نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


هل ستصبح سوريا خالية من السوريين بعد ربع قرن






يتصل بك صديق بعد عشر سنوات على بداية لجوئك ليقول لك: كان خيارك صحيحاً! ليتني فعلتها مثلك!

تكاد أن تقول له: ليس خياراً، بل لحظة مجنونة، لحظة خوف ورعب، وبحث عن أفق، ربما كانت لحظة جبن أو لحظة شجاعة.

يقاطعك: ما قمتم به قبل عشر سنوات نتحيّن الفرص لنقوم به الآن. ولم يعد متاحاً مع تغير تكلفة اللجوء وظروفه وتبعاته. ضاعت عشر سنوات من عمرنا عبثاً وانتظاراً، على الأقل حصلتم على جنسية، وهناك دولة تهتم بأمركم أو تسأل عنكم في حال حدث شيء معكم، أو تسندكم إنْ مالت السنون والظروف بكم!


 

تنظر في إحصائيات اللجوء التي نشرها الاتحاد الأوروبي قبل أيام حول أعداد اللاجئين عام 2023 فتجد أن نحو 200 ألف سوري قد لجؤوا إلى دول الاتحاد الأوروبي وحدها. دعك ممن هم على الطريق أو ممن لا يزالون في إطار تقديم طلبات اللجوء. تحاول الوصول إلى إحصائية أقرب إلى الدقة عن عدد اللاجئين السوريين في مختلف دول العالم، ومن بقي من السوريين داخل سوريا. تضيف عليها أرقام المسافرين إلى مصر ودول الخليج وتركيا ولبنان وروسيا وسواها سنوياً فتصاب بصدمة من الملايين العشرة وأكثر!

تكاد تقول: إن عدد من بقي في سوريا أكثر من عشرة ملايين، فإن بقي معدل لجوء سوريي الداخل وسفرهم سنوياً نحو نصف مليون؛ فإن سوريا ستغدو بلا سكان بعد ربع قرن، تشهق شهقة المستغرب الخائف، ما هذه النهاية الموجعة لحلم التغيير والديمقراطية والعدالة!

موضوع العودة إلى سوريا سيكون أحد أبرز الموضوعات في السنوات القادمة: من سيعود ولماذا يعود وكيف سيعود؟

إنْ كان موضوع اللجوء اليوم لا يزال من أبرز الموضوعات التي تخص السوريين، فإن موضوع العودة إلى سوريا سيكون أحد أبرز الموضوعات في السنوات القادمة: من سيعود ولماذا يعود وكيف سيعود؟

من سيقنع الشباب السوري الذي تلاحقه "الخدمة الإجبارية العسكرية" في مناطق النظام أو قسد بالبقاء هناك، أو العودة إلى هناك، ولماذا سيعود، ما دافعه إلى العودة؟ وقد تحول العالم اليوم إلى شركة كبيرة وتلاشت مفاهيم كثيرة لها علاقة بالانتماء والهوية ليحل بدلاً منها الخدمات والرعاية وما تقدمه الدول لمواطنيها، فهل سيكون الشباب السوري استثناء من الشباب في العالم وهم الذين تلقوا الثقافة ذاتها!

تتنوع تفاصيل العودة وقضاياها في حال قرر الشخص أن يعود: الجانب الأمني والجانب الاقتصادي والجانب الاجتماعي.. وكل منها فيه تفاصيل كثيرة، تتنوع وتختلف تبعاً للمقصود بـ سوريا التي يقصدها المتسائل! ونحن اليوم لدينا أربع حكومات وأربع جغرافيات ومناهج دراسية وسلطات أمر واقع: النظام وميليشاته وشبيحته، وقسد وميليشياتها، وهيئة تحرير الشام وقواها، ومناطق الفصائل أو ما يدعى الجيش الحر (بين قوسين).

لا تزال سوريا حتى اللحظة بلداً طارداً للسوريين المقيمين فيها لأسباب اقتصادية واجتماعية وأمنية. ومن خاضوا تجربة اللجوء أو السفر أو طعم الحياة في بلدان أخرى صارمن الصعب عليهم أن يعودوا.

وعلى الرغم من النبرة المتفائلة لكثيرين بأنه إنْ سقط النظام في سوريا أو حدث انتقال سياسي سيعود عشرات الآلوف من السوريين مباشرة، إلا أن الواقع يقول إن أولئك اللاجئين والمهاجرين والمسافرين والمغتربين بنوا حيوات جديدة وعلاقات جديدة ومجتمعات جديدة في بلدانهم الجديدة، واعتادوا أنماط عيش من الصعب أن يتخلوا عنها. أغلب من سيعودون هم ضحايا الذكريات ممن تقدم بهم العمر، لكن ليحدث انتقال سياسي أولاً ثم سنرى!

يخبرك صديق: إنْ عدتَ فلا تعتقد أن نمط الحياة الذي كنت تعيشه أو تحلم به ستجده في سوريا. كل شيء تغير، الخراب الاجتماعي وتغير البنى الاجتماعية هو ما يصعب ترميمه ويطول! من تحبهم سافروا أو ماتوا، والأنماط الاجتماعية التي كانت موجودة لم تعد. هناك فئات وعلاقات ومرجعيات وطرائق عيش وتواصل جديدة، إنْ قبلتَ بها فهذا صعب عليك وفيه مشقة كبيرة، وإنْ حاولتَ أن تعترض عليها فهذا غير متاح!

لا تتوقف أسئلة الثورة السورية التي بدأت عام 2011 عن التناسل. واليوم أحد أسئلتها الرئيسية: ماذا نفعل بالنزيف الديموغرافي السوري ومن سيحل بدلاً من أولئك الراحلين: المتطرفون القادمون للجهاد أم الميليشيات الإيرانية المتطرفة؟

وما هو الحل لهذا النزيف البشري الذي نفذه النظام منذ الأيام الأولى حين فتح الحدود وسمح للسوريين بالخروج دون قيد، ليفرغ سوريا من جزء من كتلتها الصلبة كي يستطيع التحكم بمن يبقى، من جهة ولكي يضغط على الدول المجاورة والمجتمع الدولي من جهة أخرى، أسوة بالتجربة العراقية ذات يوم!

هناك سؤال رئيس تطرحه الذكرى السنوية للثورة السورية هو: ما العمل أمام انسداد الأفق وفقدان الأمل لدى السوريين الذين ثاروا من أجل الأمل والحلم بالتغيير؟ كيف حولوها من ثورة إلى حرب أقرب للأهلية، ثم آل الوضع إلى انسداد أفق ومن يسد الأفق أمامه يغدو قنبلة موقوتة!

من أين سنستحضر الأمل وكيف لنا بآفاق جديدة، بعيداً عن فكرة الانتصار على النظام أو تحقيق أهداف عام 2011؟

ما هو الحل؟ وكيف سنوقف النزيف البشري؟ وهل من الحكمة إيقافه وما هي الأدوات لدينا لكي نوقفه؟ أليس جزءاً من الأنانية أن ندعو من تبقى من السوريين في الداخل لعدم الهجرة وقد تقطعت بهم السبل، ونحن الذين أتيح لنا النجاة لا نقبل بالعودة، كي لا ننتحر في مكان لا أمان فيه أو حياة اجتماعية أو اقتصادية طبيعية تحترم أدنى حقوق البشر!

لا نزال ننتظر الحلول من الآخر "القوي الخارجي" الذي يفرض إرادته على قوى الأمر الواقع، هل من مكان لهذا "العشم" في المشهد السياسي العالمي لا مكان لـ "غودو" في لعبة المصالح الدولية، أم أننا اكتفينا بالتحسر والتكسر والانتظار!

يقول دبلوماسي أوروبي في إطار حديث ودي، على سبيل النصيحة المبطنة: لا يمكن لمن يؤمن بحتمية الانتصار وتكسير الخصم أن يقبل بالحلول الوسط. جزء من لعبة خبراء السياسة العالمية هو إطالة عمر الأزمات حتى يفقد الخصوم الأمل بالانتصار ويقلّموا أحلامهم بأنفسهم، وبعدها يغدو الظرف ملائماً لـ فكرة التفاوض والقبول بالآخر، لأنك إنْ اعتقدت أنك منتصر لا محالة (حالة النظام السوري)؛ لماذا ستقبل بفكرة المشي خطوات تجاه الآخر، هي جزء من "لعبة بيدرسون التفاوضية" ما الحل والنظام السوري ينتظر أن يعيد بقية سوريا إلى حظيرته؟ على أمل أن تنسحب أميركا فيستعيد الجزيرة والفرات، وقتها يسهل عقد صفقة مع تركيا فيستعيد ما تبقى من الجغرافيا كاملة، لذلك يلعب لعبة المماطلة والتسويف!

تسأل ذلك الدبلوماسي الخبير: وماذا عن عشرات الآلوف الذين ماتوا وما تهدم من عمران ومصير من اعتقل وجرح وأصابه الأذى!!!

يرد عليك ببرود: انظر إلى التاريخ قديماً وحديثاً، هل ما قبل الحروب هو ذاته ما بعدها، ألا تتذكر المشهد العراقي وقد كنتم دولة لجوء وعبور للعراقيين! انظر إلى لبنان وتجربته ومآلاته! هل تعتقدون أن وضع سوريا سيكون أفضل من وضع هذين البلدين، لا أريد أن أستشهد لك بالوضع الفلسطيني الإسرائيلي، اقرأ ما حدث بعد الحرب العالمية الثانية؟

ما هي الأدوار المناطة بنا كأفراد أو مجموعات تجاه سوريا وهل من فسحة للعمل السياسي السوري؟ أم أن انشغالنا بتفاصيلنا وإنقاذ أطفالنا يكفي؟

تعود إلى الأحلام التي صهلت ذات يوم، تستذكر ذكرى ثورة 2011 سنة تلو الأخرى، وتنظر في منسوب الأحلام وذروتها وكيف بدأ بالانخفاض شيئاً فشيئاً، وها هو كل عام يولد أسئلة موجعة وقضايا مربكة! تتساءل: ما هي الأدوار المناطة بنا كأفراد أو مجموعات تجاه سوريا وهل من فسحة للعمل السياسي السوري؟ أم أن انشغالنا بتفاصيلنا وإنقاذ أطفالنا يكفي؟ وما هي حدود الشأن العام والشأن الخاص في البلدان التي مرت بكوارث وحالتنا صارت جزءاً منها بعد أن كانت ثورة حالمة؟ خاصة أنك تلتقي السوري المتسائل تلو السوري المتسائل: إلى أين ومن سيحلها؟ وكيف سيحلها وهو بعيد عن الأرض وليس لديه أدوات أو كلمة تجمع الفرق السورية، المتشظية المنكسرة!

وإنْ لم يكن لديك مقترحات للحلول، أو أياً من أدوات الحل أو آفاقه؛ فلا يمكنك أن تلوم الناس في خياراتها وأنت ذاتك بحثتَ عن خلاصك الفردي ذات لحظة أو هو ألقى بنفسه في طريقك ولا تثريب عليك في ذلك!

من المهم، اليوم، التأمل بإحصائيات من تبقى من السوريين على قيد الحياة: الذين بقوا والذين لجؤوا أو هاجروا أو اغتربوا أو سافروا، ومن يريد العودة ومن يريد البقاء ولماذا وما هو الحل؟ كيف ننهي النزيف البشري السوري الذي يهاجر في ظل انتشار ثقافة عند السوريين جميعاً ملخصها:

إن لم تلجأ اليوم فستلجأ غداً! فلماذا تؤجل عمل اليوم إلى غد؟

المؤكد أن هذا النزيف البشري السوري لم يمر في تاريخ سوريا بهذه الغزارة وهذا التواتر، ولعل جوهره هو فقدان الأمل عند السوريين وفقدان أفق الحل، فمن أين سنأتي بأمل أو أفق ومن يصنعه أو يقترحه أو "يبيعه" ونحن نردد: "عمّي يا بياع الأمل قلي الأمل بيش"!
----------
تلفزيون سوريا


أحمد جاسم الحسين
الاحد 17 مارس 2024