نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


أزمات متلاحقة في أم الدنيا ...المصريون بين مطرقة إنفلونزا الخنازير و الطيور وسندان الكثافة البشرية




القاهرة - تغريد عاصم - يبدو أن الأزمات والمشكلات لا تفارق المصريين، فبعد وقت قصير من ظهور مرض أنفلونزا الطيور على أرضها التي وجد فيها تربة خصبة للانتشار، حل عليهم ضيف جديد يدعى "أنفلونزا الخنازير".


التلاميذ المصريون يحرصون على استخدام الكمامات الواقية.
التلاميذ المصريون يحرصون على استخدام الكمامات الواقية.
وكان فيروس "إتش 5 إن 1" المعروف باسم "أنفلونزا الطيور" ، ظهر في مصر لاول مرة في شباط/فبراير عام 2006، حيث تعتبر تربية الطيور المنزلية نشاطا معتادا ومهما في المدن والقرى المصرية على حد سواء، إلا أن الإجراءات الاحترازية التي اتبعتها الحكومة المصرية مؤخرا للقضاء على المرض أجبرت بعض الأسر على التخلي عن تربية الطيور.
و تقول حميدة /38 عاما/ التي تعمل ببيع الخضروات في أحد الأسواق الشعبية المصرية أنها اعتادت تربية الطيور منذ طفولتها عندما كانت تجد أمها تقوم بذلك ، حيث كانت تعتمد على ذلك في توفير جزء كبير من نفقات المنزل ، إلا أن كثرة الإعلانات التي شاهدتها مؤخرا في التليفزيون حول المرض جعلتها تخشى القيام بذلك مجددا.

فيما يقول أحد أصحاب متاجر بيع الدواجن: "أصبحت تجارة الدواجن غير مستقرة بعد انتشار المرض في مصر بصورة ملفتة للنظر ، وصرنا حائرين بين إرضاء الزبائن الذين يرغبون في الحصول على دواجن يتم ذبحها أمام أعينهم وبين قرارات الحكومة التي تحظر بيع الدواجن الحية".

وعلى الرغم من إجراءات الحكومة العديدة لمحاولة احتواء المرض، تظل هناك بعض المناطق الشعبية والقرى الفقيرة التي يضطر سكانها إلى الاستمرار في تربية الطيور المنزلية بإخفاء أماكن تربيتها، الأمر الذي يتسبب في وجود حالات وفاة متكررة داخل مصر.

ولهذا السبب اتجهت الحكومة المصرية إلى الاستعانة بمطربين شعبيين في عمل إعلانات توعية بالمرض. ومن أمثال ذلك الاستعانة بالمطرب الشعبي شعبان عبد الرحيم في تقديم سلسلة من الإعلانات البسيطة في مضمونها والتي تخاطب عامة الشعب ولاسيما البسطاء منهم. وقد شهدت مصر أعلى نسبة إصابة بفيروس أنفلونزا الطيور خارج آسيا حيث سجلت البلاد 87 إصابة بالمرض حتى الآن و27 حالة وفاة، وفقا لإحصاءات وزارة الصحة المصرية.
ومما زاد الأزمة سوءا هو تشابه أعراض المرض الشرس مع أعراض مرض أنفلونزا الخنازير سريع الانتشار، حيث عادة ما يصاب المريض في الحالتين بارتفاع فى درجة الحرارة والتهاب بالحلق.

ويؤكد نائب وزير الزراعة ورئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية الدكتور حامد سماحة أن مصدر الخطر يكمن في توطن مرض إنفلونزا الطيور في مصر، وهناك مخاوف من أن تساعد الخنازير على تحوره لينتقل من الإنسان للإنسان.
ورغم أن فيروس "إتش 1 إن 1" المعروف عالميا باسم إنفلونزا الخنازير، ليس قاتلا بالدرجة الخطيرة في حد ذاته ، إلا أن خطورته تمكن في قدرته السريعة على الانتشار بين البشر عن طريق الهواء وبانتقاله عن طريق الفم والأنف والكفين. وتقول حكمت وهي ربة أسرة: "أحرص دائما على نظافة منزلي والعناية بأسرتي، إلا أنني صرت أكثر حرصا على تطهير المنزل بالمنظفات الكيماوية باستمرار منذ أن علمت بظهوره في مصر".

فيما تقول نوال وهي أم لثلاثة أبناء: "أحاول الابتعاد عن شراء اللحوم الحمراء قدر المستطاع منذ ظهور المرض ، خوفا من أن يكون مصدرها لحوم الخنازير التي ذبحت أعداد كبيرة منها مؤخرا في مصر والتي يحتمل أن تدخل في تصنيع بعض اللحوم المطبوخة التي تباع بالأسواق".

وكانت وزارة الصحة أعلنت مؤخرا عن أخر إحصاءات لعدد حالات الإصابة بالمرض والذي ارتفع حتى التاسع من تشرين أول/أكتوبر الجاري إلى 1021 إصابة بحسب نتائج الفحص المعملي، يوجد تحت العلاج بالمستشفيات 31 منها. وأوضح بيان لوزارة الصحة أن 3ر47% من الحالات أقل من 20 سنة و 7ر7% من الإجمالي أكبر من سن 45 سنة ويوجد تحت العلاج بالمستشفيات 31 حالة من إجمالي الحالات المصابة بالمرض.

وكانت الحكومة المصرية قررت فور ظهور المرض عالميا ذبح كل الخنازير الموجودة في البلاد خشية انتقال الفيروس القاتل إليها، ما دفع مربو الخنازير للاحتجاج على قطع مصدر رزقهم ومطالبة الحكومة بتعويضات عادلة عن الخسائر التي تكبدوها. ويشار إلى أن الخنازير تمثل في مصر وسيلة لتدوير القمامة المجمعة والتخلص منها حيث تتغذى الخنازير على 40% من الفضلات ، الأمر الذي يسفر عن تحقيق عائد كبير لمربييها الذين يشعرون بأن هناك تعسفاً في قرار الحكومة المصرية بالتخلص منها ، ويدللون على ذلك بأن الدول التي ينتشر فيها مرض إنفلونزا الخنازير لم تقدم على ذبح كل الخنازير لديها. وتنتشر مزارع الخنازير في مصر بأحياء جامعي القمامة ، ومن أهمها منطقة "الزرايب" في حي منشية ناصر الشعبي الفقير بالقاهرة. أما عن العام المدارسي الجديد الذي انطلق بعد جدال طويل في ظل أزمة ظهور أنفلونزا الخنازير في مصر وما تلاها من اجتماعات مكثفة لقطاعات الحكومة المختلفة ، فقد أسفر في أسبوعه الأول عن خمس إصابات جديدة بالمرض في المدارس وحالتي إصابة بكلية الألسن في جامعة عين شمس وأخرى في الجامعة الأمريكية.

وكانت وزارة الصحة المصرية أعلنت عن أول حالتي إصابة في المدارس بعد خمسة أيام من بدء العام الدراسي الجديد ، حيث كانت لتلميذة /15 سنة/ في مدرسة "راجاك" الأمريكية بالقاهرة، ثبتت إصابتها بالمرض في المعامل المركزية لوزارة الصحة بعد معاناتها من رشح وارتفاع في درجة الحرارة وصعوبة في التنفس. أما الحالة الثانية فهي لتلميذة /11 سنة/ من مدرسة "نجع هلال" بمركز المراغة في محافظة سوهاج (495 كلم جنوب القاهرة)، وتم احتجازها في مستشفى بسوهاج وحالتها الآن مستقرة. فيما جاءت الحالات الخمسة الجديدة في مدرسة المعارف الابتدائية وسان كلير بالقاهرة ومدرسة بنى هلال بسوهاج. وقد جاءت نسب حضور الطلبة عالية في الكثير من المدارس، على عكس ما كان متوقعا.

ففي إحدى المدارس الحكومية بإدارة حي مدينة نصر وهي مدرسة "زكي مبارك الإعدادية للبنين"، بلغت نسبة الحضور 85%، كما لم تسجل المدرسة في يومها الأول سوى حالة اشتباه واحدة بالمرض لطالب بلغت درجة حرارته 38 . وتقول مديرة المدرسة زينب عز الرجال عبد الرازق إن "المدرسة قامت بتعيين مدرس في وظيفة /منسق/ للمرور على الطلبة ثلاث مرات يوميا على الأقل للتأكد من عدم وجود حالات مرضية.. وفي حال الاشتباه في أي طالب ، فيتم الاتصال بطبيبة المدرسة فورا لاستدعائها ومتابعة حالة الطالب في /غرفة العزل/ التي تم تغيير اسمها فيما بعد إلى /غرفة الاستقبال/ حتى لا يكون الاسم مثار قلق بين الطلاب".

و"غرفة الاستقبال" هي غرفة طلب المسئولون المصريون بتوفيرها في جميع المدارس كي يتم نقل أي طالب يشتبه في إصابته إليها، وهو مكان جيد التهوية وبه سرير مجهز وأدوات تعقيم وجهاز لقياس درجة الحرارة ومواد مطهرة وصابون وكمامات واقية. من ناحية أخرى، قال طلاب المدرسة إن المعلمين طلبوا منهم في أول أيام الدراسة أن يحضر كل منهم منشفة صغيرة ومطهر كي يقوموا باستخدامها في تنظيف مناضدهم ومقاعدهم قبل الجلوس عليها، كما طلبوا منهم إحضار كوب خاص بكل منهم تجنبا لنقل العدوى.

أما في "مدرسة العروبة للتعليم الأساسي" بإدارة النزهة التعليمية والتي تضم نحو 800 طالب وطالبة ، فأوضح مدير المدرسة عبد الفتاح السيد محمد سرور أنه على اتصال دائم بالإدارة التعليمية وبوزارة التعليم لاطلاعهم على أحدث التطورات في المدرسة وعلى متوسط الحضور اليومي الذي بلغ 90 % والذي يتم إرساله إلى هذه الجهات يوميا بالفاكس. وأوضح سرور أنه رغم بساطة إمكانيات المدرسة لأنها "حكومية" ولان حجم الإعانات التي حصلت عليها من الحكومة لمكافحة المرض لم تتجاوز 2500 جنيه، إلا أنها وفرت للطلبة جميع الاحتياطات لتجنب وقوع أي إصابات.
وأشار إلى أن حجما كبيرا من الانجازات التي قامت بها المدرسة لمواجهة المرض تعود إلى مساهمات مجلس الأمناء والإدارة التعليمية، "حيث حصلنا من خلالها على عدد كبير من الكمامات وتمكنا من شراء أدوات طبية وتحديث دورات المياه"، مشيرا إلى أنه يرفض توجيه أي طلبات بتلقي تبرعات من الطلبة والطالبات في مدرسته. من ناحية أخرى، أوضح سرور أن إدارة المدرسة اهتمت بوضع الملصقات التوعوية على جدرانها لحث الطالب على الاهتمام بنظافته الشخصية ولتعريفه بسبل تجنب الإصابة بالمرض.

أما عن طلبة المدرسة الذين حرص عدد كبير منهم على ارتداء الكمامات الواقية ، فأكدوا أن المعلمين خصصوا ما يتراوح بين خمس و10 دقائق من زمن الحصة الواحدة لتوعيتهم بالمرض، مشيرين إلى أن زمن الحصة جرى تقليصه إلى 30 دقيقة فحسب، كما أوضحوا أن فترة الاستراحة المدرسية تم تقسيمها إلى ثلاث فترات لتكون فترة واحدة لكل صفين دراسيين في محاولة لتخفيف أعداد الطلاب وقتها.

ولكن الطلبة أوضحوا أنه رغم ما تنادي به الوزارة لتخفيف الكثافة الطلابية في الفصول، إلا أن الفصل الواحد يتجاوز عدد طلابه الخمسين، مشيرين إلى أن المدرسة تعمل حاليا على القضاء على هذه المشكلة بتحويل بعض الطلبة إلى فصول أخرى. وعما إذا كان قرار بدء العام الدراسي الجديد موفقا أما لا ، فيرى كثيرون أن الحكومة اتخذت هذا القرار نظرا إلى أهمية "بيزنس المدارس" للكثير من القطاعات ، بداية من طباعة الكتب والدفاتر، مرورا بحافلات المدارس التي تعج بها شوارع العاصمة "المتجمدة" أصلا، إلى المدارس الخاصة التي تستنزف آلاف الجنيهات من جيوب أولياء الأمور الذين لجأ بعضهم إلى دفع المصاريف ثم التقدم بطلب أجازة مفتوحة لأبنائهم خوفا عليهم.

ويقول أحمد الأب لأربع أبناء في مراحل التعليم المختلفة: "ماذا لو كانت الحكومة قررت تأجيل الدراسة في المدارس إلى شهر آذار/مارس المقبل لتكون موجات البرد قد تراجعت وبالتالي ضراوة المرض؟!! أعتقد أنه حل مثالي قد يقينا وأبناؤنا من وباء قاتل.. فإن صحة أبنائنا تأتي في المقام الأول ولن يرضينا الوضع إذا أصاب أبناءنا مكروه لا قدر الله في سبيل تحصيل مناهجهم الدراسية في المدارس".
فيما تقول إيناس / 35 عاما/: "لم أكن أرغب في تأجيل الدراسة أكثر من ذلك لان هذا التأجيل لن يسفر إلا عن المزيد التعطيل لأبنائنا في تلقي دروسهم ، وستتكدس الأزمة فوق رؤوسهم في نهاية العام عندما تطالب وزارة التعليم المعلمين بضرورة الانتهاء من شرح المناهج سريعا لتعويض فترة التأجيل في بداية العام".

أما في حضانات رعاية الأطفال الذين لم يبلغوا بعد سن دخول المدارس والذين يكون أغلبهم من الرضع ، فقد اتخذ القائمون عليها إجراءات جديدة مثل الاهتمام الزائد بغسل أيدي الأطفال بالماء والصابون بصورة متكررة، بالإضافة إلى عدم استلام الأطفال من ذويهم إلا بعد قياس درجة حرارتهم والتأكد من أنها طبيعية. وتقول سحر: "اضطررت في أحد الأيام للتغيب المفاجئ عن عملي بسبب رفض الحضانة استلام ابني لارتفاع حرارته بعض الشيء، الأمر الذي تسبب لي في مشكلة في العمل رغم أن كل ما كان يعاني منه ابني هو نوبة أنفلونزا موسمية بسيطة وليس أنفلونزا الخنازير أو الطيور".
وعلى صعيد موسم الحج والعمرة لهذا العام، فقد تأثر كثيرا بسبب تراجع الكثيرون عن الإقدام على المشاركة به، ولاسيما بعد الفتوى التي صرح بها مفتي الديار المصرية علي جمعة بجواز إلغاء موسم الحج هذا العام إذا انتشر فيروس "إتش 1 إن 1" بصورة كبيرة.

واستند جمعة في فتواه إلى أحداث سابقة شهدتها مصر، حيث قال: "حدث قبل ذلك أن عطلت مصر موسم الحج 30 مرة على مدار تاريخها الإسلامي، سواء بسبب انتشار الأوبئة أو لوجود قطاع طرق أو للغلاء".
على صعيد آخر، شهدت الكثير من دور السينما والمسرح في القاهرة تراجعا في أعداد المترددين عليها، حتى في موسم العيد الذي عادة ما يتسم بالزحام الشديد في مثل هذه الأماكن.

و يقول إسلام /20 عاما/: "فكرت أنا وأصدقائي في مكان مناسب لقضاء وقت لطيف في العيد الماضي.. ولكننا استبعدنا فكرة التوجه إلى السينما تماما خوفا من انتقال المرض إلينا بسبب الزحام والمكان المغلق". وفيما يؤكد مقولة "مصائب قوم عند قوم فوائد" ، لاقت الصيدليات في مصر إقبالا كبيرا من قبل المواطنين على شراء الكمامات الواقية ، حيث تدافع المصريون بقوة على الصيدليات فور علمهم بظهور المرض في مصر لشراء الكمامات ، مما رفع سعرها من جنيه واحد إلى ما يتراوح بين خمسة و10 جنيهات، وما قد يصل إلى 15 جنيها فى بعض الأحيان، زعما من بعض أصحاب الصيدليات أن هذه النوعية من الكمامات تكون مطابقة للمواصفات العالمية.
ولان الكمامات لا تقي من الإصابة بالمرض بنسبة 100%، ينصح الأطباء والمتخصصون بالاهتمام بالنظافة الشخصية وغسل الأيدي بالماء والصابون باستمرار وعدم التعرض للاماكن المغلقة على قدر الإمكان واستخدام منديل لتغطية الأنف والفم أثناء العطس والسعال وإبعاد الأيدي عن الأنف والفم والعينين.‏

ويبدو أن "أنفلونزا الخنازير سلاحا ذو حدين" ، فعلى الرغم من حالة الذعر والقلق الذي تسبب فيها المرض بين الكثير من المواطنين، إلا أنه أدى لأن يغير الكثير من عاداتهم الخاطئة، فنرى المصريين حاليا يمتنعون قدر المستطاع عن المصافحة والتعانق أثناء تحيتهم اليومية لزملائهم ومعارفهم وجيرانهم ، كما صاروا أكثر اهتماما بنظافتهم الشخصية ونظافة الأماكن التي يتواجدون فيها ، بالإضافة إلى كونهم أقل إقداما على التواجد في المناطق المزدحمة.

تغريد عاصم
الاثنين 12 أكتوبر 2009