نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


الجولان بداية اللعبة ونهايتها





العالم يعجز عن استيعاب رفض النظام السوري لإعادة إعمار القنيطرة الجولانية ومنع سكانها من العودة إليها ما بدا وكأنه قرار رسمي بتحويلها إلى خشبة مسرح رمزية.


   إذا وقع جسر فوق نهر صغير في أي مكان في العالم، فإن رئيس البلدية سيقدم استقالته قبل أن تقيله الحكومة، وإذا نشب حريق في مستشفى فإن وزير الصحة سيعلن تنحيه وتحمّله للمسؤولية، لكن هذا لم يحدث في قصتنا هذه.
كان ذلك الصباح صباحا غير عادي في دمشق في خريف العام 1970، حين قررت القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي مرت على حكمه لسوريا سبع سنوات عاصفة في ذلك الحين، استدعاء وزير الدفاع ومساعديه من كبار الضباط لمحاسبتهم حزبيا ومساءلتهم عسكريا حول دورهم في سقوط مرتفعات الجولان رغم التحصينات الكبيرة التي كانت تشهدها الجبهة السورية الإسرائيلية، لكن وزير الدفاع، وكان حينها حافظ الأسد الذي سيحكم سوريا لاحقا هو وابنه لـ49 عاما، دخل الاجتماع ومعه رفاقه بالمسدسات وأصدروا أوامرهم بمحاصرة مقر القيادة القطرية للحزب بالدبابات، وعزل رئيس الجمهورية.
لقد قرر وزير الدفاع أن يحاسب هو القيادة وبدلا من أن يقول له أحد كيف أعلنت سقوط الجولان قبل أن يتقدم الجيش الإسرائيلي، زج بالجميع في السجن معلنا ما سماه “الحركة التصحيحية” ومدشنا عهد حافظ الأسد. وهو عهد طويل ومعقد بدأ في ذلك اليوم، دار حول هضبة الجولان وبسببها وعرفت خلاله سوريا ما لم تعرفه من قبل في تاريخها الذي يضرب عميقا في التاريخ، ليسدل عليه الستار هذا الأسبوع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعلانه اعتراف واشنطن بضم إسرائيل للجولان.

وديعة رابين وكبار الجنرالات

بات غنيا عن القول والتوضيح والبرهان أن قصة الجولان كانت من بدايتها، شكلا من أشكال المعاهدة غير المعلنة؛ الحكم مقابل القضية المعلقة، وما دامت القضية معلقة وغير منتهية فإن الحكم سيستمر إلى ما لا نهاية لأنه أعلن أن مهمته الأساسية هي استرجاع الجولان الذي لم يعد منذ أكثر من 52 عاما حتى هذه اللحظة
كاد الإسرائيليون يكفرون بالصبر وضبط النفس مرارا. فقد مرت حقبة ظهر فيها كبار جنرالات الحرب والأكثر قدرة على توقيع السلام مع العرب، أعلنوا أنهم يريدون السلام مع سوريا، وإعادة الجولان ولكن حافظ الأسد هو من لم يكن يقبل. ما اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحاق رابين إلى كتابة تعهد خطي سمي بـ”وديعة رابين”، وتسليمه عبر وزير الخارجية الأميركية آنذاك وارن كريستوفر إلى الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون الذي يقول في كتابه “حياتي” ما نصه بالحرف الواحد “في الثالث من ديسمبر ذهبت إلى شفردستاون لبدء محادثات السلام بين سوريا وإسرائيل.
لقد ضغط إيهود باراك عليّ بشدة لعقد المحادثات مبكرا هذا العام. كان قد أخبرني قبل عدة أشهر بأنّه مستعد لإعادة مرتفعات الجولان إلى سوريا شريطة أن تُلبى مطالب إسرائيل: محطة إنذار مبكر في الجولان واستمرار اعتمادها على بحيرة طبريا، المعروفة باسم بحر الجليل، لتأمين ثلث احتياجاتها من الموارد المائية. وقبل أن يقتل رابين كان قد أعطاني تعهدا بالانسحاب من الجولان إلى حدود الرابع من يونيو 1967، في حال تحققت مطالب إسرائيل. وقد أعطاني ذلك التعهد بشرط أن أبقيه سرا حتى يحين موعد طرحه رسميا على سوريا في سياق التوصل إلى حل شامل. بعد موت إسحاق، أكد شيمون بيريز ثانية على الالتزام بذلك التعهد”.
ويضيف كلينتون “لم يكن الأسد بصحة جيدة، لقد أراد لابنه بشار أن يخلفه. وقد طلبت من دينيس روس بسط الخرائط. وبدا باراك مستعدا الآن لقبول مساحة أقل من الأرض حول البحيرة تعادل 400 متر”.
ليست هضبة الجولان مجرد مساحة فارغة تصلح لتخييم الجيوش وإقامة المعسكرات والثكنات في الحرب، والمصايف ومدرجات التزلج على الثلج في زمن السلم. وعلى بعد نصف ساعة عن دمشق بالسيارة، تصعد بك الأرض نحو التلال وجبل الشيخ بعد سهول منبسطة تضم المئات من القرى والبلدات قبل أن تصل إلى القنيطرة.
ومن بعدها تبدأ تلك الجبهة التي يعرفها السوريون شبرا شبرا، ليس لأنهم خبروها بأنفسهم، بل لأن كل سوري ذهب إلى خدمة العلم الإلزامية في الجيش السوري، كان قد تلقى العشرات من الدروس والمحاضرات عن أكبر جبهة محصنة على وجه الأرض؛ قواطع تليها قواطع تليها حقول ألغام، بحيث يقال له في تلك الدروس إنه ليس بوسع أحد أن يحلم باجتياز تلك الجبهة حتى في أفضل أحلامه، وهذا يعني أن تحريرها عسكريا أمر مستحيل.
وقد وردت الكلمة “جولان” في التاريخ العربي القديم حين كانت جزءا من إمارة الغساسنة العرب. تمتد الهضبة على مساحة 1860 كيلومتر مربع لتشرف على أربع دول هي سوريا ولبنان والأردن وإسرائيل، بطول 74 كيلومترا من الشمال إلى الجنوب وعرض يصل إلى 27 كيلومترا فقط، لكنها تخفي خلف مساحتها الصغيرة منطقة غنية بالمياه والثروات.

ما وراء الجولان

وتتخذ الهضبة أهميتها الاستراتيجية من كونها تطل على الشرق الأوسط من ارتفاعات شاهقة في موقع مركزي جغرافيا، بحيث أن من يسيطر عليها بإمكانه بالفعل أن يقول إنه يسيطر على المنطقة بأسرها. ولا شك أن كثيرين لا يعرفون أن الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت كان يحمل في يديه مشروعا لتأسيس مملكة عربية عاصمتها ومركزها الجولان. وهو مشروع حاول ورثته لاحقا تحقيقه لكنه ووجه بالرفض من قوى العالم في تلك الأزمنة.
وفي عصرنا هذا، يجري الحديث عن كميات هائلة من النفط على عمق 1500 متر تحت سطح الأرض، بعد العديد من عمليات التنقيب في مستوطنة “ناطور” جنوبي الجولان في منطقة “بني يهودا”، وفقا لشركة “أفيك” الإسرائيلية للنفط.
ويقول الجيولوجي يوفال بارتوف للقناة الثانية الإسرائيلية في سبتمبر من العام 2015 “نحن نتحدث عن طبقات يبلغ سمكها 350 مترا، والشيء المهم هو السمك والمسامية. متوسط ثخانة هذه الطبقة المحيطة بالبترول في العالم هو 20-30 مترا، لذلك يمكنني القول إن لدينا في الجولان عشرة أضعافِ الكميات الموجودة في حقول الدول الأخرى”. أما الخبير الألماني وليام غاندال فيقول إن “احتياطي البترول والغاز في الجولان أعلى منه في حقول السعودية”.

من هم الجولانيون

لم تبدأ قصة الاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل على الجولان في مارس الجاري، بل إن السنوات القليلة الماضية كانت تحمل تمهيدا عبر سياقات متعددة ومختلفة. ففي العام 2017 بدأت “أفيك” عمليات الحفر بالفعل في موقع جديد في الجولان يحمل الرقم “5” رغم احتجاج الناشطين البيئيين الإسرائيليين وتوجههم إلي المحاكم العليا التي رفضت دعاواهم والأمر الذي اضطرهم إلى التظاهر أمام مبنى المحكمة في القدس.
 ويشمل مشروع “أفيك” التنقيب في عشرة مواقع في الجولان للبحث عما يسميه العلماء بالنفط السائل التقليدي غير الزيتي. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو قد أصدر تعليماته في العام 1996، بمنح الترخيص بالتنقيب عن النفط في الجولان. وشكلت لجنة حكومية تشرف عليها الوزيرة تسيبي ليفني ووزير البنى التحتية عوزي لاندو لتنفيذ المشروع.
لكن من هي “أفيك” للغاز والنفط؟ هي شركة صغيرة تتبع لشركة أم تدعى “جيني إينيرجي” تدار من نيوجيرسي في الولايات المتحدة، أما المالكون الحقيقيون لها فهم قائمة من رجال الأعمال تبدأ باسم ديك تشيني ما غيره، وتنتهي باسم لافت آخر هو جاريد كوشنر صهر الرئيس ترامب.
لم يكن عبثا إطلاق لقب “الجولاني” ليلتصق باسم زعيم تنظيم القاعدة الفرع السوري، ليشكل وصمة تعلق في ذهن من يسمعه، سيما في العالم الغربي، كي يشعر أن المتحدرين من الجولان إنما هم متطرفون يتبعون بن لادن والظواهري، على الرغم من أن هذا الرجل الذي يترأس جبهة النصرة لا علاقة له بالجولان ولا بسكانها الأصليين لا من قريب ولا من بعيد. فاسمه الحقيقي هو أسامة العبسي الواحدي من بلدة الشحيل في ريف دير الزور التي تبعد المئات من الكيلومترات عن الجولان.
حين انسحب الجيش السوري من الجولان، ترك الجنود خلفهم سكان أكثر من 146 قرية وبلدة ومدينة، بلا حماية، تحت أوامر بإخلاء المنطقة لأن الإسرائيليين قادمون. وهكذا بدأ التهجير. بقيت منها ست قرى فقط، ودمر الإسرائيليون أكثر من 131 قرية و112 مزرعة ومدينتين عامرتين ومحوها كلها عن وجه الأرض.
وأقامت محلها أكثر من ثلاثين مستوطنة كبراها “كتسرين” التي يعيش فيها مستوطنون من اليهود الروس. وكان يعيش في تلك القرى المهجورة والمدمرة، سوريون عرب وشركس وتركمان من أديان وطوائف متعددة، وكان عددهم يتجاوز الـ130 ألف سوري رحلوا جميعا إلى العمق السوري، ويروي مصدر درزي من الجولان لـ“العرب” أن ضابطا كبيرا في الجيش السوري وصل إلى الجولان حينها ليجذر الدروز من الرحيل عن أرضهم، مطالبا إياهم بالبقاء فيها لأن هناك ما يجري التخطيط له في دمشق.
وهكذا بقيت القرى الدرزية وحدها، إلى جوار قريتين يتحدر سكانهما من الطائفة العلوية. وذهب الباقون إلى سوريا الأم.وعاش الجولانيون في المناطق التي نزحوا إليها محرومين من حقوق اللاجئين التي يكفلها لهم القانون الدولي كالتعليم والإغاثة والملبس والمأكل كما في أصقاع العالم كله، وحين رفعوا أصواتهم بالاحتجاج، ووجهوا بقمع شديد على يد الأجهزة الأمنية السورية. كان هؤلاء ملاكين ونخبا وزعماء قبائل عربية ساروا معا في طريق التهجير، ليستقروا لاحقا في أحزمة الفقر حول المدن الكبرى معا في عبودية لم تستثن أحدا.

تقشير نظام الأسد

يعجز العالم عن استيعاب رفض النظام السوري المتواصل لإعادة إعمار مدينة القنيطرة كبرى مدن الجولان، التي أعادتها إسرائيل إلى سوريا، والحفاظ عليها خرائب وحطاما لا يختلف كثيرا عن ذلك الذي شهدناه في عموم سوريا بعد العام 2011، رغم العديد من المطالبات الدولية والمحلية، وبدا الأمر وكأن هناك قرارا صارما بتحويل القنيطرة إلى خشبة مسرح، للعبة كلها، تبقى هكذا، ويمنع أهلها من العودة إليها.
لكن اللعبة أوشكت على نهايتها، وبعد أن كشف الضغط الشعبي الذي تعرض له نظام الأسد بعده الثاني، عهد بشار، لإحداث تغييرات ديمقراطية دون جدوى، وبعد الضغوط العربية والدولية لدفعه لإدخال إصلاحات جادة وحقيقية على الحياة السياسية والاقتصادية في سوريا وعدم تمكنه من ذلك، بدأت عملية تقشير هذا النظام.
فالحكم الذي طالما رفع شعار الحرية، لم يكن قادرا على منح القليل منها للسوريين، والنظام الذي ابتز الدول العربية الغنية باسم القضية الفلسطينية حافظ على مركز الصدارة في تفتيت تلك القضية، والنظام الذي نادى بالقومية العربية والوحدة والعلمانية، اندفع إلى إيران التي تعلن مشروعا قوميا دينيا متطرفا معاديا للعرب وللعلمانية معا وتحتل العواصم العربية، فسقطت أغلفة نظام الأسد واحدا تلو الآخر، ولم تبق من قشوره تلك سوى قضية الجولان المحلية السورية التي يقوم الرئيس الأميركي بأسلوبه اليوم بالزج بها على الطاولة، ليُخرج ما تبقى من ذرائع نظام الأسد ومن خلفه الحلف الذي تشكل عبر العقود الماضية باسم الجولان وفلسطين، حلف المقاومة والممانعة.
ورغم الرفض العربي والدولي لقرار ترامب الأخير حول الجولان، إلا أن طورا جديدا من الصراع قد بدأ بعد إعلان نهاية داعش في سوريا، طورٌ سياسي لا قضايا معلقة فيه. ومع ذلك كله يرسخ مبادئ جديدة في المنطقة، تمنح الاحتلال والضم والخروح على القوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن شرعية من نوع خاص، ما يسيل لعاب دول أخرى في الإقليم إما أنها ستطالب بالأمر ذاته قريبا، وإما سيجري إحداث تغييرات كبرى تنهي أو تفتح الصراعات إلى أقصى مدى.
---------
العرب

ابراهيم الجبين
الخميس 28 مارس 2019