
ضحايا مجزرة سيدي يوسف
و أكد السعيد مقدم انه على الرغم من الخسائر في الأرواح التي تكبدها الشعبان بفقدانهما لعشرات الشهداء إلا أن فرنسا ارتكبت خطأ سياسيا فادحا باعتدائها على هذه القرية إذ لم تزد الشعبين إلا تماسكا و تلاحما و إيمانا بمصيرهما المشترك و هو الاستقلال التام عن الاستعمار.
من جهه أخرى أكد مجاهدون و مؤرخون مشاركون في الندوة التي نطمهتها جمعية مشعل الشهيد أن القصف لم يكن إلا بهدف زعزعة اللحمة بين الجزائريين و التونسيين و ضرب القواعد الخلفية للثورة بحجة ملاحقة المجاهدين الجزائريين في الأراضي التونسية.
وأبرز القائم بالأعمال بسفارة الجمهورية التونسية بالجزائر حمداوي أن أحداث ساقية سيدي يوسف هي "حلقة من حلقات النضال المشترك في تاريخ البلدين و جسدت وحدة النضال الجزائري التونسي على أرض الواقع و ستبقى نبراسا للأجيال القادمة و نموذجا للتعاون المشترك".
و أردف قائلا إن "فرنسا الاستعمارية ارتكبت خطأ عندما اعتقدت أنها ستتمكن عن طريق التهديد و أعمال الترهيب و التدمير من كسر عزيمة الشعب التونسي في دعم القضية الجزائرية لجهلها مبادئ الوفاء التي تتحلى بها شعوب المنطقة التي تجمعها روابط اجتماعية و تاريخية و جغرافية وطيدة علاوة على الماضي و المصير المشتركين".
فيما تطرق بشير مديني إلى ثلاث نقاط رئيسة تتعلق بالظروف التي أحاطت بالمجزرة الاستعمارية البشعة في حقي الشعبين الجزائري والتونسي والتي عرّت مرة أخرى الوجه اللاانساني للاستعمار الفرنسي بوجهيه السياسي والعسكري علاوة على التواطؤ المفضوح لبعض الأنظمة العالمية التي تتشدق اليوم بشعارات الديموقراطية – ونادى بشير مديني إلى ضرورة تبني مصطلح "المجزرة "بدل مصطلح "لأحداث " كمدخل لإعادة دراسة هذه الواقعة " المجزرة " كنقطة أولى. ثم منها اتخذ طريق البحث القبلي والحديث الآني عن الظروف المحيطة وقتها بمجزرة ساقية سيدي يوسف التي استهدفت مدنيين أبرياء، فيما جاء القسم الثالث من المحاضرة مركزا على الوقائع والأحداث ثم منها الآثار والنتائج التي أعقبت هذه المجزرة .افتتحها بتعديد أسباب إقبال السلطة العسكرية الفرنسية على ارتكاب هذا الفعل اللاانساني بعد أن قدّرت هذه القيادة بان الثورة الجزائرية أضحت أكثر تنظيما وتهيكلا وأخذ عودها في الاشتداد كنتيجة منطقية لمفرزات مؤتمر الصومام الداخلية والخارجية على صعيد البناء المؤسساتي ،أما المسالة الثانية التي ضاعفت من ارتفاع درجات جنون الرد العسكري الفرنسي وأرهقت قواه العقلية والفيزيائية وحطمت تكتيكاته العسكرية الميدانية هي فشل عملياته التمشيطية على مستوى التراب الوطني كعمليات -فيولات والمنظار والأحجار الكريمة ….الخ-.
واللافت للانتباه كما قال المحاضر بشير مديني هو تمكن الثورة من اختراق خطي شارل وموريس اللذان يعدان باعتراف القاصي والداني من اكبر واخطر الخطوط الحربية العازلة في التاريخ العالمي المعاصر .
كما تزامنت هذه المجزرة مع لفظ التشريع الفرنسي لإجراءات قانونية دولية جديدة من اجل ضرب الثورة التحريرية وراء الحدود فيما يعرف ب " حق المتابعة ". وكانت البداية مع اعتدائها على طائرة الزعماء الخمس واختطافها وكانت بمثابة أول قرصنة في العالم. ثم اشتراكها في العدوان الثلاثي على مصر لتختتم فرنسا اعتداءاتها بهذا العدوان الوحشي على ساقية سيدي يوسف .
وكانت حجة فرنسا في هذا العدوان وارتكاب هذه المجزرة الشنيعة حسب مديني بشير -الذي وقف خلافا لما ذهب إليه بعض المؤرخين حسبه – وقال بان السبب وراء ذلك إنما مرده الى أنه كان هناك فيلق فرنسي متواجد على الحدود تعرض الى عملية إغارة واختطف بعض الجنود الفرنسيين في هذه المنطقة الحدودية وادخلوا الى الأراضي التونسية ، تضاف إليها واقعة الطائرة التي أسقطها جيش التحرير في ملال على التراب التونسي .
ولذلك اعتقد بعض المؤرخون بان فرنسا احتجت بهاتين الحجتين لتقوم بعملية العدوان، ولكن الحقيقة ، يضيف ميدني "بان التقارير العسكرية الفرنسية كانت تشير خاصة تقرير رئيس الحكومة الفرنسية الأخير قبل أن يصل شارل ديغول الى السلطة في 13 ماي 1958 أقول بأنه كانت هناك عملية ترصد تقوم بها القوات الفرنسية لضرب القواعد العسكرية داخل التراب التونسي لردع التونسيين ومنعهم من تقديم المدد للجزائريين . هذا الأمر هو الذي جعل القوات العسكرية الفرنسية تختار هذا التوقيت بالذات
وبناء عليه وافقت القوات العسكرية الفرنسية على شن ضربة جوية مشكلة من سرب جوي مكون من 28 طائرة باغتت العزل في صبيحة يوم الثامن فبراير بالساقية مخلفة 18 شهيدا بهذه القرية الآمنة .
ولعل الثابت في إستراتيجية شن هذه الضربة هو أن كل الدراسات بما فيها الدراسات الفرنسية كانت تستهدف من خلالها ضرب أهداف إستراتيجية مثل الهلال الأحمر الجزائري والصليب الدولي الأحمر، وكذا المدنيين في السوق الذي ضم يومها القليل من المجاهدين.
ومن نتائج هذه المجزرة السلبية والايجابية في الوقت ذاته هو تورط السلطة الفرنسية في هذه المرحلة بالذات أمام الرأي العام الدولي وانفضاحها مرة أخرى أمام المجتمع الدولي وهي التي لطالما رفعت شعار الحرية العدالة والديموقراطية والإنسانية .وخاصة أمام أول حليف لها يومها أنذاك الولايات المتحدة الأمريكية رغم أن أمريكا كانت مساندة لفرنسا يومها في عهد الرئيس السابق ازنهاور ، إلا أنها بدأت بعد هذا العدوان تبتعد شيئا فشيئا عن السياسة الفرنسية .
كما أعطت هذه المجزرة صورة أخرى لبشاعة فرنسا لأنها قبل سنة كانت هذه الأخيرة قد ارتكبت مجزرة أخرى على الحدود الجزائرية الليبية في "واقعة السين " في أكتوبر 1957 مما أدى الى الربط بين المسألتين ، أما المسالة الأخرى هو أن الشقيقة تونس كانت تتحفظ على تواجد القوات الفرنسية فوق أراضيها كشكوى رسمية تقدم بها المجاهد الرئيس السابق للجمهورية التونسية الحبيب بورقيبة الى مجلس الأمن ، وهذه الشكوى كانت قد وافقت عليها الكثير من الدول إلا أن حق الفيتو حال دون ذلك لاعتبارات سبق ذكرها .
ويضيف المصدر ذاته معلقا على هذه الأحداث من وجهة تحليله أن ما يلفت الانتباه هو أن القيادة الثورية ردت بذكاء وببرودة و تصرفت بصمت وارتأى إلا أن يختم محاضرته بهذا السؤال الذي وجهه الى المكلف بالأعمال على مستوى السفارة التونسية بالجزائر ويقول نصه " الم يحن الوقت للدولتين الجزائرية والتونسية رفع دعوى قضائية ضد مرتكبي هذه الجرائم من طرف الجيش الفرنسي ؟"
وتحدث الدكتور عامر رخيلة أن تواجد القواعد العسكرية لجيش وجبهة التحرير الوطنيتين في القواعد الشرقية والغربية أضحى خطرا متعاظما لذا اقبل الجيش الفرنسي على مغامرة تحت قيادة الجنرال روبير لاكوست من دون استشارة للحكومة المركزية بباريس- قد كشف بطلان ادعاء الاستعمار مجرد ملاحقة المجاهدين الجزائريين الذين لجؤوا إلى التراب التونسي، وإنما كان الهدف منه إقناع الحكومة المركزية بتعميم الانتشار العسكري وبسط النفوذ من جديد على تونس .
و أوضح أن الضحايا الأبرياء و هم كثر ممن لقوا حتفهم ذاك اليوم الذي كان يوم السوق الأسبوعية "دليل على بطلان ما افتراه المستعمر من أكاذيب لتعليل جريمة هي في الحقيقة إجراء انتقامي ليسوا ضمن قائمة قانون حق الملاحقة "الذي اتخذته السلطة العسكرية الفرنسية ذريعة .
ولذلك كان الدور الذي لعبه االرئيس السابق الحبيب بورقيبة من ضغط سياسي على الإدارتين الأمريكية والانكليزية من اجل تمكين بلده من امتلاك أسلحة للرد على الاعتداءات الفرنسية وتخييرهم بالتحاق بلده بالكتلة الشرقية ، مع طلبه بجلاء القوات الفرنسية من أراضيه بالإضافة الى تجميع القوات الفرنسية كاملة في مدينة بنزرت وهذه الأخيرة خلقت موجة غضب في البرلمان الفرنسي وكذا المعمرين وبذلك نزع البرلمان الثقة من حكومة لاغيار في 15 أفريل 1958.
وكانت لهذه المجزرة نتائج طيبة على مستوى العمل المشترك للجبهات الثلاث لدول المغرب العربي ( الجزائر ، تونس ، والمغرب ).اذ انعقدت ندوة بأهداف تختلف عن أهداف ندوة 1956 .
و أضاف بالقول أن "التضامن الجزائري التونسي سواء على الصعيد الشعبي أو في ميدان العمليات العسكرية و الذي مكن الجزائر من امتلاك قاعدة خلفية و سبل عبور و الاستفادة من دعم لوجستي لثورتها كان أحد الأسباب التي أحبطت مخططات فرنسا الاستعمارية".
أما المجاهد عبد الرزاق بوحارة فقد أشار إلى أن هذه الجريمة كانت قد سبقها حتى محاولات تنسيق بين الجيش الفرنسي والجيش الاسباني الذي كان مرابطا في المغرب وحتى عمليات ولو كانت بسيطة في ليبيا ، كما كانت هناك مخططات في سبتمبر من سنة 1956 للإجهاز على القواعد الخلفية للثورة وجيش التحرير في تونس لاحتلال بعض المناطق في تونس -كشف عنها مستقبلا- للقضاء عليها كلية . وذلك باستعمال ما يسمى الفيلق ال11 ، كون هذا الفيلق الذي استقر في الشرق الجزائري على اعتبار أن هذا الفيلق كان من ذي قبل في تونس ويعرف جيدا الطوبوغرافيا التونسية في المنطقة الجنوبية للأراضي التونسية حتى يضغط الفرنسيون على تونس من اجل مساعدتها على طرد جيش التحرير من أراضيها .
ثم بعدها وباستعمال المنهج المقارن استشهد بوحارة بمدى إدراك السلطات العسكرية الفرنسية لخطورة القواعد الخلفية بحكم اكتوائها بالقواعد الخلفية في معركة ديان بيان فو التي كانت تتخذ من الصين مقرا لها التي مكنت الفيتناميين من تحقيق نصر كاسح على المستعمر الفرنسي .
كما نبه الى المحيط الثوري الذي أحاط بالمجزرة إذ دشنت جبهة التحريروجيشها سنة 1958 بمعركة كبرى وهي معركة سوق أهراس وقالمة ، ولذلك كان الفرنسيون كانوا يخشون من تكرار سيناريو معركة " ديان بيان فو" .
ثم ارجع بوحارة التردد الفرنسي في شن مثل هذا النوع من العمليات خارج النطاق العسكري للخوف على مصالحها المستقبلية مع دول الجوار التي كانت قد استعادت استقلالها كاملاتقريبا وكذلك خشيتها على مواطنيها الذي كانوا لايزالون يقيمون بالبلدين الشقيقين وقواتها العسكرية المتواجدة هناك في انتظار الإجلاء
وقال إن قناعة تولدت لدى فرنسا أنه يصعب القضاء على الثورة التحريرية دون القضاء على القاعدة الخلفية لها بتونس و "هو ما لم تستطع القيام به باعتماد الضغوطات فلجأت إلى هذه المذبحة التي لم تزد الجزائريين و التونسيين إلا التحاما"
من جهه أخرى أكد مجاهدون و مؤرخون مشاركون في الندوة التي نطمهتها جمعية مشعل الشهيد أن القصف لم يكن إلا بهدف زعزعة اللحمة بين الجزائريين و التونسيين و ضرب القواعد الخلفية للثورة بحجة ملاحقة المجاهدين الجزائريين في الأراضي التونسية.
وأبرز القائم بالأعمال بسفارة الجمهورية التونسية بالجزائر حمداوي أن أحداث ساقية سيدي يوسف هي "حلقة من حلقات النضال المشترك في تاريخ البلدين و جسدت وحدة النضال الجزائري التونسي على أرض الواقع و ستبقى نبراسا للأجيال القادمة و نموذجا للتعاون المشترك".
و أردف قائلا إن "فرنسا الاستعمارية ارتكبت خطأ عندما اعتقدت أنها ستتمكن عن طريق التهديد و أعمال الترهيب و التدمير من كسر عزيمة الشعب التونسي في دعم القضية الجزائرية لجهلها مبادئ الوفاء التي تتحلى بها شعوب المنطقة التي تجمعها روابط اجتماعية و تاريخية و جغرافية وطيدة علاوة على الماضي و المصير المشتركين".
فيما تطرق بشير مديني إلى ثلاث نقاط رئيسة تتعلق بالظروف التي أحاطت بالمجزرة الاستعمارية البشعة في حقي الشعبين الجزائري والتونسي والتي عرّت مرة أخرى الوجه اللاانساني للاستعمار الفرنسي بوجهيه السياسي والعسكري علاوة على التواطؤ المفضوح لبعض الأنظمة العالمية التي تتشدق اليوم بشعارات الديموقراطية – ونادى بشير مديني إلى ضرورة تبني مصطلح "المجزرة "بدل مصطلح "لأحداث " كمدخل لإعادة دراسة هذه الواقعة " المجزرة " كنقطة أولى. ثم منها اتخذ طريق البحث القبلي والحديث الآني عن الظروف المحيطة وقتها بمجزرة ساقية سيدي يوسف التي استهدفت مدنيين أبرياء، فيما جاء القسم الثالث من المحاضرة مركزا على الوقائع والأحداث ثم منها الآثار والنتائج التي أعقبت هذه المجزرة .افتتحها بتعديد أسباب إقبال السلطة العسكرية الفرنسية على ارتكاب هذا الفعل اللاانساني بعد أن قدّرت هذه القيادة بان الثورة الجزائرية أضحت أكثر تنظيما وتهيكلا وأخذ عودها في الاشتداد كنتيجة منطقية لمفرزات مؤتمر الصومام الداخلية والخارجية على صعيد البناء المؤسساتي ،أما المسالة الثانية التي ضاعفت من ارتفاع درجات جنون الرد العسكري الفرنسي وأرهقت قواه العقلية والفيزيائية وحطمت تكتيكاته العسكرية الميدانية هي فشل عملياته التمشيطية على مستوى التراب الوطني كعمليات -فيولات والمنظار والأحجار الكريمة ….الخ-.
واللافت للانتباه كما قال المحاضر بشير مديني هو تمكن الثورة من اختراق خطي شارل وموريس اللذان يعدان باعتراف القاصي والداني من اكبر واخطر الخطوط الحربية العازلة في التاريخ العالمي المعاصر .
كما تزامنت هذه المجزرة مع لفظ التشريع الفرنسي لإجراءات قانونية دولية جديدة من اجل ضرب الثورة التحريرية وراء الحدود فيما يعرف ب " حق المتابعة ". وكانت البداية مع اعتدائها على طائرة الزعماء الخمس واختطافها وكانت بمثابة أول قرصنة في العالم. ثم اشتراكها في العدوان الثلاثي على مصر لتختتم فرنسا اعتداءاتها بهذا العدوان الوحشي على ساقية سيدي يوسف .
وكانت حجة فرنسا في هذا العدوان وارتكاب هذه المجزرة الشنيعة حسب مديني بشير -الذي وقف خلافا لما ذهب إليه بعض المؤرخين حسبه – وقال بان السبب وراء ذلك إنما مرده الى أنه كان هناك فيلق فرنسي متواجد على الحدود تعرض الى عملية إغارة واختطف بعض الجنود الفرنسيين في هذه المنطقة الحدودية وادخلوا الى الأراضي التونسية ، تضاف إليها واقعة الطائرة التي أسقطها جيش التحرير في ملال على التراب التونسي .
ولذلك اعتقد بعض المؤرخون بان فرنسا احتجت بهاتين الحجتين لتقوم بعملية العدوان، ولكن الحقيقة ، يضيف ميدني "بان التقارير العسكرية الفرنسية كانت تشير خاصة تقرير رئيس الحكومة الفرنسية الأخير قبل أن يصل شارل ديغول الى السلطة في 13 ماي 1958 أقول بأنه كانت هناك عملية ترصد تقوم بها القوات الفرنسية لضرب القواعد العسكرية داخل التراب التونسي لردع التونسيين ومنعهم من تقديم المدد للجزائريين . هذا الأمر هو الذي جعل القوات العسكرية الفرنسية تختار هذا التوقيت بالذات
وبناء عليه وافقت القوات العسكرية الفرنسية على شن ضربة جوية مشكلة من سرب جوي مكون من 28 طائرة باغتت العزل في صبيحة يوم الثامن فبراير بالساقية مخلفة 18 شهيدا بهذه القرية الآمنة .
ولعل الثابت في إستراتيجية شن هذه الضربة هو أن كل الدراسات بما فيها الدراسات الفرنسية كانت تستهدف من خلالها ضرب أهداف إستراتيجية مثل الهلال الأحمر الجزائري والصليب الدولي الأحمر، وكذا المدنيين في السوق الذي ضم يومها القليل من المجاهدين.
ومن نتائج هذه المجزرة السلبية والايجابية في الوقت ذاته هو تورط السلطة الفرنسية في هذه المرحلة بالذات أمام الرأي العام الدولي وانفضاحها مرة أخرى أمام المجتمع الدولي وهي التي لطالما رفعت شعار الحرية العدالة والديموقراطية والإنسانية .وخاصة أمام أول حليف لها يومها أنذاك الولايات المتحدة الأمريكية رغم أن أمريكا كانت مساندة لفرنسا يومها في عهد الرئيس السابق ازنهاور ، إلا أنها بدأت بعد هذا العدوان تبتعد شيئا فشيئا عن السياسة الفرنسية .
كما أعطت هذه المجزرة صورة أخرى لبشاعة فرنسا لأنها قبل سنة كانت هذه الأخيرة قد ارتكبت مجزرة أخرى على الحدود الجزائرية الليبية في "واقعة السين " في أكتوبر 1957 مما أدى الى الربط بين المسألتين ، أما المسالة الأخرى هو أن الشقيقة تونس كانت تتحفظ على تواجد القوات الفرنسية فوق أراضيها كشكوى رسمية تقدم بها المجاهد الرئيس السابق للجمهورية التونسية الحبيب بورقيبة الى مجلس الأمن ، وهذه الشكوى كانت قد وافقت عليها الكثير من الدول إلا أن حق الفيتو حال دون ذلك لاعتبارات سبق ذكرها .
ويضيف المصدر ذاته معلقا على هذه الأحداث من وجهة تحليله أن ما يلفت الانتباه هو أن القيادة الثورية ردت بذكاء وببرودة و تصرفت بصمت وارتأى إلا أن يختم محاضرته بهذا السؤال الذي وجهه الى المكلف بالأعمال على مستوى السفارة التونسية بالجزائر ويقول نصه " الم يحن الوقت للدولتين الجزائرية والتونسية رفع دعوى قضائية ضد مرتكبي هذه الجرائم من طرف الجيش الفرنسي ؟"
وتحدث الدكتور عامر رخيلة أن تواجد القواعد العسكرية لجيش وجبهة التحرير الوطنيتين في القواعد الشرقية والغربية أضحى خطرا متعاظما لذا اقبل الجيش الفرنسي على مغامرة تحت قيادة الجنرال روبير لاكوست من دون استشارة للحكومة المركزية بباريس- قد كشف بطلان ادعاء الاستعمار مجرد ملاحقة المجاهدين الجزائريين الذين لجؤوا إلى التراب التونسي، وإنما كان الهدف منه إقناع الحكومة المركزية بتعميم الانتشار العسكري وبسط النفوذ من جديد على تونس .
و أوضح أن الضحايا الأبرياء و هم كثر ممن لقوا حتفهم ذاك اليوم الذي كان يوم السوق الأسبوعية "دليل على بطلان ما افتراه المستعمر من أكاذيب لتعليل جريمة هي في الحقيقة إجراء انتقامي ليسوا ضمن قائمة قانون حق الملاحقة "الذي اتخذته السلطة العسكرية الفرنسية ذريعة .
ولذلك كان الدور الذي لعبه االرئيس السابق الحبيب بورقيبة من ضغط سياسي على الإدارتين الأمريكية والانكليزية من اجل تمكين بلده من امتلاك أسلحة للرد على الاعتداءات الفرنسية وتخييرهم بالتحاق بلده بالكتلة الشرقية ، مع طلبه بجلاء القوات الفرنسية من أراضيه بالإضافة الى تجميع القوات الفرنسية كاملة في مدينة بنزرت وهذه الأخيرة خلقت موجة غضب في البرلمان الفرنسي وكذا المعمرين وبذلك نزع البرلمان الثقة من حكومة لاغيار في 15 أفريل 1958.
وكانت لهذه المجزرة نتائج طيبة على مستوى العمل المشترك للجبهات الثلاث لدول المغرب العربي ( الجزائر ، تونس ، والمغرب ).اذ انعقدت ندوة بأهداف تختلف عن أهداف ندوة 1956 .
و أضاف بالقول أن "التضامن الجزائري التونسي سواء على الصعيد الشعبي أو في ميدان العمليات العسكرية و الذي مكن الجزائر من امتلاك قاعدة خلفية و سبل عبور و الاستفادة من دعم لوجستي لثورتها كان أحد الأسباب التي أحبطت مخططات فرنسا الاستعمارية".
أما المجاهد عبد الرزاق بوحارة فقد أشار إلى أن هذه الجريمة كانت قد سبقها حتى محاولات تنسيق بين الجيش الفرنسي والجيش الاسباني الذي كان مرابطا في المغرب وحتى عمليات ولو كانت بسيطة في ليبيا ، كما كانت هناك مخططات في سبتمبر من سنة 1956 للإجهاز على القواعد الخلفية للثورة وجيش التحرير في تونس لاحتلال بعض المناطق في تونس -كشف عنها مستقبلا- للقضاء عليها كلية . وذلك باستعمال ما يسمى الفيلق ال11 ، كون هذا الفيلق الذي استقر في الشرق الجزائري على اعتبار أن هذا الفيلق كان من ذي قبل في تونس ويعرف جيدا الطوبوغرافيا التونسية في المنطقة الجنوبية للأراضي التونسية حتى يضغط الفرنسيون على تونس من اجل مساعدتها على طرد جيش التحرير من أراضيها .
ثم بعدها وباستعمال المنهج المقارن استشهد بوحارة بمدى إدراك السلطات العسكرية الفرنسية لخطورة القواعد الخلفية بحكم اكتوائها بالقواعد الخلفية في معركة ديان بيان فو التي كانت تتخذ من الصين مقرا لها التي مكنت الفيتناميين من تحقيق نصر كاسح على المستعمر الفرنسي .
كما نبه الى المحيط الثوري الذي أحاط بالمجزرة إذ دشنت جبهة التحريروجيشها سنة 1958 بمعركة كبرى وهي معركة سوق أهراس وقالمة ، ولذلك كان الفرنسيون كانوا يخشون من تكرار سيناريو معركة " ديان بيان فو" .
ثم ارجع بوحارة التردد الفرنسي في شن مثل هذا النوع من العمليات خارج النطاق العسكري للخوف على مصالحها المستقبلية مع دول الجوار التي كانت قد استعادت استقلالها كاملاتقريبا وكذلك خشيتها على مواطنيها الذي كانوا لايزالون يقيمون بالبلدين الشقيقين وقواتها العسكرية المتواجدة هناك في انتظار الإجلاء
وقال إن قناعة تولدت لدى فرنسا أنه يصعب القضاء على الثورة التحريرية دون القضاء على القاعدة الخلفية لها بتونس و "هو ما لم تستطع القيام به باعتماد الضغوطات فلجأت إلى هذه المذبحة التي لم تزد الجزائريين و التونسيين إلا التحاما"