ولكن هل هناك مسؤولون في لبنان، ثم هل إنهم في حاجة الى قراءة الصحف وخصوصاً "الاستعمارية"منها، اذا كانوا لا يملكون وقتاً او رغبة حتى لقراءة التقارير التي توضع على مكاتبهم، وبينها عشرات التقارير التي نبهت من وجود مواد متفجرة وخطرة في المرفأ، ولكن تبيّن من خلال تواتر المعلومات، انهم تقريباً من رأس الهرم الى كل قادة الأجهزة وكبار الموظفين في المرفأ، كانوا على علم مسبق و منذ أعوام بوجود هذه الكمية الهائلة من نيترات الأمونيوم، التي تقول الصحيفة المذكورة انها تساوي الف ضعف الكمية المستخدمة في عملية تفجير "اوكلاهوما سيتي"، ولكنهم تعاملوا مع هذا الأمر وكأنه لا يستحق الإهتمام. لا أريد طبعاً التدخل في التحقيق الذي يجري، لكن لا بد من التوقف ملياً عند ما تقوله "نيويورك تايمز" حرفياً: "ان ضابطاً يدعى حوزيف النداف حذّر رؤساءه العام الماضي من خطورة وجود تلك المواد المتفجرة وانها تعتبر تهديداً أمنياً عاجلاً بعدما أكتشف ان آلاف الأطنان من نيترات الأمونيوم المخزنة تتسرب من اكياس ممزقة الى جانب ٢٥ طناً من الألعاب النارية والأحماض والكيروسين، ما يعني ان هذا يمكن ان يدمر مدينة، لكن إتضح ان كثيرين من المسؤولين يعرفون هذا، لكن الغريب ان الضابط نداف اصبح أحد المحتجزين"!
تكراراً لا تدخل او تعليق مني في مسار التحقيق، لكن الأسئلة الساخنة تتجاوز لبنان الى العالم، عندما تذكّر هذه الصحيفة بعد غيرها، بما سبق ان نشر في بيروت من ان رئيس الوزراء حسان دياب أبلغ بشأن المواد مطلع حزيران وخطط لزيارة المرفأ لكنه الغى وقال بيان من مكتبه "ان الزيارة ستكون تفتيشاً روتينياً"، وكذلك انه في ٢٠ تموز قبل ١٤ يوماً من الكارثة، حذّر جهاز أمن الدولة في تقرير الى مجلس الدفاع الأعلى الذي ترأسه الرئيس ميشال عون، من تلك المواد ولكن البند سحب من جدول الاعمال.
طوفان الأسئلة يوازي طوفان الدمار والمآسي في المنطقة، لكن من الضروري التوقف عند قول "نيويورك تايمز" انها أجرت عشرات المقابلات مع مسؤولي المرفأ والجمارك والأمن ووكلاء الشحن وغيرهم من المختصين، ليتبيّن لها كيف تحولت مغارة علي بابا قنبلة نووية "لأن القادة السياسيين كانوا يجمعون الثروة من خلال الرشوة والتهريب"!
ربما هذا لا يضيف شيئاً الى ما بات يعرفه اللبنانيون بعد وقوع الكارثة، لكن الأدهى اننا بعد الحريق الثاني، ثم الثالث اول من أمس والذي روع بيروت وخنقها كتن سببه وفق وزير النقل وببساطة كلية "ان عامل تلحيم تسبب بشرارات اشعلت النار"، الأغرب فعلاً ان نقرأ ان الرئيس عون نوه أمس بالدور الذي قام به الأمنيون بعد الكارثة في ٤ آب، من مسح الإضرار ورفع الأنقاض في المرفأ، فكيف يمكن ان ينشب الحريق الثاني مع وجود كل هذه الأجهزة على أرض المرفأ المنكوب، ثم الحريق الثالث الهائل المخيف فعلاً. لو كان الناس من ذباب وقد طرحو مئآت الإستنتاجات والإتهامات عن ان الحريق الثالث هو عملية حرق لمسرح الجريمة الكبرى ولمستندات وملفات الفساد الذي جعل من المرفأ مغارة علي بابا النووية، لكانوا يستحقون توضحين اولاً كيف ينشب الحريق مع وجود الأجهزة كلها هناك، وثانياً ماذا عن سجلات المرفأ والمانيفيستو وبوالص التخليص والرسوم، هل إحترقت فعلاً … افيدوا التحقيق قبل ان تفيدوا الناس الذين ربما لا فائدة لهم قطعاً لافادتهم.
سؤال أخير برسم لفت النظر : يقال انه نظمت عملية تصفية كبرى اوكازيون في المنطقة الحرة من المرفأ وبنسب وصلت الى ٧٠٪ قبل ٢٤ ساعة من الإنفجار الكبير؟
--------
النهار