
في هذه البقعة المتطرفة من قارة أمريكا الجنوبية حيث (مجمع البحرين) ترتطم مياه المحيطين الهادىء والأطلسي والتي لا يوجد أبعد منها سوى قارة أنتارتيكا، يعرف شيوارد ضخامة التحدي الذي سيواجهه وكم المخاطر الذي تحمله حيث يقول "ظروف الملاحة غير مستقرة، الأعاصير أحيانا تكون أسطورية برياح تصل سرعتها لـ150 عقدة وتيار دائم من الغرب للشرق بل وأمواج قد يصل ارتفاعها لـ15 مترا".
ولعبت الأساطير في الماضي دورها بتغذية خرافة تقول أن كيب هورن هي نهاية العالم حيث ترتفع جبال داروين ويصل عمق المحيط الهادىء إلى ثلاثة آلاف بل وأربعة ألاف متر في بعض الأحيان، ولم لا وقد شهدت هذه المنطقة منذ القرن السادس عشر فقدان 800 سفينة في مياهها الغدارة التي غرق بها ما يزيد عن 10 آلاف شخص من جنسيات مختلفة.
ويختلف الوضغ حاليا مع وجود القوارب والسفن ذات المحركات، وعلى الرغم من الظواهر الجوية، دائما ما توجد حركة ملاحة دولية متنوعة بالمنطقة من البحرية التجارية للعسكرية للسياحية بل وحتى أنشطة القرصنة، ولكن قلائل هم من قرروا الرسو على الجزيرة الصغيرة التي توجد هناك وتتحكم منها البحرية التشيلية في الملاحة بالمنطقة وتكرم منها بحاريها الذين ابتلعتهم المياه.
وحاليا يعيش ميجل كاديث، حارس فنار البحرية التشيلية الموجود على الجزيرة، بصحبة عائلته هناك منذ عدة شهور، وخلال الصيف والربيع تلقوا عدة زيارات، مثل تلك التي قامت بها العبارة (ستيلا أوستراليس)، والتي غالبا ما ترسو هناك كلما سمحت الظروف يومي الثلاثاء والخميس في الموسم السياحي لتسمح لركابها بزيارة المكان.
ويقص كاديث على وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) " بداية من نهاية نيسان /أبريل ، حينما ينتهي موسم السياحة البحرية، لا توجد أي زيارات، وبعدها نعيش بقية العام في عزلة"، حيث يشير إلى أنه حتى انتهاء فترة خدمته على الجزيرة التي تستمر لعام فإنه لن يمكن له أو عائلته الخروج منها إلا في حالات الطوارىء، في الوقت الذي يواصل خلاله أبناؤه دراستهم عن طريق الإنترنت.
وبخلاف المسكن المتواضع الملحق بالفنار للتحكم في الحركة الملاحية والكنيسة الصغيرة الموجود بجانبه فإن ميجل وعائلته يمكنهم التحرك في مساحة 500 متر فقط تفصل هذا الطرف من الجزيرة عن الآخر الذي يوجد بها تمثال كيب هورن، وهو عبارة عن عمل منحوت لطيور القطرس البحرية بارتفاع سبعة أمتار للفنان التشيلي خوسيه إيكويم، وذلك لتجسيد الأسطورة التي تقول إن هذه الطيور هي التي تنقل أرواح البحارة الذين لقوا مصرعهم في نقطة التقاء المحيطين.
وتعتبر منطقة كيب هورن أحد معالم الجذب الرئيسية في الزيارات التي تقوم بها شركة (أوستراليس) البحرية في مياه منطقتي باتاجونيا وتييرا ديل فويجو أو (أرض النار)، والتي تغطي جزءا كبير من الرحلة التي قام بها العالم تشارليز داروين في المنطقة بالقرن الـ19 وألف بعدها نظرية النشوء والارتقاء.
وتعمل الشركة في المنطقة منذ حقبة التسعينيات ولكن لم تبدأ رحلاتها تتخذ وضعا مميزا إلا منذ 2001 عام وازدهرت أكثر وأكثر حينما أضافت الإبحار في طريق كيب هورن لبرنامج رحلاتها، كما يقول رئيس البعثات بالشركة ، ماوريسيو ألفاريس الذي صرح لـ(د. ب. أ) "الطريق الذي نسلكه هو الأكثر بعدا وعزلة والأقل شهرة واستخداما وبدائية، ومن المستحيل رؤية أي انسان غير الموجودين على المركب وحارس فنار الجزيرة وعائلته".
ويقول القبطان شيوارد "الزمن والمناخ جعلا هذه المنطقة شامخة حيث لم ينجح أحد في إخضاعها أو قهرها، واذا ما تقرر الوقوف في مكان ما بالرحلة ونزل أحدهم على الأرض ربما يكون أول إنسان يخطو فوقه"، مبررا هذا الأمر بأنه على سبيل المثال فإنه بالنسبة لمحميتي (ألبرتو داجوستينو) و(كيب هورن) الطبيعيتين الذي تمر عليهما سفينة (ستيلا أوستراليس) في رحلتها، فإن الدخول مسموح فقط للسفن الصغيرة شريطة أن يكون هنالك قبطان تشيلي على متنها".
وتسبب إعلان هذه المنطقة محمية للتنوع البيئي العالمي من قبل اليونسكو في وضع حدود لتنميتها تجاريا، حيث حصلت شركة (أوستراليس) على امتياز لـ25 عاما للقيام برحلات سياحية بالمنطقة، ولكنها في نفس الوقت ملتزمة بالحفاظ عليها، حيث يقول القبطان "نتوخي الحذر كثيرا أثناء الرسو، ونعطي الكثير من دروس التوعية للمسافرين على متن السفن التابعة لنا، والذين يتراوح عددهم سنويا من 10 ألاف إلى 12 ألف شخص".
وخلال جلسات حوارية يقوم بها القبطان والمرشدون مع المسافرين فإنهم يعرفون الكثير من المعلومات عن المنطقة والابحار بها وأشكال الحياة النباتية والحيوانية التي توجد بها وتاريخها وسكانها الأصليين القدامى والجبال الجليدية والكثير والكثير من المعلومات الأخرى.
ويسمح الرسو في شاطىء أينسوورث بالقيام بجولة على جبل جليدي ومشاهدة الطيور وأفيال البحر التي تعيش في بحيرة بالقرب من الجبل الجليدي، هذا بخلاف المرور أثناء الابحار في "ممر الجبال الجليدية الكبير"، حيث يحمل كل جبل اسم دولة أوروبية مثل ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وهولندا.
ومن ضمن النقاط الرائعة في الرحلة مراقبة البطاريق في جزر تاكرز وماجدالينا بخلاف حيوانات أخرى مثل أسود وأفيال البحر، وإذا ما كانت الرحلة محظوظة فربما يتسنى للمسافرين مشاهدة الدلافين والحيتان.
وخلال الرسو في شاطىء "ولايا" يمكن رؤية بعض القنادس، التي لم تكن من ضمن الحيوانات الأصلية في المنطقة وتسبب الآن مشكلة كبيرة بالنسبة للنظام البيئي، هذا بخلاف مشاهدة مناظر رائعة لمنطقة تييرا دي فويجو أو أرض النار.
وتحاط الرحلات دائما بإجراءات أمنية مشددة من القائمين على عمل السفن، خاصة وأنه اذا ما سقط أحد في المياه فإن لن يقدر على البقاء حيا أكثر من سبعة إلى 10 دقائق، كما تقول المرشدة السياحية باولا جاليندو الموجودة على المركب، لذا يجب أن يتم إحاطة علم الركاب بكل هذه التفاصيل ومراقبة أي أنشطة يقومون بها قد تعرض حياتهم للخطر.