نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

عن روسيا وإيران شرق المتوسّط

08/05/2024 - موفق نيربية

( في نقد السّياسة )

05/05/2024 - عبد الاله بلقزيز*

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام


لماذا الخوف من تحييد لبنان؟






وسط التكهّنات بالأسباب التي أدّت إلى اغتيال الوزير محمّد شطح، تناقلت الألسنة علاقته بالمحكمة الدوليّة، كما توقّفت عند علاقته بالسعي إلى تحييد لبنان. وربّما كان السببان معاً وراء اغتياله، خصوصاً أنّ كلاًّ منهما كفيل بأنّ يفضي، والحال على ما هي عليه، إلى قتل صاحبه.


 

 

لكنْ إذا كانت خطورة المحكمة مفهومة لا يعوزها الشرح، فصعوبة تبيّن الخطورة التي يحملها التحييد لا تقلّل من أهميّته.

 

فالحال أنّ الصراع الفعليّ في لبنان، أمس كما اليوم، كان متعدّد المصادر والعناوين، إلاّ أنّ روحه تبقى المسألة الوطنيّة: هل لبنان بلد سيّد، تنبع قراراته، سلماً وتحالفاً وحرباً، من مصلحته هو، أم أنّه بلد تابع لسواه في الجوار، ينصاع إلى السلم والتحالف والحرب لأنّ مصلحة ذاك الجوار تقضي بذلك.

 

ودائماً كان القائلون بالأولويّة لمصلحة البلد يريدونه نائياً عن الصراعات، فيما كان القائلون بأولويّة طرف خارجيّ ما يريدون زجّه فيها. وبالطبع فإنّ "القضيّة"، وهي غالباً قضيّة فلسطين والصراع العربيّ - الإسرائيليّ، جاهزة للاستخدام. 

 

في هذه الحدود كانت المسألة الوطنيّة، وتبقى، الشرط الذي يسعّر الخلافات الأخرى حول حصص الطوائف أو تنمية المناطق أو تعمير المدن كما يمنحها البُعد الانفجاريّ.

 

وبعد الاستقلال، وتبعاً للصلة التاريخيّة بين المسيحيّين، لا سيّما منهم الموارنة، وبين الدولة ـ الأمّة اللبنانيّة، اضطلع المسيحيّون بحراسة المصلحة اللبنانيّة بوصفها أولويّة تقضي بالابتعاد عن نزاعات الخارج. ذاك أنّ الأخيرة لا تكتفي بعسكرة الداخل ذاته، بل تزجّ الطوائف في صراعات تطيح الكيان نفسه، فضلاً عن تعارضها مع اقتصاد تجاريّ وخدميّ يتطلّب الأمن والاستقرار أكثر ممّا يتطلّبهما اقتصاد آخر.

 

هكذا لم يكن مستغرباً أنّ زعيماً مسيحيّاً مارونيّاً ككميل شمعون تصدّى للناصريّة والزخم النضاليّ الذي أطلقته، لأنّ مصلحة لبنان تكمن مع الغرب ومع الشقّ المحافظ والغنيّ من العالم العربيّ. ثمّ كان مسيحيّ مارونيّ آخر هو ريمون إدّه الأبكر في الدعوة إلى تحييد لبنان وإلى المطالبة ببوليس دوليّ يقف عازلاً بينه وبين إسرائيل. كذلك لم يكن مستغرباً أنّ حزباً مسيحيّاً مارونيّاً كالكتائب هو الذي حضن الردّ المسلّح على التسليح الذي انتشر في أواخر الستينات بهدف زجّ لبنان في الحروب مع الدولة العبريّة.

 

وهذا الخطّ الذي كان مسيحيّاً في السابق، صار سنّيّاً مع رفيق الحريري. فإذا طرحنا التفاصيل جانباً، بقي أنّ الحريري راهن على سلام إقليميّ ابتدأ في مدريد عام 1991 وفي أوسلو في 1993، وبنى مشروعه الداخليّ في موازاته. ولم يخل تحالفه المديد مع الوصاية السوريّة وحزب الله، والذي اعترضته مناكفات لم تنقطع، عن رهان آخر مفاده أنّ السلام ونفعه الاقتصاديّ سيذلّلان ممانعة دمشق ويروّضانها. ولئن تبيّن لاحقاً أنّ ذاك الرهان لا يُعدم السذاجة، فإنّ مشاركة سوريّة في حرب تحرير الكويت، بقيادة الولايات المتّحدة، كانت، على الأرجح، مصدر الإيحاء به.

 

في مقابل ذاك الخطّ المسيحيّ ـ السنّيّ، شكّل حزب الله ومقاومته الامتداد لخطّ سبق أن أسّسته المقاومة الفلسطينيّة والحركة الوطنيّة في لبنان، ومؤدّاه الانخراط في الصراع الإقليميّ واعتبار لبنان مجرّد جسر للعبور. وهنا أيضاً تغيّرت القيادة الطائفيّة وتغيّرت الشعارات والعناوين الحركيّة، الأمر الذي بلغ ذروته في تصفية حزب الله للشيوعيّين وحلفائهم بينما كان النظام السوريّ يصفّي "العرفاتيّين". أمّا الخطّ المسيحيّ ـ السنّيّ فتجسّد انكساره الأكبر في ما مثّله ميشال عون الذي دفعه رفضه انتقال القيادة إلى أيدٍ سنّيّة إلى مغادرة الخطّ نفسه والتحالف مع خصومه.

 

لقد انتقلت قيادة خطّ الإقحام في الصراع من الأكثريّة السنّيّة إلى الأقليّة الشيعيّة ـ العلويّة، فيما انتقلت قيادة خطّ التحييد من الأقلّيّة المسيحيّة إلى الأكثريّة السنّيّة. 

 

والحال أنّ هذا التحييد، الذي يوصف محمّد شطح بأنّه كان حامله وراعيه، يبقى أفعل المسائل في خلط الأوراق وإعادة ربط الانقطاعات. فالمسيحيّون، من رئيس الجمهوريّة إلى بطريرك الموارنة، لا يملكون مقاومة إغراء كهذا، وهناك "إعلان بعبدا" الذي يُكسبه الشرعيّة. لا بل يُشكّ في قدرة ميشال عون نفسه على مقاومته.

 

وخلط داخليّ كهذا لأوراق التحالفات اللبنانيّة أمر يخيف دعاة الحروب والسلاح والمقاومات، فكيف إذا ما تلقّف الخارجُ الدعوة إلى تحييد لبنان فيما خرائط المنطقة كلّها قد تُعرض للمراجعات وإعادة النظر؟


حازم صاغية
الخميس 9 يناير 2014