كان هذا الاستثمار الإسرائيلي واضحًا وجليًا في تصريحات الحكومة الإسرائيلية ومسؤوليها حول دور تل أبيب في حماية الموحدين الدروز في محافظة السويداء جنوب سوريا، وفي مدينة جرمانا شرق دمشق، ثم ميدانيًا بالتدخل المباشر والمعلن؛ حيث قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية بعد ظهر الأربعاء 30 أبريل/ نيسان 2025 بلدة صحنايا على أطراف دمشق، بالتزامن مع الاشتباكات التي كانت تخوضها القوات الحكومية السورية، والتي أدت لاستعادة السيطرة على البلدة بشكل كامل في اليوم ذاته.
في المقابل، فإن الأحداث المتتالية والمتسارعة: من مؤتمر القوى الكردية، إلى بيان شيخ الطائفة العلوية غزال غزال، إلى منشور رامي مخلوف عن تجنيد 150 ألف مقاتل، وصولًا لاشتعال المواجهات في جرمانا وصحنايا، قد تروي رواية أخرى مختلفة عن مجرد الاستثمار، فهل لإسرائيل وعبر إحدى الدول الإقليمية دور مباشر في تفجير الأزمات؟
لماذا تفجّرت الأوضاع في جرمانا وصحنايا؟
إعلان
أثار التسجيل وما فيه صخبًا واسعًا بدأ من محافظة حمص، حيث وقعت مشادات في السكن الطلابي لجامعتها أدى إلى اعتداءات وإصابة طالب من السويداء بجروح، كيف لا والتسجيل بدأ ينتشر بشكل واسع على أنه لأحد مشايخ السويداء ومرجعياتها الدينية.
في اليوم التالي لانتشار التسجيل بدأت الاعتداءات المسلحة من حاجز النسيم الفاصل بين جرمانا والغوطة الشرقية، وبدأ سقوط القتلى واتساع التجييش والتحشيد، والذي فيما يبدو كان معدًا له مسبقًا قبل التسجيل، بل ربما جاء التسجيل إيعاذًا بتحركات أمنية وعسكرية وإعلامية مخطط لها مسبقًا، وسرعان ما تحولت جرمانا ذات الهويات المتعددة مسرحًا للفوضى التي انتقلت لبلدة صحنايا التي تصاعدت فيها المواجهات وانتهت بمعركة واسعة.
موقف الحكومة السورية وإجراءاتها
أدركت القوات الحكومية في وقت مبكر أنه يراد استدراجها لتكون طرفًا في المواجهات، فقامت بمنع مجموعات محسوبة عليها وغير تابعة لها من التصعيد وتوسيع دوائر المواجهة والاشتباك، وبتطويق بؤر المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون، وفصل الأماكن التي تحصنوا فيها عن بعضها البعض.وهذه المجموعات لم تكن من تجمعات الدروز فقط، بل إن جزءًا كبيرًا من الدروز في جرمانا كانوا أقرب للأمن العام، وبعضهم كان منتسبًا للأمن العام بطبيعة الحال، في مقابل مجموعات من فلول النظام، وخاصة ما كان يعرف بالدفاع الوطني في صحنايا عملوا على التجييش والتحشيد وافتعال فوضى إطلاق النار، واستهداف المدنيين والقوات الحكومية على حد سواء.
نجحت القوات الحكومية في منع وصول مؤازرات الخارجين عن القانون من صحنايا لجرمانا، ومنعت مجموعات من المجلس العسكري في السويداء الموالي للشيخ حكمت الهجري من الوصول لدمشق وريفها، وأنهت القوات الحكومية مواجهات في أولها اندلعت بين البدو ومجموعات عسكرية في السويداء.
إعلان
فعليًا استطاعت الحكومة السورية أن تكشف بوضوح أن كل هذه التحركات المتتالية لم تأتِ عفو الخاطر أو بالتداعي فقط، بل ربما المتحركون لإثارة الفوضى والصخب هم من كشفوا ذلك بأنفسهم.
ماذا يريد المتربصون بسوريا وحكومتها؟
أن تكون سوريا مجموعة من مناطق سيطرة (كانتونات) مستلقة أمنيًا وسياسيًا وإداريًا، مع مركزية هشة تديرها دولة ضعيفة منزوعة السلاح ومرهقة بالعقوبات، هذا السيناريو الأفضل بالنسبة لإسرائيل، وهو ما تعمل عليه بشكل مباشر لاحقًا بعد اصطناع المشكلات، وبشكل غير مباشر عبر حلفائها الإقليميين قبل ذلك.لا تجد حكومة نتنياهو حرجًا في أن تتوافق سياساتها حيال سوريا مع سياسات إيران، وأن يكون حلفاء تل أبيب في مساعيها لإثارة الفوضى هم ذاتهم حلفاء طهران، حيث غالبًا ما تطمئن إسرائيل إلى أن الدول الداعمة للحكومة السورية ستبذل جهدها لمنع عودة إيران إلى سوريا.
من جانب آخر، تحاول إسرائيل إضعاف سلطة الحكومة في دمشق وإرباكها بملفات حساسة، منها اختبار القدرة على التعامل مع الفوضى في الوقت الذي يرصد فيها العالم مراعاة حقوق الإنسان وحماية الأقليات.
وتعتقد تل أبيب أنها كلما زادت الضغط على الحكومة السورية فستكون قادرة على فرض شروط أو مكاسب إضافية على طاولة المفاوضات، بل إنها تكسب تأخير استحقاق التفاوض الذي سترعاه الولايات المتحدة في وقت ما.
لكن فعليًا فإنّ القيادة السياسية في سوريا غالبًا ما تتجاوز الاختبارات وتخرج منها بمكاسب مختلفة، أهمها إعادة تشكيل تماسكها الداخلي وكشف خصومها والمناوئين لها، وكما يقال: إن الضربة التي لا تقضي عليك أو تكسر ظهرك ستزيد من قوتك