تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

طبالون ومكيودون وحائرون

07/11/2025 - ياسين الحاج صالح

"المتلحف بالخارج... عريان"

07/11/2025 - مزوان قبلان

كيف ساعد الهجري و"قسد" سلطة الشرع؟

07/11/2025 - حسين عبد العزيز

” قسد “.. ومتلازمة انتهاء الصلاحيّة

07/11/2025 - رئيس تحرير صحيفة الرأي

مفتاح الشَّرع الذَّهبي

06/11/2025 - د. مهنا بلال الرشيد

هل يعرف السوريون بعضهم بعضا؟

29/10/2025 - فارس الذهبي

كلمة للفائزين بعضوية مجلس الشعب السوري

26/10/2025 - ياسر محمد القادري


حيّة ولكنها لا ترزق ... الشاعرة التونسية زبيدة بشير نموذج حي للمثقف التونسي المكبل بالقيود




تونس - صوفية الهمامي - زبيدة بشير صاحبة أول مجموعة شعرية في تونس ، حيّة ولكنها لا ترزق ،وزبيدة حالة نادرة بين المثقفين التونسيين، فهي أول شاعرة تجرأت على نشر أول مجموعة شعرية في تونس بعنوان "حنين" سنة 1968، كما كانت الصوت النسائي الوحيد الذي يسمع وسط مجالس المثقفين من الرجال، فقد كانت تتمتع إلى جانب ثقافتها العالية وتميز تجربتها الشعرية بشخصية قوية وآراء رافضة للقيود الإجتماعية المكبلة للإبداع في الستينات


الشاعرة التونسية زبيدة بشير
الشاعرة التونسية زبيدة بشير
الشاعرة والمذيعة أيضا زبيدة بشير، شغلت الناس في ذلك الوقت وملأت أخبارها وصورها الصحف والمجلات، لكن المفاجأة الكبرى في حياتها والتي نقلها على لسانها الباحث محمد المي، أنها لم تقصد يوما مؤسسة تعليمية للدراسة، ولم تجلس يوما في مقعد في مدرسة أو معهد ثانوي أو جامعة لأن والدها كان رجلا يرفض خروج بناته، وكي لا يحرمهن نعمة الدراسة والمعرفة هي وشقيقتها أحضر لهن أحد مشائخ العلم ليعلمهن الكتابة والقراءة وليلقنهن القرآن الكريم والعلم والمعرفة.

بعد صدور مجموعتها الثانية "آلاء" حققت زبيدة بشير المزيد من الشهرة إلى جانب الريادة، لكنها فجأة إختفت من المشهد الثقافي والإعلامي برغبة من نفسها، وقررت عدم الظهور وإختارت العزلة، في المقابل تلاشى أصدقاء الشعر ومحبيه أمام أميرة الشعر ونسوها ولم يبق منها سوى "آلاء الحنين"، واكتفت هي بمتابعة أخبارهم من خلال الصحف والمجلات، أما لماذا ترفض الظهور فذلك هو السّر الدفين في قلب زبيدة بشير حتى وإن صرحت لبعض المقربين أنها قررت الإنسحاب حين تغيرت أخلاق المثقفين إذ لا شيء يجبرها على البقاء في الأجواء الموبوءة. لكن على حدّ علمنا أن المحبطات غزيرة في حياة الشاعرة الكبيرة زبيدة ...
وكما يقول المثل "كم مات قوم وما ماتت مكارهم وكم عاش قوم وهم في الناس أمواتا"، فحين أطلق مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة "الكريديف" سنة 1995 ، إسم زبيدة بشير على جائزة تمنح لأفضل عمل يتناول المرأة يتم الإعلان عنها يوم الإحتفال السنوي باليوم العالمي للمرأة في 8 مارس من كل عام، لم تكن إدارة "الكريديف" تعلم أن الشاعرة على قيد الحياة.

والشاعرة سمحت لهم باستغلال إسمها وجعله وليمة لهم، وظلّت محافظة على صمتها وعزلتها، وقد حضرت خلال مرات معدودات إلى مقر"الكريديف" لتقديم الجائزة التي تحمل إسمها للفائزة خلال الحفل الذي ينتظم سنويا وتشرف عليه وزيرة المرأة.

تبلغ قيمة الجائزآلاف دينار التونسية توزع خلال حفل باذخ ينظم على شرف الفائزات والمدعوين والمدعوات، لكن تبقى القيمة الأساسية للاسم الذي يفوز بإسم زبيدة بشير لانه سيكبر باسم هذه المرأة.

ومنذ فترة قريبة تمكن الباحث محمد المي من زيارة زبيدة بشير في بيتها لمدة ساعة كاملة، وأظنها ضربة حظ حالفته أحسده علنا عليها، لأن هذه المرأة ترفض قطعيا الصحافة وتصر على الصمت.

أبلغني المي أن المرأة تسكن بطابق فيلا بالمنزه السادس على وجه الكراء يتولى دفعه أحد الأصدقاء، وأن أحوالها المادية متعبة جدا والأهم من كل ذلك أن لزبيدة بشير مجموعة شعرية تنتظر الطباعة والنشر تتفرج عليها كل صباح، نعم شاعرة تونس الأولى لا تجد ناشرا ينشر ديوانها، أين "الكريديف" الذي يستغل إسمها منذ سنوات دون أن يدفع لها حقها المادي، ولماذا لايطبع ديوانها والحال أن النشر من إختصاصاته.

المحير حقا، كيف تحتفي وزارة المرأة من خلال "الكريديف" بالمرأة الكاتبة، وتحتفل بها في يومها العالمي وتقدم للفائزات جائزة ترفع رصيدهن في بورصة الشارع الثقافي لأنها تحمل إسما كبيرا إلى جانب قيمتها المادية الهامة تتجاهل في ذات الوقت زبيدة بشير ولا تهتم لغيابها، وتشح أموالها أمام مجموعة شعرية لا يصل ثمن طباعتها ربع ما يصرف في الكريديف عن حلويات حفل الاستقبال.

أين وزارة الثقافة ممّا يحدث؟ كيف تسمح أن يتم إبتزاز دم مبدعيها؟ كالفنان وهو شاب قوي يهز أركان المسرح أو البطل في الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية، أو الشاعر وهو يصدح بصوته عاليا، إن المبدع يبتز أيما إبتزاز في رسم الصور الإعلامية اللاّمعة وفي تحريك بوصلة الإقتصاد، من خلال عطائه في الساحة الثقافية وحين يكون في أمس الحاجة للمساعدة بعد أن يسفح دمه على جميع الأرصفة يترك وحيدا يتقلب في سرير مرضه إلى أن يموت تاركا إسما لا يقدر.

بعض المبدعين في تونس يعيشون التهميش للأسف الشديد، والشاعرة الكبيرة زبيدة بشير إحدى هؤلاء، إن المبدع كائن هش سريع العطب، يسري في جسمه اليأس واليتم والخذلان إذا أحس بالنسيان فهو دائما بحاجة إلى من يزرع في قلبه الطمأنينة وأن وطنه يفتخر به ويحبه.

كيف يحدث هذا وتونس تنتظر إفتتاح مدينة الثقافة وهو مشروع رائد وجبار أذن به رئيس الجمهورية ورصدت له المليارات ليكون منارة للثقافة وخدمة للمثقفين، فضلا على أن ميزانية وزارة الثقافة تقدر بـ 5ر1 من الميزانية العامة للدولة، وفي تونس أيضا إذاعة ثقافية شعارها "تونس عاصمة للثقافة على الدوام"، بالمناسبة لا أعلم لماذا تبث لنا الإذاعة الثقافية"حماة الحمى يا حماة الحمى" في وضح النهار، قد تكون الصدفة بين سبابتي ومؤشر راديو السيارة الذي يروقني سماعه بصوت عال لأصد ما يصلني من الشارع، لكن كلما فتحته صرخ في وجهي "نموت تموت ويحيا الوطن"، لماذا لا "نعيش نعيش ويحيا الوطن" كما يريدها الشاعر أولاد أحمد.

ماذا لو خصصت وزارة الثقافة صندوقا ماليا من ميزانيتها الثقيلة لحماية المبدعين الذين يتقدم بهم قطار العمر ويقل إنتاجهم ويفاجأهم المرض، بل يموتون وهم في أمسّ الحاجة إلى بيت يسترهم ويد تواسيهم أو جرعة دواء تشفيهم أو بريق ضحكة تنسيهم الآلام التي يعانونها وحيدين في وحشة التهميش والنسيان والخوف.
إننا لا نخترع العجلة من جديد حين ننادي بإحداث هذا الصندوق فهو نظام معمول به في دول الغرب الأوروبية والولايات المتحدة ودول العالم المعاصر، لذلك نجد الإبداع مزدهرا لديهم والثقافة جزء من حيويات إقتصادهم ناهيك عن أن نجاح أية رواية أو كتاب في الغرب كفيل بأن يجعل مؤلفه مليونيرا خلال شهور قليلة، وقد يكون ذلك الكتاب الوحيد لصاحبه لأنهم يعلمون هناك جيدا إن نهضة الأمم لا تكون إلا بنهضة ثقافاتها وطمأنينة مبدعيها على حياتهم ومستقبلهم وحين يعلمون ذلك يعملون به أيضا.

يبدو أن الشاعرة زبيدة بشير المتنازع عليها بين وزارتي الثقافة والمرأة، على إعتبار أنها حين خيرت الخروج من جلباب الثقافة طوعا خطفتها وزارة المرأة، والمرأة التونسية تحظى بمنزلة رفيعة جدا وحاضرة في كل المواقع، قد إنتهى مشوارها الشعري على الطريق الملتوية الرابطة بين وزارتي الثقافة والمرأة إنطلاقا من القصبة وصولا إلى شارع الحبيب بورقيبة مرورا بجامع الزيتونة وسوق بيع الحناء والعطور، لكن زبيدة ستظل قافية منغمة تسكن في بيت شعري صادق وأنيق

صوفية الهمامي
الجمعة 27 نوفمبر 2009