نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


فيمينست؟ يا للهول!




مر عليّ زمن كنت أتبرأ فيه من لفظة "النسوية"، إذا ما إذا سألني أحدهم. وكأني أدفع عن نفسي تهمة. وكأني أتبرأ من علامة سلبية قد "تدنس" صورتي.

استغرقت مدة كي أفهم أن النسوية ليست تهمة وأنها انتماء يستحق أن نفخر به. فهمت أن "الفيمينست"، رجلا كان أو امرأة، لا يشبه تلك الصورة الكاريكاتورية التي يلصقها به البعض، كشخص هستيري يحارب الذكور. الفيمينست هو ببساطة شخص يؤمن بأنه من غير المعقول أن تعاني فئة معينة في المجتمع من حيف كبير يطالها، لمجرد انتمائها الجنسي


 .
نسوية لأني لا أفهم كيف يحرم مواطن من حقوقه، لمجرد أنه ولد أنثى
في إحدى مباريات التواصل في الجامعات الفرنسية، قدمت إحدى الطالبات في سلك الدكتوراه، تخصص علم اجتماع، مثالا جميلا عن بحثها في مجال العنصرية، حيث طلبت من الحاضرين أن يتخيلوا الوضع التالي: في القاعة التي يوجدون بها، سيتم اختيار الأشخاص الذين يتجاوز طولهم إلى 170 سنتيمتر، وسيقرر الباقون التمييز ضد هؤلاء لمجرد أن طولهم يتجاوز مقياسا معينا. يبدو هذا الأمر غريبا وظالما في نظر الجميع؟ هي بالتأكيد نفس الغرابة ونفس الظلم الذي يفترض أن نجده في التمييز ضد أشخاص لمجرد لون بشرتهم... وسأضيف هنا: أو جنسهم!
التاريخ والتجارب الكونية المعاصرة تثبت أن الذكاء ليس مرتبطا بجنس معين ولا بلون بشرة معين، وأن كل أشكال الحيف مرتبطة بما يسمى في العلوم الإنسانية: البناء الاجتماعي  " التركيبة الاجتماعية" بمعنى أن تنشئة معينة تجعلنا نؤمن بأن الشخص الأبيض هو بالضرورة أسمى من الأسود، وأن الرجل بالضرورة أفضل من المرأة؛ وقس على ذلك في العرق والدين وغيرها من أشكال التمييز.
كيف لا تكون "فيمينيست" حين تتأمل هذه الأرقام، وفي عدة مجالات:
فيما يتعلق بالأمية مثلا، فالمجتمعات التي يصيبها هذا الداء (المغرب، تونس، مصر، السينغال، مالي، الهند وغيرها من الدول)، تصل نسب النساء ضحايا هذه الآفة في هذه الدول إلى نحو الضعف مقارنة مع بنس الرجال؛ وذلك سواء ارتفع المعدل الوطني أو انخفض.
في الأجور، تعاني النساء من حيف عالمي، حيث تتقاضى النساء أجرة أقل بحوالي 20 في المئة من الرجال مقابل نفس الكفاءات ونفس الشهادات، وهي نسب عالمية تختلف بدرجات قليلة بين بلد وآخر. في فرنسا مثلا، وحسب مرصد مختلف أشكال اللامساواة، فإن أجور النساء تقل بـ 18.6 في المئة مقارنة مع الرجال، بنفس الكفاءات ونفس الشهادات.
وفي العنف يحدث نفس الشيء، إذ تشكل ضحاياه من النساء الملايين عبر العالم: في مصر، وحسب إحصائيات 2015، فإن مليون ونصف المليون من النساء يتعرضن للعنف الأسري سنويا، بمعدل 4000 حالة يوميا. 70 في المئة من الحالات يكون العنف فيها من طرف الزوج و20 في المئة من طرف الأب.
في تونس، حسب دراسة لمركز الإحاطة والتوجيه الأسري، بين سنة 2003 و2008، تم تسجيل 3305 حالة عنف، 96 في المئة منها من طرف الزوج.
في لبنان، يتلقى الخط الساخن المخصص لشكاوى النساء ضحايا العنف، أكثر من 2600 بلاغ سنويا؛ في حين تلقت منظمة هيومن رايتس ووتش بلاغات عن مقتل 25 سيدة على أيدي أقاربهن في لبنان بين 2010 و2013.
في المغرب، تعتبر المندوبة السامية للتخطيط أن 6 من أصل 10 نساء، تتراوح أعمارهن بين 18 و64 سنة، يتعرضن لأحد أشكال العنف. نفس الدراسة تقول بأن 55 في المئة من النساء تتعرضن للعنف من طرف أزواجهن وأن 3 في المئة فقط يتقدمن بشكاوى للقضاء أو الشرطة.
فهمت أن "الفيمينست"، رجلا كان أو امرأة، لا يشبه تلك الصورة الكاريكاتورية التي يلصقها به البعض، كشخص هستيري يحارب الذكور
في بلجيكا، تسببت الجرائم التي ترتكب في حق النساء من طرف الأقارب في وفاة ضحايا يتجاوز عددهن ضحايا الإرهاب (25 في أول ثلاث فصول من 2018، و39 ضحية سنة 2017).
في العشرية الأخيرة، تم قتل 1740 امرأة في إيطاليا من طرف أقاربهن، 1251 منهن داخل بيت الأسرة و846 منهن قتلن من طرف الزوج.
دون الحديث عن إشكاليات أخرى قد لا يسع الحيز للحديث عنها: التحرش الجنسي، والذي أدركنا عبر "#MeToo" أنه آفة عالمية، تعدد الزوجات، التقسيم غير العادل للإرث، تشغيل وتزويج القاصرات... هناك أيضا سؤال الجنسية، حيث لا يحق للنساء في العديد من بلدان منطقتنا إعطاء الجنسية لأطفالهن إذا كان الزوج أجنبيا (اللهم بعض الاستثناءات القليلة كتونس والمغرب ومصر)، وكأنها ليست مواطنة حقيقية في بلدها بل نصف مواطنة فقط؛ وغيرها من أشكال الحيف.
لكل هذا وأكثر، أنا نسوية... نسوية لأني أعتبر أن التعليم والصحة والعدالة وغيرها من الحقوق، لا يفترض أن يكون لها انتماء جنسي. نسوية لأني لا أفهم كيف يحرم مواطن من حقوقه، لمجرد أنه ولد أنثى. نسوية لأني، بكل موضوعية، أرى واقع النساء عبر العالم فأراه مشوبا بعدم الإنصاف. ونسوية لأني أؤمن بالمساواة في الحقوق والواجبات بين كل أطياف المجتمع. بكل بساطة.
-------
الحرة

سناء العاجي
الخميس 22 نونبر 2018