نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

خديعة الرحمة

03/07/2025 - هناء محمد درويش

التريمسة...حين يلتقي العائد بظلّه

24/06/2025 - عبير داغر إسبر

انهيار إمبراطورية إيران

17/06/2025 - براءة الحمدو

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر

المفتي قبلان صاحب الرؤية

02/06/2025 - يوسف بزي


من قطر للكويت...الدراما الخليجية الرمضانية تعالج المشكلات الإجتماعية على حساب الحبكة الدرامية




الدوحة - نور محمد - حاولت الدراما الخليجية من خلال كم كثيف من المسلسلات الرمضانية ان تصور واقع الشارع الخليجي و تنقل معاناته الى المشاهد ، الا ان تلك المحاوله لم تصل الى مبتغاها لأسباب عده أولها ضعف النصوص بشكل عام و لجوء الكتاب و الكاتبات في المنطقة الى الصور النمطية و سياسية الابيض و الأسود في رسم الشخصيات ، حيث لا منطقة وسطى بين الطيب و الشرير .


مشهد من مسلسل ام البنات بطولة الكويتية سعاد عبدالله
مشهد من مسلسل ام البنات بطولة الكويتية سعاد عبدالله
و لعل أزمة الكتابة من أشد الأزمات التي تواجه الدراما الخليجية منذ بداياتها ، فهي تحاول إلتقاط قصص مبعثرة مما تتناقلة المجالس و ربما المنتديات الان ، لتعجنها معا – و إن لم تتجانس – و لتصبها في ثلاثين حلقة رمضانية مريضة بالتطويل المَل و هذا لا يكاد يتجو منه اي مسلسل من ذاك الكم الهائل من مسلسلات رمضان ، فالفواصل الموسيقية و مقاطع الفلاش باك الطويلة ، و الحشو بقصص و شخصيات جانبية لا تمت للمحور الأساسي باي علاقة ، إضاقة الى مشاهد الحوارات الطويلة و التى ايضا لا تخدم الصياغ الاساس للقصة ، هذا من جهه و من جهه أخرى محاولة الكتاب في البحث عن طرح جديد أوقع الدراما الخليجية في ورطة التحليق في سماوات مختلقه تحت مسميات واقعيه لا يقبلها المشاهد .

للدلالة على الحديث السابق تعرض هذه المقاله النقدية الى عدد من مسلسلات رمضان للعام 2009 ، أولها و أهمها هو ما انتظره المشاهد من الفنانة الكويتية سعاد عبدالله ، و هو مسلسل "أم اللبنات" للمخرج السوري عارف الطويل و الذي تحدث عن جانب من العمل قبل بدء العرض الرمضاني قائلا : أنا لا أرضى بديلاً عن ان تكون الصورة ذات جودة عالية جدا من ناحية النقاء والتشكيل والتكوين لأنني أتعامل مع الصور كأنها لوحة تشكيلية يرسمها رسام او فنان حيث يكون لها أبعاد وتوازن وأتعامل مع الممثل بطريقة احترافية كوني ممثل قبل ان أكون مخرج فانا ادقق على تفاصيل أداء الممثل وأقوم بالنقاش معه والتوصل الى أعلى درجة من المصداقية والواقعية التي تتناسب مع الشخصية التي يؤديها الممثل وكل الذي ذكرته ينعكس على العمل ويقترب من الشكل الأمثل الذي يراه المشاهد " وقد توقع المخرج للمسلسل ان يكون له بصمة مميزة جدا على خارطة مسلسلات شهر رمضان لكونه جديد في مضمونه وأفكاره و قال عنه سابقاً انه مكتوب بعناية واقعية ودقيقة جدا "

و لعله من الملاحظ ان المخرج صادق جدا في الجزء الاول من حديثة عن الجانب التقني و جودة الصورة ، لكن الحديث عن الواقعية شابه الكثير من البعد عن المصداقية غير المقصودة ، فالمخرج نفسه لا ينتمي للواقع الخليجي – سوري الجنسية – بينما المجتمع الخليجي له من الخصوصية ما يصعب على غير أبنائه بتصويره او تسجيله ، و مسلسل «أم البنات» من تأليف الكاتبة هبة مشاري حمادة و التي حاولت ان تنصف المرأة الخليجية من السلطة الابوية فإختارت عائلة مكونة من أب متسلط هو عقاب (غانم الصالح) و زوجة ضعيفة (سعاد عبدالله) انهزامية لا ترى لها هدفا في الحياة سوى رضى الزوج ، و ست بنات حبيسات المنزل بعد تلقي قدر متواضع من التعليم ثم الجلوس في المنزل لخدمة الاب و الاخ الطيب الذي فارق الحياه و هو المرحلة الجامعية نتيجه حادث سير ، و لأن الاب لا يعترف الا بالذكور امتداداً لإسمه و إسم عائلتة ، يختار عروساً شابه لتنجب له الولد ، لكن العروس تطمع في الثروة و الرجل الشايب يقع في فخ الدلال الانثوى الذي لم يعرفة مع أم البنات / شريفه .

و هنا تحاول المؤلفة و المخرج خلق نقطة تحول في حياة الاسرة ، اسرة مكونة من عشرة شخصيات نسائية ضعيفات لا يعرفن طوال حياتهن سوى حدود البيت او ممكله الاب المتسلط ، يخرجن من ذلك البيت بلا حقائب أو مال أو شهادت اي بلا أي سلاح سوى الارادة في الحياة ، و لان المؤلفة تصر على ان قدرات المرأة الخليجية عالية السقف ، فإن شريفة الضعيفة الانهزامية التي ترى رضى الزوج هو الهدف الاسمى في الحياة ، تتحول بقدرة قادر الى قائد لجيش من النساء ، جيش لا ينهزم امام جبروت الاب السلطوي و المتمتع بمكانية اجتماعية و سلطات اخرى مستمدة من كونة من الأعيان القادين على شراء الذمم و شراء الخواطر ممن اراد البيع مقابل القروش ، لكن شريفة و بناتها و بثمن بعض الاساور الذهبية التي خرجت بها ، استطاعت ان تدير عدة مشاريع من داخل مسكن متواضع استاجرته ايضا من ثمن الاساور ، كما اقتنت سيارة لتنفيذ المشاريع التي تقوم بها البنات من طبخ و نوصيل طلبات ، الى الحياكة و فتح مشغل من ماكينة واحدة لتفصيل الأزياء المدرسية و غيرها ، الى تقديم الدروس الخصوصية لطلاب المرحلة الابتدائية ، حيث ان احدى البنات كانت متفوقة في الدراسة و عمل الاب السلطوى على وأد حلمها بأن تكون طبيبة في يوم من الايام ، اما الشابات الصغيرات فإن لهن موهبة في عمل المكياج و تصفيف الشعر مما جعلهن متميزات في هذا الجانب و لهن من الزبائن ما يدر عليهن المال الوفير ، و هكذا تستطيع شريفة و بناتها و اختيها عمل مؤسسة نسائية بعدة انشطة مختلفة ، و قادرة على مواجهة جميع العقبات التي خلقها الاب الذي لم يترك فرصة لإفشال المشاريع النسائية الا و طرقها ، و لكن إرادة نسائية تقودها المؤلفة تُفشل كل محاولات الاب ، و تقف المشاريع من جديد .. فقط كي يعود الاب ليعض اصابع الندم لأنه لم يعرف قدر النساء.


مشهد من المسلسل القطري
مشهد من المسلسل القطري
النموذج الآخر الذي نعرض له هنا هو المسلسل القطري "فلوب للإجار" للكاتبة القطرية وداد الكواري ، و هي ايضا تحاول في خلق مجتمع مثالي بعيدا عن السطحيات و قشور الكماليات التي تجر المجتمع الي الانهيارات الداخلية .
تُحاول الكاتبة في هذا العمل الجديد خلق يوتوبيا علي ارض الواقع الاليم ، منطلقة من أزمة الإسكان التي تعاني منها مدينة الدوحة منذ ثلاث ستوات تقريبا و ما تزال رغم ان حدتها انحسرت مع تدخل الحكومة القطرية بسن قوانين و تشريعات تخدم المؤجر أمام صاحب العين ، و امام هذة الازمة التي ارتفعت الاصوات الشاكية لتصيح على المنابر الاعلامية طالبهً للحل المناسب ، و قد وجدت الكاتبة – و طاقم العمل – ان الحل المناسب هو هجر البناء الاسمنتي و هجر المدينة و الخروج الى الطبيعة الواسعة و الاراضي الصحراوية الخالية ، فالعائلة المكونة من اب و ام و أربع فتيات جميعهن موظفات في الدولة ، تلك العائلة وجدت نفسها فجأة بلا مأوى و بلا جدران تسترها عندما تملكت الحكومة لبيت العائلة مقابل مبلغ مالي ضاع عندما راهن الاب على المضاربة في البورصة فضاع المال و ضاع السكن و لم يبقي الا الشارع أو ارض الله الواسعة .

اتجهت الكاتبة الى الحل الثاني ، فأخذت العائلة الى إقامة مخيم على شاطئ البحر – على قطعة ارض اشترها الاب من مبلغ التعويض قبل المراهنة على البورصة – ذاك المخيم صار جاذباَ لعدد من العائلات التى تعاني من ذات المشكلة ، لتقابل العائلة و العائلات الاخرى – نواه المجتمع الجديد – تواجه عددا من المشكلات أهمها رفض الجيل الجديد للفكرة و للتعايش مع الوضع ، من تلك المشاكل ايضا نقص اساسيات الحياة او ما صار من اساسيات الحياة مثل الكهرباء و الماء ، لكن فكرة المسلسل تقوم على ان كل تلك مجرد اساسيات يمكن الاستغناء عنها و الاكتفاء بجمال الطبيعة و صوت البحر في الصباح و منظر الغروب الذي يكاد يُفقد في المدينة / الدوحة ، و مع تتابع اللأحداث / الحلقات ، تعيش العائلة و العائلات المجاورة لها حالة من الإكتفاء الذاتي ، فصيد البحر كثير و يمكن ان تباع تلك الاسماك ايضا لسكان المدينة و تُدر بعض المال للاستثمار في تطوير المخيم او المجتمع الجديد ، و في هذا الاطار تعود النساء في المخيم للطبخ على الاخشاب و غسل الثياب و ادوات الطبخ في مياه البحر – كما كان الحال في الخليج قبل ظهور النفط في الخليج – لكن المسلسل لا يرى ضيرا في تلك العودة الحميدة لمواجهة الازمة المشتعلة للإسكان في الدوحة .

و من الايجابيات التي يقدمها المسلسل لهذا المجتمع الوليد ، التواصل الاجتماعي و التقارب بين افراد المخيم/المجتمع ، حتى ان بنات المخيم و بشرعية المجتمع المكتفى بنفسة ، تعارفن على الشباب المقبلين على تكوين اسر جديدة ، فزادت فرص الفتيات في الزواج ، و قد كن مختبئات في بيوت اسمنتية تمنع الشاب من معرفة الفتاة / زوجة المستقبل .
و يبدو ان اندفاع الكاتبة و القائمين على المسلسل نحو تلك الفكرة المثالية ، جعلها تتناسى الظروف الجوية و المناخية للبلاد ، ففي حين تصل درجات الحرارة في المنطقة الى خمسون درجة مؤئوة و تزيد في احيان اخري ، كما تصل الرطوبة بعض الاحايين الى 100% ، لم يشكو اي من سكان المخيم من الحر او البرد ، بل يبدو دوما ان الاجواء في غاية الرومانسية و الجمال ، و تبدو نسمات البحر رطبة تبرد على غضب الشباب من من انزعاجهم حيث ان صورتهم الاجتماعية سوف تتأثر بالسكن في مخيم بحري .

و اذا كانت تلك مآخذ على فكرة المسلسل الذي يُذكر بفلم عادل إمام و يسرا "كراكون في الشارع" حين صنع رب الاسرة لإسرتة غرفة خشبية يجرها حمار ، ثم استقر بها في الصحراء و تبعه الى ذلك جمع من الشباب الذي يواجه نفس المشكلة الشائكة ، اذا كانت تلك مآخذ على الفكرة ، فإن العمل الدراما جسده عدد من الوجوة التى تبتعد عن فن الآداء بكل المعاني ، فالتكلف و التصنع و ضعف الآداء هي الصفة التى يمكن اطلاقها على طاقم الممثلين ، و لا يختلف طاقم العمل الفني في العمل القطري الثاني "الى متى" عن تلك السمات بل ربما سقطة المخرج في "الى متي" أكبر بكثير ، حيث يبدو واضحا ان عناصر العمل لم تتلقى اي تدريب للقيام بأدوارها في المسلسل .
و يمكن الخلاص الى ان مسلسلات رمضان الخليجية لعام 2009 لم تستطع ان تقدم صورة المجتمع بواقعية كما يُصرح القائمين عليها ، و لكنها صورا متناثرة من شتات المجتمع تم تضفيرها بشكل درامي غير متقن أبعدها عن الواقعية و عن المجتمع وهذا يحصل دائما حين يتناسى الكتاب والمخرجون ان الحبكة الدرامية هي الاساس في العمل الفني فان لم تكن متقنة ضاعت جميع جهود تقديم المشكلات الاجتماعية في جهاز مؤثر كالتلفزيون وفي وقت مشاهدة مكثف للمسلسلات كشهر الصيام ولياليه التي تتزاحم فيها عشرات الاعمال الفنية .


نور محمد
الجمعة 18 سبتمبر 2009