\بالرغم من ذلك، هنا أمريكان يقدرون ميزة الأشياء الصغيرة، فيعيشون في شقق صغيرة، غير مبالين بمجتمع الوفرة ويروجون للأشياء صغيرة الحجم، لدرجة أن البعض منهم يصممون نماذج مصغرة للغاية من أدوات استخدامهم اليومي، ويقتنون كلابا ضئيلة الحجم، أو حتى يعيدون انتاج نمط حياتهم على نحو مصغر على سبيل التسلية، فهل أصبح هناك توجه عام للانتقال من مقاسات الدبل إكس أو (XXL) إلى الإكس صمول أو (XXS)؟
تسرب في حالة جوشوا فيلدز ميلبورن وريان نيكوديموس، عدم الرضا شيئا فشيئا، فقد كانا يشغلان وظائف ذات رواتب تتجاوز ستة أرقام، ويركبان سيارات فارهة، ويعيشان في منازل ضخمة، تملؤها كما تملأ جميع تفاصيل حياتهما أشياء تحرض دوما على المزيد من الاستهلاك، ولكن ذلك لم يحقق لهما السعادة. يتحدثان على موقعهما على الانترنت أنهما كانا غارقين في الديون، والتوتر، والضيق، والخوف والوحدة والشعور بالذنب، والخضوع والاكتئاب، إلا أن حياة هذين الشابين تغيرت تماما بعد ترويجيهما لما يسمى بتيار المنمنمات أو " The Minimalists" الذي ساعد نحو 20 مليون شخص على التخلص من أعراض مرض مجتمع الوفرة، مما دعا شركة نتفليكس لانتاج فيلم وثائقي عنهما.
ويوضح كلا من ميلبورن و نيكوديموس الأسباب التي دعتهما للتخلي عن المنازل الضخمة الفخمة والإقامة في شقق متناهية الصغر، مكتفين في روتينهما اليومي بالضروريات فقط: وقد اقتبست مجلة (Country Living) للديكور شعارهما "الحجم ليس كل شئ"، الذي يعد بحياة أكثر بساطة وأقل فراغا. أما موقع التصميمات المعمارية الشهير (ArchDaily) فقد وصف المنازل المنمنمة بأنها "نبع الحرية". وعلى الرغم من أن حجم رواجها في السوق العقاري مازال محدودا، إلا أن برامج تليفزيونية مثل "منازل متناهية الصغر، حياة أكبر" و"منازل دقيقة الحجم هنترز"، أصبحت تعلي من قيمة هذه النوعية من المباني السكنية الصغيرة.
ومع ذلك، يبدو أنه ليس من السهل تطبيق هذه التوجه نحو تصغير الأشياء على الجميع، ووفقا لتقرير لشركة سبيرفوت أعده محللو توجهات السوق، فإن واحدا من بين كل 11 أمريكيا يدفع 80 يورو شهريا لحفظ مقتنيات شخصية في المخازن لمدد طويلة الأجل، والذي أصبح البزنيس السائد، نظرا لتعلق الناس بأشياء مثل قطع الأثاث، والملابس المستعملة والكتب القديمة أو ألواح التزلج، ويصل حجمه في السوق الأمريكي حاليا إلى 38 مليار دولار، وفقا لموقع (Curbed) نقلا عن تحقيق صحفي نشره موقع بلومبيرج، الذي يشير إلى أن الولايات المتحدة أصبح يوجد بها نتيجة لتيار التصغير والاعتدال أكثر من 50 ألف مخزن للمتعلقات القديمة التي لا يريد أصحابها التخلي عنها.
إنه عالم في منتهى الغرابة، فمن يطلق عليهم "المينايكس" (الجمع بين المهوسيين وتيار المنمنمات)، عشاق مقاسات الـ XXS ، قادرون على عمل تفصيل ملابس ومشغولات يدوية أصغر بكثير من كل مقاسات أوروبا. في عوالمهم الميكرسكوبية، فإن أكياس رقائق البطاطس وفناجين القهوة بحجم بنس واحد، وأجهزة الكمبيوتر بحجم علب الثقاب، وأحجام الكتب تناسب عقلة الإصبع. عند البحث عن مصطلح "المنمنمات" في شبكة الحرف اليدوية "Etsy"، يتم الحصول على 445 ألف رابط. لأن كل ما يهم مهووسي " المينايكس" هو القدرة على الضياع في عوالم خيالية كبيرة على نطاق مصغر.
ابتكرت ليندا فاتشي مع تيار المنمنمات الكلب الذي كانت تتمنى اقتنائه في الحياة الحقيقية بحجم عقلة الإصبع، كما اكتشف أيضا وسيلة لشغل وقتها ونموذج استثمار مربح وفي نفس الوقت يشبع ميولها. تعمل ليندا حاليا في تصميم نماذج حيوانات أليفة مثل الكلاب والقطط من خامات صوف الماعز، وتبيعها عبر الانترنت مقابل 350 يورو للقطعة، وعلى الرغم من أن الكلاب هي تخصصها المفضل، إلا أن لديها أكثر من 300 نوع حيوانات بين أرانب وسناجب وفئران. وتقول في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) "الناس يحبون حيواناتي".
في الوقت الحالي يمكن للراغبين تصميم نماذج منمنمات من الحبيب أو الحبيبة، أو حتى أعز الأصدقاء، عن طريق شركة (Doob) بحيث يبدو الانسان كما لو كان داخل عالم فيلم كارتوني ثلاثي الأبعاد، مثل فيلم " Downsizing"، 2017، بطولة مات ديمون، والذي ظهرت فيه الكائنات في صفوف بأحجام لا يزيد طولها عن 10 سينتمترا، تصور نمازج لأزواج وأصدقاء وعائلات.
تقول المتحدثة باسم الشركة روزالين زيف "من خلال هذه النماذج المنمنمة يرغب الزبائن في تخليد لحظات مهمة وخاصة في حياتهم، ومع عليهم إلا الوقوف في كابينة لالتقاط صورة بـ56 صورة متزامنة لكي يتم تحويلها من خلال برنامج سوفت وير إلى نموذج ثلاثي الأبعاد.
ومع ذلك مازال (المينايكس) ومهووسي المنمنمات أقلية استثنائية في الولايات المتحدة، البلد الذي يقدر شعبه الحجم الكبير ويعلون من شأنه، بحسب ما يؤكده كيركباتريك سيل في كتابه بعنوان "إعادة نظر في المنظور الإنساني"، مشيرا إلى أن "يعتبر المقاس معيارا للتميز، سواء في السيارات أو في ثمار الطماطم، مرورا بالمنازل وأعداد الجماهير، قيمة الرواتب، حجم ناطحات السحاب والعضلات وأنواع الأسماك". كما يرى أن الناس لا يدركون حقيقة حجم ما يكفيهم، ولهذا يميلون إلى شعار المرحلة الراهنة في الولايات المتحدة أنه "كلما كانت الأشياء أكبر، كانت أفضل".
تجدر الإشارة إلى أن محلات السوبرماركت في الولايات المتحدة تعرض في المتوسط 40 ألف منتج أكثر مقارنة بحقبة التسعينيات، ويبدو أن الأباء الذين نشأوا وسط مجتمع الوفرة والاستهلاك ينقلون إلى أبنائهم نفس نمط الاستهلاك وربما بشكل أكثر مبالغة.
عيون المقالات
|
الولايات المتحدة بين مقاسات الإكس إكس لارج، إلى إكس إكس سمولنيويورك – سيارات أكثر ضخامة، منازل أكبر حجما، أطباق طعام ووجبات عملاقة، يبدو أن شعار المرحلة الراهنة في الولايات المتحدة أنه "كلما كانت الأشياء أكبر، كانت أفضل"، وهناك توجه عام لتشجيع المزيد من الاستهلاك في مجتمع الوفرة. وحتى العزاب يشترون العبوات العائلية في محلات السوبرماركت، أما سيارات الجر الرباعي المنتشرة فأصبحت أشبه بوحوش عملاقة، وفي بعض الأحيان أصبح ما يعرف بالهايبرماركت، أكبر من بعض البلدات الصغيرة، وهو ما وصفه الرئيس الأمريكي الحالي، في كتابه "ترامب، فن التفاوض" عام 1987 على النحو التالي "إذا كانت مازلت تفكر في أمر ما، فمن الأفضل أن تفعله على نطاق واسع وبشكل ضخم".يوهانز شميت تيجي
الخميس 3 يناير 2019
إقرأ المزيد :
"موكب مولد النبي".. كرنفال شعبي يتجدد في مصر - 03/09/2025عُمان.. الغوص الحر يميز ثالث أيام مهرجان "مسندم" - 27/08/2025 |
|
|