نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التانغو" فوق حطام المنطقة

22/05/2025 - عالية منصور

واقع الديمقراطية في سورية الجديدة

09/05/2025 - مضر رياض الدبس

(سوريا بين حرب أهلية ومشاريع تقسيم؟)

05/05/2025 - عبدالوهاب بدرخان

دلالات التصعيد الإسرائيلي في سوريا

04/05/2025 - العميد المتقاعد مصطفى الشيخ

السياسة المزدوجة

25/04/2025 - لمى قنوت


أربع لحظات أنقذت الأسد






استعاد نظام الأسد نحو ستين بالمئة من الأراضي السورية، بعد أن فقد أكثر من تسعين بالمئة حتى نهاية أيلول/ سبتمبر 2015، تاريخ التدخل الجوي الروسي الذي ألقى بدوره طوق النجاة لنظام الأسد، ولم يكن ذلك التدخل أول إنقاذ لبشار الأسد وإنما جاء بعد عدة لحظات تاريخية، كانت فارقةً في تاريخ الثورة السورية. ولم تكن تلك اللحظات لمصلحة الثورة بل كانت نوعًا مما يمكن تسميته الثورة المضادة تارة، والعوامل الإقليمية والدولية تارة أخرى؛ ما منح الأسدَ عدة فرص، ليبقى على مساره في إصراره على قمعه الشديد للثورة، كلما تسنى له ذلك. واستعاد أنفاسه لينتقم من الشعب.


 
“إجاك الدور يا دكتور”، بهذه العبارة على جدران إحدى مدارس درعا، كتبها أطفال؛ اندلعت الشرارة الأولى للثورة السورية. واليوم تتفق روسيا وتركية على صفقة قد تكون تاريخية حول إدلب، لمنع كارثة قد تؤدي إلى تهجير ثلاثة ملايين مدني، نصفهم من معظم المحافظات السورية، الذين خرجوا من مناطقهم، وفق تسويات تمت برعاية روسية، لتلاحقهم على تخوم إدلب.
استمر مسلسل إنقاذ النظام المتعطش للدماء، والمسؤول عن قتل نحو نصف مليون سوري، وتهجير نصف الشعب، بفضل أربع لحظات تاريخية مهمة أبقته في السلطة وهي:
المشاركة الشيعية في نيسان/ أبريل 2013
بدأ النظام ينهار عسكريًا ابتداءً من صيف 2012، ومنذ بداية الثورة، فقد الجيش السيطرة على أجزاء كبيرة من الأراضي، وقد اكتسب الجيش السوري الحر المتمرد أرضًا على طول الحدود التركية في حلب، ثاني أكبر مدينة في البلاد، وأصبح يطرق أبواب دمشق، لدرجة أن عضو مجلس الشورى الإيراني علي محمدي أعلن في 10 شباط/ فبراير أن “بشار الأسد مقتنع بأنه سيكون مرغمًا على ترك قصره، المحاط بقوى المعارضة”، لينقذه الحرس الثوري الايراني ويساعده في تشكيل قوى “الدفاع الوطني” الميليشيا الشعبية التي ضمت نحو 80 ألف سوري، وقد وزع عليهم عشرة آلاف قطعة سلاح، لإبعاد الخطر عنه. وفي اللحظة ذاتها، انضمت ميليشيا (حزب الله) الشيعية، وقد أعلن حسن نصر الله زعيم تلك الميليشيا الطائفية اللبنانية دعمَه للنظام السوري. منذ آذار/ مارس 2011 أي من أيام الثورة السورية الأولى، ليظهر بشكل عسكري في 30 نيسان/ أبريل 2013 في (القصير) الحمصية التي استعادها لمصلحة النظام من الجيش السوري الحر، وهذا التحرك الشيعي لدعم الأقلية العلوية في سورية، ولا سيما عائلة الأسد، أكد على التوجه لدفع السنة إلى أسلمة الثورة، وإدخال قوى جهادية سنية من مختلف أرجاء العالم، لمواجهة القوى الشيعية التي أدخلتها إيران من العراق واليمن وباكستان وأفغانستان، وتصوير الصراع على أنه شيعي سني إنقاذًا للنظام. وأصبح التدخل الايراني أكثر وضوحًا، عندما برز قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الايراني في معارك حلب، ابتداء من 2015، وهو مهندس ما سُمي بالقوس الاستراتيجي طهران – بيروت الذي تتحكم فيه إيران التي تعدّ سورية القطعةَ الرئيسة ضمن طموحات إيران الإقليمية وأطماعها بالمنطقة العربية.
التراجع الأميركي وتردد أوباما في آب/ أغسطس 2013
نهاية شهر آب/ أغسطس 2013، توقع كثير من المراقبين الدوليين والعالم، سقوط النظام السوري وزوال حكم بشار الأسد وعائلته الدموية، بعد ارتكابه مجزرة الكيمياوي في الغوطتين الشرقية والغربية بدمشق، بتاريخ 21 آب/ أغسطس 2013. لتستعد كل من الولايات المتحدة والغرب لشن حرب وتوجيه ضربات قاتلة لنظام الأسد، وبالتالي إنهاء معاناة السوريين واستعادتهم لدولتهم المغتصبة من قبل العائلة الحاكمة طوال أكثر من أربعين عامًا، واعتبر الرئيس الأميركي أوباما آنذاك أن الأسد قد تجاوز الخط الأحمر، وأن عليه أن يدفع الثمن، معلنًا أن الولايات المتحدة ستذهب بعيدًا في معالجة الملف السوري، في خطابه في 26 آب/ أغسطس 2013، أي إنهاء نظام الأسد. لكن حاكم البيت االأبيض تردد في قراره على الرغم من إعداد طائراته في القاعدة البريطانية في قبرص، وحاملات الطائرات الأميركية، وتوجهها إلى شرق المتوسط. لسببين رئيسيين وهما:
1- ما تعرضت له الولايات المتحدة من خسائر بشرية في العراق، وانسحابها منه عام 2011، وتعافي الاقتصاد الأميركي.
2- الرغبة في انجاح مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني.
بالتالي، فإن أوباما لم يكن مستعدًا لخوض حرب جديدة بعد العراق. وعلى الرغم من ضغط مستشاريه بضرورة تنفيذ الضربات لإنهاء نظام الأسد، فقد تردد ليمنح للدبلوماسية الروسية فرصة، وهو ما اعتبر انتصارًا لروسيا وتراجعًا للولايات المتحدة باتفاقية تسليم ترسانة السلاح الكيمياوي السوري آنذاك، بإشراف الأمم المتحدة.
(دولة الخلافة الإسلامية – داعش) في حزيران/ يونيو 2014
على الرغم من النبذ الدولي لنظام بشار الأسد، والدعم للمعارضة السياسية المعتدلة والجيش السوري الحر، فإن قيام (الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش)، كان قد أُعلن قبل عدة أشهر. حيث تمكنت المجموعة الإرهابية الجهادية في العراق، التي لم يكن لديها سوى بضع مئات من المقاتلين معظمهم من الأجانب، من استغلال التحدي السوري للنظام، وفرضت نفسها من خلال الإرهاب. وقد كانت بمثابة نعمة لنظام بشار الأسد الذي لم يهاجم الجهاديين، وإنما اكتفى بمحاربة التمرد المعتدل. ففي حزيران/ يونيو 2014 أعلن أبو بكر البغدادي قيام “الخلافة”، بعد الاستيلاء المفاجئ على معظم محافظات الشرق السوري، وثلث العراق، بمساحة تعادل مساحة البرتغال، ليتم تأسيس تحالف دولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ولتصبح (داعش) العدو الرئيس الذي تعمل الولايات المتحدة على هزيمته. وليكسب بذلك بشار الأسد الذي رفع شعار “الفوضى أو أنا”، وكأنه يقول للعالم: “أنا أو داعش”، ويظهر نفسه في موضع مواجهة “عصابات الجهاديين السلفيين القادمين من الخارج”؛ ما وضعه في موقع أفضل حالًا وأدى إلى تأخير إسقاطه مجددًا. وظهرت نبوءته التي حققت ذاتها وأعلنها مفتيه بدر الدين حسون بنقل المعركة إلى أوروبا، بعد هجمات (داعش) في فرنسا وأماكن أخرى من أوروبا، لتعبئة الرأي العام العالمي ضد الخطر المطلق. وأصبح بذلك بشار الأسد الذي يقتل السوريين، الأقل شرًا وخطرًا، وهكذا صرَف نظام الأسد النظرَ عنه، وكسب الوقت لاستمراره في مسلسل القتل.
بوتين يتدخل جوًا نهاية أيلول/ سبتمبر 2015
احتُضر نظام بشار الأسد مرة أخرى، في تموز/ يوليو من عام 2015، وللمرة الأولى منذ أربع سنوات، واعترف في خطاب له بأن جيشه يعاني من “نقص في الموارد البشرية”، مع تقدم المعارضة وقوتها المتزايدة، تراجعت قوات الأسد على العديد من الجبهات، وعانت من سفك دموي غير مسبوق. منذ بداية الحرب. إذ قُتل ما يقرب مئة ألف من رجاله وحلفائه الشيعة. فضلًا عن تزايد أعداد المنشقين والعدد الكبير في الجرحى. ليخسر قرابة ثلثي قواته، فضلًا عن انهيار الميليشيات الشيعية، ولم يعد بإمكانه التعويض عن الخسائر الفادحة التي تعرض لها، فطلب مساعدة موسكو، بذريعة الحفاظ على نظامه من التطرف وأن مصالح الدول الغربية تجاوزته. فتدخلت روسيا بوتين، في 30 أيلول/ سبتمبر 2015، مستغلة تراجع دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ليعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تدخله في الصراع السوري، بقرابة خمسة آلاف جندي، وسبعين طائرة، إضافة إلى عدد غير محدود من شركات المرتزقة الذين يقاتلون ويموتون بشكل غير رسمي.
عانى بوتين الإذلال لسقوط القذافي، ورأى في الصراع السوري مواجهة جديدة مع الناتو ودول الخليج العربي. فضلًا عن العلاقات السياسية والاقتصادية والمصالح الاستراتيجية الوطيدة التي تربط موسكو بعائلة الأسد، إضافة إلى شراكة اقتصادية وعسكرية يمتد عمرها إلى نصف قرن. إضافة إلى امتلاكها قاعدة بحرية وحيدة في طرطوس في البحار الساخنة.
يقول جوشوا لانديز، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما: “إن التدخل الروسي عام 2015 هو اللحظة الحاسمة للحرب، والمفتاح لبقاء الأسد”. لقد انتصرت القوة الجوية بجميع حروب الشرق الأوسط منذ عام 1967، أكثر من أي شيء آخر”، في إشارة إلى الغرب، “كما هو الحال بالنسبة إلى دول الخليج، في رسالة روسية واضحة لهم بأن أصدقاء الأسد سيذهبون إلى ما هو أبعد من ذلك في العالم والتصعيد”.
مشاركة روسيا الرسمية هي ضد (داعش)، ولكنها استخدمت أكثر من تسعين بالمئة من غاراتها في استهداف المعارضة السورية المعتدلة، ولكن مع سيناريو صغير في القتال ضد (داعش) بدير الزور كان بوتين أول من أعلن النصر ضد الإرهاب. ومع ذلك، لا يبدو لا بوتين ولا الأسد قادرين على بناء حل سياسي من شأنه جلب السلام لجميع السوريين، كما تذكر الليبراسيون الفرنسية ولا حتى إمكانية إعادة إعمار سورية المدمرة.
--------
جيرون

محمد السلوم
السبت 29 سبتمبر 2018