نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

دلالات التصعيد الإسرائيلي في سوريا

04/05/2025 - العميد المتقاعد مصطفى الشيخ

السياسة المزدوجة

25/04/2025 - لمى قنوت

نظرة في الإعلان الدستوري

26/03/2025 - لمى قنوت

رياح الشام

25/03/2025 - مصطفى الفقي


حراسة الأبنية في لبنان سباب وضرب و"بهدلة"في مهنة تدفع صاحبها مرغماً للتخلي عن كرامته




بيروت - فاديا عازار - هي ظروف المعيشة تدفع البعض لمزاولة مهنة حراسة الأبنية، "الصعبة" حسبما يراها أصحابها، حيث لا دوام، ولا حدود للخدمة التي يقدمها الحارس


حارس أحد الأبنية يدخن النارجيلة في مقر إقامته المؤلف من غرفة صغيرة ومطبخ وحمام
حارس أحد الأبنية يدخن النارجيلة في مقر إقامته المؤلف من غرفة صغيرة ومطبخ وحمام
معظم حراس الأبنية في لبنان هم من الشبان العرب الذين قذفت بهم ظروفهم إلى بلاد الأرز، يعملون في الحراسة أو في أي مهنة أخرى، ويصف هؤلاء مهنتهم بـ"القاسية "، لأن أمزجة السكان تحكمها، وما على الحارس سوى الاحتمال.

وحارس العمارة أو "الناطور" كما يسميه الناس هنا، الذي يعيش في غرفة أسفل البناية، مسئول عن كل صغيرة وكبيرة تخص سكان البناية ، وهو العالم بشؤونهم والملبي طلباتهم ، يعرف عنهم الشاردة والواردة ويقوم بمهمات لا يستطيعون إتمامها بسبب انشغالهم بأعمالهم.

ولا تنتهي وظيفة الحارس بتأمين الحماية للسكان أو رمي النفايات وتعبئة أنابيب الغاز، بل هو يقوم أيضاً بتوزيع فواتير الكهرباء والمياه والهاتف وغسل السيارات وفي بعض الأحيان قطع السجاد، وإصلاح الغسالات وبعض المعدات الكهربائية والصحية. وقلما تخلو بناية سكنية، خاصةً في بيروت من وجود حارس.

وقد ينسى البعض أن لدى هذه الفئة من الناس هموماً وأحلاماً وطموحات ودموع وأفراح وخاصةً كرامة، يغفل عنها كثيرون ويعاملون الحارس كأنه آلة عليها القيام بأعمال محددة.

وقال سعيد حارس أحد الأبنية في منطقة جبل لبنان لوكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ )وفضل عدم ذكر اسمه كاملاً "تركت مصر وأتيت إلى لبنان بطريقة التهريب ولم أكن يوماً أرغب بترك بلدي حيث كانت أحوالنا المادية جيدة وكان والدي يمتلك مصنعاً وسيارات للنقل ولكن الظروف اضطرتني إلى السفر بعد مرض والدي وتراكم الديون عليه ".

وتابع سعيد"تركت في مصر قلباً وحبيبة ، لطالما أردت الزواج بها لكن أهلها رفضوا بسبب ظروفي المادية ، ولا زلت أحب تلك الفتاة وأدعو لها بالتوفيق بعد أن تزوجت ورحلت ".

وأضاف "لست معتادا على "البهدلة" ، ولطالما شعرت بالانزعاج ، خاصة عندما يتم التعاطي معي من قبل سكان البناية ، بأسلوب استفزازي خالٍ من الذوق أو الاحترام ، فأقدم استقالتي فوراً، ولكن المسؤول عن البناية يمنعني من الرحيل".

ويتعرض الكثير من حراس الأبنية إلى المهانة أثناء قيامهم بعملهم بالإضافة إلى السباب والضرب أحيانا ً ، فيرد بعضهم الصاع صاعين بسبب رفضهم المهانة وينتهي بهم الأمر إلى السجن .

وقال سعيد "نحن بني آدمين ، وسكان البناية لا يعلمون شيئاً عن أصلنا ، ولا عن أهلنا ، ولا إن كنا متعلمين أو لا ، ومعظمهم يعاملنا كأننا آلات لا مشاعر لها ".

وتابع " هذه المهنة القاسية، تخولني التعرف إلى طبائع الناس، ظروفهم ، أخلاقهم ، ذوقهم ، إنسانيتهم ،وذلك من خلال طريقتهم بالتعاطي معي".

وأضاف "البعض يعاملني كأخ ، والبعض الأخر كعدو ، ولكنني قررت أن أحتمل مآسي هذه المهنة التي قد يمتد دوام العمل فيها حتى وقت متأخر ليلاً .. لا يهم ما تشعر به، تعب، راحة ، فرح ، حزن... المهم أن تنقل أغراض السكان وتلبي حاجاتهم في أي وقت، ، لقد تركت بلدي من أجل العمل ، وسوف أعمل كما يقول المثل المصري(سيب كرامتك قبل أن تسافر.)".

ويعتمد بعض السكان على الحراس في قضاء جل حوائجهم ويرون وجودهم "ضرورة مهنية وأمنية" خاصةً بعد انخراط معظم النساء في ميدان العمل ، فيما يحجم البعض عن التعامل معهم، وإن تعامل فبحذر، ويتهمونهم بالجشع والاستغلال والفضول والسمسرة وإفشاء الأسرار ونقل العادات السيئة (كتدخين النراجيل).

وقالت المحاسبة غادة حنا لوكالة ألأنباء الألمانية"هناك حاجة كبيرة لوجود "ناطور" في الأبنية السكنية بسبب انشغال جميع السكان رجالاً ونساء بالعمل ، فيتولى هو جمع فواتير الماء والكهرباء وملء خزانات المياه ، ونقل قوارير الغاز ورمي النفايات ، وإحضار الأغراض من السوبرماركت".

وتابعت حنا "لم أكن أرغب بوجود حارس في البناية التي أسكنها لو لم تكن جميع النسوة في البناية يخرجن إلى العمل خلال النهار بل كنت أرغب أن يتم التعاون بينهن جميعاً فتنجزن مستلزمات السكن بطريقة توزيع العمل ".

وأضافت "بالنسبة لي أنا أثق بـ"الناطور" أدخله إلى منزلي وأطلب منه مساعدتي في حمل بعض الأغراض الثقيلة أشرب معه القهوة أو الشاي وأعامله كما أعامل جيراني بحيث يحكم العلاقة تبادل العون والمساعدة كل حسب إمكانياته".

ويرى البعض أن أسلوب التعاطي مع الناطور يرجع إلى ما يحمله الإنسان في شخصيته من موروث ثقافي وفلسفة غالباً ما تكون دليل سلوكه مع البشر أجمعين .

وأشارت حنا إلى أن " البعض يتحدث إلى الناطور بفوقية ويطلب منه القيام بعمل ما بطريقة إستفزازية تجرح شعوره ". معتبرةَ أن "هذه الطريقة دليل قلة ثقة بالنفس حيث يسعى الإنسان إلى استفزاز غيره ليثبت أنه شخص مهم ".

ويرى البعض أن طبيعة شخصية الناطور تلعب دوراً أساسياً في بناء جسور الثقة مع السكان ، حيث ينبغي مسايرتهم وعدم إشعارهم بالانزعاج عندما يطلبون منه القيام بأي عمل ، ولكن الأمر لا يكون دائماً على ما يرام.

وقال حارس أحد الأبنية السكنية محمد حجاج لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)" ينبغي أن يتواجد الناطور في البناية 24 ساعة وإذا أراد الخروج عليه أخد الإذن من صاحب الملك أو المسئول، ومن واجبه تأمين نظافة البناية و صيانتها، وتحصيل الإيجارات وفواتير الماء والكهرباء، إنها مهنة صعبة".

وتابع حجاج"يمنح صاحب الملك الحارس سلطةً إذا أراد، فهو المسئول الذي يضع القوانين ويحدد الممنوع والمسموح "، وروى حادثة تعرض فيها للسباب من أحد السكان، فاشتكى إلى صاحب الملك الذي سارع إلى حمايته .

ويعتبر البعض أن تعامل بعض السكان بفوقية مع الحراس وممارسة السلطة عليهم وإذلالهم، إنما هو شكل من أشكال التعويض عن قهر ُمورس بحق هؤلاء السكان في مكان أو زمان مختلفين.

وقال حجاج" في البداية كنت مضطراً لخدمة السكان ليلاً نهاراً، لكن صاحب الملك منعني من ذلك وحدد لي عملي بالحراسة والصيانة والنظافة وتحصيل الفواتير ".

وتابع " أمتلك شبكة علاقات واسعة ولدي أصحاب من جنسيات متعددة ، مصريين ، سوريين ولبنانيين، بحكم وجودي في البلد منذ ست سنوات ، ولكن بالرغم من ذلك أشعر بالوحدة وخاصة أيام الأعياد ".

ويأمل نواطير الأبنية في لبنان أن يتم التعاطي معهم بوصفهم بشر من لحم ودم ، يفرحون ، يحبون ، يكرهون ، يشردون أحياناً إلى مناطق تركوا فيها قلوبهم ، ويحلمون على أمل أن تزهر أحلامهم يوماً

فاديا عازار
الاربعاء 22 ديسمبر 2010