نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


غسان كنفاني وسجالات الستينيات






في أواخر الخمسينيات ومطالع الستينيات من القرن الماضي، كان غسان كنفاني (1936 ـ 1972)، الروائي والقاصّ والصحافي والناشط السياسي الفلسطيني الذي تحلّ ذكرى استشهاده هذه الأيام، يغطي من دمشق وبيروت أنشطة ثقافية مختلفة، ينشرها في دوريات سورية ولبنانية، كما شارك في نقاشات نظرية تحت عناوين مثل «الحرب الطبقية والتقدم الاشتراكي»، و«السلوك العقائدي والقضية العربية»، و«قوى الثورة العربية»… من موقعه العقائدي في حركة القوميين العرب.


  ولعلّ المثال الصالح لإلقاء الضوء على ذلك المسار، تحديدًا، كان ردّ كنفاني على رئيف خوري؛ بصدد قضية بوريس باسترناك وفوزه بجائزة نوبل للأدب، عام 1958م، على خلفية روايته الإشكالية «دكتور جيفاغو». ففي مجلة «الآداب» اللبنانية، العدد 2، شباط (فبراير) 1959م، كتب خوري مقالة بعنوان «في قضية الدكتور جيفاغو»؛ اعترف فيها، أوّلاً، أنه لم يقرأ الرواية ولكن قرأ شعر باسترناك مترجمًا إلى الإنكليزية، ورأى أنه «شعر لا يوحي بأنّ باسترناك أديب في مستوى جائزة نوبل على نحو ما نتصور مستوى هذه الجائزة. وقد يكون أن الترجمة نالت من روعة شعره. وقد يكون أنّ باسترناك كاتب روائي أكبر منه شاعرًا». لهذا يميل خوري إلى الاعتقاد بأنّ الكتاب «لم يمنح الجائزة إلا للون من ألوان الدعاوة السياسية»، ويعتبر أنّ «من حقّ أي أديب سوفياتي، أو غير سوفياتي، أن يناقش باسترناك ويأخذ عليه المآخذ فيما يتعلق بمسؤولية الأديب». لكنه، في المقابل، يسجّل هذا الموقف: «أمّا أن يطلب الأدباء السوفياتيون من الدولة أن تجرد باسترناك من جنسيته وتخرجه من وطنه، فهذا ما لم نفهمه ولم نقرّه! ففي ميدان الخلاف الأدبي تتصادم الأفكار وتعترك الأقلام، وهذا من الحرية في الصميم، بل هو شرط أساسي لجلاء الحقيقة».
في العدد الثالث من المجلة، ردّ على خوري كلٌّ من عبد الله عبد الدايم ومحمد كشلي وباسم عبد الحميد حمودي؛ وفي العدد الخامس دخل كنفاني على خطّ النقاش، مبتدئًا من اتهام قاسٍ: «إنني مضطر للقول إنّ رئيف الخوري قد اتخذ موقفه من «الدكتور جيفاغو» سلفًا، ويستطيع أي قارئ أن يحس جهد الأستاذ الخوري في البحث عن نقاط الضعف لمجرد أنه يريد «إهانة» القصة (…) ولو كان مقال الأستاذ الخوري أطول قليلاً لقادنا في أغلب الظن لانتقاد «حياة باسترناك العائلية» و«علاقته مع زوجته» ـ كما فعل بعض من عالج مستوى القصة الفني ـ في سبيل أن يقول إن «الدكتور جيفاغو» قصة فاشلة!». ويمضي كنفاني أبعد، فيضيف: «إن القارئ يستنتج من مقال الأستاذ الخوري أنه يريد من باسترناك أن يكون صورة طبق الأصل عن جميع الأدباء الذين مجدوا النظام ومثلوا دور «الطائع النموذجي» ويستنكر هذا النشاز في «السيمفونية» الاشتراكية الكبرى».
واضح، بالطبع، أنّ كنفاني (وكان يومئذ في الثالثة والعشرين من عمره، للتذكير) يمزج في هذا الردّ بين ثلاثة عناصر: إعلان الاختلاف، والتهكم (وله الحقّ في الخيارين)، وتقويل خوري ما لم يقله البتة (وذاك منزلق في السجال غير مستحبّ). الواضح أكثر، وليس بين السطور فقط، أنّ كنفاني يسلّح خلافه (الأدبي) مع رأي خوري في أدب باسترناك، بخلاف آخر (سياسي وعقائدي) مع ناقد «كاد يطلب من باسترناك أن يتبنى نظرة الحزب الشيوعي لثورة أكتوبر، ويؤلف قصته «الدكتور جيفاغو» حسب «العمود» الماركسي المقرر». لم يكن خوري قد ذهب هذا المذهب، غنيّ عن القول، ورغم انحيازه الصريح إلى «ثورة أكتوبر الاشتراكية الكبرى»، فقد كتب بجلاء أنّ ثورة كهذه «لن يضيرها أن يستعمل أديب كباسترناك أو غيره، حرّيته الجزئية ليعرّض بثورة أكتوبر، مخطئًا أو مصيبًا، في رواية يكتبها».
في ميدان ثقافي آخر، نشرت شهرية «المعرفة» السورية، في العدد 8، آب (أغسطس) 1962، تعليقًا من كنفاني على مسرحية الرحابنة «جسر القمر»، كان إيجابيًا بصفة عامة، لكنه انتهى بملاحظات ناقدة، سوف تبدو مفاجئة من أديب سيتخذ مسارات تجديدية وحداثية لا تخفى، خاصة في قراءته لمشهد الشعر في الداخل الفلسطيني. على سبيل المثال، اعتبر كنفاني أنّ في بعض مقاطع المسرحية «مسحة من النثر، ومن الطبيعي أنّ ذلك يتضح بعنف في مهرجان فولكلوري مثل مهرجان بعلبك، فمن المعروف أنّ الوزن والإيقاع الغنائي هما كنز فولكلوري كبير، وأنه من الصعب أن نخلق فولكلورًا دون الاهتمام بالإيقاع التاريخي الذي يعطيه هذه الصفة». المدهش أنّ «النثرية» التي أشار إليها كنفاني كانت هذه: «يا شيخ المشايخ/ رح قلك هالكلمي/ صوت المعول أحلى/ من رنين السيف/ والرضى أحلى من الزعل/ والكلام كنز الكنوز»!
وهكذا فإنّ تلك الحقبة من حياة كنفاني جديرة بدراسة معمقة، لا تضع في الحسبان تطوّر مهاراته النقدية وميادين إنضاج ذائقته الجمالية فحسب، بل تُدرج، كذلك، المسار الفكري والإيديولوجي الذي سوف يقرّبه أكثر من يسار ستعتمده «الجبهة الشعبية» لاحقًا، بتأثيرات جورج حبش أوّلاً، وهو اليسار ذاته الذي سوف يبعده منطقيًا عن الانحيازات القومية التي طبعت أفكاره وتأملاته المبكرة. والتعمق يليق، دائمًا، بالنقلات الفريدة التي اتخذتها مسارات حياة الشهيد الكبير.
-------------
القدس العربي

صبحي حديدي
الاثنين 16 يوليوز 2018