نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

سمومُ موازينِ القوى

28/07/2025 - غسان شربل

من نطنز إلى صعدة: مواد القنبلة في قبضة الوكيل

24/07/2025 - السفير د. محمد قُباطي

في كذبة الوطنية السورية

21/07/2025 - غازي دحمان

خديعة الرحمة

03/07/2025 - هناء محمد درويش


ماذا حدث قبل وأثناء الجمعة العظيمة؟ بعيداً عن الصحافة وعدسات الموبايلات




الهدهد ـ خاص ـ حمص/ دمشق/ ريف دمشق - المشهد ضبابي.. لكنه كان يشي بالكثير الكثير، والمناخ الذي ساد حمص ودمشق وريف دمشق حسب معايشيه لا يشوبه الهدوء الحذر فقط، إنما المرعب أيضاً، والناس في حالة تكهن حول الوضع السائد في سوريا كلها، أما الفضائيتين السورية والإخبارية السورية فتنقلان أخباراً معينة، في حين تنقل الفضائيات العربية والأجنبية أخباراً معاكسة تماماً، وبين الروايتين الداخلية والخارجية بون شاسع لا يمكن تخيله، والهوة كبيرة والفجوة عميقة بين المعارضين في الداخل من جهة، والنظام وأتباعه والمؤمنين به من جهة أخرى.


جنود يرفعون صورة الرئيس السوري
جنود يرفعون صورة الرئيس السوري





كل شيء يغلي، وكأن البلد كلها في مرجل، وليس كل الناس على اطلاع على ما يجري يجري، لأن الأمن كان يحاول إغلاق أية نافذة من شأنها أن تطل على أي جزء من الحقيقة، والحواجز الأمنية التي انتشرت في المناطق التي ذكرتُ سابقاً دفع الكثيرين لإغلاق أبواب بيوتهم على أنفسهم، والذي ليس لديه أي أمر ضروري لا يغادر جدران منزله.

أيام وأيام والناس يتناقلون أخباراً لا يعرفون إن كانت صحيحة أم ملفقة، وشبكة الإنترنت لا تمكنهم من معرفة إلا النذر اليسير لأنها بطيئة جداً، وتحتاج إلى صبر أيوب كي (تَشْبُك)، وقد نقلت وسائل الإعلام السورية خبر تحديث مخدمات الشبكة بحجة الأعطال الناتجة عن استخدام الشبكة بكثافة، لكن الصواب أنه تم تغييرها بمخدمات مراقبة من قبل فرع أمن المعلومات الذي يترأسه اللواء علي مملوك، أما الهواتف على نوعيها الأرضية والخليوية فلا مجال للاستفسار من خلالها، فهي مراقبة منذ مدة.

في حمص الوليد/ (شهادة نقلها 3 أشخاص، م.د، ت.ز، أ.ب)

قبل أسبوعين من "الجمعة العظيمة" كان وجود العناصر الأمنية بلباسها المدني واضحاً، وخصوصاً بعد صلاة الجمعة "جمعة الصمود 8 نيسان" عند جامع خالد بن الوليد، بدأ معظم المصلين بالتجمع، وهم الذين اتفقوا مسبقاً أنه بعد الصلاة سيبدأون المظاهرة من منطقة الجامع وحتى ساحة الساعة "التحرير"، فيما آثر آخرون الانصراف، ومع ذلك تابعهم رجال من الأمن واعتقلوامن استطاعوا اللحاق بهم، أمام هذا المشهد بدأ بعض المتظاهرين بالصراخ طالبين من الناس عدم الخروج عن التظاهرة التي كانت تكبر شيئاً فشيئاً، عندما تحرك رجال الأمن، وأخرجوا الهراوات التي كانوا قد دسوها تحت ثيابهم، ثم اشتبك الطرفان بالأيادي، ووقعت إصابات من كليهما، وانتهى الأمر باعتقال بعض المتظاهرين، ومع ذلك لم تتوقف الهتافات (حرية.. حرية).

بعد "جمعة الصمود" صار رجال الأمن بلباسهم المدني يذهبون يومياً عند الجوامع وفي الساحات العامة، وفي الأسواق المكتظة، وقد حاولوا استدراج البعض للإيقاع بهم، ونجحوا في ذلك.

في الجمعة التالية "جمعة الإصرار 15 نيسان" التحق الناس بالصلاة في عدة جوامع، ويومها كان عند كل جامع بين 6 و7 عمال نظافة (تبين لاحقاً أنهم عناصر أمنية) ، فاستغرب الناس وجود هؤلاء لأن يوم الجمعة عطلة رسمية لجميع العاملين في القطاع الحكومي، لكنهم لم يعطوا الموضوع أهمية كبيرة، وبعد انتهاء الصلاة وخروج المصلين فوجئوا بازدياد عدد العمال (الأمن)، وقد كانت لجامع خالد بن الوليد الحصة الأكبر، حيث وصل عددهم إلى 400.
ذلك اليوم بدأ الناس التظاهر متجهين نحو ساحة "الساعة" وهم يرددون شعارات الحرية لدرعا، فهاجمهم عمال النظافة بالهراوات العادية والكهربائية إلى جانب أدوات التنظيف (الكريكات، والمكانس)، ولاحقاً وصلت سيارات بيك أب ممتلئة برجال أمن لمساندة (العمال)، وإثر وقوع الضحايا بين قتيل وجريح تحولت الشعارات من (حرية.. حرية) إلى (سلمية.. سلمية)، وبسبب هول المشهد ارتفعت عدة شعارات تطالب بإسقاط النظام، وتشتم الأمن وقياداته، والجدير بالذكر أن الأمن يومها منع سيارات الإسعاف من دخول المنطقة لنقل المصابين، أما من وصل من الجرحى إلى المشفى الوطني فقد تم تحويله بأوامر أمنية (حسب الأطباء) إلى المشفى العسكري، وفيه تم اعتقالهم.

بعد تلك الجمعة قرر الناس النزول يومياً في الأحياء والمناطق، ودعوا إلى إزالة صور الرئيس بشار الأسد ووالده، وإلغاء الكتابات الموجودة على الجدران والتي تتعلق برمز النظام، وفجر يوم الإثنين في حوالي الساعة الـ2 جابت سيارات المحافظة المدينة، ومعها رجال أمن أزالوا مزق الصور من الأرض، وأعادوا إلصاق صور جديدة لبشار الأسد ووالده، وباشتداد الأزمة في درعا، وضغط القبضة الأمنية على حمص، وإقامة حواجز أمنية عند مداخلها (تدمر، دمشق، بابا عمرو، تحويلة طرطوس، الوعر) أصبحت حركة السيارات الداخلة إليها والخارجة منها مراقبة وخاضعة للتفتيش، ومع اقتراب يوم "الجمعة العظيمة" تصاعد قلق وخوف الناس، وزاد بطش الأمن الذين استخدموا الرصاص الحي خلال تلك الأيام بشكل محدود، لكنهم أسقطوا عدداً من الضحايا.


الطريق إلى دمشق/ (شهادة نقلها شخصاً ن.ع)

حوالي الساعة الواحدة من ظهر يوم الأحد 17 نيسان توجهت إلى العاصمة، وكانت الطريق إليها شبه خالية، استغربت الحال لأن هذه الطريق دولية من جهة، ومن جهة أخرى تربط المحافظات السورية الشمالية بالجنوبية، ولذلك تكون مزدحمة على مدار الساعة، وصلت دمشق حوالي الساعة الـ2.30 وكانت الحركة عادية في منطقة القابون/كراجات العباسيين، لكنني لاحظت وجود سيارات صغيرة تشبه الأكشاك، وبين السيارة والأخرى حوالي 50 م، وكانت معدة لبيع الشاي والقهوة، وعند كل واحدة يجلس شاباً أو اثنين، كما لاحظت وجود بسطات الفاكهة والكاسيتات والخبز، علماً بأن هذه الظاهرة كانت ممنوعة قبل ذلك، من هناك استقليت سيارة أجرة ونزلت عند ساحة المحافظة، وقد لفتتني حركة السيارات القليلة، وكذلك المشاة، علماً أنه في مثل هذا الوقت يكون المكان مزدحماً، سرت نحو البرلمان في الصالحية، وقد كان الهدوء خيالياً، والطريق المرصوفة المؤدية إلى ساحة عرنوس لا يوجد فيها إلا عشرات الأشخاص، أما أصحاب المحال المفتوحة فقد كانوا خارج محالهم وكأنهم يترقبون شيئاً ما، عدت أدراجي حين وجدت المحل الذي أريد مغلقاً، واتجهت نحو سوق مدحت باشا، من جهة ساحة المرجة، وقد تكرر ذات المشهد، سيارات قليلة، وحركة المارة نادرة.
وصلت إلى السوق، وكونه سوقاً شعبياً فمن العادة وجود عدد كبير من المتسوقين، لكن الحركة يومها كانت شبه ميتة، وبعض المحال مغلقة أيضاً، اشتريت من السوق ما أحتاجه وركبت سيارة الأجرة طالباً من السائق التوجه نحو بيتي الكائن في طريق المطار الدولي، وخلال الطريق ساد صمت مريب بيني وبين السائق، مع العلم أن سائقي سيارات الأجرة مثل الحلاقين (ما بفوت لسانن لحلقهن)، لكن يبدو أن كل واحد منا اعتقد أن الآخر عنصر أمن.
وصلت إلى البيت الذي يبعد زمنياً عن باب شرقي حوالي 10 دقائق، ارتحت قليلاً وعزمت على الذهاب إلى بيروت لقضاء ليلة فيها، كان الوقت حينها حوالي الخامسة بعد العصر، وعبر المتحلق الجنوبي وصلت إلى كراجات بيروت في منطقة السومرية، وفي الكراجات كانت السيارات قليلة العدد، والركاب نادرون، وهناك وجدت أحد السائقين اللبنانيين الذين أعرفهم بسبب زياراتي الكثيرة إلى بيروت، وكنت الراكب الوحيد معه، انطلقنا نحو المنطقة الحدودية، لكن عدد السيارات العابرة آنذاك كانت قليلة أيضاً، ما أكد لي أن الأوضاع تسير إلى ما لا تحمد عقباه، تحدثت والسائق عن الوضع الراهن في سوريا، فقال لي: (ما عم نعرف شي)، وعلقت: (ما حدا عارف شي من شي) الجملة التي رددها الفنان زياد الرحباني في فيلم أميركي طويل، وصلنا إلى النقطة الحدودية الجمركية عند جديدة يابوس حيث كانت الطريقة خالية تماماً، انتقلنا بعدها إلى نقطة الأمن العام، وهناك لم يكن يوجد في الصالة أكثر من 20 مسافراً، وعند هذا الحد انتهى المشهد السوري.

في بيروت جلست في مطعم علّني أهنأ بأول وجبة سآكلها ذلك اليوم، لكن القلق سيطر علي، لدرجة أنني قررت العودة من حيث أتيت خوفاً من إغلاق الحدود لأي طارئ كان، وتمام الساعة 2.30 وصلت إلى دمشق، في اليوم التالي الإثنين غادرت المدينة متجهاً نحو منطقة القلمون في المواصلات العامة، وعند مدينة النبك شاهدت صفاً طويلاً من السيارات العسكرية والباصات التي كانت تقل جنوداً بكامل عتادهم العسكري متجهين نحو حمص، وقد اضطر السائق للسير خلفهم لأنه كان يريد الانعطاف يميناً نحو بلدتي، لكن العساكر أمروه بتجاوز القافلة، وكانوا يضعون على رؤوسهم خوذ خضراء على بعضها إشارات صفراء، وعلى بعضها الآخر إشارات حمراء، أما الشارات الموجودة على زنودهم فقد كانت تشير إلى تبعيتهم للحرس الجمهوري (وقد عرفت ذلك لأنني خدمت في الجيش)، وكان الجنود يحملون أسلحة متنوعة، من بينها رشاش 500 (بي كي سي) وبمباكشن وقاذفات قنابل مسيلة للدموع، كما لفتني وجود رشاشات ثقيلة مجهزة فوق كل سيارة، وخلف كل رشاش عسكري.
ولأن ما رأيته لا يشبه سوى جزءاً من مشهد حرب مخيفة، قررت التصوير بواسطة الموبايل، فنبهني السائق إلى خطورة ما سأقوم به، وقال لي: (دير بالك، والله هلق بِقُشُّونا) أي يكنسونا، حين مددت يدي إلى جيبي لسحب الموبايل فوجئت بجندي يصوب سلاحه نحو، بعدها طاردتنا سيارة شرطة عسكرية تقل عدة ضباط، وصاحوا: (اطلع)، فأشار لهم السائق أننا نريد الدخول إلى البلدة يميناً.
قلت للسائق خائفاً: (شو هاد يازلمي؟)، رد: (خليها لربك، من بداية الأسبوع والحركة على هذا الشكل، وخصوصاً في الليل، لأنو الليل ستار العيوب وما إلو عيون، واليوم عبرت الطريق أكثر من 500 عربة وناقلة عسكرية مجهزة، بالإضافة إلى ناقلات على متنها دبابات).

رويت لعدة أشخاص ما شاهدته وسمعته خلال هذين اليومين، فتكهنوا بمجازر سترتكب يوم الجمعة، وعبروا عن قلقهم وخوفهم من الآتي الذي لابد أنه سيكون خطيراً.


يوم السفر/ (شهادة ن.ع، م.د)

اليوم هو يوم (الجمعة العظيمة 22 نيسان)، وبما أن موعد الطائرة الـ10 ليلاً، فلابد أن أكون في المطار الساعة الـ8، وبالتالي علي مغادرة البلدة الساعة الـ6.30، لكن في الساعة الـ3.30 اتصل بي ابن عمي من دمشق طالباً مني القدوم فوراً من دون ذكر أية تفاصيل أخرى، بدأت الحيرة تتسلل إلي، والأسئلة تتوالد، فما الذي يحدث؟.

في تمام الساعة الـ4 انطلقت وصديقي باتجاه دمشق، وخلال مسافة 90 كم لم نصادف سوى بضعة سيارات لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة، لكن عند منطقة القطيفة (تبعد عن دمشق 45 كم) رأينا مجموعات كثيرة من الجنود المترجلين، وكان عدد كل مجموعة يترواح بين 4 و5 أفراد مسلحين وبكامل عتادهم، وفي منطقة ضاحية الأسد (حوالي 20 كم عن دمشق) أصبح الوجود العسكري أكبر، بالإضافة إلى وجود عناصر مكافحة الإرهاب وعناصرأمنية، يومها كانت السماء ملبدة بغيوم ماطرة تضيف إلى المشهد رهبة ورعباً.

عند مدخل دمشق (البانوراما) كان وجود العناصر الأمنية والعسكرية كثيفاً، وقد تم إغلاق الطريق المؤدية إلى منطقة العباسيين، كما تم تحويل الطريق إلى المتحلق الجنوبي، أما على الأرض وإلى جانب حائط (البانوراما) رأينا أكثر من 50 شخصاً بلباس مدني، وحين أصبحنا قريبين منهم رأيناهم يحملون هراوات وعصي وكابلات، ثم تجاوزناهم لنرى مجموعة أخرى على بعد 25 م تقريباً، وبدافع الدهشة والفضول أبطأ صديقي من سرعة السيارة علنا نتمكن من معرفة شيء مما نراه، لكن المشهد زاد تعقيداً، حيث رأينا عناصر وباصات وسيارات أمنية، وكان يقف أمامهم رجلاً ضخم البنية يرتدي واقي رصاص، ويضع حزاماً فيه مخازن رصاص ومسدساً، وبيده بندقية روسية، وكان يشير بيده إلى العناصر وكأنه يوجههم، انتبه عنصر أمن إلى أن سرعة سيارتنا كانت بطيئة، فتوجه نحونا مسرعاً، حينها اضطر صديقي للإسراع، غير بعيد عن المكان شاهدنا دخاناً أبيض كثيفاً، وحسب تقديراتي كان فوق منطقة برزة وركن الدين، تابعنا المسير، وكنت أنظر يميناً ويساراً، وبموازاة منطقة حرستا رأينا الدخان الأبيض الذي كانت يتصاعد بكثافة، ونفس الدخان كان فوق الجهة المقابلة حيث جوبر وزملكا وساحة العباسيين، وقد عرفت لاحقاً أنه غازاً مسيل للدموع، لكن غيمة سوداء ضخمة غلبت على المشهد، ولم أتمكن من معرفة ماهيتها إلا لاحقاً.

في بداية منطقة حرستا نبهت صديقي إلى وجود عنصرين أمنيين على سطح بناية قريبة، ولدى كل واحد منهما قناصة، وعلى جسر مشاة وبالقرب من البناية عنصرين آخرين أحدهما يحمل روسية، والآخر معه جهازاً لاسلكياً، ومنظاراً يراقب من خلاله مدخل حرستا، هذا بالإضافة إلى الوجود الأمني الكثيف على جانبي المتحلق، وصلنا إلى مفرق يؤدي إلى طريق المطار الدولي، كانت إلى يمينه بضعة سيارات جيمس زجاجها أسود، ومزودة بأنظمة لاسلكي، وإلى جانبها كانت مجموعة عناصر أمنية يتحدث أفرادها فيما بينهم، وبسبب كل مشاهداتي أصبح كل همي الوصول إلى المطار.

في المطار/(شهادة ن.ع)
وصلنا إلى أرض المطار حوالي الساعة الـ6، وقد كان عدد المسافرين كبيراً بحيث أنني لم أشهده يوماً من قبل، وداخل الصالة التقيت ابن عمي الذي كان قد هاتفني، وقد أخبرني حينها بكل التفاصيل، وكيف اتصل بعقيد في سلك الشرطة كي يساعده لإخراجه من حرستا حيث يسكن، كما وصف لي معاناته في الطريق إلى المطار الذي استغرق من الوقت ساعتين وربع، مع العلم أن المسافة لا تزيد عن 30 كم، وأنه اضطر ووالدته للوقوف 3 مرات عند حواجز أمنية لا يفصل بين الحاجز والآخر1 كم، وكانا عند كل حاجز ينزلان الحقائب ويخضعان للتفتيش مع تفتيش السيارة، لكن عند حاجز رابع أوقفته دورية أمن، فرجاه بأن يسمح له بالمغادرة لأن والدته تأخرت عن رحلتها، فقال لهما: (انزلوا)، ثم سأله الضابط: (من وين انتو؟)، في هذه الأثناء صدر عن اللاسلكي الذي بحوزته صرخات أشخاص تقول: (صاروا حدكن..)، فقال بعصبية لابن عمي ووالدته: (انبطحوا)، ارتبك ابن عمي ونزل على الأرض، ثم ضرب الضابط بقوة على السيارة وقال بلهجة آمرة ومرتفعة: (ولك روحو)، ولم يفهم ابن عمي ما يحدث.

ودعت ابن عمي ثم دخلت صالة الانتظار، وحين كنت في غرفة التدخين دخل شخصان، فسأل أحدهما الآخر: (شو الأخبار؟)، رد الثاني: (تركتن ثمانية)، ثم أردف بعد أن أخذ نفساً من سيجارته: (بيستاهلوا)، الأول: (أديش صاروا)، الثاني: (ما بعرف)، في البداية خطر في بالي وبصدق أنهما يتحدثان عن مباراة، ثم تابع الأول: (وليش جيت؟)، الثاني: (أكلت ضرب على ظهري وإيدي.. كسّروني)، الأول: (لعمى في ربن شو حيوانات)، حينها بدأت بربط الأحداث بين ما شاهدته وبين حديث الرجلين، الثاني: (إنشالله ما بضل ولا واحد منن)..
وبناء على ما لدي من معلومات عن الجمعة العظيمة دفعني الفضول للسؤال: (عم تحكوا عن المظاهرة في الشام؟)، عندها نظرا إلي، وتابعت: (شفت دخان أسود كتير)، سألني أحدهما: (وين)، أجبت: (أتوقع نواحي جوبر)، قال أحدهما للآخر: (مظبوط.. هاي الكازية)، سألته: (شو بتقصد ثمانية؟)، أجابني: (ثمان قتلى، الله لا يرحمن)، استفزتني إجابته وقلت له مستنكراً: (قال الرئيس المظاهرة مسموحة، بأي حق بتقتلوا هدول الناس؟)، رد: (هدول عملاء مندسين، وعم يخربوا البلد)، سألته: (معقول كل المظاهرة مندسة؟)، أجاب: (هدول مانن من البلد، اللي بخرب بلده بدو قتل)، قلت: (ما إلك بين المتظاهرين أخ ولا أب ولا صديق؟)، رد بأسلوب حقير: (سيادة الدكتور الرئيس بشار أعطانا توجيهات: معهم مهلة شهر، إذا ما استجابوا تصرفوا)، وبين ما في داخلي من مشاعر غضب، وموقفي من الشخص الذي تحدثت معه الذي عرفت أنه عنصر أمن، أردت إنهاء كلامي بتحفظ، فسألته: (هل أمركم الرئيس بقتل الناس، وقد أعلن في خطابه أنه لن تراق نقطة دم)، رد علي: (اللي بدو يخرب البلد ويهدد الأمن بدو قتل)، انتهى الحوار عند هذا الحد، وخرج الرجل مسرعاً وتبعه الآخر، عندها (راحت السكرة وإجت الفكرة)، وقلت في داخلي: (يا ولد راحت عليك)، فأسرعت نحو بوابة الطائرة، ولم أعد أعرف ما الذي حصل، لأن الطائرة ستقلع بعد دقائق، حين وصلت إلى مستقري قرأت وشاهدت من خلال الإنترنت ماذا حدث يوم "الجمعة العظيمة"، ولاحقاً عرفت أن أجهزة الأمن تعتقل بعض السوريين حين وصولهم إلى المطار، أما أنا فلا أعرف كيف سيكون مصيري، هل أعود؟ أم أفتش عن وجهة عربية أخرى؟
------------------------------------------------
(إن حرصنا على حياة الأشخاص الذي نقلوا إلينا هذه المشاهدات وسلامة عائلاتهم في سوريا حيث النظام ينتقم بشكل جماعي ، دفعنا لعدم ذكر أسمائهم).

الهدهد ـ خاص ـ حمص/ دمشق/ ريف دمشق
الاربعاء 4 ماي 2011