نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


الجنازة الصغيرة






بالنسبة إلى كثيرٍ من السوريين، ما كان أشدّ ألماً من خبر رحيل المفكّر السوري طيّب تيزيني هو صورة جنازته الصغيرة


 
منذ وصوله إلى السلطة، تعامل حافظ الأسد مع جنازات بعض الشخصيات وكأنها نشاط سياسي، بمعنى أنه لا بدَّ من ضبطها وتقييدها بحيث لا يُسمَح لها بأن تحمل أيَّ تعبيرٍ يتجاوز البُعد الاجتماعي الطبيعي إلى الحيّز السياسي.
الجنازات الكبيرة المسموح بها هي الجنازات الاجتماعية، أي تلك التي يكون المتوفَّى فيها كبيرَ عائلةٍ أو شيخَ عشيرةٍ أو وجيهَ قريةٍ أو أحد الأثرياء والمتموّلين أو رجل دين لم يخرج قيد أُنملةٍ عن توصيات المؤسَّسة الدينية الممسوكة بإحكام من قبل المؤسَّسة الأمنية (سبق أن نبَّهتُ إلى مفارقة أنَّ المؤسَّستين الوحيدتين اللتين لم تشهدا حالات انشقاق نوعية أثناء الثورة في سوريا هما المؤسَّستان الأمنية والدينية).
الجنازة الأشهر التي تعدَّت بعدها الاجتماعي إلى بعدٍ سياسي جاوز سوريا إلى العالم العربي، ولم يستطع نظام الأسد تقييدها، كانت جنازة القائد العام للثورة السورية الكبرى سلطان الأطرش سنة 1982، والتي لامس عدد المشاركين فيها سقف النصف مليون إنسان، توافدوا من مختلف المناطق السورية والعديد من البلدان العربية. ومن نافل القول أنَّ تاريخ الأطرش ومكانته الوطنية، إضافة إلى العصبية العشائرية التي تعضد تلك المكانة… ذلك كلّه منع النظام من التحكُّم بسير الجنازة، وبالتالي محدودية قدرته على تحجيمها.
في جنازة شاعر دمشق نزار قباني سنة 1998، والتي بدا فيها واضحاً حجم الانتشار الأمني، كان ثمَّة طابع احتجاج سياسيّ صامت. فالمصالحة التي أجراها الشاعر، في سنواته الأخيرة، مع نظام الأسد ليضمن عبرها وجود قبره في دمشق، لا في لندن، لم تستطع أن تحجب حقيقة أن نزار قبَّاني هو أفضل من عبَّر عن الرأي السلبي للمشاركين في الجنازة بالأنظمة العربية عموماً، ونظام الأسد على وجه التحديد.
 
وقبل جنازة قبَّاني بثماني سنوات، كانت جنازة الشاعر عمر أبو ريشة سنة 1990، والذي كان قد هجا حافظ الأسد بالاسم ناعتاً إيَّاه بأقذع الأوصاف (بينها وصف “الخسيس”) في قصيدة شهيرة كتبها إثر مجزرة حماة سنة 1982. وعلى الرغم من ذلك لم يستطع حافظ الأسد منع إقامة الجنازة، بسبب المكانة المرموقة التي احتلَّها الشاعر، واكتفى بالتضييق على حفلَي التأبين اللذين أُقيما للشاعر في حلب ودمشق.
جنازة الشيخ (الكُردي) محمد معشوق الخزنوي، الذي تُشير جميع الأدلَّة إلى وقوف نظام بشار الأسد خلف خطفه وقتله سنة 2005، كانت سياسيةً بامتياز. فالآلاف من أبناء الحسكة الذين ساروا في الجنازة لم يكن بينهم من كان مقتنعاً بالرواية الملفَّقة والهزيلة التي قدَّمتها وزارة داخلية النظام، والتي حاولت حصر الجريمة في زاوية جنائية بحتة.

***
لو قُدِّر لطيّب تيزيني أن يرحل قبل تاريخ 2011، سنة انطلاق الثورة في سوريا، فلا بدّ أن كثراً كانوا قد مشوا في جنازته، لما له من إسهامٍ لا يُنكر في حقل التنوير المعرفي بسوريا. لكنَّ أغلب هؤلاء هم حالياً خارج البلاد، مطاردون ولاجئون، بل إنَّ العديد منهم قضى نحبه وأُقيمت له جنازة أكثر تواضعاً من جنازة تيزيني.
ناهيك عن أن مدينة حمص؛ مسقط رأس الراحل، قد هُجِّرَ القسم الأكبر من أهلها.
وإذا كانت قيمةُ الأشخاص في مجتمعاتنا غالباً ما تُقاس بحجم جنازاتهم، فإنَّ في الجنازة الصغيرة لطيّب تيزيني استثناءً جعلها –في ضوء موقفه المعارض لنظام الاستبداد وموقفه المضادّ للخطاب الديني في الثورة- أشبه بوسامٍ أخيرٍ ومستحقّ.
----------------
مختارات سورية


د ب ا
الاربعاء 22 ماي 2019