نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

خديعة الرحمة

03/07/2025 - هناء محمد درويش

التريمسة...حين يلتقي العائد بظلّه

24/06/2025 - عبير داغر إسبر

انهيار إمبراطورية إيران

17/06/2025 - براءة الحمدو

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر

المفتي قبلان صاحب الرؤية

02/06/2025 - يوسف بزي


ماذا تريد سوريا من لبنان ..? من القطيعة الشاملة والعداء الى بناء نموذج مشرقي وقدوة




بيروت - حسن عبّاس - عقد مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية ندوة تحت عنوان "ماذا تريد سوريا من لبنان – مقاربة لبنانية". واشترك فيها الوزير السابق كريم بقرادوني والنائب السابق فارس سعيد. بين ما يجب على لبنان فعله وبين اتهام سوريا بعدم حسم خياراتها اللبنانية دار حديث المشتركين.


كريم بقرادوني
كريم بقرادوني
افتتح الندوة مدير المركز السفير عبد الله بو حبيب معتبراً أنه "بات في الإمكان الشروع في معالجة هادئة ورصينة وهادفة لملف العلاقات بين لبنان وسوريا اثر عودة بعض الحرارة إلى العلاقات بعد اعوامٍ من التصادم".
بدأ المداخلات الرئيس السابق لحزب الكتائب كريم بقرادوني، فأكد ان على لبنان أن يكون إلى جانب سوريا في أي صراع إقليمي وأن يقف معها في حال الصراع العربي - الإسرائيلي، ومعها في أي نزاع عربي – عربي لأن مصلحته تقتضي ذلك. ودعا إلى أن يبادر لبنان إلى بناء علاقات واضحة ومتينة مع سوريا مستندة إلى اتفاقات مكتوبة لأن مصلحة لبنان تقضي بأن تكون هناك أطر ثابتة وواضحة لهذه العلاقات، لافتاً الى "أنَّ الغموض في العلاقة يكون لمصلحة الطرف الأقوى في المعادلة، أي سوريا، ذلك أن موازين القوى تفرض نفسها".

وأضاف بقرادوني أنه "على رغم أن سوريا هي أكبر وأقوى من لبنان فإنه يستطيع أنْ يلعب دوراً كبيراً ويؤثر من خلاله، ولا تستطيع أن تتقدم سوريا من دونه، مشيراً إلى أنَّ نهضة سوريا اليوم في المجالات الإقتصادية والمصرفية يشارك فيها لبنانيون، مشدداً على أن لبنان يجب أن يقود المشروع العربي المستقبلي ومحاولة بناء علاقات مع سوريا وفي المشرق العربي تستوحي النموذج الأوروبي القائم على المصالح الإقتصادية المشتركة"، متوقعاً أن تذهب المنطقة في اتجاه إنشاء اتحادات إقليمية كبيرة تستند إلى احترام السيادة وايضاً إلى المصالح المشتركة. واردف ان "على لبنان وسوريا أن يشكلا مثالاً للتعاون وليس التناقض."
وجال بقرادوني على تاريخية العلاقات اللبنانية السورية. فقال "أن المقاربة التاريخية للعلاقات اللبنانية ـ السورية تقود إلى جملة من الإستنتاجات. الأولى أن أي قطيعة بين لبنان وسوريا وأي تحالف بين لبنان والخارج ضد سوريا يُترجمان بنزاعات داخلية في لبنان وتؤدي إلى عدم الإستقرار فيه، وهذا ما حدث في محطاتٍ عدة كثورة العام 1958 وحرب العام 1975 والتوتر الذي حصل بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري في العام 2005". وأوضح "أن افضل سياسة خارجية للبنان هي التي لا تثير مشكلة داخلية وأسوأ سياسة خارجية هي التي تُقدم إلى الخارج وتؤدي إلى فتن في الداخل، مذكراً بأن عناوين الخلاف الأساسية بين اللبنانيين في فترات النزاع كانت خارجية".
وانتقل الى الإستنتاج الثاني، ومفاده "أن سوريا في مقاربتها التاريخية تخشى من أن يكون لبنان مقراً للإستعمار والنفوذ الاجنبي وممراً لاستهداف النظام السوري"، مشيراً إلى "أن الإجابة على هذا التخوف السوري تكون من خلال طمأنة لبنان لسوريا وبناء علاقات وثيقة معها، وعدم السماح بالتآمر على النظام السوري من لبنان".
أما الاستنتاج لثالث فهو برأيه "وجوب عدم الموازنة بين إسرائيل وسوريا"، مشيراً إلى أنَّ في مرحلةٍ ما اعتبرت فئات لبنانية أنَّ هناك توازناً اقليمياً بين تل ابيب ودمشق، وتستطيع مواجهة سوريا وتحظى بحماية إسرائيل. وأكد انه "في حال الصراع العربي العربي، شدد بقرادوني على أن لبنان يجب ان يحاول ان يكون حيادياً في هذا الصراع لكن إذا اشتد لا بد له ان يقف إلى جانب سوريا.

بقرادوني استعاد عهد الرئيس الراحل الياس سركيس والتجاذب الذي حصل آنذاك بين مصر أنور السادات وسوريا حافظ الأسد. فأشار الى أنه "تبين عقم الإعتماد على مصر لمواجهة سوريا."
ولفت إلى أن اي سعي للخروج عن نظرية العلاقات المميزة بين لبنان وسوريا يعني الخروج عن الطائف، وهذا الخروج يؤدي إما إلى فتنة داخلية أو المطالبة بطائف آخر وهذا ما يجعل المسيحيين يدفعون ثمناً أكبر من موقعهم في السلطة.
وعاد الوزير السابق الى مرحلة تأسيس الدولتين، فأكد إنَّ هناك سوء تفاهم وثقة مفقودة بين لبنان وسوريا منذ الإستقلال، وإنه منذ الإنتداب كان السوريون يتحدثون عن "سلخ" لبنان عن سوريا ويؤيدون ضمه، وأنه في المرحلة الناصرية بدأ السوريون يطرحون الوحدة مع لبنان، أما في عهد كل من الرئيس الراحل حافظ الأسد ونجله الرئيس بشار، بدأ الخطاب السوري يتحدث عن التلازم بين البلدين. واشار إلى ان المرحلة الأولى من التعبير عن هذا التلازم كانت في "الوثيقة الدستورية" التي تم التوصل إليها في العام 1976 بين الرئيسين سليمان فرنجية وحافظ الأسد في محاولة لإيقاف الحرب والتي تمت فيها الإشارة إلى "العلاقات الخاصة" بين لبنان وسوريا، وقد شهدت هذه المرحلة الدخول السوري إلى لبنان. أما المرحلة الثانية من التلازم فتمثلت في مرحلة الطائف الذي استند الى ركيزتين أساسيتين، العلاقات المميزة بين لبنان وسوريا والإصلاحات الداخلية.

واضاف ان المرحلة الثالثة من التلازم بدأت مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري ووصلت فيها العلاقات إلى القطيعة ولم يعد هناك من تأثير لنصوص الطائف في مقاربة العلاقات اللبنانية السورية. وأكد بقرادوني أنه لا يوجد سوريا "واحدة"، موضحاً أن هناك تحولات في السياسة السورية في لبنان، إذ لم تعد دمشق تريد ضم لبنان. واشار في هذا المجال إلى تفهمه اعتماد المسيحيين الخائفين من سعي سوريا إلى السيطرة على لبنان خيار المواجهة المسلحة ضدها في فترة الحرب.
أما الدكتور سعيد فقد اعتبر "أننا اليوم أمام فرصة إختبارية جديدة تشكّل مناسبةً إضافية لتصحيح العلاقات اللبنانية – السورية، ترتكز على مساعٍ داخلية وإقليمية ودولية". واكد ان العلاقات اللبنانية – السورية شهدت تطوراً ملحوظاً في الفترة الأخيرة وعاد المسؤولون اللبنانيون إلى التنسيق مع سوريا في أمور المنطقة كما دلّت زيارات رئيس الحكومة سعد الحريري قبل زيارة واشنطن وبعدها.
وأضاف النائب السابق أنَّ هذا الأمر يشكِّل فرصةً لبناء علاقة من نوع جديد بين البلدين، خصوصاً وإنّ المنطقة على أبواب تغيرات مهمة نتيجة العقوبات المرتقبة على إيران التي تبدو جدّية جدّاً من قبل المجتمع الدولي بعد انضمام روسيا والصين إلى منطق العقوبات، والمساعي الجارية لإيجاد حل عادل للصراع العربي – الإسرائيلي. ورأى "أن من غير الطبيعي وغير المقبول أن تستخدم سوريا مجدداً لبنان ورقة تفاوض مع المجتمع الدولي أو الإسرائيلي نظراً للوضع اللبناني والإقليمي والدولي.

ولفت إلى أن هناك معطيات داخلية تتزامن تتمثل بإصرار الدولة اللبنانية على إقامة علاقات طبيعية مع سوريا وفقاً لإتفاق الطائف، مع معطيات إقليمية تمثّلت بالمصالحة العربية – السورية والتركية – السورية ومعطيات دولية تتمثّل برغبة المجتمع الدولي في إنخراط سوريا في حل الأزمة العربية – الإسرائيلية. وفي مقابل هذه المعطيات ترى سوريا نفسها محجوزةً بين مشهدين، الأول مشهد دمشق الذي جمع الرئيس السوري بالرئيس أحمدي نجاد والسيد نصرالله، والثاني مشهد اسطنبول الذي جمع الرئيس السوري بأمير قطر ورئيس الحكومة التركية. ورأى أن المشهد الأول يضع على جدول أعماله إسقاط نظام الإستكبار العالمي وبناء شرق أوسط جديد بمعزل عن إسرائيل واستمرار سياسة الممانعة للسلام، في حين ان المشهد الثاني يسعى إلى حلٍ عادل ودائم لأزمات المنطقة تنخرط فيه سوريا. واعتبر "أن سوريا لم تحسُم حتى الآن خياراتها وتوجهاتها الكبرى لأسباب تتعلّق بموضوعاتٍ عديدة ومعقّدة قد يكون منها موضوع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان."
وأشار سعيد الى "إن العلاقة اللبنانية – السورية وخصوصا المسيحية – السورية محكومة بسوء تفاهم عميق تعود أسبابه إلى المرحلة الإستقلالية الأولى". وقال "ان تيّار الشرعية التاريخية في الوسط المسيحي اعتبر أن إستقلال لبنان شكّل في العام 1943 إنتصاراً للخيار الوطني لأن البديل منه كان إستمرار الإنتداب الفرنسي، الأمر الذي كان يطالب به دعاة التيار الآخر عند المسيحيين في بحثهم عن ضمانة خارجية للوجود المسيحي في لبنان، في حين شكّل إستقلال لبنان صدمة لعددٍ من الأطراف الوطنية السورية التي نظرت إلى دولة الإستقلال على أنّها دولة مصطنعة أوجدها الإستعمار بعدما تمّ سلخ لبنان عن سوريا".

واردف ان لبنان الحديث وُلِدَ إستجابةً لفكرة الحرية التي تُحقّقُها طوائف متعدّدة تريد العيش معاً وتبني تجربة لا يهيمن عليها نموذج آحادي كاسح، أما في سوريا فقد احتلّت "القوة" منذ نشأتها الأولى موقعاً مركزياً في الأيديولوجيا الوطنية السورية. وهذا التقابل بين لبنان وسوريا ولّد صورة مشوّهة لطبيعة المجتمع اللبناني في الجانب السوري فأصبح السوريون ينظرون إلى التنوّع الثقافي على أنه فقدان للهوية وإلى الديموقراطية على أنها مظهر من مظاهر الإنحطاط وإلى المبادرة الفردية على أنها رمز للإستغلال الإقتصادي، مستنتجاً ان هذه الصورة المشوّهة حالت دون إقامة علاقات طبيعية مع لبنان إذ لم يقبل السوريون بهذا التمايز اللبناني واعتبروه مصدر خلاف معهم.
واضاف سعيد أن الدخول السوري عام 1976 إلى لبنان لم يساعد على حل هذا التقابل الحاد في نظرة المسيحيين والسوريين إلى بعضهم البعض، وأن الخلاف تفاقم بعد الإجتياح الإسرائيلي في العام 1982 حتى إتفاق الطائف في العام 1989. ورأى ان سوريا فرّطت في بداية التسعينات بفرصة ذهبية لتسوية الأوضاع مع لبنان تمثّلت بدعم البطريرك الماروني لإتفاق الطائف.
ولفت سعيد إلى إنّ التقابل الحاد بين طبيعة البلدين يبرز بشكلٍ واضح من خلال اعتقاد السوريين بتشجيعٍ من بعض المسيحيين اللبنانيين الذين اعتادوا على تسويق فكرة تحالف الأقليات في المنطقة أن بإمكانهم إستيعاب المسيحيين على قاعدة خوفهم من المسلمين، فتناوبت شخصيات ورؤساء وقادة جيش وقادة رأي وصحافيون مسيحيون على إقناع الموارنة بدءاً من الكنيسة بأن ضمانة المسيحيين في لبنان ترتكز على المقايضة التالية: دعم سوريا للمسيحيين في مواجهة مسلمي لبنان المتهمين بالسعي لتحقيق مشروع غلبة في عملية بناء الدولة بعد الطائف، مقابل تخلّي المسيحيين عن مطالبتهم بخروج الجيش السوري من لبنان.
واعتبر سعيد أنه تندرج في هذه المحاولات المتكرّرة الزيارات التي قامت بها شخصياتٌ مسيحية للرئيس السوري بشّار الأسد بعد إطلاق نداء مجلس المطارنة في 20 أيلول 2000 وإصرار سوريا على إستقبال البطريرك الماروني خلال زيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى دمشق والإغراءات المعنوية والمادية التي كان الجانب السوري يقدّمها باستمرار للمسيحيين تحت عنوان التوازن مع مسلمي لبنان.

ودعا سعيد إلى مشاركة سوريا ولبنان في بناء نموذج للعلاقات الثنائية من ضمن المشرق العربي، وقال إن المطلوب معادلة تحمي مصالح البلدين من خلال بناء مشرِق عربي حديث ومتطوّر يُعيد لهذه المنطقة دوراً فاعلاً في تطوير العالم العربي.
وختم سعيد بالدعوة إلى العودة إلى عظة الأب ميشال حايك في كنيسة مار جرجس في بيروت بعد حادثة 11 أيلول 2001 والتي جاء فيها: "مصيبتنا أننا نريد أن نفي بكل الأمانات لكثرة ما تعدّدت لدينا الإلتزامات والعروض والروابط، فكل يُريدُنا تغريباً وتشريقاً، هذا يغرّبُنا وذاك يُشرفنا، هذا يُعربنا وذاك يُجربنا، هذا يجُرنا إلى اليمين وذاك إلى اليسار بينما نحن طامعون دائماً بأن نكون نحن نحن".


حسن عباس
الجمعة 4 يونيو 2010