نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

خديعة الرحمة

03/07/2025 - هناء محمد درويش

التريمسة...حين يلتقي العائد بظلّه

24/06/2025 - عبير داغر إسبر

انهيار إمبراطورية إيران

17/06/2025 - براءة الحمدو

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر


"التوك توك"....عربات بثلاث عجلات غير مرحب بها بتاتاً في تونس






تونس - طارق القيزاني - من طارق القيزاني - يشعر سائق التاكسي مصطفى المصمودي بأن مورد رزقه الوحيد بات على كف مجهول بعد ان أعلنت الحكومة التونسية عن نيتها جلب العربات ذات العجلات الثلاثة والتي تعرف باسم "التوك توك".


"التوك توك"....عربات بثلاث عجلات غير مرحب بها بتاتاً في تونس
ويزاول مصطفى /54 عاما/ وهو أب لثلاثة أبناء، مهنة سائق التاكسي منذ نحو ثلاثين عاما بشوارع العاصمة لكنه اليوم تساوره مخاوفه بأن هذه المهنة تشارف على وداع العصر الزاهي لها مع قدوم الوافد الجديد على الطروقات التونسية.
ومجرد الاعلان عن الفكرة وحده أمر يثير الصدمة لدى سكان المدن والمناطق الحضرية، فلا أحد يرغب في استنساخ مشاهد الشوارع المزدحمة بالتوك توك في "دكا" و"دلهي" و"القاهرة" بتونس.
لكن بالنسبة لمصطفى ومثله نحو ستين الف تونسي يعيلون عائلاتهم عبر مهنة التاكسي، فإن مصدر قلقهم يتجاوز الاكتظاظ المروري وتعطل السير إلى إمكانية اعتماد العربات الجديدة كوسيلة نقل جماعية الأمر الذي سيهدد بشكل مباشر مصدر رزقهم.
وقال مصطفى وسط المئات من سائقي التاكسي الذين احتشدوا أمام مقر الحكومة التونسية بساحة القصبة بالعاصمة احتجاجا على مشروع التوك توك "نحن نعتبر أن التوك توك هذا مؤامرة ضدنا، وضعنا أصلا ليس بالجيد. أسعار السيارات والمحروقات في صعود جنوني والضرائب قسمت ظهورنا. ومع قرار الحكومة الجديد نعتقد ان الوضع سيزداد صعوبة".
وأضاف مصطفى لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) "التاكسي ليست ترفا في تونس، إنها موجهة لكل فئات الشعب ومع ذلك يريدون تهميشها اليوم. إذا كانت الحكومة تخطط لتلميع صورتها قبل الانتخابات فعليها ان تفكر في برامج إقتصادية أخرى فعالة".
وفي حركة رمزية وضع سائقو التاكسي عربة توك توك امام مقر الحكومة للتعبير عن احتجاجهم ومعارضتهم للمشروع.
وفي خطوة مفاجئة قررت الحكومة التونسية المؤقتة مؤخرا الشروع قريبا في تمويل برنامج لجلب العربات الجديدة إلى تونس قالت إنه يهدف لخلق فرص تشغيل والحد من نسب البطالة.
وبحسب آخر الإحصائيات يبلغ عدد العاطلين في تونس اكثر من 600 الف يمثلون نسبة 17.2 بالمئة على المستوى الوطني. لكن هذه النسبة تخفي تفاوتا جهويا إذ يمكن ان ترتفع نسبة البطالة إلى حدود 50 بالمئة في بعض المحافظات المحرومة والمهمشة خاصة بالمناطق الجنوبية وفي الشمال الغربي للبلاد.
وأمام تلك الارقام المقلقة للحكومة المؤقتة قد يمثل "التوك توك" منقذا في تلك المحافظات التي تشهد احتجاجات اجتماعية على مدار السنة وتطالب أساسا بالتشغيل.
وأعلنت وزارة النقل انها ستشرع بالفعل في تمويل برنامج لتوفير الآلاف من عربات "توك توك" سيتم توزيعها على مختلف جهات البلاد. وقال حمادي الجبالي أمين عام حركة النهضة ورئيس الحكومة، "في اطار برنامج القروض الصغرى، تعتزم الحكومة التشجيع على اقتناء الدراجات النارية ثلاثية العجلات في حدود 21 ألف دراجة بما سيمكن من إحداث حوالي 30 الف موطن شغل إضافي".  
وقال مراد البرهومي /35 عاما/ وهو صحفي بجريدة "الصحافة" المحلية ويتحدر من منطقة سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية لـ(د. ب. أ) "أعتقد ان تجربة التوك توك لن تنجح لا في سيدي بوزيد ولا غيرها من المحافظات في تونس لسبب ان مشكل النقل ليس مطروحا وليس ذو أولوية". 
وأضاف البرهومي "البرنامج كله مجرد صفقة ولن يحل مشكل البطالة المطروح. الشباب العاطل هنا في سيدي بوزيد وغيرها من الجهات يريدون مشاريع حقيقية واستثمارات. المطلوب الانطلاق في البناء والتشييد وتهيئة البنية التحتية هذا من شأنه ان يشجع على الاستثمار".
وحاولت وزارة النقل أن تبدد مخاوف باقي المؤسسات المستثمرة في قطاع النقل بأن أوضحت في بيان لها أن الدراجات الجديدة ستخصص حصريا لنقل البضائع والسلع من منتوجات زراعية وتجارية ونفايات صلبة وليس لنقل الاشخاص.  
وأضافت أن هذا البرنامج يستهدف الفئات الاجتماعية الضعيفة لتمكينها من مورد رزق عن طريق قروض صغيرة مباشرة، ويرنو الى إحداث حوالي 30 الف موطن شغل مباشر اضافة الى المساهمة في الرفع من القدرة التشغيلية للقطاع الصناعي وتعزيز مكانة المؤسسات الصغرى والمتوسطة داخل منظومة الانتاج الصناعي التونسي ودفع التصنيع داخل بعض الجهات الداخلية".
لكن تطمينات الوزارة لم تكن كافية لقطاع التاكسي وللاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية الأكبر في تونس.
وصرح قاسم عفية عضو المركزية النقابية للاتحاد العام التونسي للشغل لجريدة "المصدر" الالكترونية "ان اقتراح الحكومة الذي يقضي باستيراد 21 الف عربة 'توك توك' لا يعبر عن رغبة جدية في التوصل إلى حلول فعالة من شأنها ان تكون حلا لمعضلة البطالة".
 وقال عفية "عربة التوك توك لا تعكس مظهر تقدم أو رقي حضاري هي لا تليق بتونس. تونس ليست أفغانستان أو بنغلاديش".
وليس المسؤول النقابي وحده من يتبنى هذا الرأي. فبمجرد الاعلان عن المقترح تحول مشروع "التوك توك" إلى مصدر للنكات والتعاليق الساخرة بالصحافة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك".
وأذاعت قناة "التونسية" الخاصة فيلما غنائيا (كليب) أبطاله من عرائس تجسد شخصيات سياسية بشكل ساخر وهي تركب عربة "التوك توك" وتمتدحه، مثل رئيس حركة النهضة الاسلامية راشد الغنوشي ورئيس الوزراء السابق رئيس حزب حركة نداء تونس الباجي قايد السبسي.
وتناقل متصفحو الفيس بوك صور "التوك توك" على نطاق واسع من بينها صور تم معالجتها بالفوتوشوب لسيارات شرطة وسيارة رئاسية على منوال "توك توك"، أي بعجلات ثلاثة.
كما انتشرت صورة أخرى ساخرة لرئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي وهو يركب "التوك توك" ويصرح "أهدي 20 ألف توك توك للشعب 'المتكتك' (المختل باللهجة التونسية) الذي انتخبنا".
لكن بالنسبة للمنظمات البيئية والمرصد التونسي لسلامة المرور في تونس فإن "التوك توك" أخطر من أن يكون مجرد مزحة. فالطروقات المنهكة في العاصمة وكبرى المدن قد لا تكون مهيئة لاحتمال المزيد من الضغط المروري مع ما يمكن ان ينجم عن ذلك من مزيد من التهور على الطروقات.
وتشتهر تونس بحيازتها لأرقام مفزعة في حوادث الطرقات حيث تشير تقارير رسمية إلى أن معدل الحوادث المرورية يصل إلى 30 حادثاً يومياً تتسبب بمقتل ثلاثة أشخاص في المتوسط وجرح ما لا يقل عن 40.

طارق القيزاني
الاحد 30 ديسمبر 2012