نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي


مقبرة الزلاج ... خزان الذاكرة التونسية تعاني من الاكتظاظ والإهمال




تونس - طارق القيزاني - الاختناقات المرورية جزء من الحياة اليومية في منطقة باب عليوة بالعاصمة التونسية، ومع أن الدولة حاولت تخفيف تلك الظاهرة قدر الإمكان عبر مد الجسور والمحولات إلا أنها لم تفكر بعد في إيجاد بديل عن المقبرة المترامية الأطراف في قلب باب عليوة.


مقبرة الزلاج ... خزان الذاكرة التونسية تعاني من الاكتظاظ والإهمال
وإحدى الأسباب الرئيسية وراء التدافع المروري في باب عليوة هو التدفق الهائل لأعداد المسافرين على مدار الساعة على محطتي نقل رئيسيتين بين المدن، مخصصة للحافلات وسيارات الأجرة الخاصة، بينما تتجاور محطتي نقل أخرى مخصصتين للنقل داخل العاصمة، واحدة تتبع شبكة المترو والثانية على مقربة منها وهي مخصصة للحافلات.
 
وبالإضافة إلى حركة المسافرين اليومية من وإلى العاصمة فإن باب عليوة تعتبر منطقة عبور رئيسية للآلاف من السيارات الخاصة يوميا. ولكن المفارقة أن كل هذا الصخب المروري يقع في محيط أكبر مقبرة في تونس وربما في أفريفيا وهي تستقطب يوميا ما لا يقل عن 20 جنازة إلى جانب الآلاف من الزوار.
 
وبحسب العمال في مقبرة الزلاج تعتبر أشهر تشرين ثان/نوفمبر وكانون أول/ديسمبر وكانون ثان/يناير فترات الذروة بالنسبة للمقبرة.
 
ولا يعكس الضجيج اليومي بباب عليوة حالتي السكينة والهدوء اللذين يسيطران على الأجواء داخل مقبرة الزلاج الواسعة حيث يرقد ما لا يقل عن ثلاثة ملايين من الموتى بعضهم يعود إلى عدة قرون خلت.
 
وتستحوذ مقبرة الزلاج على الجزء الأوسع من منطقة باب عليوة وهي تقع فوق أراضي أغلبها من هضاب كثيفة الأشجار وعلى مساحة تقارب 64 هكتارا. ويمكن للناظر من أعلى نقطة بداخلها أن يشاهد الجزء الأكبر من العاصمة.
 
وقال المسؤول البلدي عن المقبرة لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب. أ) "مقبرة الزلاج تشغل مساحة 64 هكتارا تم استغلال 38 هكتارا للدفن والباقي هو عبارة عن جبال محاذية للمقبرة ومن غير الممكن استغلالها".
 
وأضاف المسؤول "المقبرة بلغت منذ عام 2006 طاقتها القصوى مع ارتفاع عدد من دفنوا بها إلى اكثر من ثلاثة ملايين لكن هناك مشروع قيد الإعداد لتوسعتها بنحو 7 هكتارات".
 
ومثل هذه التوسعة من شأنها أن تخفف الضغط على المقبرة غير أن المساحة الإضافية لا يتوقع أن تصمد لأكثر من ثلاث سنوات في استقبال الوفيات.
وللدلالة على حالة الاكتظاظ إلى جانب حرص التونسيين بالعاصمة على دفن ذويهم بمقبرة الزلاج فإن المكلفين بأشغال الحفر والبناء وتهيئة القبور يستعدون للتقدم بمشروع إلى المصالح البلدية في تونس، يتضمن رغبتهم في زيادة الأجر الذي يحصلون عليه نظير أشغال حفر وتهيئة القبور.
 
ولا توجد مصادر دقيقة تعرف بتاريخ مقبرة الزلاج لكن بعض الوثائق المنشورة تشير إلى أن تاريخ تأسيس المقبرة يعود إلى عهد الدولة الحفصية في تونس (1229-1574).
 
ونالت المقبرة شهرة واسعة في تاريخ تونس الحديث كونها ارتبطت إلى حد ما بتاريخ الحركة الوطنية وحركة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي للبلاد الذي امتد بين سنتي 1881 و1956.
 
وتعد معركة الزلاج التي اندلعت في السابع من تشرين ثان/نوفمبر عام 1911 بين جموع من المتظاهرين الغاضبين وقوات الاحتلال الفرنسي إحدى أبرز المحطات النضالية للتونسيين ضد فرنسا الاستعمارية. وقد تناهى إلى مسامع التونسيين آنذاك أن المجلس البلدي الفرنسي بالعاصمة كان قد قرر رسم الملكية العقارية للمقبرة باسم المجلس والإعداد لمد خط سكك حديدية يشق المقبرة التي تحظى بمكانة عزيزة لدى سكان العاصمة.
 
وأدى تدخل الجيش الفرنسي لإخماد غضب الجماهير الغاضبة بمقبرة الزلاج إلى سقوط 14 قتيلا وجرح المئات.
 
ولكن شهرة مقبرة الزلاج ترسخت أيضا مع احتضانها لزعماء وأعلام بارزين في تاريخ تونس المعاصر حيث خصصت لهم أضرحة "بروضة الزعماء"، مثل المنصف باي والمناضل عبد العزيز الثعالبي وصالح بن يوسف الزعيم المنافس للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة والقيادي النقابي المعروف أحمد التليلي والسياسيين المنجي سليم والباهي الأدغم اللذان شاركا في بناء دولة الاستقلال إلى جانب القيادي المعارض شكري بلعيد.
 
وأعادت الجنازة الضخمة وغير المسبوقة للقيادي الراحل شكري بلعيد رئيس حزب الوطنيين الديمقراطيين الذي اغتيل في السادس من شباط/فبراير من العام الجاري تاريخ الزلاج إلى الواجهة ورسخت عراقة المقبرة في تاريخ تونس.
 
وقال المسؤول البلدي لمقبرة الزلاج لـ(د. ب. أ) "مشهد الجنازة كان غير عادي. لم أشاهد جنازة مماثلة منذ أشرفت على المقبرة منذ ست سنوات. تلك الحشود الضخمة لم تتعود عليها مقبرة الزلاج منذ سنين طويلة".
 
وقدرت وزارة الداخلية عدد المشيعين لجثمان بلعيد إلى مقبرة الزلاج بنحو 50 ألف لكن أحزاب معارضة تحدثت عن مئات الآلاف وأرقام فاقت المليون.
 
وتكتسب المقبرة أهمية خاصة عند التونسيين أيضا كونها تضم عددا من مقامات الأولياء الصالحين وأشهرها مقام سيدي بلحسن الشاذلي حيث تستمر الاحتفالات الموسمية الدينية بدءا من شهر أيار /مايو كل يوم خميس على مدى 14 أسبوعا متتاليا.
 
وقال عامل بإدارة المقبرة لـ(د.ب. أ) "من حسن حظ المقبرة أنها لم تطلها موجة الاعتداءات على أضرحة الأولياء الصالحين التي انتشرت بعد الثورة على أيدي المتطرفين. يوجد حراس إداريين كما أن وحدات من الجيش تؤمن حراسة المقبرة تحسبا لأي اعتداء من همجيين".
 
ومع أنها تضم المئات من الأعلام والشخصيات التاريخية إلا أن الكثير من الأضرحة والقبور في مقبرة الزلاج لا تزال مجهولة بفعل الإهمال والزمن بينما تآكل بعضها وغطته الأتربة والأعشاب.
 
وقال الباحث والمؤرخ التونسي عبد المجيد التميمي وهو مدير مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات "أنالمقبرة تضم العديد من الشخصيات التاريخية التي لم يقع التعرف عليها. وزارة الثقافة لم تضع كشافا لرفع النقاب عن تلك الشخصيات".
 
وأضاف التميمي في حديثه مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب. أ) "إن تأثيث الذاكرة الوطنية في أي بلد ينطلق من منح الرموز الوطنية ما تستحقه من عناية".
 
ومضى يقول "أثرت ملف مقبرة الزلاج مع رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي عندما استجلبت رفات خير الدين باشا من تركيا بناء على وعد بأن تبنى له ضريحا لائقا في تونس لكن لم ينفذ الوعد".
 
وتواجه الدولة منذ سنوات معضلة من أجل إيجاد أرض مناسبة لتركيز مقبرة جديدة لسكان العاصمة في ظل استيفاء مقبرة الزلاج لطاقة استيعابها بالكامل.
 
وقال التميمي "قلت للجبالي إننا نحتاج إلى مقبرة وطنية تكون رمزا للنضال وتضم كل الشخصيات الوطنية. نحن جلبنا خير الدين لكن هناك العشرات من الأعلام التونسيين دفنوا في القاهرة واندونيسيا وتركيا وسويسرا وإيطاليا وغيرها، ولا بد أن نرجع رفاتها ونضعها في مقبرة جديدة".

طارق القيزاني
الخميس 25 أبريل 2013