب الى أبعد مدى في مواجهة الحراك الشعبي وتدمير الوطن وقتل وتهجير الشعب (كل الشعب) من أجل بقاء الدكتاتور على عرش السلطة.

 ثم لا ننسى أيضا بأن هذه السلطة منذ وصول البعث الى سدة الحكم لم تكن تقبل بحلول أخرى غير الحل الأمني العسكري في مواجهة المطالب الشعبية من أجل إحداث أية تغييرات تذكر في الدولة. بطبيعة الحال لا يوجد لدى أي نظام شمولي مستبد قاتل أية حلول وسط لأن أي تنازل يعني انقطاع سلسلة المنظومة الاستبدادية تلقائيا، بمعنى أوضح بالنسبة اليه هي مسألة وجود أو عدم.

  في الحقيقة، يمكننا القول بأن المناخ السياسي العام في سورية كان مهيأ للانتفاضة منذ عهد الدكتاتور الأب لكنها تأخرت نتيجة لأسباب كثيرة تحتاج الى بحث خاص. لقد فقدت السلطة الحاكمة مصداقيتها لدى عامة الشعب، وكانت دلائل الانتفاضة تلوح في الأفق منذ سنوات.

ذلك هو الأمر المؤكد، بالنسبة للوضع العام السائد في البلد. يبقى أن نقول إنه على الرغم من تأخر انتفاضة الشعب السوري لكنها كانت ولا تزال اسطورية ولم تولد من فراغ، كانت بالنسبة الينا تاريخ حي يتكلم لغة رمزية مثل الاحلام، لم تكن نتيجة لفعل خارجي بل كانت في تركيبتها وشعاراتها سورية المنبت والمطلب.

لقد كان العنصر الأسطوري في الثورة السورية جليا واضحا في مواجهة الألة العسكرية الضخمة للعصابة الحاكمة. حيث كانت الجموع الثائرة تضم جيل الشباب الذي يمتلك قوة تغيير هائلة تؤثر في مجرى الأحداث، غير أن اختراق البنية الأساسية للثورة من قبل جماعات كانت بعيدة كل البعد عن الثورة ومرتبطة مع جهات أجنبية من جهة والبعض منها مع السلطة القمعية نفسها من جهة أخرى غيرت مسار الثورة اليتيمة.

مهما يكن، تعتبر الثورة السورية ظاهرة تاريخية معقدة ومتشعبة الروابط. ينبغي من أجل الأمانة التاريخية أن تدرس كما حدثت بالفعل لا كما قيل عنها في وسائل الاعلام الوظيفية المرتبطة بهذا الشكل أو ذاك بالأنظمة الشمولية العميلة.

بعد هذه المقدمة المختصرة يمكننا التطرق لأهم الأسباب(العوامل) التي فجرت الثورة السورية:

  • انعدام الحياة السياسية وقدسية الدكتاتور:

 أصبحت الجماهير تعاني تحت سلطة دكتاتورية لم تقتصر على ممارسة الحكم والإدارة فقط بل عملت على تكريس سلطتها الشمولية الطاغية على كل البنى والمنظمات الاجتماعية والمؤسسات التي تصنع التوجه السياسي لدى الجماهير.

 من المؤكد أن السلطة الحاكمة عملت أيضا على تفريغ القيم والمثل الأخلاقية والفكرية ذات البعد السياسي من مضامينها من أجل توجيه وضبط الولاء للقائد الأوحد، وخلقت بنى اجتماعية ومؤسسات متخلفة بالمقاييس السياسية من أجل بسط السيطرة الكاملة على كافة مرافق المجتمع وترويضها وإخضاعها لمشيئة الدكتاتور.

لم يتبقى في عموم البلاد أية أدوات فكرية أو قيم أخلاقية أو بنى اجتماعية تمتلك القدرة على الاعتراض أو المطالبة بالتغيير. كما أن ممارسة السياسة والتحدث بها أصبحت محصورة بالعائلة الحاكمة والمقربين من أنصارها، وحرم المجتمع السوري بكل اطيافه عن التطرق للشؤون السياسية قولا وممارسة.

لم يكن الطاغية مجرد حاكم شرير فحسب، لكنه كان يجمع العديد من السمات الشخصية المشؤومة ويحمل اوهاما بسطوة على البلد لا حدود لها ويخصه الحفنة القليلة من مقربيه الفاسدين بخصائص فوق بشرية مثل العظمة، المجد والشرف والخلود.

  • تغول الأجهزة الأمنية في الدولة والمجتمع:

 لقد مارست تلك الأجهزة أبشع أنواع القهر والازلال والتسلط بحق المواطن وسقطت في مستنقع الفساد والمحسوبية والفئوية وتدخلت بعمل كافة مؤسسات الدولة طيلة سنوات حكم عائلة الأسد.

 باتت سلوكية تلك الاجهزة وفلسفة عملها مبنية على أساس الجمع بين مزدوجة (الولاء للنظام – قدسية مصلحة الأجهزة). من أجل ذلك منحت صلاحيات مطلقة وربطت الحركة المجتمعية في جميع جوانبها بالبوصلة الأمنية، وانتشرت ثقافة الرعب من الاجهزة الامنية في المجتمع السوري نتيجة الخوف الامني المركب.

كما تم اغراق المحافظات بعدد ضخم من الافرع الامنية ذات المرجعيات المختلفة والمتداخلة، وترك المواطن يستنبط حلوله المعاشية التي تسمح بها ثقافة الخطوط الحمراء والامن الوطني واللحمة الوطنية ويكون عرضة للإرهاق في حال خالف تلك الثقافات.

في الحقيقة يمكننا القول بأن تغول الأجهزة الأمنية في الدولة والمجتمع كان العامل الأكثر تأثيرا في تفجير الانتفاضة الشعبية ونزول الملايين من أبناء شعبنا مطالبة بالحرية والكرامة.

  • سياسة التجويع، وتدهور الحالة الاقتصادية، وانتشار الفقر والعوز في عموم البلاد:

على الرغم من غنى سورية بشتى أنواع الموارد الطبيعية (النفط، الغاز، الفوسفات، وغيرها من الثروات الباطنية)، وتوفر كافة أنواع المحاصيل الزراعية، والموقع الجغرافي المتميز، وتوفر اليد العاملة الماهرة والخبيرة، ونتيجة للسياسات الخاطئة والمبرمجة من قبل السلطة الحاكمة تلاشت الطبقة الوسطى التي تعتبر حجر الزاوية الأساس في النشاط الاقتصادي لأي مجتمع.  لقد بسطت أجهزة الأمن يدها على كافة المرافق الاقتصادية والمؤسسات المالية والأنشطة التجارية والزراعية، وانتشرت مجموعة لا حصر لها من العلل والأمراض المعرقلة لعملية التطور الاقتصادي وفي مقدمتها الفساد والمحسوبية وممارسة كافة أشكال الاضطهاد والظلم حتى أصبح المواطن في أقاصي الريف يشعر بأنه مجرد مرابع لدى صاحب المزرعة الكبيرة.

 تمتعت الفئات الاجتماعية المقربة من النظام وقادة الأجهزة الأمنية والقادة العسكريين الموالين لرأس النظام وطبقة السياسيين الدمى بامتيازات لا حصر لها. بمعنى أكثر دقة انقسم المجتمع السوري الى طبقتين الأولى موالية للسلطة ومؤيدة لسياساتها وجرائمها وتنعم بخيرات الوطن، أما الثانية وهي التي تمثل الغالبية العظمى من السكان مضطهدة فقيرة متسولة تقتات مما يتفضل به الدكتاتور. والجدير ذكره أن الثروة النفطية وما يدخل في نطاقها قد جيرت على حساب عائلة الأسد والجهات التي ثبتت نظام حكمها في سابقة لصوصية لم تشهدها البشرية.

  • اتباع السياسة الفئوية وانعدام مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة وانتشار الظلم الانتقائي:

لقد ظلت سورية تعاني من السياسات الطائفية الفئوية للسلطة الحاكمة لمدة ستة عقود بعد انقلاب 8 أذار عام 1963م. الأمر الذي كان له أسوء الأثر على الجيش والقوات المسلحة وتركيبة أجهزة الأمن، فقد لجأ النظام الى اتباع سياسة طائفية صرفه واضحة من أجل السيطرة على قطاعي الدفاع والأمن، وعندما تمكن من السيطرة الكلية عليهما ذهب بعيدا من أجل تكريس سيطرته الفئوية على مختلف القطاعات وفي مقدمتها قطاعي التربية والتعليم والقطاع الاقتصادي والمالي والتجارة الخارجية والسلك الدبلوماسي.

مما لا شك فيه بأن غرف التجارة والصناعة في كافة المحافظات أصبحت عبارة عن مكاتب تحت أمرة الأجهزة الأمنية التي يقودها المقربين من طائفة الدكتاتور.

الجدير بالملاحظة أننا نشهد اليوم بأم اعيننا طبيعة السياسة الطائفية للسلطة الحاكمة في مختلف مجالات الحياة وعلى رأسها سياسة التلاعب بالتركيبة السكانية والتغيير الديمغرافي الذي ألحق الظلم بغالبية الشعب السوري.

 لقد منح المواطنين الذين ينتمون الى طائفة الدكتاتور حق الانتقال وتغيير أماكن الإقامة في عموم البلاد من أجل مصادرة جميع الشواغر في مؤسسات القطاع العام من سكان البلد الأصليين. كما أصبحت المنح الدراسية الداخلية والخارجية على كافة المستويات العلمية من حق أبناء الطائفة دون النظر الى درجة التحصيل على حساب الطلبة من المكونات الأخرى.

والعارف بمسار سياسة السلطة منذ عهد الدكتاتور الاب وما انجزه على صعيد نسف الركائز الثقافية والفكرية للمجتمع السوري الأصيل يجد بأنه قد خطى خطوات واسعة باتجاه بناء مجتمع جديد ملوث في أفكاره ومثله وأهدافه، ونشر فكرا يعطل الحوافز ويجعل من الجماهير مجرد تجمع يقبل المبادرة ولكنه عاجز عنها، واشترى ذمة من يبيع ذمته رخيصة بالمال أو بجزء من المقام الصوري، واستخدم القتل والاغتيال ليضمن اسكات من لا يرضى بالمال ومن أولى ضحاياها أقرب زملائه. ويعلم حق العلم بأن استعادة المجتمع لعافيته يحتاج الى ثورة شاملة طويلة ومعقدة.

  • انتشار مجموعة من الأمراض في الدولة والمجتمع:

لم يكن الدكتاتور الذي تربع على عرش السلطة في سورية يمثل أكثرية المواطنين بل كان يعمل لمصلحة اسياده ومنفعة حفنة قليلة من الناس للبقاء في السلطة. لذلك ارتأى بأن الوسيلة الأكثر فعالية للاستمرار في الحكم هو إغراق البلاد بمجموعة كبيرة من العلل والأمراض التي حولت الدولة والمجتمع الى كيان هزيل يحتاج الى رعايته هو، ومارس إرهاب الدولة في جميع مرافق الحياة، وسخر جميع ممتلكات البلد لمصلحة زمرة مختارة من المقربين.

عمل النظام الدكتاتوري على إحلال الفساد والرشوة والمحسوبية والطائفية الانتقائية بشكل منهجي ومدروس من أجل خلق طبقة مسؤولين ومدراء من ذوي الملفات الشائنة لضمان السيطرة عليهم، وأطلق العنان للأجهزة الأمنية من أجل ممارسة الابتزاز بالقوة، كما أغدق العطاء للقلة القليلة التي ساهمت في نشر تلك الأمراض.

خاتمــــــــــــــة:

بالتأكيد هناك عوامل أخرى داخلية وخارجية تحتاج الى بحث مطول نظرا لخصوصية المرحلة التي شهدتها سورية خلال حقبة سلطة البعث وعائلة الأسد، بيد أننا تطرقنا الى الأهم منها على أمل تسليط الضوء بشكل موضوعي واقعي دون أحكام مسبقة على أهم العوامل الكامنة خلف حركة الجماهير التي عانت من قمع وإرهاب الدولة خلال تلك الحقبة.

مجمل هذه العوامل وانعدام فرص التغيير بعد عقد من سلطة الدكتاتور الأبن، إضافة الى الانحدار الأخلاقي المشين الذي تميزت به تصرفات الأجهزة الأمنية في تعاملها مع كافة مؤسسات الدولة والمجتمع كانت المحرك والدافع الأساسي للحراك الثوري، ولا شك أن ما ارتكبته تلك الأجهزة بحق أطفال درعا من أعمال همجية وحشية يندى لها جبين الإنسانية فجرت الشرارة الأولى للانتفاضة.

وفي هذا السياق يجب ألا يغيب عن ذاكرتنا الوطنية أولئك الذين دفعوا أثمانا غالية بسبب مواقفهم الوطنية الى جانب الشعب والذين انشقوا عن النظام من عسكريين وموظفين مدنيين ودبلوماسيين وسياسيين ورجال أعمال ورجال فكر ورأي وفنانين وأطباء ومهندسين وغيرهم من الوطنيين الذين لم تتلوث أيديهم وأفكارهم وحافظوا على قيمهم الوطنية، هؤلاء كان لهم الدور التاريخي الأبرز في استمرارية الثورة واتساع رقعتها لتشمل عموم البلاد.
--------------------------
المجلس العسكري السوري


العميد الركن المجاز فايز عمرو
السبت 19 فبراير 2022