نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التريمسة...حين يلتقي العائد بظلّه

24/06/2025 - عبير داغر إسبر

انهيار إمبراطورية إيران

17/06/2025 - براءة الحمدو

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر

المفتي قبلان صاحب الرؤية

02/06/2025 - يوسف بزي

المثقف من قرامشي إلى «تويتر»

24/05/2025 - د. عبدالله الغذامي :

التانغو" فوق حطام المنطقة

22/05/2025 - عالية منصور


الأمراض والكلاب السائبة تخدش صورة تونس




تونس - طارق القيزاني - لم تجد مريم المقدمي الناشطة بالمجتمع المدني سبيلا لإلقاء الضوء على المعاناة الصحية للأطفال بمبيت المدرسة الإعدادية بمدينة ماطر، غير التوجه إلى الاذاعات المحلية لطلب التدخل العاجل من الدولة والمساعدات من ميسوري الحال.


ترأس مريم الجمعية النسائية للثقافة والتنمية الناشطة بجهة ماطر والتي تبعد أكثر من 60 كيلومترا شمال العاصمة. وبعد سماعها عن انتشار مرض الجرب بين التلاميذ المقيمين في المدرسة الاعدادية الواقعة بمنطقة نائية على الطريق المؤدي الى العاصمة اتجهت على الفور مع باقي اعضاء الجمعية لمعاينة الأوضاع الصحية داخل المدرسة. تقول مريم لوكالة الأنباء الألمانية (د .ب .أ) "عاينا خمسين حالة اصابة بالجرب بين التلاميذ. الوضع الصحي للمدرسة سيء جدا. الطلاء على الجدران متآكل والصدئ منتشر في المطبخ. والادواش معطلة". وتضيف مريم "التلاميذ المقيمون في المدرسة معرضون لعدم الاستحمام لأكثر من اسبوعين وحتى ثلاثة إلى حين عودتهم الى ديارهم".

بعد المعاينة رفعت الجمعية تقريرا يصف الحالة الصحية السيئة للمدرسة إلى وزارتي التربية والصحة لكنها لم تتلق أي رد.وعلى العكس من ذلك نجحت مريم في لفت انتباه المجتمع المدني في تدخلها عبر إحدى الإذاعات المحلية.
وتقول مريم "أمكن عبر التبرعات ومساعدات المجتمع المدني من مداواة الأطفال من الجرب وشراء 140 فراشا جديدا ومواد تنظيف وادخال الغاز الى أدواش الاستحمام".
وتضيف مريم "تأهيل المدرسة سيكلف 8 الاف دينار (نحو 5 آلاف دولار). ما زلنا نحتاج إلى المزيد من التبرعات". وفي بلد ما زال يعاني من تداعيات الثورة ومن البيروقراطية والفوضى الادارية فإن الكثير من المدارس في تونس اليوم تكافح لتدبير امورها بنفسها في ظل عودة ظهور الأمراض المعدية والاوبئة في مختلف انحاء البلاد بسبب انتشار الفضلات وتقادم المنظومة الصحية.
وفي مدرسة ابراهيم الزهار بمنطقة السبيبة في مدينة القصرين اصيب اربعة اطفال بالالتهاب الفيروسي الحاد (صنف أ) في تشرين اول/اكتوبر الماضي.

وفي محافظة قفصة توفيت طفلة تبلغ من العمر أربع سنوات اثر أصابتها بمرض التهاب الكبد الفيروسي بعد أن تأخرت عائلتها في عرضها على الأطباء بينما أصيب 21 طفلا آخرين في الجهة بحسب مصالح الطب المدرسي والجامعي بقفصة.
وحتى المدارس العريقة داخل المدن لم تكن بمنأى عن الأمراض والاوبئة.وقال أحد المربين بالمدرسة الابتدائية "التحرير" بمدينة الحمامات السياحية، إن عدد من التلاميذ تعرضوا إلى إصابات بالتهابات بسبب سوء حالة دورات المياه بالمؤسسة التربوية.
وقال صادق القسنطيني المربي بالمدرسة "مدرسة التحرير تعتبر الأعرق والأجمل في مدينة الحمامات من حيث بنيتها التحتية لكن تزايد اعداد التلاميذ جعل الدورات الصحية مكتظة ولا تفي بالحاجة".ويضيف القسنطيني "أطلقنا حملة تبرعات بين أولياء التلاميذ لإعادة تهيئة الدورات. وقد وجدنا تجاوبا واسعا".

وبشكل عام اهتزت صورة تونس، الوجهة السياحية النظيفة جنوب المتوسط، بقوة في اعقاب الثورة. وبدل الشوارع النظيفة والمساحات الخضراء أصبح من المألوف مشاهدة الكلاب السائبة تنبش وسط الفضلات المتراكمة بين الأحياء السكنية.
وتكشف هذه الصورة عن ازمة أخرى باتت تعاني منها المدن التونسية وهي صعوبة السيطرة على تكاثر الكلاب السائبة والناقلة للأمراض المعدية.
ويقول المدير الجهوي للصحة بمحافظة أريانة محمد الوسلاتي "لا توجد أرقام دقيقة حول عدد الكلاب السائبة ومن الصعب السيطرة حاليا على قطيعها بالجهة".
وبسبب هذه الكلاب سجلت هذا العام مئات الاصابات بداء الكلب بينما توفي بسبب هذا المرض شخصان أحدهما راعي أغنام والآخر طفل يبلغ من العمر ست سنوات.

ويضيف الوسلاتي "لا أحد بمنأى عن داء الكلب ولابد من وضع استراتيجية عمل متكاملة تشمل تونس الكبرى لمجابهة هذه الظاهرة للمحافظة على الصحة العامة".
وتاريخيا ودعت تونس مثل هذه الأمراض منذ عقود لكن خلال عام 2013 عادت لتنتشر على نطاق واسع.وبادرت وزارة الداخلية بإطلاق حملات لقنص الكلاب السائبة لكنها حملت في نفس الوقت البلديات المسؤولية في انتشار الكلاب بسبب تقاعسها في جمع الفضلات المتراكمة لفترات طويلة وسط الأرياف والمدن. والفضلات في تونس أحد أبرز الملفات التي تعاني منها البلاد بعد ثورة 2011 والتي غذتها الاضرابات العمالية وغياب التجهيزات.

ونتيجة لذلك أدى التدهور البيئي إلى ظهور اصابات بفيروس الملاريا، حيث سجلت الوزارة أربع إصابات بهذا الفيروس في أيلول/سبتمبر الماضي بمنطقة البحيرة بالعاصمة.
وقبلها في آب/اغسطس من العام الماضي تم اكتشاف فيروس الكوليرا بمحطة تطهير في منطقة رادس بالضحاية الجنوبية للعاصمة، بعد أكثر من ثلاثين عاما عن آخر اكتشاف لهذا النوع من الفيروسات في البلاد.
ويمكن قياس درجة الخطورة لانتشار الامراض في تونس مع وصول عدوى الالتهابات إلى صفوف الممرضين انفسهم داخل المستشفيات العمومية، الامر الذي يعكس درجة الاهتراء التي وصلت اليها المنظومة الصحية في بلد اشتهر كذلك بالسياحة الاستشفائية عبر المصحات والنزل العلاجية الخاصة.

وفي سبتمبر/ايلول الماضي سجل مستشفى صالح عزيز العمومي والمختص في الأمراض السرطانية في العاصمة ثلاث اصابات بمرض الالتهاب الكبدي بين ممرضيه ما احدث حالة من الهلع والخوف لدى الرأي العام.
وقال وزير الصحة عبد اللطيف مكي ان مشاكل القطاع الصحي العمومي في تونس، من تدهور في البنية واكتظاظ، تعود إلى الاهمال المتعمد للنظام السابق طيلة 23 عاما، وأنه طيلة هذه الفترة لم يتم انشاء مستشفى جامعي واحد متعدد الاختصاص.
وتقول النائبة في المجلس التأسيسي يمينة الزغلامي عن حركة النهضة الاسلامية التي تمسك بالحكم لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب.أ) "معضلة البيروقراطية والفساد التي كانت سائدة خلال النظام السابق ما زالت مستشرية في القطاع الصحي".
وتضيف الزغلامي "وزير الصحة لا يمكن ان يغير كل شيء بنفسه. هناك منظومة كاملة ما زالت سائدة".

وبعد ثلاث سنوات عن قيام ثورة من بين عناوينها الاساسية "الكرامة"، فإنه لا يعرف حتى متى سيستغرق الوضع في القطاع الصحي على حاله.
ويقول عبد اللطيف المكي ان حل مشاكل القطاع ستتطلب ما لا يقل عن خمس أو ست سنوات أخرى.

طارق القيزاني
الخميس 12 ديسمبر 2013