المشكلة ببساطة هي أن أولئك الذين منحوا إسرائيل شيكاً على بياض يخسرون بين الناخبين الشباب والأقليات ولا يعرفون ماذا يفعلون. تظهر الاستطلاعات انقساماً حزبياً/ ديموغرافياً عميقاً حول الدعم الأميركي لإسرائيل، حيث ينتقل تأييد جيل الألفية وناخبي الأقليات من إسرائيل نحو تبني موقف أكثر توازناً، بل ومؤيداً للفلسطينيين. ففي حين أن الجمهوريين مرتاحون للغاية لهذا الانشقاق ويسعون إلى استغلاله لمصلحتهم، يريد بعض الديموقراطيين استغلال الوضع باتجاهَين. إنهم يريدون المحافظة على تأييد جمهور الناخبين، وفي الوقت نفسه إسكات معارضي سياساتهم تجاه إسرائيل.
ومما يعكس هذا التحول في المواقف تصويت معظم الطامحين الديموقراطيين لانتخابات الرئاسة لعام 2020 ضد مشروع قانون مجلس الشيوخ، الذي يشجع الدول على انتهاك الدستور الأميركي، بمعاقبة الأفراد الذين يشاركون في مقاطعة إسرائيل. وبالطبع، فإن الكونغرس الحالي يضم امرأتين مسلمتين، إحداهما صومالية، والثانية فلسطينية، لا تتركان فرصة لانتقاد النظام المعارض لانتقاد السياسات الإسرائيلية التي تنتهك حقوق الإنسان الفلسطيني.
وبالنظر إلى هذا المشهد المتغير، فإن أسباب الذعر تبدو واضحة بما فيه الكفاية. ولكن ما يثير السخط هو الطريقة التي قرر بها أنصار إسرائيل الرد. لقد لجأوا إلى توجيه الاتهامات بمعاداة السامية لكل من ينتقد إسرائيل، وحولوا ذلك إلى أداة حادة، في محاولة فجة لضرب المعارضين وإسكات الجدل المشروع حول الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. وهناك مشاريع قوانين حالياً أمام الكونغرس تعيد تعريف معاداة السامية لتشمل انتقاد إسرائيل، وتجريم المشاركة في مقاطعة إسرائيل، وأخرى تدين معاداة السامية.
وكدليل آخر على التغيير الذي تشهده واشنطن، كتبت بطلة الحقوق المدنية ميشيل ألكساندر، وهي واحدة من أبرز كتّاب الرأي الجدد في صحيفة نيويورك تايمز، قبل أسابيع، مقالة حول لماذا غيّرت رأيها تجاه إسرائيل. ونشرت الصحيفة، الأحد الماضي، مقالة لبريت ستيفنز، ينتقد فيها المساواة بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية. وقال إن سبب انتقاد اليسار التقدمي لإسرائيل هو أنه «لم يعد في وسع الناس تجاهل أكثر من نصف قرن من احتلال الأراضي الفلسطينية، والدعم المالي الأميركي لإسرائيل. إن استمرار التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية يثبت أن إسرائيل ليست لديها مصلحة في صنع السلام. واستمرار الاحتلال يضع ديموقراطية إسرائيل في خطر».
ولكنه يتحدث عن القسوة الفلسطينية، ويشير إلى عدد الإسرائيليين الذين قُتلوا على يد الفلسطينيين في هذا القرن، ولكنه يتجاهل حقيقة أن عدد الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل يفوق نظراءهم الإسرائيليين ثماني مرات.
ولإثبات حسن نواياه، يعلن ستيفنز «أنا أؤيد حل الدولتين»، ولكنه يستمر في المجادلة ضد أولئك الذين يعارضون بناء المستوطنات الإسرائيلية.
وأخيراً، يساوي ستيفنز بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، ويتحدث عن ديموقراطية إسرائيل متجاهلاً «قانون الدولة اليهودية» الذي يجعل من غير اليهود مواطنين من الدرجة الثانية مع أنهم يمثّلون %21 من السكان. ويتجاهل ما يتعرضون إليه من تمييز في الإسكان والنقل العام والرعاية الصحية والتعليم الجامعي، وحقيقة وجود أكثر من خمسين قانوناً تميّز ضدهم.
ولا يمكن وصف ازدراء ستيفنز لإنسانية الشعب الفلسطيني وتاريخ من التهجير والمعاملة كمواطنين من الدرجة الثانية في إسرائيل أو القمع تحت الاحتلال في الضفة الغربية والقدس، إلا بالعنصرية.
وفي النهاية، إذا أردنا أن نكون صادقين مع أنفسنا، فلا بد من معالجة هذا الوضع. فالتغيير قادم. ويجب على الذين يضغطون لمنع انتقاد سلوك إسرائيل وطمس الحقوق الفلسطينية أن يتعلموا أن مواصلة هذا الفعل لن تُسكت الأصوات المعارضة، بل ستقويها. فالرسالة واضحة: «انتهت اللعبة»!
------------
القبس
 رئيس المعهد العربي – الأميركي في واشنطن