نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

( في نقد السّياسة )

05/05/2024 - عبد الاله بلقزيز*

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي


من هنّ رائدات الأدب العربي اللواتي خلعن أبواب الذكورية؟






شهدت نهاية خمسينات القرن العشرين، نقطة تحوّل في الأدب النِسوي بشكله الحديث الجريء في الطرح والتجريب، خصوصاً في ظل ما شهدته المنطقة من أحداث سياسية وعسكرية في تلك الحقبة وما سبقها من نكبة وحروب وانقلابات وحركات استقلالية.


هذا ما نعرفه بشكل عام، لكن إذا أردنا البحث عن الأدب النسوي العربي الذي تمرّد على الخطاب الذكوري وفضح المستور وحارب التغييب، لمناسبة اليوم العالمي للمرأة، نكتشف أن جذور هذا السرد غُرست من القرن الثامن عشر. أي قبل فورة الحركات النسوية المعاصرة و"ترانداتها" المستوردة والمموّلة في غالب الأحيان.

ونذكر من الروائيات اللواتي تميّزن بجرأتهنّ وتعتبر روايتهما ثورية ونقطة تحوّل في الأدب النسوي الحديث هما رواية "أنا أحيا" للبنانية ليلى بعلبكي التي صدرت عام 1958، و"أيام معه" للسورية كوليت خوري صدرت عام 1959. وفي هذه المرحلة برزت أٍماء كاتبات كثيرات مثل لطيفة الزيات ومنى جبور وليلى الوافي وكاثرين داغر وحياة البيطار وليلى عسيران وإميلي نصرالله وماجدة العطار وفدوى طوقان وغيرهنّ. لكن هذه الأسماء همّشت نوعاً ما من قبل الوسط الأدبي العربي ودورِه المسيطرة عليه العقلية الذكورية، آنذاك.

بذرة الأدب النسوي الأولى

ويسجّل لبلاد الشام حينها، وتحديداً لسوريا ولبنان، الريادة في خلع أبواب الشعر والرواية والقصة لفتحها أمام الإبداع النسوي، وذلك بحسب دراسة للكاتب الانكليزي آلن روجر الذي يعتبر أن نشأة الرواية العربية ارتبطت بشكل عام بالاحتكاك بالغرب في هذه المنطقة. ففي بلاد الشام، غُرست البذرة الأولى للسرد النسوي العربي.

 صحيح أن المرأة عانت من تمييز جندري وعنصري وتهميش وحرمان من أبسط حقوقها في البدء، إلا أنها حاربت للحصول على حقوقها ورفع صوتها في مجالات مختلفة، أبرزها في السرد والشعر، بعدما ربحت الحرب من أجل التعليم والحق في المعرفة مثلها مثل الرجل. وبما أن الحَرف صار صديقها، وهي تعشق بطبيعتها السرد والبوح وحكاية القصص الشفوية المتوارثة من الجدات والأمهات والخالات والعمّات، أخذت على عاتقها القصّ والكتابة من منظورها هي.

أول رواية عربية لبنانية

والابداع يحتاج الى مُحفّز ومطلب إنساني ومحرّض ربما ومشجّع، ليتفجّر. والابداع قد يكون وسيلة نابعة من الحاجة للتحرّر من قيود معينة وضغوط لتخطي الظلم والآلام والتهميش.

كل ذلك اجتمع وراء إبداع الأديبة العربية في بلاد الشام، فانطلقت منه في زمن كانت المرأة أسيرة الجهل والتقاليد ومحرومة من أبسط حقوقها الاجتماعية والإنسانية. لتشهد المنطقة في العام 1899 للميلاد، صدور أول رواية عربية مكتملة لشروط السرد وهي "حسن العواقب" للرائية اللبنانية زينب فواز، بحسب ما أثبت بحث للدكتورة بثينة شعبان بعنوان "مئة عام على الرواية النسائية العربية"، داحضة ما كتب على أن رواية "زينب" للمصري محمد حسنين هيكل هي الأولى.

خطاب نسوي في القرن 18

وفي دراسة حول الأدب النسوي، للجزائرية سوسن أبرادشة، نرى أنه "ومع نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر شهد الوطن العربي ميلاد حركات نسوية تنادي بتعليم النساء. ففي 1881 للميلاد، أسست السيدتان "إميلي سرسق" و"لبيبة جهشان" أول معهد لتعليم الفتيات بلبنان، وقبلها بسنة واحدة أنشئت مجموعة من سيدات بيروت المتعلمات والمثقفات جمعية "زهرة الإحسان" في 1880، وفي العام 1914 أُسّست جمعية "يقظة الفتاة العربية"".

وإضافة إلى الانتشار الواسع في مجال الصحافة، فقد أصدرت "هند نوفل" مجلة "الفتاة" في العام 1982 في الإسكندرية، وأصدرت "مديحة الصابوني" مجلة "المرأة" في العام 1893 في حلب، وأصدرت "لبيبة الهاشم" مجلة "فتاة الشرق" في العام 1906، و"عفيفة كرم" مجلة "المرأة السورية" في العام 1911.

 

 كما ظهرت في تلك الحقبة، الصالونات الأدبية النسائية مثل صالون الرائدة النهضوية مريانا مراش في حلب الذي يعتبر أول صالون أدبي في الشرق العربي بمفهومه الحديث كما ذكر سامي الكيالي. وكانت مرايانا مراش من أوائل النساء اللواتي كتبنا المقالة في العام 1870 في مجلة "الجنان" للمعلّم بطرس البستاني، حيث كانت تحضّ فيه النساء على التعليم والاقتداء بالغرب ودراسة العلوم والصنائع كالرجال، واختراق المجتمع الأدبي والمعرفي.

 ونذكر من الصالونات الأدبية المماثلة، صالون الاميرة المصرية نازلي فاضل، وصالون مي زيادة في القاهرة.

وترى الباحثة، أن مثل هذه النشاطات سـاعدت على خلق خطاب نسوي فعلي وبالتالي صدور واسع للرواية النسوية وأيضا الشعر النسـوي. لكن "كتابات المرأة تخطت النمطية والمعتاد وتحررت من كل القيود المفروضة مسبقا. وراحت تبدع من أجل خلق لغة خاصة بها ومن أجل بناء وتأسيس رواية نسوية تختلف نوعاً ما عن الرواية الرجالية/ الذكورية".

 فتجرأت الكاتبة العربية وكتبت عن الممنوع أو المسكوت عنه وهو ما عمدت إليه الكاتبة اللبنانية من صيدا وداد السكاكيني في روايتها "أروى بنت الخطوب" والتي صدرت في 1949، والتي حظيت بنصيب وافر من النقد والشهرة وهي "رواية تظهر أزمة جسد المرأة في مجتمع محموم بالجنس ومحترف في استخدام العيب والحرام لإخضاع المرأة".

العراق وفلسطين وسوريا في الريادة

 ويشير بحث شعبان، الى أن هناك روايات مماثلة ظهرت بعدها وهو ما نجده لدى العراقية صبرية محمد واللبنانية هند سالمة والفلسطينية فتحية محمود الباتع، بحيث نلمس من خلال أعمالهن محاولتهن "تغيير المواقف حيال النساء وفي نهاية هذه الروايات يدرك الرجال أنهم ضحية سوء فهمهم للنساء".

ومن رائدات الرواية العربية في المرحلة الأولى حيث تعتبر منطقة الشام منبت هذه الاسماء إضافة إلى بعض الأسماء في مصر والعراق، نذكر: زينب فواز، عفيفة كرم، لبيبة هاشم، فريدة عطايا، وداد السكاكيني، لطيفة الزيات، لبيبة ميخائيل صوايا، زينب محمد، عائشة التيمورية، صبرية محمد، هند سالمة، فتحية محمود الباتع...

نسائي أو نِسوي؟

هذا المصطلح الذي رغم قدمه في السرد والشعر، لا يزال محطّ جدل ونقاش في الأوساط الأكاديمية والثقافية، إذ تؤيده مجموعات وترفضه أخرى، من نساء ورجال. فعندما نتحدث عن الأدب الذي يتناول المرأة أو كتبته وتكتبه هي نفسها، فهناك مصطلحات كثيرة برزت واختلف عليها الباحثون: أدب المرأة، الأدب الأنثوي، الكتابة النسائية، الأدب النسوي والأدب النسائي. وحتى الآن لم يُتفق على مصلح موّحد لما تبدعه المرأة من أدب.

 

لكن الجدل على المصطلحين الأخيرين هو الأكثر حدّة. إنما علينا التمييز بين الأدب النسوي والأدب النسائي على الأقل من منطلق لغوي. فعندما نقول هذا متجر ألبسة نسائية فهي مخصصة للنساء، وعندما نقول هذه فرقة نسائية أي أن كل العازفات فيها هنّ من النساء.

 

أما مصطلح نسوي، وبحسب الأديبات النسويات والناقدات المدافعات عنه، فهو يحمل في طيّاته مفهوماً جندرياً ورؤية وفلسفة للمرأة في الحياة ويُبرز نظرتها هي للمجتمع والقضايا التي تكتب عنها، من دون أي ضغوط خارجية. نظرة المرأة المعتمدة على خلفياتها الثقافية وتجاربها الشخصية والجمعية، لتُبدع وتسرد وتبتكر أدباً يحمل فكراً مغايراً يُثري الأدب الذي يكتبه الرجال بشكل عام. هذا الأدب النسوي الذي هو جزء من الأدب عامة وليس منفصلاً عنه أو في صراع معه، يمنح الساحة الأدبية مزيداً من التنوّع والمساواة وصورة مختلفة عن المرأة التي نقلها الينا أدب كتبه رجال كي لا أقول ذكوري أو رجولي.

مع لفت الانتباه الى أن هناك روايات وقصائد تكتبها نساء عن النساء، لكنه قد لا تُصنّف ضمن الأدب النسوي بمفهومه الثقافي التراكمي النابع من وعي معيّن، إذ ينطلق أساس تجاري واستهلاكي ودعائي...

الأدب هو الأدب

ترفض كاتبات رائدات أيضاً مصطلح الأدب النسوي، مثل هدى وصفي وكوليت الخوري ولطيفة الزيات وغادة السمّان وأحلام مستغانمي وفضيلة الفاروق والناقدة والمنظّرة النسوية خالدة السعيد وغيرهنّ، إنطلاقاً من أنه إما يكون هناك أدب وكتابة أو لا يكون، رافضات نزل الأدب الى الفئوية وأن هذه التسمية تحكم على ما تكتبه النساء بالهامشي. فالأدب الذي تكتبه المرأة لطالما حورب وهّمش عومل بطريقة دونية، من قبل كتّاب وباحثين كبار. وهناك ترجّس لدى كاتبات كثيرات، من حصر كتاباتهنّ بالأدب النسوي، خوفاً من أن تُصنّف بالدونية! كما تعتبر أخريات مثل إميلي نصرالله أنها ليست كاتبة نسوية، فهي تكتب كإنسانة بغض النظر عن الانتماء الجنسي

في الخلاصة، أن للمرأة العربية دور تنويريّ لا يمكن إغفاله في الحض على التعليم والتثقيف والمساواة الإنسانية وكتابة التاريخ والأدب. وللمرأة العربية إسهامات أيديولوجية في فكر النهضة العربية. لكن للأسف حرب التحرّر ومحاربة الأمية لا تزال مفتوح منذ المقالة النسوية الأولى لماريانا مرّاش، إذ لا تزال هناك نساء كثيرات يتعرضن للعنف والتجهيل والقمع والقتل والتمييز على أساس الجندر.
----------
موقع جسور


رنا نجار
الاثنين 4 مارس 2024