يوم أعلنوا عن نجاح تجربة إرسال أول رجل إلى الفضاء الخارجي، سجّل السوفيات هدفاً حاسماً في المرمى الأميركي. كانوا قد تكتموا على المشروع مثل سر من أسرار الدولة، لم يفه به غاغارين حتى لزوجته. أما أبوه عامل المناجم وأمه بائعة الحليب فسمعا من الراديو أن ابنهما طار بعيداً وعاد بطلاً قومياً. بعد ذلك بدأت مرحلة استثمار الحدث. تابع الجميع صور خروتشوف وهو يستقبله بالأحضان. وفي باريس، نشرت صحيفة «لومانيتيه»، لسان الحزب الشيوعي الفرنسي، مقالاً لجانيت فيرميرش، زوجة زعيم الحزب، سخرت فيه من «عيد الصعود» لدى المسيحيين، وقالت إن صعود غاغارين هو العيد الحقيقي.
لم يعد رائد الفضاء يرى طفلتيه. طافوا به على المزارع التعاونية والمعامل والجامعات كان عليه إلقاء عشرين خطاباً في اليوم. تحوّلت ضحكته الجميلة إلى رمز لتفوق الاشتراكية على الرأسمالية. زار عواصم العالم وتعشى مع ملكة بريطانيا في قصرها وأهدته دمى صغيرة لابنتيه. التقط صوراً مع النجمة جينا لولو بريجيدا في روما ومع عمال مصانع «رينو» في باريس، ومع أبي الهول في الجيزة. وقف بجوار كاسترو أمام الجماهير في هافانا وسأله الزعيم الكوبي عن عدد المرات التي دار فيها بمركبته حول الأرض، فأجاب بأنه دار مرة واحدة استغرقت ساعة ونصف الساعة. ونظر كاسترو إلى ساعته وقال: «سأبدأ كلامي وما عليك سوى أن تحسب الدورات». واستغرق الخطاب ثلاث ساعات وكان قصيراً.
بعد سنتين من الدعاية المكثفة خفت البريق وعاد رائد الفضاء الأول في التاريخ إلى شقته في «مدينة النجوم»، قرب موسكو. يأخذ ابنتيه، كل صباح، إلى نزهة في الغابة ويمضي الأمسيات يلعب كرة السلة مع جيرانه «الفضائيين». حياة مملة يكرسها لمتابعة دراسة البنتين، هو الذي حرم من المدرسة بسبب الحرب ولم يتعلم القراءة إلا في سن التاسعة. أراد أن يزرع فيهما حب الفنون والآداب. لم يقرأ لهما دواوين الشعراء الروس، فحسب، بل حدثهما عن همنغواي و«الشيخ والبحر»، وعن سانت إكزوبيري و«طيران الليل»
شعر بالمرارة لأنهم أبعدوه عن أي رحلة فضائية لاحقة. بالغ في الشراب وراح يثرثر بآراء خارجة على الحد. أراد أن يستعيد عمله كطيار وباشر دورة تأهيلية. وما زال السؤال غامضاً حول تهشم طائرته الـ«ميغ 15» أثناء رحلة تدريبية فوق مقاطعة فلاديمير. ملأت أوراق التحقيق في الحادث 29 ملفاً وما زالت محفوظة ضمن وثائق الدفاع السرية. مات في الرابعة والثلاثين ودفن عند جدار الكرملين. وفي استطلاع للرأي أجري العام الماضي حول الشخصيات الأكثر شعبية في تاريخ البلاد، حل غاغارين في المرتبة السادسة، بعد ستالين وبوتين والشاعر بوشكين. وكانت صحافة زمانه قد نقلت عنه أنه صعد إلى السماء ولم يلتقِ بالخالق. لكن المؤرخين اليوم يؤكدون أنه لم يتفوه بتلك العبارة بل نسبها له خروتشوف. وعندما أرسل الأميركان رجلاً إلى الفضاء، عاد ليقول إنه رأى عظمة الخالق.
------------
الشرق الاوسط
لم يعد رائد الفضاء يرى طفلتيه. طافوا به على المزارع التعاونية والمعامل والجامعات كان عليه إلقاء عشرين خطاباً في اليوم. تحوّلت ضحكته الجميلة إلى رمز لتفوق الاشتراكية على الرأسمالية. زار عواصم العالم وتعشى مع ملكة بريطانيا في قصرها وأهدته دمى صغيرة لابنتيه. التقط صوراً مع النجمة جينا لولو بريجيدا في روما ومع عمال مصانع «رينو» في باريس، ومع أبي الهول في الجيزة. وقف بجوار كاسترو أمام الجماهير في هافانا وسأله الزعيم الكوبي عن عدد المرات التي دار فيها بمركبته حول الأرض، فأجاب بأنه دار مرة واحدة استغرقت ساعة ونصف الساعة. ونظر كاسترو إلى ساعته وقال: «سأبدأ كلامي وما عليك سوى أن تحسب الدورات». واستغرق الخطاب ثلاث ساعات وكان قصيراً.
بعد سنتين من الدعاية المكثفة خفت البريق وعاد رائد الفضاء الأول في التاريخ إلى شقته في «مدينة النجوم»، قرب موسكو. يأخذ ابنتيه، كل صباح، إلى نزهة في الغابة ويمضي الأمسيات يلعب كرة السلة مع جيرانه «الفضائيين». حياة مملة يكرسها لمتابعة دراسة البنتين، هو الذي حرم من المدرسة بسبب الحرب ولم يتعلم القراءة إلا في سن التاسعة. أراد أن يزرع فيهما حب الفنون والآداب. لم يقرأ لهما دواوين الشعراء الروس، فحسب، بل حدثهما عن همنغواي و«الشيخ والبحر»، وعن سانت إكزوبيري و«طيران الليل»
شعر بالمرارة لأنهم أبعدوه عن أي رحلة فضائية لاحقة. بالغ في الشراب وراح يثرثر بآراء خارجة على الحد. أراد أن يستعيد عمله كطيار وباشر دورة تأهيلية. وما زال السؤال غامضاً حول تهشم طائرته الـ«ميغ 15» أثناء رحلة تدريبية فوق مقاطعة فلاديمير. ملأت أوراق التحقيق في الحادث 29 ملفاً وما زالت محفوظة ضمن وثائق الدفاع السرية. مات في الرابعة والثلاثين ودفن عند جدار الكرملين. وفي استطلاع للرأي أجري العام الماضي حول الشخصيات الأكثر شعبية في تاريخ البلاد، حل غاغارين في المرتبة السادسة، بعد ستالين وبوتين والشاعر بوشكين. وكانت صحافة زمانه قد نقلت عنه أنه صعد إلى السماء ولم يلتقِ بالخالق. لكن المؤرخين اليوم يؤكدون أنه لم يتفوه بتلك العبارة بل نسبها له خروتشوف. وعندما أرسل الأميركان رجلاً إلى الفضاء، عاد ليقول إنه رأى عظمة الخالق.
------------
الشرق الاوسط