نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التريمسة...حين يلتقي العائد بظلّه

24/06/2025 - عبير داغر إسبر

انهيار إمبراطورية إيران

17/06/2025 - براءة الحمدو

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر

المفتي قبلان صاحب الرؤية

02/06/2025 - يوسف بزي

المثقف من قرامشي إلى «تويتر»

24/05/2025 - د. عبدالله الغذامي :

التانغو" فوق حطام المنطقة

22/05/2025 - عالية منصور


من"لمبارة" الرديف لمصباج ديوجين ...تونسيون يتهيبون صعود الجبال ليعيشوا أبد الدهر بين الحفر




تونس - صوفية الهمامي - " من مفارقات الزمان أننا كنا نموت لاخراج المستعمر من بلادنا اما اليوم فنموت للوصول اليه " لماذا ؟ لأن هناك من يمارس القمع بكل أساليبه في بلداننا ويحاول أن يسكت الأصوات الحرة في الصحافة والحياة وان كانت مراسلة " صحيفة الهدهد الدولية " في تونس قد أختارت الرمز لتحكي عن جزء من معاناتها مع بعض الذين يكرهون الحرية في الاعلام التونسي الرسمي فإننا في المطلق لسنا بحاجة الى الرموز لنقول أننا لا نخاف هذه الممارسات ولن تثنينا أساليبب الحجب والمنع والتضييق على العاملين معنا في بعض البلدان العربية من ممارسة ما نعتقد أنه حق طبيعي ومشروع لنا ولشعوبنا وهو البحث عن المعلومة أنى وجدت ونشرها دون رتوش أو تزويق أو تحريف فمن حق الناس أن تعرف ما يحيط بها في الظروف الطبيعية فما بالك حين يكون هناك مآس وضحايا أبرياء دفعوا حياتهم ثمنا لفساد سماسرة ومقاولين جشعين وإهمال بيروقراطية متعفنة ومتعاونة أحيانا مع بعض أشكال الفساد كما أثبت التحقيق الذي نشرناه عن فيضانات بلدة الرديف التونسية مطالبين بأسم سكان البلدة بالتحقيق في تلك الجرائم


من"لمبارة" الرديف لمصباج ديوجين ...تونسيون يتهيبون صعود الجبال ليعيشوا أبد الدهر بين الحفر
لنفق من البداية أن "اللّمبارة" لمبارتي وأنا حرة بأن أفعل بها وفيها ما أشاء، ولمبارتي ليست كلمبارة المخرج السينمائي أصيل مدينة الرديف الهادي العبيدي، فاللمبارة عند العبيدي كانت عنوانا لشريطه السينمائي الطويل الذي عالج فيه ظاهرة الحرقان أو الهجرة السرية إلى دول أوروبا القريبة من تونس.
فمن مفارقات الزمن، أننا البارحة كنا نموت لأجل إخراج المستعمر واليوم نموت لأجل الوصول إليه، وبدل أن ينجز الهادي العبيدي فيلما عن أمجاد الأباء والأجداد ونضالهم، وجد حاله يشعل اللمبارة للحد من تلك الظاهرة التي أكلت ومازالت فاتحة فمها لبلع شبابنا.

أما لمبارتي فهي لمبارة حقيقية أقلبها بحب بين يدي، وبإمكاني أن أخزن فيها زيتا مثلا أو قمحا أو بارودا، أو أن أستغلها كما فعل أهالي الرديف مند عهد فيليب توماس الفرنسي الذي إكتشف مناجم الفسفاط حين جعلوا منها مولدا ذكيا للطاقة وأشعلها في بيتي لتفادي فاتورة الكهرباء القاسية.
سعيد، الذي لم يكن سعيدا بوضعه هو من أهداني اللمبارة، حين زرته في بيته بالرّديف وأنا أجري تحقيقا حول مأساة تلك المدينة نشر قبل فترة ب"صحيفة الهدهد الدولية"، لكن البعض ولسوء فهمهم لم يرق لهم كشفي عن حقيقة أحتفظ بمبرراتها، رغم أن ما نشر ليس إلا نقطة في الفياضانات التي عمت الرديف.
لكن لأجل عيون سعيد الحزينة الذي تنازل لي عن أغلى ما ورث من جدّه، قررت أن أخزن ما كتبته عن الرديف في لمبارتي. أي أن المقالة في اللمبارة وسبابتي على الزناد، ربما أفجرها حين تتلبد الغيوم لتتدفق عبر أصابعي أحداث مدهشة قد يعلو صراخها.
فإذا كانت اللمبارة تقتصر على إضاءة ظلمات المناجم بحثا عن لقمة العيش وانتزاعها عنوة من فكها المفترس، فإن مثل هذا الصراع الشريف المستميت قي سبيل بناء الحياة والدفاع عن قيمها واستمراريتها، تقابله نظرة عبثية تلوذ بملذات الحياة الجاهزة وتهرب من مخاطرها وتتهيب من صعود الجبال حسب تعبير الشابي ليعيشوا هم وليس أصحاب اللمبارة أبد الدهر في ظلام الحفر.

وليتهم تصرفوا في أقل التقدير كالفيلسوف اليوناني ديوجين، الذي كان يحمل مصباحه في وضح النهار والشمس في رابعة السماء، بحثا عن الحقيقة، وأنا واثقة من أن ديوجين نفسه لو عاش تجربة اللمبارة وأهل الرديف، لاستغنى عن مصباحه الفلسفي ونزل مع عمال المناجم بحثا عن كبد الحقيقة في لقمة العيش، بدلا من التفلسف والتطواف في المدن الصناعية وممّرات الصحف الورقية وأعمدتها الكلامية الخاوية من عصب التجربة وحرقة المعاناة.
فما أحوجنا اليوم للوقوف إلى جانب اللمبارة والقابضين على نارها وجمرها الليلي الفاحم، في محاولة مستميتة منهم لإخراج رغيف الشمس من تنور الظلمة، قبل أن تشعشع الآفاق بها ويطل الصباح معلنا ولادة الحقيقة التي يبحث عنها ديوجين في معراجه الفلسفي، فلابد من وخز الشوكة قبل قطاف الوردة، ولابد من لسع النحل قبل جني العسل.
هكذا لابد أن من تحمّل سواد الغيوم الداكنة على رؤوسنا في السماء قبل انهمار المطر، لنراه يسقي الزرع والشجر، إذن لابد من اللمبارة لكي يولد منها مصباح ديوجين، ولابد من عذاب المناجم لكي تخرج منها عذوبة الحياة، ولا مجال بعد ذلك بأن يدفع أحد رأسه في رمال الصحف وغبار الكلام وغياهب التنظير الفلسفي لكي يدعي أنه يمتلك الحقيقة دون أن يحمل مصباح ديوجين أو يحترق بنار اللمبارة اللاسع.
الرديف أهدتني لمبارة عتيقة قد يفوق سنها المائة عام أكلها الصديد، لكنها مازالت تحتفظ بجمالها ومازالت صالحة للإضاءة. والأكيد أنها ستنير أيامي وطريقي مستقبلا، وأنا سأكتب، وحين لا أكتب سأعاقب ذاتي، وإلى ما لا نهاية، سأكتب بالجمر فوق أفق الحريق لأن مزاجي لا يساعدني على الهرب من دائرة الكتابة لسبب بسيط وهو إنني أقف خارج تلك اللعبة المبتذلة، وإني أرفضها، وأرفض مقايضة روحي مقابلها.
ولحريق اللمبارة بقايا...



صوفية الهمامي
الاثنين 4 يناير 2010