نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


أخيراً.. العرب يقرؤون






"أمة إقرأ لا تقرأ"، و"العرب لا يقرؤون"، عبارتان كانتا جزءاً من العبارات الجاهزة الناجزة في قاموسنا الثقافي الشعبي العربي والإسلامي، وأصبحنا نتعامل معهما كمسلّمات ويقين لا يأتيه الباطل!.

العبارتان وإن صحّتا مدة من الزمن، خصوصاً في سبعينات وثمانينات وتسعينات القرن الماضي، فإنهما لا تمثلان تاريخ العرب والمسلمين في التعاطي مع القراءة والإنتاج المعرفي والفكري والثقافي، ولا يجب أن تمثلا مستقبله كذلك، وإن كانتا ترميان -وإن من غير قصد- إلى مصادرة المستقبل أو تزهيدنا فيه.


 

منذ سنوات قليلة، بدأ الوضع يتغير، في معادلة يسهل تفكيك مجاهيلها حيناً، ويصعب أحياناً، ولن أجد كبير عناء في إثبات أن معدل الزيادة في صناعة الكتاب العربي وتسويقه وقراءته ونقده تجاوز كل التوقعات والطموحات، حتى صار بإمكاننا القول إن تلك الزيادة تمثل طفرة! وما علينا سوى متابعة مستجدات دور النشر التي تتكاثر يوماً بعد يوم في الوطن العربي والشتات، ومراقبة عدد زوار معارض الكتب في العواصم والمدن العربية، والأهم من ذلك -فيما أرى- تكاثر منصات بيع الكتب عبر شبكة الإنترنت، ورواج منتجها وتجارتها.

الصعب في تفكيك القضية يكمن في إمكانية فهم انتشار الكتاب الورقي في زمن رقمنة الحياة، فبعدما شاع الكتاب الإلكتروني وفاض، قيل إنه سيقضي على القراءة الورقية التي بدأت تنكمش صحفياً من خلال إيقاف بعض كبريات الصحف العربية والعالمية طبعاتها الورقية واكتفائها بالنسخة الإلكترونية، إلا أن ذلك لم ينسحب على الكتاب الفكري والأدبي الذي تجاوز التوقع والمأمول فانتشر بدل أن ينحسر وراجت صناعته بدل أن تضمحلَّ وتموت!.

ولا يمكن بطبيعة الحال عزو ذلك إلى محبة القراءة الورقية والاستمتاع برائحة وملمس الورق

المناخات الملائمة: مناخات الحرية التي تُعدُّ الضرورة الأولى والأقصى لأي إنتاج فكري أو أدبي أو معرفي

كما يقول قرّاء في تفسير الحالة، ولكن يمكن تلمّس مقدمات هذا النمو في قطاع الكتاب والقراءة بتوافر مناخات ملائمة للإنتاج والاستهلاك، وابتكار طرق للتوزيع.

أعني بالمناخات الملائمة: مناخات الحرية التي تُعدُّ الضرورة الأولى والأقصى لأي إنتاج فكري أو أدبي أو معرفي، ففي تلك الحقبة التي قيل فيها إن العرب لا يقرؤون، كانت تجثم أنظمة تقطع الهواء عن الشعوب وتمنعهم من إنتاج الأحلام حتى خُيِّل إليهم أنها مراقبة!.. كما عملت تلك الأنظمة على تشويه صورة المثقف وعزله عن الناس، ومَن تمرد من الكتّاب والمثقفين تمت معاقبته ليس بالسجن والتعذيب فحسب، بل بتشويه سمعته من خلال إلصاق تهم تمس شرفه وسلوكه كي يستحيل شاذاً بدل أن يصوّره أبناء مجتمعه كبطل!.

هذه العقود السوداء جعلت الكاتب يكمن ولا يذبل، وما إن أتيحت مناخات نصف ملائمة حتى خرج من قمقمه مستعيداً سيرته الأولى، فالثورات العربية كانت دليله إلى القول وعدَّته التي يحتاجها للإنتاج، ولا يقتصر ذلك على الكتّاب المعارضين، فالموالون كذلك استثمروا المناخات أو استفادوا منها كعادة أي انتهازي، إلا أنهم لم يعترفوا بفضل ثورات الحرية، وإن كانوا عاجزين من قبل ومن بعد عن ابتكار أسباب أخرى.

نستعيد، من غير تفسير، عصور ازدهار الثقافة وصناعة الكتاب والمحتوى عند العرب والمسلمين، ولعلّ بعض العصرين العباسي والأندلسي كانا أبرزها، ولو عدنا الآن بقراءة بسيطة ومقارنة مع راهننا لوجدنا المشتركات التي تقول بتوفر مناخات من التعددية الفكرية والسياسية والامتزاج الثقافي، وهو ما يميز بعض عصرنا العربي هذا، فكم من سوري وعربي خاض مغامرة النشر وصناعة الكتاب في دول

ليست الساحة العربية الداخلية بسيئة راهناً في هذا المجال، فثمة منتجون ثقافيون علا كعبهم وتجاوزوا المؤسسات الحكومية المعنية بالإنتاج الثقافي بأزمنة

الشتات ولاقى نجاحاً مذهلاً، حتى إن دور نشر عربية صارت رقماً مهماً في عالم النشر وهي ما زالت في طور النشأة ولم تتجاوز الثالثة من عمرها!.

وليست الساحة العربية الداخلية بسيئة راهناً في هذا المجال، فثمة منتجون ثقافيون علا كعبهم وتجاوزوا المؤسسات الحكومية المعنية بالإنتاج الثقافي بأزمنة، ليس في صناعة الكتاب وحسب، وإنما في حشد المثقفين والكتّاب وربطهم ببعضهم وبالمتلقي من خلال مهرجانات وندوات وورش عمل عابرة للحدود والقيود.
وإنه لمن المبشّر أن نرى على وسائل التواصل الاجتماعي التي تحكم عصرنا وتتحكم به -غالباً-، تحديات تتعلق بالكتاب كتحدي القراءة الذي انتشر وراج منذ أيام، كما أن صور استعراض الكتب ومقتنيات زوار المعارض منها ومباهاتهم بكتبهم ومكتباتهم.. صارت حاضرة بقوة، تحض على استكشاف عالم موغل في المغامرة، وإن اعترض البعض قائلاً إن في ذلك حالة استعراضية، نقول إن الاستعراض في هذا المقام ربما يغري أحداً ما بالمحاولة، فهو حض على الخير في كل حال، وإن قال آخر إن للرواية وانتشارها دوراً في استشراء تلك الحالة، نقول له: شكراً للرواية ولكل من يحاول، أما ما يعتني منها بـ"الموضة" ويستقصي الشهرة الفارغة فسينُسى، وأما ما يراكم الجمال ويجتهد في إبداع آليات سردية متطورة فسينمو على طريق أمجاد الإنسانية.
--------------
تلفزيون سوريا


ياسر الأطرش
الجمعة 29 مارس 2019