نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

السياسة المزدوجة

25/04/2025 - لمى قنوت

نظرة في الإعلان الدستوري

26/03/2025 - لمى قنوت

رياح الشام

25/03/2025 - مصطفى الفقي

في الردّة الأسدية الإيرانية

22/03/2025 - عبد الجبار عكيدي


اسرائيل والتلاعب بورقة "حماية الدروز" في سوريا





حماية الدروز، تقسيم سوريا، منع النفوذ التركي، مواجهة المتطرفين، كل هذه العناوين تتحدث بها إسرائيل عبر مسؤوليها وإعلامها لتُبرر تدخلاتها في سوريا التي لم تنتهِ منذ سقوط النظام السوري، بدءا بالتوغل العسكري واستهداف البنية العسكرية السورية، مرورا بالقصف "التحذيري" الذي طال القصر الرئاسي في دمشق صباح الجمعة 2مايو/أيار على خلفية التوتر الحاصل بين الدولة السورية وفصائل من السويداء في كل من جرمانا، وأشرفية صحنايا، والسويداء.



أمس الجمعة، وبعد ساعات من غارة جوية إسرائيلية استهدفت منطقة القصر الرئاسي في دمشق، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن إسرائيل تُجهز أهدافا إضافية لضربها في سوريا، وهو أمر تحقق في اليوم ذاته الجمعة، حيث استهدف الطيران الإسرائيلي بعدة غارات مواقع عسكرية سورية في كل من ريف دمشق ودرعا وحماة، وبحسب بيان الجيش الإسرائيلي فإن الغارات استهدفت "موقعا عسكريا ومدافع مضادة للطائرات وبنية تحتية لصواريخ أرض-جو في سوريا". وأضاف البيان أن "الجيش سيواصل العمل كلما دعت الحاجة من أجل حماية مواطني دولة إسرائيل".
 

وفي التفاصيل فإن الغارات استهدفت الفوج 41 الواقع قرب مستشفى حرستا العسكري ومنطقة تل منين في ريف دمشق، الفوج 175 القريب من مدينة إزرع بريف درعا، والكتيبة الصاروخية في محيط قرية موثبين القريبة من الصنمين في محافظة درعا. أما في حماة فذكرت وكالة "سانا" أن القصف استهدف محيط قرية شطحة بريف حماة الشمالي الغربي موقعا أربع إصابات.
وعلى الرغم من أن هذه المواقع بحسب قيادي في وزارة الدفاع السورية هي "مواقع خالية تقريبا من السلاح"، فإن هذا التصعيد الذي تتذرع إسرائيل بحماية دروزسوريا من خلاله، يحمل تداعيات كبيرة على السلم الأهلي في سوريا، وعلى المناخ السياسي الإقليمي والدولي وسط تضارب مصالح كثير من الدول وتصوراتها عن شكل المستقبل الذي ينبغي أن تحمله سوريا.

السلم الأهلي في خطر

على مدار الأشهر الماضية استخدمت إسرائيل سردية حماية الدروز كحجة لأي تدخل ممكن من قبلها، وأرسلت تحذيرات عديدة على لسان مسؤوليها، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي قال إن بلاده "ملتزمة بحماية الدروز"، وشنت عدة غارات لدعم هذه السردية، كما استخدمت شيخ الدروز في إسرائيل موفق طريف لدعم تلك السردية التي يراها كثير من دروز سوريا حجة واهية لتبرير التدخل الإسرائيلي في سوريا، ويقول مسؤول عسكري في وزارة الدفاع السورية لـ"المجلة" إن "إخوتنا الدروز يعلمون أن إسرائيل لا تريد حمايتهم، وإنما تريد حماية مصالحها، وهذا لمسناه في كثير من المقابلات التي جرت مع قادة الفصائل في السويداء". كما أعلنت الفعاليات الدينية ومشايخ الطائفة في السويداء أكثر من مرّة رفضهم التدخل الإسرائيلي بحجة حماية الدروز.
وعلى الرغم من أن هناك بعض الأصوات الدرزية في سوريا ربما تدعم رواية حماية إسرائيل للدروز، لكنها ليست شيئا يذكر أمام أصوات غالبية الدروز في سوريا ولبنان الرافضة للتدخل، مما يجعل سردية إسرائيل غير واقعية وليست ضرورة مطلبية أتت نحوها من قبل دروز سوريا. هذا التدخل غير القانوني وغير المبرر يُعقّد الوحدة الدرزية في سوريا ولبنان من جهة، ويخلق توترا أكبر بين بقية السوريين والدروز، وهي مؤشرات خطيرة قد تكون فتيل صراع داخل الطائفة الدرزية نفسها، وداخل النسيج السوري الديني من ناحية أخرى.
الحكومة السورية والفعاليات الدرزية تبذل ما أمكنها لمواجهة هذه السردية، وبحسب المعلومات فإن اتفاق السويداء الذي تم بين الحكومة السورية والفعاليات الدرزية هو محاولة من قبل الطرفين لتذليل التوتر السوري-السوري الذي تُغذيه إسرائيل بهجماتها وخطابها، حيث قبلت الحكومة بما يشبه إدارة محلية في السويداء يقودها أبناء السويداء أنفسهم، وهو أمر يخالف توجهها بعدم السماح بحصر السلاح ضمن مكون معين لإدارة مناطقهم، وكان جليا ذلك من خلال رفض الحكومة السورية اتفاقا شبيها مع "قسد" حيث اعتبرت أنه يهدد وحدة سوريا ومركزيتها.
 
 
على الرغم من أن هناك بعض الأصوات الدرزية في سوريا ربما تدعم رواية حماية إسرائيل للدروز، لكنها ليست شيئا يذكر أمام أصوات غالبية الدروز في سوريا ولبنان الرافضة للتدخل
 
 

جهود توحيد السلاح السوري

بحسب معلومات "المجلة" فإن هناك غضبا كبيرا من الهجمات الإسرائيلية على سوريا بين عناصر في الجيش السوري وفصائل محلية غير منضوية في وزارة الدفاع جنوب سوريا، والغضب هذا يأتي ليس من القصف الإسرائيلي فحسب، بل أيضا من النهج الحكومي في سوريا بعدم الرد، ويقول مسؤول في الأمن العام لـ"المجلة" إن "استمرار القصف الإسرائيلي والتدخل البري يشكل عقبة أمام الحكومة السورية في توحيد القوى العسكرية وسحب السلاح من المجموعات المحلية في الجنوب تحديدا"، مضيفا أن "كثيرا من عناصر تلك المجموعات يقولون أثناء عملية التفاوض مع الدولة إن السلاح بيدهم هو لحمايتهم من أي تدخل إسرائيلي بري". هذا الأمر أكده أحد قادة المجموعات المحلية في درعا لـ"المجلة" قائلا: "نحن بالقرب من خطوط العدو الإسرائيلي، ولا نعلم متى يدخلون نحونا، هل ننتظرهم ونشاهدهم في قرانا يسرحون؟ الجيش السوري ما زال في مرحلة التشكل، نحن ملتزمون بخطوات الحكومة وسياستها، لكن لن نسلّم السلاح طالما أن الخطر قد يدخل قرانا في أي لحظة".
ويشير مسؤول عسكري في وزارة الدفاع بدرعا إلى أن غضب بعض المجموعات المحلية من حجة دعم إسرائيل للدروز دفعهم للتجمع ومحاولة التحرك نحو السويداء لمواجهة من يقول إن إسرائيل تتدخل للحماية، وهو أمر جعل قوى الجيش والأمن العام تتدخل فورا لمنع وصولهم إلى هناك وسحب السلاح منهم، وتابع: "البدو الذين استهدفوا المجموعات المسلحة التي خرجت من السويداء إلى طريق جرمانا تحرّكوا دون تنسيق، واضطررنا لدخول اشتباك معهم لمنعهم من تكرار ما حصل".
 
الجيش السوري ما زال في مرحلة التشكل، نحن ملتزمون بخطوات الحكومة وسياستها، لكن لن نسلم السلاح طالما أن الخطر قد يدخل قرانا في أي لحظة
 
 
ومما لا شك فيه أن إيران ستسعى للاستفادة من حالة الفوضى التي تخلقها إسرائيل من خلال تدخلّها، وذلك من خلال عدّة خطوات: الأولى عبر شيطنة الحكومة السورية إعلاميا ونشر فكرة قبول الحكومة السورية القصف الإسرائيلي والصمت حوله مقابل بقائها في الحكم، والثانية عبر استغلال الخلل الأمني الذي يحصل عند القصف أو محاولة احتواء التوتر الذي تُغذيه إسرائيل. الحكومة السورية أرسلت الآلاف من الأمن العام نحو السويداء ودرعا لتأمين المنطقة ومنع أي انفجار طائفي وأهلي هناك، وهذا بالضرورة يعني وجود ثغرات جغرافية إذا ما أخذنا بعين الاعتبار النقص في عدد عناصر الجيش والأمن العام السوري، هذه الثغرات فرصة ربما لن تفوتها إيران لنقل السلاح أو دعم تشكيل خلايا محلية لخدمة مصالحها. مخاوف استغلال إيران لهذه الفوضى ذكرها أكثر من قيادي في الأمن العام أثناء حديثهم مع "المجلة"، وبحسب بعضهم أن القصف الإسرائيلي قد يعطي فرصة لفلول النظام وبقايا الميليشيات الإيرانية لشنّ هجمات ضد الدولة السورية، حيث تعرّضت بعض قوى الأمن العام لأكثر من هجمة في محافظة دير الزور خلال اليومين الماضيين.
 
لا شك أن إيران ستسعى للاستفادة من حالة الفوضى التي تخلقها إسرائيل من خلال تدخلّها، وذلك من خلال عدّة خطوات لا سيما عبر شيطنة الحكومة السورية إعلاميا
 
 
الهجمات الإسرائيلية ستزيد من حالة الضعف الموجودة في القوة العسكرية السورية والأمن العام، خصوصا إذا ما أعادت الدولة انتشار عناصرها بعيدا عن المواقع العسكرية لحمايتهم من القصف الإسرائيلي، وهذا يجعل البلاد أكثر عرضة لتحركات داخلية من قبل فلول النظام، و"داعش" الذي يحاول تقوية نفوذه وعتاده، وبقايا الميليشيات الإيرانية، الأمر الذي سيؤخر حتما أي جهود حكومية أو دولية لدعم الاستقرار في سوريا.
تحاول إسرائيل من خلال تدخلها في سوريا مواجهة النفوذ التركي المتزايد في سوريا بعد سقوط النظام السوري، وذلك من خلال تدخلها عسكريا في سوريا، حيث قصفت مطلع الشهر الماضي مواقع عسكرية من بينها مطار "T4"، والذي كان هناك حديثا(غير مؤكد) عن محاولة تركية لتحويله إلى قاعدة عسكرية، وأيضا عبر محاولة إقناع واشنطن بأن نفوذ تركيا المتزايد هو تهديد لأمن إسرائيل، وبحسب المعلومات فإن إسرائيل تحاول إقناع واشنطن أيضا بالسماح لروسيا بزيادة نفوذها في سوريا على حساب النفوذ التركي، الأمر الذي يبدو أن واشنطن لم توافق عليه. 
محاولة إسرائيل تعزيز النفوذ الروسي في سوريا سيواجه عقبات أوروبية وبريطانية، خصوصا وأن الدول الكبرى في القارة الأوروبية ترى في سقوط النظام فرصة لن تتكرر لإنهاء النفوذ الروسي في سوريا، وبناء عليه تحركت غالبية الدول نحو دعم الحكومة السورية في محاولة لسحب جغرافيا سوريا من حسابات موسكو، وذكر مسؤول أوروبي لـ"المجلة" بأن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا يحاولان دعم سوريا لتحقيق الاستقرار والاستقلال عن التدخل الخارجي خصوصا روسيا وإيران. من جهة أخرى، التدخل الإسرائيلي الذي يُعمق ضعف الدولة السورية وخطواتها لحلّ الخلافات الداخلية لن يُعجب كثيرا من الدول العربية وعلى رأسها دول مجلس التعاون الخليجي، ولن يحظىبرضا أميركي كبير أيضا لأنه يخلق فرصة لإيران للعودة إلى سوريا ولبنان من بوابة مقاومة الاحتلال. وهو أمر لا تريده تلك الدول التي تسعى لدعم الاستقرار السوري الذي سينعكس بالضرورة على الاستقرار الإقليمي والدولي.

من المتوقع أن تستمر إسرائيل على المدى القصير- وربما الطويل- باستخدام ورقة حماية الدروز ومواجهة النفوذ التركي لتبرير تدخلها في سوريا، وفي المحصلة يبدو أن إسرائيل تريد بقاء سوريا ضعيفة، هشّة عسكريا، ولا تمتلك مقومات الاستقرار، لأن ذلك يحمي "أمنها القومي" على حد تعبير كثير من القادة الإسرائيليين، لكن هذه السياسة أيضا هي تفخيخ للشرق الأوسط، قد يقود إلى انفجار يهدد الأمن الإقليمي والدولي، ومن غير المتوقع أن تسلم إسرائيل من ارتداداته الكارثية على "أمنها القومي" الذي تحاول حمايته.
--------
المجلة


صبحي فرنجية
السبت 3 ماي 2025