نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

واقع الديمقراطية في سورية الجديدة

09/05/2025 - مضر رياض الدبس

(سوريا بين حرب أهلية ومشاريع تقسيم؟)

05/05/2025 - عبدالوهاب بدرخان

دلالات التصعيد الإسرائيلي في سوريا

04/05/2025 - العميد المتقاعد مصطفى الشيخ

السياسة المزدوجة

25/04/2025 - لمى قنوت


التويجري، الصدر الأعظم




إذا عدنا إلى مصطلح “وزير” في اللغة، لوجدنا معناها “خاصة الملك الذي يحمل ثقله ويعينه برأيه”. وفق هذا التعريف، حمل التراث لنا أخبار الوشائج البديعة بين الخليفة – أو الملك – وبين الوزير التي يمكن شرحها بعقل واحد في رجلين، كعلاقة الخليفة عبدالملك بالحجاج، وعلاقة ابنه سليمان بوزيره رجاء بن حيوة، وعلاقة الرشيد ببرامكته، وعلاقة محمد الأمين بالفضل بن الربيع، وعلاقة المأمون بسهل بن هارون، وعلاقة السلطان سليمان القانوني بصدره الأعظم إبراهيم باشا الفرنجي، وعلاقة السلطان سليم الثاني بصاحب دولته محمد صقلي باشا، وأخيرا علاقة الملك عبدالعزيز بوزيره عبدالله السليمان.


 
بدت علاقة خالد التويجري (رئيس الديوان الملكي السابق) بالعاهل الراحل عبدالله بن عبدالعزيز مزيجا من أساطير التراث وطفرات الواقع، إذ نجد متانة العلاقة المهنية التي جمعت عبدالعزيز بالسليمان، والعمق الشخصي الذي ضم القانوني مع الفرنجي، إضافة إلى انبلاج ملك، يشبه في رؤيته التحديثية وطموحه الجارف خليفة التنوير العباسي عبدالله المأمون وملك بروسيا الرائد (فريدريك الكبير)، بحث عن وزير يملك حسن تدبير رجاء بن حيوة وصقلي باشا، والروح الإصلاحية للصدرين الأعظمين كوبرلي باشا الأب والابن، فكان الملك عبدالله وأتى الوزير خالد.
لا يمكن قراءة علاقة خالد بعبدالله من دون تناول تاريخ عبدالله مع أبي خالد، الشيخ عبدالعزيز التويجري، الذي كان صاحب سره ومشورته منذ بداية عمله السياسي إلى مطلع الحكم حين انتقل إلى جوار ربه، ليضع القدر بين يدي عبدالله وزيرين من طينة واحدة، الأب عبدالعزيز والابن خالد، كما سخر التاريخ للدولة العثمانية وزيرين رائدين حملا نفس اللقب “المصلح الكبير”، محمد كوبرلي (الأب) وفاضل كوبرلي (الابن)، وكما سخر – أيضا – لمأمون التنوير سهل بن هارون وابنه الفضل مع فارق المآلات. عبدالعزيز كان شقيقا وجدانيا لعبدالله الذي أصبح – عفويا – أبا روحيا لخالد.
كانت طفولة عبدالعزيز التويجري يتيمة في بيت كادح تحت ظروف قاسية، بدأت الانفراجة النسبية في حياة أسرته حين عين الملك عبدالعزيز والده فأخاه أمينا لبيت المال في المجمعة، ثم عين عبدالعزيز نفسه أمينا لبيت المال ونقل أخاه أحمد إلى القصيم. تعين التويجري الأب في مؤسسة الحرس الوطني – وهو صاحب ممارسة بتطوعه في جيش عبدالعزيز إبان الخلاف السعودي مع إمام اليمن – قبل عبدالله. فوجئ الأمير الشاب الذي استدعاه الملك فيصل من معتزله البيروتي لقيادة الحرس – بعد الامير سعد بن سعود –  بالوشايات الملحة التي تستهدف الشاب عبدالعزيز، لم يتخذ الأمير العادل والحكيم موقفا من موظفه لأنه لم يجد عليه مأخذا، لكنه عقب سنتين من المعاملة المتحفظة، بعد تجربة (التويجري) والتأكد من نزاهته وشهامته ونبله وحنكته وبعد نظره وسرعة بديهته، قرر عبدالله أن يتخذ من (التويجري) خليلا وصديقا وأخا يقاسمه الشدائد قبل المسرات، وكان عبدالعزيز عند حسن الظن، كسب قلب عبدالله وعقله، وكسب احترام كبار الأسرة السعودية الحاكمة، وما ساعد في ذلك غير صفاته، تولهه بشخصية الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود الذي ترجمه في كتابيه “لسراة الليل هتف الصباح” و “عند الصباح حمد القوم السرى”.
عبدالعزيز التويجري إنسان فريد، أخذ من البادية معاني الرجولة السامية، وأخذ من الحاضرة انفتاحها وفضاءاتها وتمدنها، كان شغوفا بالمعرفة لدرجة قوله وهو على مشارف التسعين – رغم الإجماع على قطبيته الثقافية – “لو سمح وضعي لوددت دخول الجامعة”. يصف (التويجري) الأب نفسه: “ليس لي أستاذ واحد، كما أنني لست فيلسوفا، أنا تلميذ الحياة، الإسلام معتقدي والعروبة هويتي”. تبادل الإعجاب والمحبة مع عبدالله بن عبدالعزيز، وصدف أن عقليهما – وصفاتهما الشخصية –  من عجينة واحدة، فتكلل كل ذلك بثقة لا تنفصد وبتقدير لا يتزعزع. في السنوات الأخيرة من عمره سئل (التويجري) الأب عن الخوف من الوشاة بينه وبين رئيسه، فرد: “عبدالله بن عبدالعزيز نفسه قال كيف أصدق واشيا في من خدمني نحو نصف قرن”.
قام عبدالعزيز بأدوار تفوق دوره كوكيل ثم نائب للحرس الوطني، فقد كلفته الدولة بهمام خارجية متوالية – ومنها الاجتماع مع السياسي الأميركي الشهير هنري كيسنجر – ومراجعة أنظمة أو اقتراحها، وكان الرسول الأمين من عبدالله إلى إخوته. وهو دور تكرر مع خالد حين رأس الديوان لما رأيناه يستقبل مع كبار الأسرة الحاكمة أمير قطر ولما سافر مبعوثا ملكيا إلى رئيس مصر (السيسي)، حتى رفض عبدالله للوشايات تكرر، فمن يحسب عشرة خالد مع قائده عليه أن يبدأ من مشوار عبدالعزيز التويجري لا من تعيين خالد موظفا.
من يعرف تاريخ عبدالله يتذكر، أنه بعد وفاة الملك المؤسس عبدالعزيز، نبه مع بعض أخوته على الملك سعود ثم فيصل على حاجة البلاد إلى الإصلاح، انقسمت الأسرة في عهد سعود لخلافه مع ولي عهده، فحزم عبدالله حقائبه إلى بيروت معتزلا الجميع، وبعد أن استتب الأمر لفيصل عين عبدالله رئيسا للحرس الوطني ثقة وتقديرا. مطالبات عبدالله المبكرة بالإصلاح، تعكس نزعة تمرد في شخصيته، ظهرت لاحقا في تقريب متمرد آخر ناصري الهوى هو عبدالعزيز التويجري. رغم الرصانة المفرطة لـ (التويجري) الأب إلا أن جانب المتمرد لم ينطفئ داخله،  فصادق الصعاليك من أمثال الأديب المصري الساخر محمود السعدني الذي تحدث عنه في مؤلفاته وأهداه بعضها كـ “مذكرات الولد الشقي” و “الولد الشقي في المنفى”، وحين أراد (التويجري) أن يستكتب أقلاما تقدم مؤلفه عن بطله عبدالعزيز اختار اسمين علاقتهما باردة بالنظام السعودي: محمد حسنين هيكل ورياض نجيب الريس. وهذه ليست غريبة أيضا لا على عبدالله ولا على عبدالعزيز، فالنشاط الثقافي للحرس الوطني الذي قام به عبدالعزيز بمباركة عبدالله شهد – سنويا – اجتماع أهل العروبة والاستقلالية مع عبدالعزيز ورئيسه لتبادل الأفكار أو لصناعة التقارب. كانت (الجنادرية) – أيضا – مختبرا لأفكار عبدالله، فذات عام تناقش “خطورة حركات الإسلام السياسي” وذات عام تناقش “الإصلاح السياسي في العالم العربي”، وتجلى تمرد عبدالله ورجاله – مرة أخرى – في تكريم أديب التنوير السعودي الرائد عبدالله عبدالجبار.
قبل ربع قرن بدأت المسيرة المهنية لخالد في الحرس الوطني،  وكما يروي سلطان القحطاني بان التويجري الابن أراد قبل 30 عاما أن يصبح طياراحربيا، لكن تحفظ والده دفعه لدراسة القانون وانتسب بعدها لمؤسسة الحرس الوطني، وتدرج فيها أمام عبدالله بن عبدالعزيز الذي رأى فيه تويجريا مصغرا ومحدثا عن والده في الأخلاق والإخلاص والميل للعروبة (ذات مرة غادر خالد غاضبا ديوانية والده حين تطاول أحدهم على العروبة)، تعرض خالد للعديد من الصعاب والوشايات، لكنه انتصر على كل شيء حتى وصل إلى منصب سكرتير ولي العهد، وبعد استقالة محمد النويصر من رئاسة الديوان الملكي – عقب وفاة الملك فهد – منح عبدالله ثقته لخالد ليرأس ديوانه بعد شهرين من حكمه.
إن الجانب المتمرد في شخصية عبدالله يظهر دائما، يبدو أن أفكار خالد التي بثها في مجلة (المجلة) وصحيفة (الجزيرة) – وغيرهما من المطبوعات المحلية والدولية – قد راقت للزعيم الكبير، ونذكر – مثلا – سلسلة مقالات خالد في مجلة (المجلة) “السعودية التي نريد” التي لا يمكن الاستغناء عنها لسبر فكر خالد وفهم عهد عبدالله.
بدت سيرة خالد في الديوان نسخة من سيرة والده في الحرس الوطني ومع ولي العهد، فهو مثل عبدالعزيز في معاداة البيروقراطية والمعاملات الإدارية الطويلة من أجل خدمة المواطن والقيادة، والوشايات لم تتوقف بل توسعت عبر مواقع التواصل الاجتماعي والبرقيات وبعضها من علية القوم. أراد المغرضون ضرب خالد عند مليكه، فقالوا بأن الملك ليس بيده شيء وأن خالد هو الحاكم بأمره ليسيئوا بذلك إلى الملك المهيب المصلح كما فعلوا سابقا بوصفه ألعوبة في يد غازي القصيبي وإياد مدني.
الحقيقة أننا لا يمكن ان نتحدث عن عهد عبدالله وإصلاحاته من دون التطرق إلى خالد، فالعلاقة بينهما هي علاقة المقطوعة الموسيقية بالأوركسترا، فالتوجه والقرار والفكرة من الملك، وعلى رئيس ديوانه – وهو رجل القانون المعتق وخبير الإدارة الناجح – التدبير والتنفيذ من دون إغفال بصماته ومبادراته. ادعوا بأن خالد يمنع البعض من الامراء و”المحتسبين” عن مليكهم، وخالد ليس بيده القبول أو الرفض، ونسي البعض أنه حتى لو أراد أبناء الملك مقابلة والدهم عليهم أخذ الموعد من خالد بحكم مقام الملك وتقاليده، كما ان عبدالله تجاهل التذمر من خالد لمباركته العمل والشخص.
شن المتطرفون والفسدة والمتضررون من أوضاع سابقة، حربا شعواء على مشروع الملك الإصلاحي، شعبية الملك المحبوب وهيبته ورمزيته السياسية منعتهم من التطاول، لذا اتجهت سهام الهجوم إلى رجال الملك ومنفذي إصلاحاته وعلى رأسهم خالد التويجري بتهم التغريب والإفساد، وبإمكان المهتم مراجعة مقالتي “خالد دونه تدق أعناق الشبهات”.
تصوير خصومة (التويجري) مع بعض الأطراف كصراع شخصي ليس دقيقا، فتوجيهات الملك أرادت تقليم الفساد ونبذ التطرف ونشر التنوير وتعضيد الدولة وإرساء العدل وإشاعة التنمية واحترام الحقوق والحريات، ليأتي الانقضاض في أغلبه – ممن فقدوا امتيازات الفساد والوصاية أو انتهوا إلى الهامش – على رجال الملك هجوما مبطنا على الملك نفسه وامتعاضا من مشروعه. فصاحب القرار في المملكة – دائما – هو الملك لا رئيس ديوانه أو حاشيته كما يزعم الأقزام، ومشروع عبدالله هو مشروع الإصلاح والتنوير لا مشروع الإفساد والتغريب كما يزعم المتطرفون، ولا يمكن لأحد أن يحجب الحقائق عن رأس الدولة لأن مؤسساتها لا تختصر في شخص أو في دائرة.
هل حجب الديوان أحدا عن عبدالله؟! لم يحجب الديوان إلا أعداء مشروع عبدالله برغبة عبدالله، لأن وقت الحاكم أثمن من أن يضيعه مع أعداء الإصلاح وخصوم تمكين المرأة والمتعاطفين سرا أو علنا مع التطرف والإرهاب وأنصار التخلف والتخشب والرجعية، وهذا الحجب يسجل للديون لا عليه. مع ضرورة التأكيد دائما على حفظ حق النقد السوي وان عبدالله وفريقه بشر يخطئ ويصيب. علينا أن نتذكر ونتدبر جميعا، أنه قبل الملك عبدالله وصل الفساد وهدر المال العام إلى مستويات أسطورية – لن نتمكن من معالجته تماما إلى اليوم – وأن صوت التطرف كان السائد.
لم أقابل خالد أبدا وانقضت فرص المصالح المتوخاة إن وجدت، لكنني شهدت – بنفسي – بعض معروفه مع شهم أصيل من مساعديه إزاء شخص من البسطاء لم تجمعهما به قربى أو سابق معرفة. أوصى عبدالعزيز التويجري أبناءه، وعلى رأسهم خالد، بوصية الأديب الرفيع أحمد أمين “آمن بالله ولو ألحد الخلق، واعتصم بمكارم الأخلاق وبخدمة الناس”. ولحسن الحظ أن خالد أخلص لوصية والده، كما أخلص لوصية رئيسه حين أقسم على التفاني ونصرة المظلوم والرأفة بالضعيف والحنو على الفقير وخدمة المواطنين وإعزازهم خصوصا البسطاء منهم. الكل يتذكر ذلك المقطع اليوتيوبي الذي جثا فيه خالد عند أقدام مسن ليسمع شكواه ويلبي مطلبه. تعرض موظف سعودي في السفارة السعودية بفرنسا لحادث منعه من استكمال العمل، حصل رسميا على تعويض يقدر بخمسين ألف ريال، لم يكن المبلغ كافيا، فكتب سفير المملكة في باريس محمد آل الشيخ إلى الديوان مطالبا بالإنصاف، وتم ذلك فورا بمتابعة (التويجري) وكأن ذلك الموظف البسيط من خاصته. هذه القصص الصغيرة تعكس سيرة خالد المهنية على رأس الديوان، وقد قام بعمله تحت إرادة مليكه وخيراته حتى لو اضطر الأمر أن يقدم المساعدة بشكل شخصي مختتما جهده – دائما – بقوله “أنا مجرد منفذ لتوجيهات سيدي خادم الحرمين الشريفين”، ولم يكذب خالد ولم يتواضع. وعلى ذكر التواضع، كان عبدالعزيز التويجري يكره في مجالسه أن يكون موضوع الحديث، وقد ورث خالد منه حب العمل في صمت، والنفور من الأضواء، والتحسس من الثناء حتى لو كان حقا كهذه المقالة.
وصل التويجري مع زميله في الجامعة ونائبه خالد العيسى الليل بالنهار لتنفيذ توجيهات عبدالله والقيام بواجبات الوظيفة وخدمة المواطنين والوطن. وقد سجلوا أسماءهم بمداد من نور في قائمة أسماء الدولة الكبار الذين خدموا بلادهم وقادتها، ولعلنا نلتفت إلى تشابه (التويجري) مع بعض تلك الأسماء، فهو القيادي الراعي للثقافة والفنون والناجحين كمحمد سرور الصبان، وهو الشاعر الإداري كغازي القصيبي، وهو الذي تناغمت صلته وأسلوبه وأفكاره مع رئيسه لتثير استياء كثيرين ومقربين كحال أحمد زكي يماني زمن الملك فيصل، وهو الكريم المؤمن بالإصلاح وبالتنوير مثلهم جميعا.
ويمكننا أن نشير إلى تناغم عبدالله وخالد بمشهد – نقله التلفاز – من مهرجان الجنادرية، بدا عبدالله منتشيا وهو يسمع ويرى تصريحاته وخطاباته وأفكاره تتحول إلى أوبريت شعري غنائي من كلمات رئيس ديوانه، كما سعد بتصريح لـ (التويجري) الأب “أي امرأة لا تسعى لتحقيق كرامتها أو تعادي ذلك فهي جهولة ظالمة” وقوله “التطرف طريق المتاعب، سينتهي بنا إلى التصادم مع العالم ثم الخروج منه، لا بد من إشاعة ثقافة الحوار”.
مع الملازمة التي لا تفسدها الوشاية أو التقصير في العمل واستغلاله، وتماهي الأفكار، تحقق شرط العلاقة الكلاسيكية بين الحاكم عبدالله والوزير (عبدالعزيز ثم خالد)، لدرجة أننا نرى المشاهد تتكرر بحذافيرها: قبل عقود وقف الأديب الرائد عزيز ضياء في مجلس الامير عبدالله  الجامع لضيوف الجنادرية – بحضور عبدالعزيز التويجري – مطالبا بالإصلاح الشامل وعلى رأسه الإصلاح السياسي منتقدا تجمد الدولة، بدت ملامح الرضا على ملامح عبدالله فخورا بمواطن يصارحه وسعيدا بمناخ حر سعى لتحقيقه ومتأكد من أن هذا المشهد سيتناقله العرب إيجابيا عن بلاده. في ذلك المجلس كان يرقب المشهد الناقد الشاب عبدالله الغذامي، وتشاء الأقدار أن تستنسخ الصورة بحذافيرها، فها هو (الغذامي) يصارح الملك عبدالله – بعد إحدى لقاءات الحوار الوطني – بخطورة التطرف وطغيانه واختطاف التعليم ليتكرر حبور عبدالله، ويبدو أن (التويجري) الابن كان جالسا في مقعد أبيه.
توفي عبدالله بن عبدالعزيز، ومن حق الملك الجديد اختيار رجاله، وليس في ذلك إساءة لفريق عبدالله ولا انتقاصا من رجال سلمان، وفي الدول السليمة لا تقف المسيرة على أشخاص كما قال خالد نفسه “الوطن حاجة لا احتياج، الوطن أكبر من الأسماء”، لذا تم إعفاء خالد التويجري لكن ليس “بناء على طلبه”. أغلب من فرحوا بخبر الإقالة هم من سرهم نبأ الوفاة، وأولئك البعض من سقط المتاع. ترك خالد منصبه ولم تتوقف الإساءة، فبعد تهم التغريب والإفساد في الداخل بدأت فرية التآمر على الخارج، مع أن سياسة الدول – داخليا وخارجيا – يصعب اختزالها في شخص أو شخصين بمعزل عن مؤسسات صنع القرار ومتغيرات الواقع ومتطلباته.
لن ينسى الوطن خالد التويجري، فأعماله تشهد له، ونبله جبال شامخة أرستها دعوات الناس من أهل الشكوى والحاجة، وموقعه محفوظ في التاريخ تحت الظلال الوارفة لقامة عبدالله بن عبدالعزيز. إن خروجه من العمل الرسمي لن يمنع عطاءه لوطنه، ولعل الدولة – التي أعاد تأسيسها عبدالله – ستستعين بخبراته ومشورته عاجلا او آجلا. كان الوزير الرائد محمد عمر توفيق يشكو من “الغبار”، وقصده تلك الطبقة من المتلونين والمتسلقين والمتملقين التي تعيق المسؤول عن أداء عمله وتضيع وقته ولا تستحق اهتمامه وتسخر كل جهدها لحجب الحقيقة عنه، وقد حمد (توفيق) ربه بعد ترك منصبه لتخلصه من “الغبار”، وأعتقد أن خالد يجب أن يشكر ربه أيضا على تحرره منهم وفرزهم.
مع انشغال الصحافة والإعلام بتوديع ملك غادر وباستقبال ملك جديد مع فريق عمله، كتبت هذه السطور وفاء وامتنانا وتحية لرجل قدم الجهد المخلص لرخاء البلاد والعباد، وأثبت الكفاءة النادرة والنزاهة الناصعة في تنفيذ أفكار وتوجيهات الملك عبدالله وخدمته، فمن يحب عبدالله – قطعا وحتما – سيحب ساعده وأمين سره وموضع ثقته خالد ومن رافقه في الطاعة والولاء، لأن أجسادهم وثيابهم أطلال عطر الفقيد الغالي. كيف لا وخالد يعرف نفسه “جندي من جنود عبدالله” كما قال والده “حين أقول أنا فعلت أو نحن فعلنا، فليس المقصود عبدالعزيز التويجري، إنما إرادة وأفكار عبدالله بن عبدالعزيز وأنا مجرد منفذ. اشكروه ولا تشكروني، هو من يستحق الثناء لا أنا”.
التشابه بين عبدالله بن عبدالعزيز وفريدريك الكبير مثير، تسلم فريدريك بروسيا راكدة مختنقة متعصبة وتركها دولة متطورة سياسيا واقتصاديا منعمة بالتسامح الديني وحرية الصحافة كما رعى عبدالله التجديد الديني ودشن الإصلاح وفتح الإعلام في ظل انتعاش الاقتصاد، اهتم فريدريك بالعمارة تماما مثل عبدالله يوم لمعت في ذهنه فكرة المدن الاقتصادية وسار في توسعة الحرمين، كان عبدالله وهو يبني جامعة كاوست ويدعم التعليم يذكرنا بفريدريك وهو يؤسس من جديد أكاديمية برلين، والمهرجانات الثقافية والفنية التي أقامها فريدريك في بلاده تلفت النظر إلى رعاية أبي متعب لمهرجان الجنادرية ومبادرات  الحوار، حتى تركي الحمد الذي أهداه عبدالله قلمه وسجن أواخر عهده – بفرية الإساءة إلى النبي بعد وشايات – قصة تشير من بعيد إلى علاقة فريدريك بفولتير.  وخالد المتهم بالإصلاح (الذي هو التغريب عند المتطرفين) ابن رجل البادية الأصيل أتى كابن صياد السمك المتهم بتنصير الدولة العثمانية إبراهيم باشا الفرنجي (الصدر الأعظم لسليمان لقانوني) الذي قال عنه الشاعر الفرنسي لامارتين “لم تتوقف مسيرة إبراهيم لسبب أو جريمة إلا عظمته”.
بعد إعفاء خالد التويجري – المتوقع – من رئاسة الديوان، نتذكر أن عبدالله تلقى العزاء في إخوة دمه كما تلقى العزاء في أخ لم تلده أمه وأبوه هو عبدالعزيز التويجري، وها هو التويجري الابن يستحق التعازي في والده الثاني والأخير عبدالله. لم يفكر التويجري الابن في منصب أفل أو نفوذ تبدد،  فتش تفكيره عن طريقة تعيد الرجل “النائم” واقفا على قدميه – ولو على حساب حياة خالد – بلا جدوى. كأنه يسمع الجسد المسجى يرتل التسابيح في أذنيه وكأنه يشم عطره عبقا في الهواء. ووري الجثمان الثرى، وكأن الشمس سقطت على خالد لتتمكن الدموع. جمدت أطراف التويجري الابن وفقد الإحساس بنفسه وبالمكان وبالزمن، فهناك يد مألوفة تربت على كتفه بلطف، وصوت يعرف تفاصيل نبراته يهمس في أذنه بحنو: كفى حزنا، لقد تركتهم.. وسأبقى معك!.
-------------------
أنحاء - احمد عدنان
 
 

احمد عدنان
الاربعاء 28 يناير 2015