تعتمد الآلية المزمع تطبيقها على نظام انتخاب غير مباشر يتم عبر مرحلتين، تشرف عليه لجنة مركزية عليا وهيئات انتخابية فرعية تُشكَّل في كل محافظة. تقوم هذه الهيئات باختيار قوائم مغلقة تضم من ثلاثين إلى خمسين شخصية اعتبارية مؤهلة لكل مقعد، لتُجري لاحقاً انتخاباً داخلياً وتنتخب أحدهم، دون تدخل مباشر من الناخبين. أما الثلث المتبقي من أعضاء المجلس، فيُعيَّن مباشرة من قبل رئيس الجمهورية، بما مجموعه خمسون عضواً من أصل مئة وخمسين، ما يجعل نسبة المنتخبين مئة مقابل خمسين معينين.
يُوزع المجلس وفق معيار التعداد السكاني لعام 2010، حيث نالت محافظة حلب الحصة الأكبر بواقع عشرين مقعداً، تليها دمشق بـأحد عشر مقعداً، ثم ريف دمشق بعشرة، فحمص بتسعة، وحماة بثمانية، وإدلب بسبعة، واللاذقية ودير الزور والحسكة بستة مقاعد لكل منها، ثم طرطوس بخمسة، ودرعا بأربعة، تليها الرقة بثلاثة مقاعد، والسويداء بثلاثة، وأخيراً القنيطرة بمقعدين. يُراعى في تكوين المجلس المزج بين الكفاءة الاجتماعية والسياسية، بحيث تُخصص سبعون بالمئة من المقاعد للكفاءات (أكاديميين، خبراء، قانونيين)، وثلاثون بالمئة لوجهاء المجتمع المحلي وأعيانه، سعياً لتحقيق توازن بين التمثيل الشعبي المباشر والتكنوقراطي المؤسسي.
الجانب الإيجابي في هذه الآلية أنها تراعي واقع الانقسام الجغرافي والمؤسساتي، وتوفر حلاً عملياً لتجاوز غياب البنية الإدارية التي تمكّن من إجراء انتخابات عامة. كما أن توزيع المقاعد على أساس سكاني يضمن تمثيلاً منصفاً للمحافظات، ويعيد بعض الاعتبار للمناطق التي طالها التهميش سابقاً. كذلك، فإن الانفتاح على الكفاءات المهنية، ورفع نسبة تمثيلها، يفتح المجال أمام نخبة وطنية جديدة كانت مهمشة لعقود، ويقلل من هيمنة الأحزاب والأجهزة التي لطالما شوّهت الحياة البرلمانية السورية.
في المقابل، تواجه هذه الآلية انتقادات جوهرية، على رأسها غياب التصويت الشعبي المباشر، ما يُضعف شرعية المجلس أمام الرأي العام. كما يُثير تعيين ثلث الأعضاء من قبل رئيس الجمهورية مخاوف من سيطرة السلطة التنفيذية على العملية التشريعية، ولو بغطاء توازني. ويُضاف إلى ذلك غموض المعايير المعتمدة لاختيار الشخصيات المؤهلة، واحتمال خضوعها لاعتبارات محلية أو ولائية لا تعكس حقيقة التمثيل الشعبي. وتبقى الإشكالية الكبرى في خطر تحوّل هذه الصيغة المؤقتة إلى نمط دائم، خاصة إذا ما غابت الآليات الرقابية أو أُقحمت الترتيبات الانتقالية في لعبة المصالح.
إن تشكيل مجلس الشعب بهذه الكيفية هو جزء من عملية تأسيسية معقدة، لا يمكن فصلها عن مجمل التحديات التي تواجه الدولة السورية الناشئة. فالمجلس، وإن أُنجز بتوافقات ظرفية، يبقى مقياساً لمدى التزام السلطة الانتقالية بمسار التحول السياسي الحقيقي. وتكمن المهمة الجوهرية لا في مجرد بناء مجلس يُنتخب أو يُعيّن، بل في مدى استقلاله وجرأته التشريعية، وقدرته على تمثيل إرادة السوريين فعلاً، لا شكلاً.
يبقى الرهان معقوداً على أن لا تتحول هذه الخطوة إلى غاية بحد ذاتها، بل أن تُستخدم كجسر عبور نحو صياغة عقد اجتماعي جديد، يُتوَّج لاحقاً بانتخابات حرة وعادلة. أما إذا تم تجميد هذه المرحلة، أو الاستقرار عليها كقالب نهائي، فإنها ستعيد إنتاج بنية سلطوية مكرَّرة تحت أسماء مختلفة. وفي الحالتين، فإن ما يُبنى اليوم سيحدد المدى الممكن للديمقراطية غداً، وهو ما يستحق كل هذا الجدل.
----------------
سوريا هوم نيوز