نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

خديعة الرحمة

03/07/2025 - هناء محمد درويش

التريمسة...حين يلتقي العائد بظلّه

24/06/2025 - عبير داغر إسبر

انهيار إمبراطورية إيران

17/06/2025 - براءة الحمدو

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر


عصابات المارا تدمر الحياة في مدن كاملة بالسلفادور




سان سلفادور - خوان خوسيه دالتون- يسيطر الخوف على لويس جارثيا لدرجة أنه يخشى حتى من الإفصاح عن اسمه، أو التقاط صورة له، إنه في التاسعة عشرة من عمره، ويقطن واحدا من أعنف أحياء العاصمة السلفادورية، سان سلفادور. في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) يقول الشاب المذعور "نحاول أنا وعائلتي الفرار من مسقط رأسنا، حيث نشأنا وترعرعنا، درسنا وعملنا، العصابات في كل مكان، ونشعر بأن حياتنا أصبحت مهددة". لا يستطيع الإفصاح عن المزيد عن وضع الجريمة لأن هذا من شأنه رفع درجة التهديد الذي يتعرضون له هؤلاء النازحين.


 
" اختطفت العصابات ثلاثة من أقاربي، تمكن واحد منهم من الفرار والبقاء على قيد الحياة، أما الاثنان الأخريان فقد قتلا.

حررنا محضرا في قسم الشرطة، لكن كان هناك إهمال وتجاهل، مما تسبب في إطلاق سراح الموقوفين، بالرغم من الأدلة القاطعة التي قدمناها على تورطهم في الجريمة"، يتابع الشاب قصته المأسوية.

هناك الكثيرون مثل لويس يعتبرون نازحين داخل بلادهم. تمكن هو وأسرته من العثور على مأوى بفضل مساعدة مؤسسة تقدم الدعم لضحايا العنف في أمريكا الوسطى، نظرا لتشابه أوضاع الجريمة في السلفادور مع مثيلاتها في جواتيمالا وهندوراس، بسبب تزايد حجم النشاط الإجرامي لعصابات المارا في تلك الدول. كما شهدت المنطقة تأسيس مائدة لمكافحة النزوح تضم 15 مؤسسة وجمعية أهلية يبرز من بينها الصليب الأحمر، ومعهد حقوق الانسان التابع لجامعة أمريكا الوسطى بالسلفادور ومؤسسة كريستوسال الإنسانية، من أجل تقديم مختلف سبل الدعم لضحايا العنف والجريمة المنظمة.

ويعرب لويس عن أسفه قائلا "يقدمون لنا الدعم والتوجيه اللازم، نحاول الخروج إلى دول أخرى لأنه لم يعد بوسعنا الاستمرار في الحياة هنا بعد نشر الصحافة المحلية صورنا بدون التمويه المتبع لكي لا يتم التعرف علينا، وسرعان ما سيعثر مسلحو عصابات "المارا سالبا تروتشا" علينا".

تقول مسؤولة مؤسسة كريستوسال، ثيليا مدرانو إن "النزوح الداخلي للأفراد والعائلات، ظاهرة موجودة بالفعل وتمثل إحدى أشكال انتهاكات حقوق الانسان"، فيما تنتقد إصرار السلطات في البلد اللاتيني على إنكاره على الصعيد الرسمي حتى الآن، على غرار ما حدث أثناء الحرب الأهلية التي استمرت بين 1980 و1992.

توضح مدرانو أن "النزوح الداخلي القسري للأفراد يتم حينما يشعرون بخطر داهم يهدد حياتهم وأمنهم وأمن وحياة أسرهم، ولكنهم لا زالوا مقيمين داخل حدود بلادهم. تكمن المشكلة في نقص الحماية على الصعيد الدولي، المتوفرة لهذا النوع من اللاجئين، وبصفة خاصة لأنهم ما زالوا داخل حدود بلادهم".

ومن ثم تطال الحكومة السلفادورية بشكل أساسي بالاعتراف بوجود هذه المشكلة رسميا، حتى يتسنى تخصيص الموارد والدعم اللازم من أجل حماية هذه الأسر المنكوبة".

تعمل منظمة كريستوسال، وهي منظمة حقوقية غير حكومية وغير ربحية، في السلفادور منذ عام 2001، وتعمل في الوقت الراهن على برنامج لحقوق الانسان وحماية ضحايا العنف. وقد أطلقت في 2017 مشروعا لتعزيز منظومات توثيق وحماية ضحايا النزوح القسري في كل من السلفادور، وجواتيمالا وهندوراس، بالتعاون مع مؤسسة المجتمع المفتوح الحقوقية الأمريكية (OSF).

ولماذا إذن لم يتم الاعتراف رسميا من جانب الدولة بوجود ظاهرة النزوح القسري؟ في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية ( د. ب. أ) يجيب مسؤول كبير بوزارة الخارجية السلفادورية طلب عدم ذكر اسمه قائلا إن "النزوح القسري الداخلي جراء العنف، مصطلح غير مقبول على الصعيد الرسمي. هناك فقط عدة حالات فردية واعتبار ذلك ظاهرة، يعد شكلا من أشكال التعميم". ويتفق العديد من مدراء الأمن العام في أكثر من منطقة مع هذا الرأي.

توضح دراسة أعدتها جامعة سلفادورية حكومية أن "الدولة لا تعترف رسميا بوجود مشكلة تتعلق بالنزوح القسري الداخلي جراء العنف، ولهذا ليس لديها خطط، برامج أو مؤسسات لتقديم الدعم والحماية الفعالة لضحايا تلك الممارسات، وغالبيتهم يمثلون العامود الفقري لأسرهم المتضررة". يشير البحث إلى أن "الظاهرة يتم التعتيم عليها أو التقليل من شأنها، ولا تؤخذ في الاعتبار عند إعداد السياسات العامة أو التشريعات الأمنية.

وعلى الرغم من وجود مبادرات حكومية لدراسة الظاهرة، بالتعاون مع وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إلى الآن لم يتم إعداد أي برنامج عمل يطرح تصورا من جانب الدولة بشأن سبل تقديم الحماية للازمة للضحايا".

كما تستشهد الدراسة بتقرير دولي صادر عام 2015 عن المركز النرويجي للاجئين، يوضح أن السلفادور تعد واحدة من الدول التي تعاني من النزوح الداخلي القسري بسبب العنف، موضحا أنه تم رصد نزوح 288900 شخص عام 2014، ومن المرجح أن يكون الرقم زاد في الوقت الراهن.

توضح كريستوسال أن هناك عدة عوامل تدفع الناس للفرار من مناطقهم الأصلية، يبرز من بينها: التهديد الإجرامي المباشر، ووجود عصابات جريمة منظمة، فضلا عن تعرض أشخاص لتهديد من قبل مؤسسات الدولة نفسها: الشرطة أو الجيش، والتي تتركز مهمتها الأساسية في مكافحة مثل هذه العصابات الإجرامية المسلحة. ومن ثم يضطر النازحون وأسرهم للتخلي عن حياتهم الطبيعية واللجوء لمناطق ريفية نائية أو مدن كبيرة، بحيث لا يتعرف عليهم أحد أو يصل إليهم من يهددونهم. تقول مدرانو إنهم يتنقلون من بيت إلى بيت، بموارد ومتعلقات محدودة للغاية، لأنهم يهجرون أيضا مورد رزقهم.

وفقا لأبحاث كريستوسال، نحو 27% من النازحين تعرضوا لتهديد مباشر، مقابل 7ر76% بسبب تواجد عصابات الجريمة المنظمة وانتشار نشاطها في محيط إقامتهم. بالإضافة إلى نسبة ضئيلة تصل إلى 5ر2% يفرون من تهديد مؤسسات الدولة وأفرادها.

وفقا لآراء المحللين المحليين والدوليين، تعتمد الحكومة السلفادورية سياسات صارمة لمكافحة الجريمة المنظمة في إطار خطة "سلفادور الآمنة"، خاصة عصابات "ماراسالبا تروتشا" المعروفة اختصارا باسم (MS-13) والتي تفوق أساليبها الترهيبية الإجرامية ما تقوم به ميليشيات داعش من ذبح وحرق وتعذيب. تتضمن الخطة التي دخلت حيز التنفيذ في آذار/ مارس 2016، إحكام السيطرة على قيادات هذه التنظيمات الإجرامية، وتقليص حجم تواجدها في مناطق نفوذها على الأرض واستعادة الأراضي التي يسيطرون عليها.

تجدر الإشارة إلى أنه مؤخرا توجه النائب العام الأمريكي، جيف سيشونز إلى السلفادور، للتباحث مع القيادات الأمنية والشرطية بشأن استئناف نشاط مكافحة عصابات الجريمة المنظمة مثل الـ(MS-13)، والتي تعتبرها الولايات المتحدة بمثابة تهديدا لأمنها القومي.

ظهرت عصابات المارا خلال عقد الثمانينيات في أحياء لوس أنجليس الفقيرة، حيث كان يقيم لاجئون من السلفادور وجواتيمالا وهندوراس فروا من الحروب الأهلية الدائرة رحاها في أمريكا الوسطى في ذلك الوقت. في الوقت الراهن يترواح عدد أفرادها في السلفادور وحدها بين 40 و70 ألف شخص. وهذا يجعل دولة صغيرة لا يتجاوز تعدادها 3ر6 ملايين نسمة، واحدة من بين أعنف بقاع العالم، حيث ترتفع معدلات جرائم القتل إلى 80 بين كل 100 ألف شخص، بمعنى آخر ثمانية أضعاف معدل الوفيات الذي أقرته منظمة الصحة العالمية في حالة تفشي وباء.

إذا كان لويس قد اتخذ قراره بالتخلي عن بيته وحيه، هناك العديد من الضحايا لا تتوافر لهم مثل هذه الخيارات، ويتعرضون لأمور أكثر مأسوية، أو كما تطلق عليها مدرانو "الإقامة الجبرية"، وتعني "إجبار شخص على لا يتخطى عتبة باب منزله، بحيث لا يكون بوسعهم الذهاب إلى المدرسة، أو ممارسة رياضة. يتم تقييد حريتهم بكل بساطة داخل سجونهم الذاتية".

خوان خوسيه دالتون
الجمعة 29 سبتمبر 2017