تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

مفتاح الشَّرع الذَّهبي

06/11/2025 - د. مهنا بلال الرشيد

هل يعرف السوريون بعضهم بعضا؟

29/10/2025 - فارس الذهبي

كلمة للفائزين بعضوية مجلس الشعب السوري

26/10/2025 - ياسر محمد القادري

سورية بين ثلاث مدارس للحكم والسياسة

13/10/2025 - ياسين الحاج صالح

اوروبا تستعد للحرب

13/10/2025 - د. إبراهيم حمامي

من الفزعة إلى الدولة

13/10/2025 - حسان الأسود

انتخاب أم اصطفاء في سورية؟

13/10/2025 - احمد طعمة


مفتاح الشَّرع الذَّهبي




قد لا يعجبك هذا المقال إن كنتَ تأمل الفوزَ بجائزة ثقافيَّة أو أدبيَّة مؤدلجة أو الظَّفر بغنائمها المعلنة أو عطاياها غير المعلنة بعد إنشاد الشِّعر، ولربَّما يزيد هذا المقال من تشتُّت ذهنك مثلما حصل مع خُريش حين تكاثرت الخراف عليه، فلم يعد يعرف على أيِّ جانبيه يميل؛ وذلك لأنَّ فكرة هذا المقال تقول: لا شيء خارج حدود الأيديولوجيا؛ نعم! جوائز المسابقات الأدبيَّة وهدايا الأسواق الثَّقافيَّة وأعطيات المهرجانات ومناهج التَّربية والتَّعليم ودروس التَّاريخ والجغرافية وحدود الخرائط المرسومة وأسماء المدن والسُّهول والجبال والبحار وبرامج التَّلفزة ومواقع النَّشر والمذاهب الدِّينيَّة والتَّيَّارات الأدبيَّة والثَّقافيَّة والسِّياسيَّة والفكريَّة والأقلِّيَّات العرقيَّة والدِّينيَّة والطَّائفيَّة وأشكال العملات الورقيَّة والمعدنيَّة ورموز الهويَّة البصريَّة وكلمات النَّشيد الوطنيِّ ودلالاته وشخصُ صاحبِ كلماته ومدرسة ملحِّنه وعلم الدَّولة المرفوع في دوائرها الرَّسميَّة وساحاتها العامَّة وأنماط اللِّباس وأشكاله وألوانه كلُّها أدوات أيدولوجيَّة، وإن مرَّ زمن دون أدلجتها فهذا هو الاستثناء.


 

ما أبرز مشكلات سوريا؟ وهل المفتاح السُّعوديُّ مفتاح ذهبيٌّ حقّاً؟

  
ولأنَّ الأمر هكذا؛ ولأنَّ الأيديولوجيا تسعى إلى التَّمدُّد في مجالات أخرى؛ يمكن التَّقرير ببساطة؛ لا جائزة مجَّانيَّة، وإن كانت في ظاهرها كذلك، لا نشرة أخبار، ولا برامج ثقافيَّة، لا صحف ولا مجلَّات، لا تلفزة ولا إمبراطوريَّات إعلاميَّة إلَّا لصناعة الأيديولوجيا؛ إلَّا لصناعة الأفكار والمذاهب، إلَّا للتَّلاعب بعقول معتنقيها وموظَّفيها ومروِّجيها؛ فما بالك ببلد مثل سوريا، الَّتي بدأ الضَّخُّ الأيديولوجيُّ في عقول أبنائها منذ انقلاب البعث في آذار/ مارس 1963؟! وارتفعت وتيرة هذا الضَّخِّ في عقول أبنائها منذ آذار/ مارس 2011 حتَّى وقتنا الرَّاهن؛ وتربة هذا البلد خصبة لمثل هذا الضَّخِّ، وفسيفسائه الاجتماعيُّ الملوَّن صالح لمثل هذا الاستثمار! فأيُّ تركة ورثها ساسة هذا البلد؟ وأيُّ مفتاح ذهبيٍّ التقطه السِّيد أحمد الشَّرع رئيس الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة بين سوق عكاظ الأدبيِّ وأسواق الرِّياض المعاصرة لحلِّ مشكلات الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة المتراكمة عبر السِّنين؟ وما أبرز هذه المشكلات؟ ما تحدِّياتها؟ وهل حقًّا هناك مفتاح ذهبيٌّ يفتح ما استعصى على الحلِّ من صناديقها المغلقة؟  
قمَّة دمشق 2008
بعد اغتيال الرَّئيس الشَّهيد رفيق الحريريِّ في 14 شباط/ فبراير 2005 في بيروت قاطعت مجموعة من الدُّول العربيَّة نظام المجرم المخلوع بشَّار الأسد لمسؤوليَّته المباشرة في هذه الجريمة، وروَّج النِّظام السُّوريِّ المخلوع بعبارة: (قمَّة بمن حضر) لقمَّة دمشق في آذار/ مارس 2008، لكنَّ النِّظام المخلوع أدرك بعد ذلك أهمِّيَّة حضور ساسة المملكة العربيَّة السُّعوديَّة، ووعى ثقل التَّأثير النَّاجم عن غياب قادتها؛ فسعى إلى التَّصالح مع الرِّياض، الَّتي تحظى بمحبَّة وتقدير كبيرين في نفوس السُّوريِّين كلِّهم؛ لأنَّها لا تُحابي؛ لأنَّها أكبر من البحث عن صناعة الأيديولوجيا؛ وببساطة لأنَّ ثقلها الجيوسياسيَّ يغنيها عن ذلك، وإن منحت جائزة من جوائزها المرموقة مثل جائزة مجمَّع الملك سلمان العالميِّ للُّغة العربيَّة فإنَّها ستمنحها لعالم سوريٍّ جليل وشيخ من شيوخ النُّحاة مثل مازن المبارك، الَّذي بلغ الخامسة والتِّسعين من عمره؛ تقديرًا لجهوده وعطائه لا من أجل الاستثمار الأيديولوجيِّ، على نحو ما تُمنح فيه بعض الجوائز في أماكن أخرى؛ وذلك ليقين صانعي الثَّقافة في المملكة العربيَّة السُّعوديَّة بمكانة المملكة في قلوب السُّوريِّين، فلا حاجة للبحث عن جنود مؤدلَجين من خلال الجوائز، وما حضور عشرين شيخًا من شيوخ القبائل العربيَّة في سوريا لاستقبال جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حين في مطار دمشق حين زارها في تشرين الأوَّل/ أكتوبر 2009 إلَّا دليل على عمق علاقة الشَّعب السُّوريِّ بأشقَّائه في المملكة، وهذا واحد من أهمِّ الأسباب الَّتي تكرِّس ديمومة العلاقات الأخويَّة، وإن حصل ما يعكِّرها في مرحلة عابرة من مراحل التَّاريخ، وليس هذا الجانب وحده ما يجعل المفتاح السُّعوديَّ مفتاحًا ذهبيًّا يمكنه حلَّ مشكلات سوريا كلِّها؛ فالعلاقات أخويَّة، والسُّعوديَّة بين أقوى 20 دولة ذات تأثير جيوسياسيٍّ على مستوى العالم، ومعظم المواطنين السُّوريِّين يشعرون بالطَّمأنينة والتَّفاؤل حين تكون العلاقة وثيقة بين هذين البلدين الشَّقيقين؛ ولكن ما أبرز مشكلات سوريا؟ وهل المفتاح السُّعوديُّ مفتاح ذهبيٌّ حقًّا؟ 
واثق الخطوة
يعرف القارئ الواعي تأثير الأيدولوجيا في كثير من القطَّاعات والمجالات المذكورة في مطلع هذا المقال؛ لذلك راقب كثير من المتابعين أسماء الفائزين والفائزات بجوائز المسابقات الأدبيَّة والثَّقافيَّة، ونظر بعضهم إلى منجزهم الحاصل على الجائزة والفكرة الَّتي يقولها وانتماء صاحب هذا النَّصِّ إلى هذه المدرسة أو تلك، وغاص آخرون في البحث عن انتماءات أخرى داخل فسيفساء المجتمع السُّوريِّ، وربطوا هذه بتلك ضمن السِّياق العامِّ للاستثمار الأيديولوجيِّ في الحالة السُّوريِّة ورغبة الباحثين عن نفوذ في سوريا من خلال الاستثمار في هذا التَّيَّار أو ذاك، وكانت المملكة العربيَّة السُّعوديَّة استثناءً، ويؤكِّد استثنائيَّة الموقف السُّعوديِّ رغبة ساستها بعدم التّدخُّل لصالح أيِّ فريق في لبنان خلال العقد الأخير المنصرم، وتركيبة المجتمع اللُّبنانيِّ شبيهة بتركيبة المجتمع السُّوريِّ إلى حدٍّ بعيد، ولكنَّ هل تكفي ثقة الرَّئيس الشَّرع بالمفتاح الذَّهبيِّ السُّعوديِّ لحلِّ مشكلات سوريا؟ وهل المفتاح السُّعوديُّ الَّذي قاد السُّعوديَّة بنجاح، وحلَّ كثيرًا من مشكلات لبنان يصلح لحلِّ مشكلات سوريا؟
يرتاح السُّوريِّون عندما يرون إصرار السُّعوديَّة على مساعدة سوريا، لكنَّ مشكلات المجتمع السُّوريِّ في الحقيقة أعمق بكثير من مشكلات المجتمع اللُّبنانيِّ إذا أراد ساسة السُّعوديَّة قياس مشكلات سوريا على مشكلات لبنان؛ فعدد سكُّان سوريا أكبر بكثير من عدد سكَّان لبنان، ونظام الحكم بتقسيمته الطَّائفيَّة في لبنان لا يصلح لسوريا، وكلُّ حديث طائفيٍّ أو عرقيٍّ في سوريا سيزيد من مشكلاتها، وهناك مشكلات أكثر تغلغلًا في مفاصل الدَّولة السُّوريَّة، ويعرف الجمبع أنَّ الفقر أبو مشكلات المجتمع كلِّها، نعم الفقر؛ إنَّه والد الجهل والطَّلاق وتشرُّد الأطفال وكثير من الصِّراعات العائليَّة والطَّبقيَّة أيضًا، إنَّه أبو الرَّشوة والفساد والشِّلليَّة والمحسوبيَّة إذا ترافق بغياب الضَّمير والأخلاق طبعًا، وهذه مشكلات زاد طول أمدِ الثَّورة السُّوريَّة المباركة من تفاقمها في المجتمع السُّوريِّ، فهل الاستثمار واستحداث فرص العمل الجديدة ورفع مستويات الدَّخل أمور تكفي لحلِّ هذه المشكلات؟
هذا بالطَّبع يسهم في حلِّ كثير منها، لكنَّه لا يحلُّها بالمطلق؛ وذلك لأنَّ المجتمع السُّوريَّ تطوَّر، وانتصرت ثورته، وحطَّمت هذه الثَّورة صنميَّة الأفكار والممارسات القديمة وحلولها أيضًا؛ واطَّلع السُّوريُّون على ممارسات سياسيَّة لدى أشقَّائهم وجيرانهم في تركيا والأوروبِّيِّين أيضًا، ورأوا أنَّ انتخاب المختار في قرية نائية وفي حيٍّ من أحياء المدينة يعني كثيرًا لأبناء الحيِّ، ويُظهر الحجم الشَّعبيَّ الحقيقيَّ للمختار، فلا يستطيع أحد سواه أن يقول أنا المختار أو أنا الممثِّل، وكذلك في ظلِّ صناديق الاقتراع لا يستطيع ادِّعاء التَّمثيل كلُّ طامع بنفشِ ريشه أو السَّطوة غير المشروعة على هذا الحيِّ أو تلك االقرية أو هذه المدينة أو تلك العرقيَّة العربيَّة أو الكرديَّة أو السِّريانيَّة أو تلك الطَّائفة الدُّرزيَّة أو هذا الجناح السُّنِّيِّ أو ذاك. ووجد السُّوريُّون خلال خمس عشرة سنة فقط أنَّ اختيار أعضاء المجلس المحلِّيِّ وانتخاب رئيسه بصناديق الاقتراع لا بالمزاودات الثَّوريَّة وهيلمات مسِّيحة الجوخ يعكس مستوى عاليًا من مستويات الدِّيمقراطيَّة، وتأكَّد السُّوريُّون مثل أشقَّائهم وجيرانهم أنَّ انتخابات المخاتير وانتخاب أعضاء المجلس البلديِّ بعيدًا عن التَّكليف الخاضع لسلطة هذا أو رأي ذاك مقياس حسَّاس من مقاييس الرَّأي العامِّ الدَّقيقة، ومؤشِّر لمعرفة الميول والاتِّجاهات في انتخابات البرلمان القادمة ومستقبل الخارطة السِّياسيَّة وتشكيلة الحكومة في المستقبل، وأكَّد بعض المتابعين ما قاله محلِّل آخر: نعم نحتاج خمسين سنة للوصول إلى هذه الحال، وقال آخر: لا، خمس عشرة سنة في ثورة منتصرة تعادل خمسين سنة أو مئة سنة من سنوات التَّطوُّر التَّقليديِّ من عُمْر مجتمع آخر، وتضحيات مئات الآلاف من الشُّهداء والمعتقلين كافية لقفزة نوعيَّة بشرط ألَّا نقع في المحظور بعد هذه التَّضحيات!
ما هذا المحظور؟
وسَّع انتصار الثَّورة السُّوريَّة المباركة مساحة الحرِّيَّة، وزاد هامشها، ورفع سقفها أيضًا، وقبل نهاية العام الأوَّل على انتصارها صار أشقَّاؤنا وجيراننا يتحدَّثون عن جماليَّة الحرِّيَّة، الَّتي نعيشها، لكنَّ مشكلات المجتمع السُّوريِّ العميقة هي ذاتها؛ فقرٌ ينتشر على مساحة فسيفساء اجتماعيَّة واسعة، وحرِّيَّة فكريَّة وإعلاميَّة، وتيَّارات أدبيَّة وثقافيَّة متعدِّدة، وزاد الاستثمار الأجنبيُّ المؤدلج خلال الثَّورة من جدليَّتها، وعمَّق توظيف المؤثِّرين فكرة الشِّلليَّة والمحسوبيَّة؛ فلجأ بعض المؤدلَجين لصالح هذا المستثمر أو ذاك إلى استئجار المطبِّلين والمزمِّرين ومسِّيحة الجوخ أيضًا؛ لترويج انتشاره بوصفه وليَّ نعمة أتباعه في المجتمع، وليدوم فضلُ فُتاته لهم؛ لكنَّ الحقيقة تقول: إنَّ مكشلات المجتمع السُّوريِّ هي ذاتها، لا، بل زادت حدَّتها، والخطر الأكبر يتمثَّل بتواري بعضها خلف زيٍّ ثقافيِّ، أو تمظهره بلبوس المهرجة والبهرجة والانتشار الجماهيريِّ، والحقيقة تقول: فساد ورشاوى ومظاهر ومحسوبيَّات، عوائل وشلل وتحالفات، يجمع بين بعضها شبكات عميقة من الفساد، طمعُ المستقوي ورغبته بالاستحواذ على كلِّ شيء، المستقوي بفساده وأموال داعميه المؤدلجة، المستقوي بمسِّيحة الخوج وشلَّة التَّطبيل والتَّزمير، المستقوي بسطوة الفاسدين أو مخاتير الأمر الواقع ورؤساء بلديَّات الأمر الواقع بعيدًا عن شرعيَّة صناديق الاقتراع، وهذه العلل والأمراض رحِم قذرة بين أصحابها!
أمَّا المحظور بعد تفاقم مشكلات المجتمع السُّوريِّ وقفزة التَّقدُّم الثَّوريَّة فهو: محاولة حلِّ مشكلات المجتمع السُّوريِّ القديمة المتجدِّدة بالأساليب القديمة البالية ذاتها بعيدًا عن صناديق الاقتراع، أو محاولة حلِّها بالاستماع إلى جعجعة هذا المستشار المتشدِّق بفصاحته مع أنَّ التَّشدُّق يبيعك كلامًا، ويبني لك أوهامًا، وأفضل منها الاستماع إلى صوت كلِّ سوريِّ؛ وهذا ممكن من خلال الاستماع إلى صناديق الاقتراع عند انتخاب المخاتير، وهذا بالطَّبع أفضل من محاولة حلِّ مشكلات المجتمع السُّوريِّ بالاستماع إلى مهرجة الشُّعراء وبهرجتهم بدل الاستماع إلى صوت النَّاخب واحترام إرادته في كلِّ حيٍّ وفي كلِّ مجلس بلديٍّ؛ هذا الشَّكل السَّهل الممتنع من الدِّيمقراطيَّة بداية الحلِّ في سوريا، أو هو مفتاح الحلِّ الذَّهبيِّ في سوريا، وما عداه قفزة في الهواء، أو محاولة لحلِّ المشكلات المتفاقمة منذ ستِّين سنة بالأساليب القديمة ذاتها، والأسوأ هو الاستماع إلى لحن القول لدى هذا، أو تفاصُحِ ذاك، بدل الاستماع إلى صناديق انتخاب المخاتير في القرى وصناديق انتخاب المجالس المحلِّيَّة في المدن والبلدات قبل الانتقال بسوريا أو العبور بها إلى مرحلة جديدة من مراحل الممارسة السِّياسيَّة والتَّقدُّم والازدهار فيها
-----------
  العربي القديم.

د. مهنا بلال الرشيد
الخميس 6 نوفمبر 2025