نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي


قرية واحدة بثلاث لغات ومساع لإحلال الوئام على الحدود الألمانية الفرنسية




ليدنجن - نيكول باستونج - تقرع الأجراس في قرية ليدنجن وقت الظهيرة، تبدأ أولا من برج أجراس كنيسة جان دارك الفرنسية ثم بعد ذلك بثوان من كنيسة سان ريميجيوس الألمانية، ولم يحدث على الإطلاق أن دقت أجراس الكنيستين في وقت متزامن.


قرية واحدة بثلاث لغات ومساع لإحلال الوئام على الحدود الألمانية الفرنسية

وقد تكون ليدنجن قرية واحدة ولكن يوجد فيها كنيستان وثلاث لغات منهما اثنتانيقسمان سكانها هما الفرنسية والألمانية، بينما توجد لغة ثالثة مشتركة وهي توحد بين السكان وهي اللهجة الفرانكية.
 وما يعرف في اللغة الألمانية بقرية ليدنجن يطلق عليه بالفرنسية ليدينج، ويوجد من الناحية القانونية قريتان على جانبي الحدود، وهاتان القريتان تعدان قرية واحدة من الناحية التاريخية يشطرها الخط الحدودي الذي يسير بلا عائق في الشارع الرئيسي، وهذا التقسيم استمر منذ عام 1827.
 بل إن الشارع الرئيسي له اسمان، فعلى الجانب الألماني يكون اسمه نيوترال شتراسه ويصبح اسمه رو دي لا فرونتيير على الجانب الفرنسي.
 وتقع ليدنجن بين بلدة تيونفيل في فرنسا ومدينة سارلويس في ألمانيا. 
 وتمتعت قرية ليدنجن بفترة قصيرة من الشهرة عام 1983عندما وضعها المؤلف والمخرج السينمائي ألفريد جولدن في محور فيلمه الوثائقي " جرينزفول " ( قضية الحدود ) الذي فاز بجائزة في الصحافة الألمانية الفرنسية.
 ولم يتغير الكثير خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة، وتقلص الطابع الزراعي للقرية كما تراجع عدد الأطفال الذين يلعبون في شوارعها.
 وكان مأمورو الجمارك لا يزالون يجوبون الشارع الرئيسي حتى عام 1983. وتم تحديد مواعيد ثابتة لعبور خط الحدود بين القريتين، غير أن المزارعين لا يستطيعون ببساطة أن يذهبوا إلى حقولهم كما يشاءون. 
ولا يوجد الكثير الذي يمكن للسائح العارض الياباني أو الأمريكي أن يشاهده من معالم في هذا المكان عندما ينزل من الحافلة التي تقله، فليس أمامه سوى شارع خال من المارة ومنزل مهجور وعدد قليل من المباني الجديدة التي يتم صيانتها جيدا، كما أنه لن يرى في المكان إلا عددا قليلا من السكان وربما مجرد قطة تعبر الطريق ويقول المؤلف والمخرج جولدن :" إنك سترى هنا الخيال فقط ".
 ولا يبدو للعيان أي فرد في المكان لمسافة أميال بحيث يبدو أنه أرض لا صاحب لها، بينما يظهر جدول مائي وبضع قرى ومروج وحقول.
 وفي الناحية المقابلة تقع ألمانيا بينما تقع فرنسا هنا وبينهما مجرد شارع، ويبدو أن التفكير في التعاون بين الجانبين عبر الحدود كان ضربا من الخيال حتى وقت قريب، فبعد تاريخ طويل من الصراع بدا الأمر كما لو أن هذا التاريخ قد ترك مشكلات كثيرة.
غير أن أواصر الصداقة التي انعقدت بين رجل ألماني وآخر فرنسي أدت الآن إلى حدوث تغيير.
 فقد توطدت أواصر الصداقة والزمالة لفترة طويلة بين فولفجانج شميت عضو المجلس القروي لليدنجن وباتلمي ليمال عمدة هينينج التي تنتمي إليها ليدنجن، والآن يتولى كل منهما منصبا ويتطلع إلى أن يتوصل إلى حلول مشتركة للمنطقتين المحليتين اللتين يشرفان عليهما. 
ويقول شميت إن هذه هي المرة الأولى التي يعمل فيها الجانبان الألماني والفرنسي في ليدنجن معا، والسبب في ذلك أن الكيمياء جيدة بينه وبين صديقه على الجانب الفرنسي. 
ويتم الآن تزويد القريتين بمياه الشرب وشبكة الصرف الصحي من خلال الجانب الألماني، بينما تتم إضاءة الشارع الرئيسي من خلال الجانب الفرنسي، ويتناوب الجانبان أعمال إزالة الجليد. 
ومن ناحية أخرى يقول ليمال إننا حققنا الكثير بالفعل، وكان في السابق يتم إعادة رصف الطريق الرئيسي عندما يقوم كل جانب برصف النصف المواجه له فقط، ولكن سطح الطريق يبدو اليوم ناعما بجهد مشترك مع وضع عواميد إنارة متماثلة على جانبيه. 
وكانت هناك مشكلات،  إذ يجب تقديم طلبات للحصول على أموال من الصناديق المالية للاتحاد الأوروبي إلى جانب ضرورة إزالة العراقيل البيروقراطية على الجانبين، وقد دشن الصديقان مشروعا آخر على شكل منصات مشتركة للمشاهدة على الحدود على جانبي القرية. 
وتم تشييد إطارين مرتفعين كنافذتين من الحجر الجيري يمكن من خلالهما رؤية كل من الكنيستين على الجانب الآخر، وتم كتابة قصيدة " الحدود " للمؤلف والمخرج جولدن باللهجة المحلية بالإضافة إلى اللغتين الألمانية والفرنسية. 
ويتعين على أبناء كل جانب أن يقرأ القصيدة باللغة " الأجنبية " أي أن الجانب الألماني يقرأها بالفرنسية وبالعكس.
 ويقول المؤلف إنه إذا أراد أبناء أي جانب أن يفهموا القصيدة فيجب عليهم أن يذهبوا إلى الجانب الآخر ليقرؤوها بلغتهم.
وبينما لا يتطلب عبور الحدود إلى الجانب الآخر سوى قفزة بسيطة كان الشارع الرئيسي يقسم بالفعل بين سكان الجانبين الذين ليسوا مختلفين في الحقيقة، وتم تنفيذ محاولة للتقريب بين أبنائهم، وتم تشجيع الصداقة الألمانية الفرنسية والاحتفاء بها كهدف رسمي. 
ويرى جولدن أنه تم كبت الكثير من المشاعر في محاولة لتحقيق الانسجام بين أهالي الجانبين، وقد ولد جولدن في الجانب الألماني من الحدود. 
ويوضح جولدن وجهة نظره بقوله إنه من السهل الاحتفال وتناول الشراب معا، ولكن إذا حاول أحد مناقشة مسألة الحرب الجزائرية فستخرج على الفور التحيزات القديمة من عقالها كما ستنكأ الجراح التي اندملت. 
ويعيش 26شخصا على الجانب الفرنسي من الطريق الرئيسي بينما يزيد هذا العدد على الجانب الألماني ليصبح 190شخصا، ولا توجد حياة مجتمعية مشتركة بين سكان الجانبين حيث لا توجد نقطة مركزية للتجمع كما لا توجد متاجر أو حانة مشتركة أو حتى ملعب مشترك لكرة القدم.
 ويكون الحال المعتاد هو أن يوجه المرء التحية لجاره على الجانب الآخر ثم يمضي في سبيله، ويقول جولدن إن الناس يتحدثون باستمرار عن الجيرة بين الألمان والفرنسيين ولكن كل شخص يعلم أن مسألة الجوار بشكل عام تعني وجود70  في المئة من التوتر والصراع فلماذا يكون الحال مختلفا في هذه القرية. 
وقد يكون خط الحدود غير مرئي ولكنه لا يزال موجودا، ولفهم السبب في ذلك يجب عليك أن تعلم تاريخ المنطقة، فقد تم رسم هذا الخط الحدودي من جانب مؤتمر فيينا عام 1815 وهو المؤتمر الذي أعاد ترسيم حدود الدول الأوروبية، وعلى مدار مئتي عام غير السكان المحليين جنسياتهم سبع مرات.
 ولعدة عقود كان أهالي القرية على الجانبين إما فرنسيين أو ألمان وأحيانا يكونون منقسمين وأحيانا أخرى متحدين. 
ويقول شميت إن الوضع سيبقى في هذه المنطقة على ما هو عليه، ذلك لأنه لا يوجد أحد يريد تغييره الآن، ويومىء ليمال برأسه موافقا على هذا الرأي.
 وقد نشأ أبناء كلا الجانبين على هذا التقسيم واعتادوا عليه، ومن خارج قرية واحدة طور مجموعتان من السكان تنتميان لدولتين في الأزمنة السابقة عملتين مختلفتين ونظامين للتعليم وعربتين لجمع المخلفات.
 ويوجد بالكنيسة على الجانب الألماني برج على شكل بصلة وهو الوحيد الموجود لمسافة عدة أميال، وقد شيد أبناء الجانب الفرنسي الكنيسة الخاصة بهم في الثلاثينيات من القرن الماضي لأنهم رفضوا الذهاب إلى القداس تحت شعار الصليب المعقوف للنازي.
 ويتناول السكان على الجانب الفرنسي أرغفة الخبز الشهيرة المعروفة بإسم الباجيت إلى جانب الأجبان والنبيذ الأحمر وعلى الجانب الألماني يتناولون النقانق والجعة، ويتمتع كل جانب بالثقافة والسمات الخاصة به على الرغم من أن اللهجة المحلية تربط بين أهالي الجانبين.
 ويعرب ليمال عن اعتقاده بأنه في غضون عشرين عاما لن يكون بوسع أحد من الجانبين أن يفهم جاره على الجانب الآخر، ذلك لأن الألمان لا يتحدثون بالفرنسية كما لا يتكلم الفرنسيون الألمانية بينما لم يعد الصغار يتكلمون باللهجة المحلية.
ويتحدث العمدة الفرنسي بالألمانية بطلاقة كما يتكلم باللهجة المحلية باعتبارها لغته الأم، وتعلم الفرنسية في المدرسة، والآن يتفق الصديقان على أن اللغة " ستصبح مشكلة كبرى ".
 وفي محاولة للحفاظ على اللهجة المحلية يهدف الصديقان الآن إلى التقريب بين أطفال الجانبين، ووضع شميت رؤية مشتركة لهما لمنطقة الحدود.
 
ويقول شميت إنه لدينا أمل واحد وهو أن تكون هناك وحدة على شكل الإتحاد الأوروبي تقضي بأننا ببساطة جميعا جيران.

نيكول باستونج
الاربعاء 27 فبراير 2013