وفي الأسبوع الأول من شهر مايو/أيار الحالي أعلنت حكومة النظام بعد مصادقة مجلس الشعب، عن قانون عقد استكشاف البترول وتنميته وإنتاجه في البلوك رقم 12 في منطقة البوكمال بريف محافظة دير الزور، الموقّع بين إيران والنظام في بداية العام الحالي، وأعلن وزير النفط والثروة المعدنية في الحكومة علي غانم أنه يأتي "لصالح سداد الدين الائتماني طويل الأجل"
أما الاتفاقيات مع إيران، فلا يمكن حصرها بسلّة واحدة، فقد وقّع النظام الكثير من العقود، منها 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم وُقّعت دفعة واحدة في يناير/كانون الثاني 2019 في المجالات الاقتصادية والثقافية والتعليمية وغيرها، من ضمنها مذكرة تفاهم في مجال الأشغال العامة والإسكان، بالإضافة لاتفاقيات تخص الاستثمار والخطوط الحديدية، ما سيتيح للخطوط الحديدية الإيرانية المرور من سورية، وهذا أمر خطير لجهة ما ستنقله القطارات إلى الداخل السوري. وسبق ذلك توقيع 17 مذكرة تفاهم أيضاً دفعة واحدة بين النظام السوري وإيران في يناير عام 2017، في مجالات عدة، بالإضافة لاتفاقية ميناء اللاذقية عام 2019 مع الإيرانيين، التي من غير المتوقع أن تسمح روسيا باستمرارها. كما دخلت طهران على خط عقود التنقيب واستخراج الفوسفات، وقطاع الاتصالات بمشغل ثالث لشبكة الخليوي. لكن مراقبين يعتبرون أن أخطر الاتفاقيات التي أبرمها النظام مع إيران، هي التي أبرمت مع وزارة التربية والتعليم الإيرانية، والتي تتيح للوزارة الإيرانية تعديل المناهج التربوية السورية وطباعتها في إيران ، وتتضمن الاتفاقية كذلك إقامة دورات تدريبية للمعلمين في إيران وإدخال اللغة الفارسية للمناهج الدراسية السورية.
في السياق، يرى الاقتصادي في "مجموعة عمل اقتصاد سورية" أسامة القاضي، أن "هذه الاتفاقيات ستترتب عليها إشكاليات في المستقبل ربما ستعيق الحل السياسي، ولذلك علينا أن ننتبه إلى أنه وبسبب أي حل سياسي لا يوجد فيه شرط إعادة النظر في العقود الموقعة من قبل النظام السوري مع الدول ولا سيما حلفائه، ستكون لدينا مشكلة بعد الحل". ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "إذا ما تحدثنا حول إلزاميتنا كسوريين بهذه الاتفاقيات، فهذا سيتوقف على طبيعة الحل السياسي، ومشاركة الدول التي تعدّ أطرافاً بهذه الاتفاقيات في الحل مثلاً. فلو كان الحل على طريقة أستانة مثلاً، بضمانة سورية وإيران وغيرهما من الدول المتدخلة وليس الأمم المتحدة وقراراتها، فهذا سينعكس سلباً على طبيعة مسؤولية الشعب السوري والدولة السورية بهذه الاتفاقيات. وطبعاً ففي حال تشكيل حكومة وطنية ومستقلة بعد حلّ القضية السورية، فبإمكانها اللجوء إلى اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات والاتفاقيات الدولية، الموقّع عليها من قبل روسيا والنظام، وربما يمكن من خلالها الطعن أمام محكمة العدل الدولية في هذه الاتفاقيات. وفي حال طالبت الحكومة العتيدة بإعادة النظر بالاتفاقيات، فيجب عليها إثبات أن الحكومة السابقة كانت منقوصة السيادة بعد عام 2011، والسيادة التامة من شروط التعاقد، والدولة حالياً ليست تامة السيادة منذ ذلك التاريخ على الأقل، والفساد متفشٍ في البلاد، والتنصل من الاتفاقيات الموقعة مع إيران ربما يكون أسهل، بفعل عدم توقيع طهران على اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية".
ويلفت القاضي إلى أنه "في الوقت الحالي تتنافس روسيا وإيران على الاستحواذ على الاستثمارات في سورية، في ظلّ دعم دولي لموسكو لإخراج طهران من المعادلتين الاقتصادية والعسكرية في سورية. والخوف هنا من أن تبقى إيران حاضرة من خلال أذرعها الثقافية والعلمية". وحول إمكانية التخلص من هذه الاتفاقيات والديون في المستقبل، يوضح الأستاذ في جامعة ماردين التركية، المختص في القانون الدولي، وسام الدين العكلة، أن "القانون الدولي يضمّ بعض القواعد التي تنظم توارث الدول في حالات الزوال الكلي أو الجزئي للدولة، ما بين الدولة السلف والدولة الخلف. ومثال على ذلك ما حصل مع الإمبراطورية العثمانية التي حلّت مكانها الجمهورية التركية، ونظّمت اتفاقية لوزان بعض الالتزامات التي كانت على الإمبراطورية العثمانية وانتقلت إلى الجمهورية الجديدة، لكن لا قواعد في القانون الدولي تحدد التعامل مع الاتفاقيات والديون التي رتبتها أنظمة استبدادية على شعوبها أو دولها، في حال سقطت هذه الأنظمة وأتى نظام جديد".
ويضيف العكلة في حديثٍ لـ"العربي الجديد": "لكن من الناحية الدولية، الواقع يقول إن هذه الاتفاقيات تستمر، وهناك مثال بسيط، وهي الاتفاقية الموقعة بين العراق (في عهد الرئيس صدام حسين) وتركيا، والتي أتاحت لأنقرة التوغل شمالي العراق لمسافة معينة براً وجواً. سقط نظام صدام لكن الاتفاقية لم تسقط، رغم محاولات الحكومات العراقية اللاحقة إلغاءها. وربما في مثل هذه الحالات قد يعمد النظام الجديد أو الحكومة الجديدة إلى إلغاء المعاهدات من طرف واحد، لكن ذلك سيرتب عليها غرامات وتعويضات، وربما سيذهب بها الطرف الآخر إلى محكمة العدل الدولية".
ويتابع العكلة: "إطلاق صفة الديون الكريهة أو البغيضة يجب أن تتوفر به ثلاثة شروط؛ الأول هو عدم الموافقة، أي عدم موافقة الشعب، وهذا ينطبق على الحالة السورية، الثاني هو غياب المصلحة العامة، أي أن تُصرف الأموال على نحو لا يتوافق مع حاجة السكان، أما الشرط الثالث فهو معرفة الدائنين بالنوايا السيئة للمدينين، أي أن الدائن يعرف أن الأموال التي يقرضها للنظام أو الحكومة ستذهب لدعم أجهزة أمنية ومليشيات وغيرها. وهذه الشروط جميعها لصالح اعتبار الديون على الدولة السورية مستقبلاً، ديوناً كريهة". ويرى العكلة أنه ليست هناك قواعد محددة للتخلص من الالتزامات أو الديون، بعد زوال نظام ديكتاتوري وحلول نظام ديمقراطي وشرعي محله، فهناك تجارب نجحت وأخرى لم تنجح، وفي الحالة السورية يجب على الحكومة المقبلة أن تبذل جهوداً دبلوماسية وقانونية كبيرة لجهة إلغاء الديون والقروض على الأقل وهذا يحتاج إلى دعم دولي وأممي.
-----------
العربي الجديد