نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

خديعة الرحمة

03/07/2025 - هناء محمد درويش

التريمسة...حين يلتقي العائد بظلّه

24/06/2025 - عبير داغر إسبر

انهيار إمبراطورية إيران

17/06/2025 - براءة الحمدو

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر

المفتي قبلان صاحب الرؤية

02/06/2025 - يوسف بزي


الليبيون يسألون سيف الإسلام القذافي بصوت واحد:أين دفن والدك جثامين ضحايا سجن بوسليم




طرابلس - عمر الكدي - يتبادل الليبيون هذه الأيام على موقع الفايس بوك وهو المتنفس الوحيد حاليا بعد إقفال أغلب المواقع المعارضة، النص الصادر عن الرابطة الليبية لحقوق الإنسان حول الحقائق والتصورات وكيفية وقوع جريمة الإبادة الجماعية في سجن بوسليم بطرابلس العاصمة.
وهي محاولة لمعرفة حقيقة من قتل 1200 مواطن ليبي بدم بارد فى سجن بوسليم، واعتبرت الرابطة أن معرفة الحقيقة حق أساسي وواجب من واجبات المواطنة، ودعت المواطنين الليبيين إلى عدم التفريط في حقوقهم.
وتعود حيثيات جريمة القتل الجماعي في سجن أبو سليم حسب رواية مواقع ليبية مستندة لما ورد في نص الرابطة الليبية لحقوق الإنسان إلى تاريخ يوم الجمعة الموافق 28 يونيو 1996.


سيف الاسلام القذافي
سيف الاسلام القذافي
حدث "تمرد" بإحدى الزنزانات بسجن بوسليم بطرابلس احتجاجا على الأوضاع المأسوية في السجن حيث تفشت الأمراض بين السُجناء مثل السل والتدرن الرئوي وغيرها من الأمراض المُعدية الأخرى والناتجة عن سوء التهوية والرطوبة والقذارة في كافة مرافق السجن والغياب التام للعناية الصحية والأدوية وسوء التغذية.
الاحتجاج كان أيضا ضد المعاملة اللاإنسانية من قبل السجانين وإدارة السجن.
تمكن بعض المعتقلين في إحدى الزنزانات من السيطرة على أحد السجانين ( وتزعم السلطة بأنه قتل، لكن لا توجد إلى الآن تحقيقات نزيهة ومحايدة ) وتمكنوا من إنتزاع مفاتيح بعض الأقسام منه وفتح أبوابها وتقدموا بمطالب وحسب ما يفهم من الروايات سارت الامور بالتسلسل التالي
ـ مطالبة السجناء السياسيين إدارة السجن بعلاج المرضى والذين كانوا في حالة مرضية خطيرة.
ـ مطالبة السجناء السياسيين بتقديمهم للمحاكمة أو إطلاق سراحهم لثقتهم الكاملة ببراءتهم.
ـ قدوم العميد عبد الله السنوسي صهر معمر القذافي إلى السجن وتفاوضه مع السجناء وإقناعهم بالرجوع إلى زنازينهم مقابل التعهد لهم بتحقيق كافة مطالبهم.
هنا يجب الانتباه إلى أن السلطة لم تطلب من " الذين قتلوا السجان" بتسليم أنفسهم، وهذا يعني بأن رواية القتل مشكوك في صحتها.
ـ رجوع المعتقلين إلى أماكنهم وفقا للاتفاق ضنا منهم بأن العميد عبدالله السنوسي سيوفي بوعده .
يوم السبت الموافق 29 يونيو 1996
ـ قدوم العميد عبد الله السنوسي مجددا إلى سجن بوسليم ومعه فرقة الموت وبعض الشخصيات المتنفذة في المخابرات واللجان الثورية.
ـ الطلب من المعتقلين الخروج إلى ساحة السجن.
ـ خروج المعتقلين إلى ساحة السجن اعتقادا منهم بأنهم سينقلون الى مكان آخر أكثر إنسانية.
ـ قفل كافة أبواب ومنافذ العنابر من قبل السجانين لقطع خط العودة على السُجناء.
ـ فرقة الموت تفتح نار رشاشاتها في كل اتجاه وترمي بقنابلها اليدوية على السُجناء العُزل من على فوق أسطح العنابر .
ـ خلال ساعات قليلة كانت 1200 جثة ملقاة في ساحة السجن حيث لا مهرب فأسوار السجن العالية كانت تحيط بهم من كل جانب، ويمكن للإنسان أن يتصور مدى بشاعة ذلك المشهد حيث صراخ الأبرياء، والأشلاء الممزقة وبرك الدماء المنتشرة في ساحة السجن.

هذا القليل مما نعرفه أو نتصوره الآن عن أبشع جريمة إبادة جماعية عرفتها ليبيا في تاريخها والتي كشفها لأول مرة للعالم السجين السابق حسين الشافعي.
وهنا يجب ملاحظة أن قرار تنفيذ الجريمة قد صدر في الفترة ما بين انتهاء احتجاج السجناء أي في مساء الجمعة وبين انطلاق العميد عبد الله السنوسي إلى السجن مع فرقة الموت يوم السبت ، أي أن القرار لم يتخذ عفويا أو في لحظة غضب وإنما بعد تشاور وتدبر بين "القائد" معمر القذافي شخصيا وأتباعه في وقت لا يقل عن 12 ساعة وهو وقت كافي للتعقل.
رغم ذلك فإن الإصرار على القيام بالجريمة واضح حيث تم القضاء وبطريقة عشوائية على هذا العدد الكبير من السجناء خارج نطاق القانون. إن هذا العدد الكبير من السجناء لا يمكن أبدا أن يكون قد شارك في "التمرد" يوم 28 يونيو.
ولا يستبعد أيضا (هذا التخمين جائز طالما لا يوجد تحقيق محايد) بأن قرار إبادة السجناء قد اتخذ في وقت ما قبل يوم 28 يونيو 1996، وأن الظروف اللاإنسانية والكارثية التي سادت السجن كانت متعمدة لاستفزاز السُجناء على التمرد.
* فترة ما بعد 29 يونيو 1996
ـ إن التستر على الجريمة على مدى سنوات طويلة والتهرب من ذكر الأشياء بمسمياتها وعدم تحمل تبعات هذه الفعلة الشنيعة يعد اعترافا غير مباشر من النظام وعلى رأسه العقيد معمر القذافي بفداحة الجرم الذي ارتكبه في حق الإنسانية وهو في كامل قواه العقلية. إن التستر على جريمة واحدة وعدم الإعلان عنها يعد في حد ذاته جريمة، وفي حالة سجن بوسليم نتحدث هنا عن التستر عن 1200جريمة .
ـ ابريل 2009 اعتراف مصطفى عبد الجليل وزير العدل الليبي رسميا أمام هيومان رايتس ووتش بوقوع جريمة بوسليم ومقتل 1200 سجين سياسي.
ـ أغسطس 2009 اعتراف جمعية القذافي في بيان صحفي صادر عنها بمقتل 1167 من سجناء بوسليم.
* أين هي جثث القتلى وموقف سيف الإسلام القذافي؟
ـ النظام يرفض إلى حد الآن الإفصاح عن مكان دفن الضحايا، ويرفض أيضا ذكر أسباب رفضه هذا.
ـ أيضا سيف القذافي، المرشح للوراثة يدير ظهره لهذه الكارثة، فهو يقضي وقته في التفكير في كيفية حل هموم السياح الأجانب لعدم توفر الخمور في ليبيا والاسترشاد برأي مستشاريه من ليبيين وأجانب ، شيوخ فاسدين وإداريين "جيدين" حول أماكن وكيفية توفيرها، أما أماكن دفن رفات 1200 ضحية من ضحايا جور وظلم والده فهذا أمر يبدو لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد رغم وجود وسائل حديثة متطورة لمسح مناطق كاملة للبحث عن الجثث، ونحن نعتقد إلى حد اليقين بأنه ليس في حاجة إلى هذه الوسائل.
هل يعقل مثلا أن يعلم سيف القذافي عن مكان دفن الشيخ محمد البشتي وهو كما قال بأنه مدفون في غابة لكنه لا يعلم عن مكان دفن 1200 ضحية قتلوا في أبشع جريمة عرفتها ليبيا؟
وهل يعقل أن يتمكن سيف الاسلام القذافي من "حل" أزمات رهائن أجانب هنا وهناك في مختلف بقاع العالم وأن لا يكون بإمكانه فك طلاسم مكان دفن 1200 جثة من أبناء وطنه؟
لماذا يستعين القذافي وأبنائه بشركات أجنبية عالمية متخصصة "لتحسين سمعتهم الشخصية" دوليا، ويستعينوا بمحكمين دوليين بشأن قضية فرد من أسرتهم ضد سويسرا ولا يستعينوا بخبراء جنائيين دوليين لكشف ملابسات المذبحة في حق 1200 فرد من أبناء الشعب الليبي؟
أن أول درس يتلقاه أي طالب شرطة هو : لا توجد جريمة دون وجود جثة.
هنا نحن لسنا في حاجة إلى إثبات وقوع الجريمة، فلقد اعترف بوقوعها وزير العدل الليبي واعترفت بوقوعها جمعية سيف، بل وأعترف القذافي نفسه بوقوعها، ولسنا أمام طالب شرطة وإنما أمام إنسان "يرشح" نفسه وبقوة لقيادة ليبيا ويعد بتحويلها إلى "فيينا شمال إفريقيا".

حسنا إننا نحث سيف الإسلام بالبدء فورا في ذلك بالتوجه بالسؤال إلى عمدة بلدية فيينا وشرطتها : هل ممكنا أن تحدث في مدينتهم جريمة قتل واحدة ولا تعلن الشرطة في الجرائد ووسائل الإعلام النمساوية عن مكان دفن القاتل للضحية؟ أليس من مزايا فيينا أيضا الأمن والأمان وصدق القائمين عليها مع سكانها؟
أليس من واجبات عمدة فيينا أيضا السهر على أمن وأمان سكانها المواطنين والوافدين والكشف عن الجرائم والقبض على مرتكبيها ومحاكمتهم محاكمة عادلة؟
يا ترى ما رأي عمدة فيينا وسكان فيينا في ما حدث في سجن بوسليم، وما رأيهم حول التستر على مرتكبيها طيلة 14 عام وعدم ذكر مكان دفن الضحايا؟
وهل يوجد في فيينا خطوط حمراء ؟
اننا نتوجه بسؤال مباشر وبطريقة أهل فيينا وتربيتهم لأبنائهم إلى سيف الإسلام : أين دفن والدك جثامين ضحايا سجن بوسليم؟
هل يشرّف أهل فيينا أن تبنى "فيينا شمال أفريقيا" على جماجم سربرنيتشا شمال أفريقيا؟
سيف يصرح من موسكو بأن الديمقراطية هي أفضل نظام للحكم ولكنه يتناسى بأن الديمقراطية تُحتم على أي شخص مهما علت مكانته في نظام الحكم الديمقراطي احتراما لنفسه ولموقعه تحمل مسؤولية أي خطأ يقع في دائرة سلطته وإعلان استقالته، ونحن هنا لا نتكلم عن نفق بضع مئات من الطيور في حظيرة دواجن وإنما نتحدث عن مقتل 1200 سجين أعزل، كذلك يتناسى أيضا بأن النظم الديمقراطية تُجمد العمل الوظيفي لأي متهم إلى حين صدور نتيجة التحقيق.
ـ في حديث له مع قناة الجزيرة بث يوم 29 يونيو 2010 قال رئيس جامعة قار يونس محمد شرف الدين بأن مقتل 1200 سجين هو حادث عابر وعادي، وادعى بأن السجناء كانوا مسلحين وأن أعداد من قوات الأمن سقطت أيضا أثناء هذا الحادث، وطالما أن محمد شرف الدين متأكد من كلامه هذا فإنه لم يقل لنا لماذا يرفض النظام فتح هذا الملف من قبل قضاء دولي محايد ونزيه. ألم يبرئ القضاء الدولي الأمين خليفة افحيمة من تهمة الاشتراك في تفجير طائرة لوكربي؟
الالتحام مع أهالي الضحايا واجب وطني غرس النظام في عقول الكثيرين بأن ضحايا مذبحة بوسليم كانوا أعضاء "بالجماعة المقاتلة". إن هذا الإدعاء كاذب وليس له أي أساس من الصحة، فلو كانت هذه الجماعة تمتلك 1200 عضو لما انتهت بهذه السرعة.

وللمقارنة فإن التنظيمات المسلحة في أوروبا وخاصة في ألمانيا وايطاليا وأسبانيا التي أرهقت دولها عشرات السنين لم يتجاوز كادرها في يوم من الأيام في أحسن الأحوال ال 50 شخص. إن إدعاءات النظام هذه ما هي إلا محاولة يائسة لعزل أهالي الضحايا.
جريمة بوسليم لا تمس فقط أهالي الضحايا وإنما تمس الوطن بكامله بل وتمس صميم كيانه، إنها قضية الحق العام، ولهذا لا يمكن لنا أن نصمت.
كيف يطلب منا رفع أصواتنا ضد قضايا الفساد الإداري والاقتصادي وفي نفس الوقت يطلب منا الصمت على قضية قتل 1200 إنسان وذلك بمنع تداول هذه القضية في وسائل الإعلام الليبي ؟
كيف يمكن لنا المطالبة بالشفافية في "كل شيء" ونستثني من ذلك ما حدث يوم 29 يونيو 1996؟
لهذا فإن المطالبة بتحقيق دولي محايد ونزيه، هو مطلب يجب أن لا يتبناه فقط أهالي الضحايا وإنما الرأي العام الليبي، لأن جريمة مذبحة بوسليم هي قضية حق عام ، وإن أي اقتراح "قروي" آخر لتسوية نتائج كارثة وطنية ستكون نتيجتها حتما تمييع القضية وإطالة عمر نظام ديكتاتوري قمعي، وهذا ما يهدف إليه من أمر ونفد أمر الإبادة. إن الحالة الليبية تختلف في جوهرها ومضمونها عن حالة المغرب وحالة جنوب إفريقيا، وهي أشبه بالحالة الأرجنتينية من كلتا الحالتين.


عمر الكدي
الاثنين 5 يوليوز 2010