وحدثت أغلب ثورات الـ«تويتر» والـ«فيسبوك» تلك منذ 3 أو 4 سنوات، لكنها تبدو وكأنها حدثت منذ زمن طويل. لقد تعلمت الحكومات الكثير من الربيع العربي، والحركات الاحتجاجية الأخرى، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي شركات ناضجة يجب عليها الحفاظ على علاقات جيدة مع السلطات، كما تفعل الشركات. وأثبت الـ«فيسبوك» ذلك مؤخرا، حين حجب فعالية تدعو سكان موسكو إلى التجمع خلال شهر يناير (كانون الثاني) دعما للناشط المناهض للفساد أليكسي نافالني، الذي من المتوقع أن يصدر ضده حكم بالسجن لمدة طويلة على خلفية اتهامات ملفقة.
منذ ظهور نافالني، بوصفه أكثر الزعماء مصداقية لـ«ثورة الثلج»، التي لم تكتمل عامي 2011 و2012، وسلطات تطبيق القانون الروسية تلاحقه وتضيق عليه الخناق. ويقضي حاليا حكما مؤجلا بتهمة سرقة مزعومة لأخشاب من مشروع تابع للدولة، وهي جريمة ملفقة لم يستفد منها نافالني على المستوى الشخصي، كما يقر ممثلو الادعاء العام أنفسهم.
وتم اتهامه هو وشقيقه، الذي يعمل في هيئة البريد الروسية، بتأسيس شركة دعم لوجيستي زعموا أنها تورطت في خداع شركة أدوات التجميل الفرنسية «إيف روشيه» بالمطالبة بمبالغ مالية أكبر من المستحقة، مقابل خدماتها. وأنكرت الشركة الفرنسية تكبدها أي خسائر بسبب أنشطة نافالني، ومع ذلك استمرت المحاكمة.
وكانت تعليقات الناشط في ختام المحاكمة في غاية الحزم والقوة، حيث قال: «لم أتفق أبدا مع النظام الذي تأسس في هذا البلد، لأن هدفه هو سرقة جميع الحاضرين هنا اليوم».
وعندما صدر ضده حكم في قضية السرقة خلال العام الماضي، تجمع بين 5 إلى 10 آلاف شخص بالقرب من الساحة الحمراء للمطالبة بإطلاق سراحه. وربما أجدى هذا نفعا، كما أوضح نافالني لاحقا، أو ربما كانت هناك مشكلة فنية في النظام القانوني البيزنطي في روسيا، لكن سرعان ما حصل على إطلاق سراح مشروط. لن يترك مؤيدو نافالني هذه المرة مجالا للصدفة، ويحاولون تنظيم مظاهرة في 15 يناير (كانون الثاني)، وهو تاريخ النطق بالحكم. لم يقر «فيسبوك» بحجبه الصفحة بشكل مباشر، لكن ذكرت «روسكومنادزور»، هيئة الرقابة الرسمية على الإنترنت في روسيا، أن حجب الصفحة تم بناء على أوامر صادرة من مكتب ممثل الادعاء العام، الذي قال إن المظاهرة المعلن عنها لم تحصل على تصريح. كذلك تم حجب الصفحتين اللتين تعلنان عن المظاهرة على موقع «فكونتاكتي»، ومدونة «لايف جورنال».
كانت تلك الخطوة هدية من السماء بالنسبة إلى فولكوف والمتعاطفين مع نافالني، فقد تحولت المظاهرة إلى قضية دولية مشهورة بعدما كتب مايكل ماكفول، السفير الأميركي الأسبق في موسكو، على حسابه على موقع «تويتر» معلقا على الحجب، ونشرت صحيفة «واشنطن بوست» موضوعا عن الحجب، أشارت فيه إلى أول تعليق من موقع الـ«فيسبوك»، وهو أنه «يحقق في الأمر». أخبرني متحدث باسم الـ«فيسبوك» إنه لن يكون هناك أي تعليق رسمي على الحجب.
وأيا كانت نتيجة التحقيق، فالحدث الأصلي بات مخفيا عن الأنظار في روسيا، لكن هناك فعاليات أخرى نُظّمت فيما بعد، ويمكن الاطلاع عليها. الأمر الأكيد للغاية هو أن السلطات الروسية طلبت من الـ«فيسبوك» حذف تلك الفعاليات الأخرى أيضا، فهم لديهم ما يمكنهم من تتبع جميع الروابط، لكن لم يعد في مقدور الشركة الأميركية الإذعان لها. وحيث إن الـ«فيسبوك» رفض التعليق، فسآخذ على عاتقي اقتراح 3 أسباب محتملة لهذا التغيير.
الأول هو أن «تويتر» رفض حجب تغريدتين تعلنان عن مظاهرة 15 يناير، واكتفى بإعادة إرسال شكاوى المحتجين إلى السلطات. ولن يليق أن يبدو موقع «فيسبوك» في موقف ضعف مقارنة بمنافسه. أما السبب الثاني فربما يكون أن عدد مشتركي كل من «فيسبوك» و«تويتر» في روسيا يقل عن الـ10 ملايين، وهو ما يمثل نسبة ضئيلة من إجمالي المشاركين حول العالم.
أما السبب الأخير، فربما يكون أن الـ«فيسبوك» شركة أميركية، ونظرا للعلاقات الباردة بين واشنطن وموسكو هذه الأيام لا تريد إدارة الشركة أن تُتهم من قبل دبلوماسيين سابقين وصحافيين سياسيين بالتواطؤ مع الكرملين، مقابل الحصول على أموال بوسائل قذرة.
لم تكن لتظهر أي من تلك الأسباب على الساحة، لولا حجب الـ«فيسبوك» للفعالية الأصلية. الآن بدت الأسباب فجأة ذات صلة، وكانت مؤشرا سلبيا بالنسبة للمحتجين في كل مكان، وليس فقط في روسيا.
يجب على نشطاء المعارضة في كل مكان إدراك حاجتهم إلى الاعتماد على وسائل أخرى من أجل تنظيم أنفسهم على الإنترنت. من تلك الوسائل تطبيق «فاير تشات»، الذي ابتكره للمفارقة مهندس برمجة روسي.
--------------------------
الشرق الاوسط
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»