نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

واقع الديمقراطية في سورية الجديدة

09/05/2025 - مضر رياض الدبس

(سوريا بين حرب أهلية ومشاريع تقسيم؟)

05/05/2025 - عبدالوهاب بدرخان

دلالات التصعيد الإسرائيلي في سوريا

04/05/2025 - العميد المتقاعد مصطفى الشيخ

السياسة المزدوجة

25/04/2025 - لمى قنوت


إدلب وشعرة معاوية




لعلهّا إحدى مفارقات الدّهر أن يتغيّر اسم عاصمة دولة كازاحستان ”أستانة“ ويصبح اسمها الجديد ”نور سلطان“، ولا تتغير نتائج اجتماعات المعارضة والنظام السوري هناك بعد اثنتي عشرة جولة من المفاوضات.


 
انتهت قبل أيام قليلة جولة جديدة من الاجتماعات، وعادت الوفود منها خالية الوفاض من كلّ شيء، إلا من استمرار قتل السوريين في إدلب والتصعيد العسكري ضدّ مدنييها.
ليصعّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمر صحفي في بكين ويعلن أنه لا يستبعد عملية عسكرية في إدلب، ليستدرك بعدها أنّ الوقت غير ملائم الآن، بسبب الأوضاع الإنسانية وحياة المدنيين في المنطقة!
هناك أسئلة كثيرة وكبيرة تدور في خلد السوريين، حول مصير أربعة ملايين مدني في محافظة إدلب، معظمهم مهجرون ونازحون من مدنهم وقراهم، هجرهم جيش النظام السوري والطيران الحربي الروسي مدعوما بعشرات الميليشيات الطائفية. فما الذي يحدث في إدلب وكيف تنظر روسيا وتركيا للمنطقة؟ ومالذي يجمع شركاء أستانة ويفرقهم؟ ولماذا تحوّلت إدلب إلى معضلة أشكل حلّها على الجميع؟
في 17 من سبتمبر/أيلول الماضي عقد مؤتمر سوتشي بين تركيا وروسيا، وتم بموجبه الاتفاق على إنشاء منطقة آمنة في محيط محافظة إدلب بين النظام والمعارضة بحدود تراوحت بين 15 و 20 كيلو مترا خالية من السلاح الثقيل. تنفّس السوريون بعدها الصعداء سيّما بعد تلويح روسي باجتياح المحافظة عسكريا رافقه ضخ إعلامي مهول.
هدأت أصوات الطائرات قليلا، واستمر القصف بوتيرة أخف بين الفينة والأخرى، وعاد التصعيد العسكري منذ قرابة ثلاثة أشهر، فالروس يقولون إنّ تركيا لم تفِ بتعهداتها بإبعاد الفصائل المصنفة على لوائح الإرهاب عن حدود المنطقة الآمنة، وسحب السلاح الثقيل منها. الأمر الذي رفضته هيئة تحرير الشام مرارا، فانسحابها من تلك المناطق يعني بالضرورة نهاية نفوذها وفرط عقد تنظيمها، فهي تعتمد بالدرجة الأولى في تمويلها على المعابر التجارية بين مناطق النظام والمعارضة، فضلا عن مدن ومواقع إستراتيجية تسعى إلى الحفاظ عليها، ومجرد انحسارها سيكون ذلك لصالح من تعتبرهم خصومها في الجيش الوطني وفصائل المعارضة الأخرى الموجودة في المنطقة. 
أمّا تركيا، فتطلب المزيد من الوقت لإنهاء الهيئة وتفكيكها بالطرق السلمية، فهي لا تريد خوض معركة عسكرية معها، لحسابات تعتبرها إستراتيجية في ظل الأزمات الداخلية والخارجية التي تعيشها، ويأتي الأمن ربما في مقدمتها. فلديها 12 نقطة مراقبة في إدلب، وأزمة شرق الفرات لم تحل، والدخول في حسم ملف إدلب قبل إنهاء سيطرة قوات سورية الديمقراطية وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، الذي تعتبره امتدادا لحزب العمال الكردستاني المصنف على لوائح الإرهاب، يفتح ملفات منطقة درع الفرات وغصن الزيتون على طاولة المفاضات، وهو ما لا تريده تركيا قبل حسم قضية حدودها الجنوبية مع سوريا.
وأما تفكيك الهيئة ضمن هذه الموازين يصبح أمرا معقدا ويحتاج زمنا طويلا، فهناك مقاتلون أجانب لابد من عزلهم عن الهيئة، لا سيما مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني، وكذلك قضية تقوية الجيش الوطني لملئ الفراغ الذي سيتركه غياب الهيئة، في ظل عدم الثقة بالوعود الروسية، بالإضافة لحماية الداخل التركي من هجمات ارتدادية قد يجلبها الصراع العسكري المباشر مع هيئة تحرير الشام.
وتعمل روسيا على استغلال نقاط ضعف الجانب التركي، فتصعّد عسكريا، وتطلب المزيد من التنازلات، فحصلت في الجولة ما قبل الماضية في أستانة على مشاركة دوريات روسية وإيرانية إلى جانب التركية للتجوال في المنطقة الآمنة، وهو ما لم ينص عليه الاتفاق. وتسعى بنفس الوقت لتحجيم الدور التركي في الملف السوري، لتتفرد به أمام أنظار العالم سيما في ظل تراجع الدور الإيراني بعد العقوبات الأمريكية الأخيرة على إيران.
وهكذا تتحول إدلب إلى شعرة معاوية التي تحتاجها جميع القوى المنخرطة في الصّراع السوري، ولا تسعَ لقطعها؛ فتركيا تريد وقتا لترتيب بيتها الداخلي وحساباتها الإستراتيجية لا سيما بعد أزمتها الاقتصادية وتراجع شعبية الحزب الحاكم. وروسيا تسعى للاستفادة من الوقت لتسيطر على مؤسسات النظام السوري من الداخل وتصفي النفوذ الإيراني فيها، وفي نفس الوقت لا تريد صداما مباشرا وقطيعة مع تركيا يدفع بها إلى الحضن الأمريكي. 
وأوروبا لاتريد موجة لاجئين أخرى فتجميد الصراع في إدلب، أفضل الحلول في ظل أزمة البريكست. أمّا الولايات المتحدة الأمريكية تقف متفرجة، ويحجّ إليها الجميع ليقدم التنازلات، فخيوط اللعبة في يدها شرق الفرات، ولا تنجح مفاوضات دولية وانتقال سياسي في سوريا بغيبابها، ولا انتقال سياسي دون حلّ معضلة إدلب وأزمة شرق الفرات، وإنهاء النفوذ الإيراني في سوريا.
أمّا السوريين فلا بواكي لهم، فالجميع يبحث عن مصالحه على حساب دمائهم، فمتى تدرك قواهم السياسية هذه المعادلة وتسعى لاستعادة ثقة حاضنها الشعبي عسى أن نستطيع بعدها الخروج من عنق الزجاجة.
----------
الاستقلال

خالد ابوصلاح
الاحد 5 ماي 2019