نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

واقع الديمقراطية في سورية الجديدة

09/05/2025 - مضر رياض الدبس

(سوريا بين حرب أهلية ومشاريع تقسيم؟)

05/05/2025 - عبدالوهاب بدرخان

دلالات التصعيد الإسرائيلي في سوريا

04/05/2025 - العميد المتقاعد مصطفى الشيخ

السياسة المزدوجة

25/04/2025 - لمى قنوت


قاعدة بلا قيادة




المطّلعون على بنية تيار المستقبل بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري يقولون إن الرئيس سعد الحريري لم يجد يوماً الوقت لإدارة الشؤون الداخلية لتياره، وإن الرئيس فؤاد السنيورة لم يكن يوماً، ولا يزال، في وارد الدخول في هذه التفاصيل. وبعيداً عن دوره الأمني وعلاقاته الاستخبارية ولعب أصابعه بالخيوط والإبر،


  كان اللواء وسام الحسن صاحب الدور الرئيسي على هذا الصعيد: يوصي هذه السفارة بمتابعة هذا الناشط السياسي، وسفارة أخرى بتبني آخر. ما أن يتأكد من وقوع نائب عوني في غرامه حتى يسعى وراء آخر من الكتل المعارضة لفريقه السياسي. يلعب في ملاعب خصومه. يستمع في مكان ويوجه في مكان آخر. يدير تيار المستقبل، متكلاً على ما يتجمع لديه من معلومات عبر التنصت ومتابعة حركة الاتصالات وجغرافيا الهواتف والمخبرين. يصدر نائب بياناً لا يعلم عن مضمونه شيئاً، يتبعه نائب آخر بتصريح تلفزيوني، فيما يُعدّ نائب ثالث لمؤتمر صحافي. فجأة، يُقتل وسام الحسن. ليس الرجل الأمني فحسب من اغتيل بالقرب من ساحة ساسين في الأشرفية، بل كل الهيكلية التنظيمية لتيار المستقبل. سياسياً، لم يعد لدى النواب هادي حبيش وأحمد فتفت ومعين المرعبي وجمال الجراح وغازي يوسف ما يقولونه. لا أحد في تيار المستقبل يعرف، أقله، الأرقام الهاتفية لتلك الشبكة الواسعة من الإعلاميين والسياسيين والمتمردين على أحزابهم الذين أولاهم الحسن عنايته الخاصة. ربما كان اغتيال الحسن ضربة موجعة لدور تيار المستقبل في الأزمة السورية، ولسير التحقيق الذي رسمه في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لكن المؤكد أن اغتياله أوجع التيار الأزرق تنظيمياً وسياسياً وإعلامياً. وفي السياق نفسه يصبّ اغتيال الوزير محمد شطح: لا يمكن تخيل سفير أجنبي يعقد اجتماعاً مثمراً مع النائب عمار الحوري مثلاً، أو مبعوث أممي يضيع ساعة من وقته لسماع وجهة نظر النائب سيرج طورسركيسيان في قضية ما. الصحافيون والمتابعون لن يجدوا بعد الآن سياسياً حريرياً يمكن التحاور معه وسماع صوته بدلاً من العويل والصراخ. لن يتغير شيء في موازين القوى المرئية بين قوى 8 و14 آذار، لكن تيار المستقبل خسر رجلاً لا يعوض، قادراً على تقديم وجهة نظر الحريريين الى الدبلوماسيين الأجانب وبعض الصحافيين المحليين وربط الحريري بحلفائه. بعد اغتيال الحسن، حجر الزاوية الأمنية ــــ السياسية لهذا الحزب، وتجفيف منابع نفوذه الخدماتية عبر إقصائه وزارياً، يقصّ اغتيال شطح أجنحته.
في المقابل، لا رد فعل مستقبلياً أو إعلان حال طوارئ أو تداعيَ سريعاً للبحث في كيفية الحفاظ على ما بقي من شعبية ونفوذ للحزب الأزرق. يتعاظم الفراغ. محاولات ملء فراغ الحسن تقتصر على الجانب الأمني من شخصيته. لا أحد، اليوم، يربط نواب المستقبل ويفكهم، ويسرّب للإعلام، ويوقع الخصوم في حفر ذكية. جعل الرئيس الحريري عودته، عندما ربطها بمسار الأزمة السورية، مستحيلة. يتصرف الرئيس السنيورة كرئيس كتلة نيابية تعنى بمتابعة عمل اللجان ومحاصرة عمل الوزارات العونية حصراً، لا كرئيس كتلة سياسية. وبين النواب يتفاقم الفراغ. ليس بينهم، من عكار إلى صيدا مروراً بالبقاعين الأوسط والغربي، مَن يمكن التعويل عليه ولو في منطقته، سواء تنظيمياً أو سياسياً. قبل بضع سنوات، كان في رأس النائب خالد ضاهر ما يكفي من الشيب لتحويل دار أسرته إلى مرجعية عكارية، لها وزن شعبي وعلاقات جوار حسنة مع غالبية الفعاليات العكارية وغيرها، لكن «الحاج» تأثر بالمشاغب بين إخوته، بدل الهادئ والطبيب والمفكر: حلق شعره وعصّب جبينه. أنساه منزله الطرابلسيّ دارته العكارية، حل إسقاط النظام السوري محل كل شيء في رأسه، وأخذ يخترع الأوهام ويصارعها. بات يصعب التعامل معه كنائب أو مرجعية سياسية؛ هو مجرد قائد محور وهمي، أو مدير ميليشيا صغيرة. زميله في الكتلة النائب خالد زهرمان يؤدي، ببراعة، وظيفته كمتابع لعمل اللجان في المجلس النيابي، لكن لا شيء أكثر من ذلك. لا يمكن سؤاله عن الأوضاع في منطقته أو احتياجات الناخبين. أبعد المستقبل شخصية مثل النائب السابق عبد الله حنا وأبقى النائب رياض رحال. لا أحد يودّ سؤال الأخير عن رأيه في تأليف الحكومة مثلاً أو انعكاسات هذا الملف الإقليمي أو غيره محلياً. في كتلة المستقبل من يفهمون شيئاً من التقارير المركزية والمقالات الصحافية التي تصلهم، ومنهم من لا يستوعب ولو سطراً رغم شهاداته الجامعية. كان النائب السابق طلال المرعبي، بكل لياقته وتهذيبه السياسيّ ومتابعته المحدودة، أكثر من راغب في صعود الباص الحريريّ الذي يقل المرشحين إلى المجلس النيابي، لكن الحريري فضّل أن يخرج من قبعته معين المرعبي. هذا نموذج آخر ممن أفرغوا النيابة، كموقع سياسي تشريعي تمثيلي، من كل مضامينها، مفضلين عيش مراهقتهم. وما ينطبق على عكار يصح على الضنية التي يمثلها نيابياً أحمد فتفت، العاجز عن الفوز بالمجلس البلديّ في قريته، وطرابلس التي يقود النائب المستقبلي محمد كبارة أحد محاورها، وبيروت التي ينطق النائب عمار الحوري باسمها. وهذا كله إنما فعله تيار المستقبل بنفسه، من جرّاء تمسكه بمعايير الرئيس رفيق الحريري لاختيار النواب.
ومن الكتلة النيابية إلى التنظيم الحزبي والسياسي، اختار الحسن، كما يقول المطلعون، أحمد الحريري منسّقاً عاماً للتيار، وفي حساباته أن شخصية الأخير ونسبه العائلي سيسمحان له باجتراح معجزة تنظيمية. انكبّ كثيرون على التطبيل والتزمير، قبل ثلاث سنوات، لانطلاقته المناطقية، لكن سرعان ما اكتشفت المناطق أن ليس لابن النائبة بهية الحريري ما يميّزه، ولو قليلاً، عن غيره من الأبناء ــــ الورثة كدوري (كميل) شمعون، ونديم (بشير) الجميل، وميشال (رينيه) معوض. ولعل الدليل الأبرز على كاريزما المنسق العام وحسن إدارته لتياره هو تسليمه مقاليد النفوذ والأنصار في معقل والدته لأحمد الأسير. تتراكم المعطيات في مختلف مناطق نفوذ المستقبل عن تجربة حزبية لم تكتب لها الحياة: جزء كبير من المتحمسين والمتعصبين للتيار الأزرق التحقوا، بعد تأكدهم من اكتفاء الحريريين بالأقوال دون الأفعال، بالمجموعات التكفيرية، سواء في طرابلس أو صيدا أو البقاعين. ومن يلتقِ المقاتلين الطرابلسيين ويسمع قصصهم يكتشف أن وعيهم السياسي بدأ عام 2005، وأن «ساحات نضالهم» الأولى كانت شركات المستقبل الأمنية التي لم تكتب لها أحداث 7 أيار حياة طبيعية. واستقطبت المجموعات السلفية، أيضاً، حشداً من التجار واللاهثين خلف الاستفادة المالية السريعة وبعض المشايخ ورؤساء المجالس البلدية الذين شحّت مصادر رزقهم الزرقاء. وسواء تقاطعت مصالح هذه المجموعات مع مصلحة المستقبل اليوم أو تعارضت غداً فإنها تقتطع، على مرأى من المستقبل ومسمع قيادته، جزءاً مهماً من عصبه كان واضحاً في حالة أحمد الأسير أنه يفضل الذهاب إلى تنظيم القاعدة على العودة إلى المستقبل. وخسر المستقبل، أيضاً، في كل مناطق انتشاره، مجموعة من الناشطين الذين لم تجد قيادة المستقبل كراسي لهم ومواقع مسؤوليات. هكذا لا يجد الباحث عن المستقبل في المناطق اليوم سوى مناصرين منكفئين، يؤيدون المستقبل من منازلهم: غير مستعدين للتوجه بسياراتهم أو بالسرفيس من طريق الجديدة إلى ساحة الشهداء للمشاركة في وداع الوزير السابق محمد شطح. ليس أحمد الحريري فعلياً اليوم سوى المنسق العام لجمعية إغاثة سعودية للاجئين السوريين، تارة توزع معاطف وطوراً خبزاً وزيتاً وطحيناً، ويتقاضى معظم الناشطين فيها أجوراً عالية.
حالة تيار المستقبل سيئة اليوم. الواقعيون بين مسؤوليه، ولا سيما في المناطق، يعترفون بذلك: غياب سعد الحريري، اغتيال وسام الحسن، استقلالية حلفاء المستقبل المادية عنه، فشل أحمد الحريري، الشح المالي والحصار الخدماتي، لا مبالاة النواب وعجزهم، نمو المجموعات السلفية وأخيراً اغتيال محمد شطح. كلها تنهك الجسم الأزرق الذي انتفخ على نحو خيالي غداة اغتيال الرئيس رفيق الحريري
------------------
الاخبار
.


غسان سعود
الاثنين 30 ديسمبر 2013