نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

المثقف من قرامشي إلى «تويتر»

24/05/2025 - د. عبدالله الغذامي :

التانغو" فوق حطام المنطقة

22/05/2025 - عالية منصور

واقع الديمقراطية في سورية الجديدة

09/05/2025 - مضر رياض الدبس

(سوريا بين حرب أهلية ومشاريع تقسيم؟)

05/05/2025 - عبدالوهاب بدرخان

دلالات التصعيد الإسرائيلي في سوريا

04/05/2025 - العميد المتقاعد مصطفى الشيخ

السياسة المزدوجة

25/04/2025 - لمى قنوت


كلام.. الغوطة






في اللحظة التي يصبح فيها خليط العويل والصراخ والنحيب هو الموسيقى، ويكون الدوي هو الإيقاع، ويكون الموت الجماعي هو الحدث، وتكون أشلاء الأطفال والنساء والعجزة هي الديكور، لا يعود ثمة قيمة لأي تحليل، ولأي عقل بارد، ولأي قلم مدرك.


 
في هذه اللحظة، لا تعود الحرب حربا، لأنه حتى الحروب لها ضوابطها التي تحوّل كل مستخف بها من محارب إلى مجرم، ومن قائد إلى سفاح، ومن دولة إلى عصابة.
في هذه اللحظة، لا تعود هناك انتصارات. المنتصر بالمجازر مهزوم. الحقد الذي يراكمه يهزمه. الدماء التي يريقها تخنقه. الدمار الذي يتركه ينهمر عليه. النحيب الذي يستخرجه يلاحقه.
في هذه اللحظة، تتلاشى الحدود الفاصلة بين المفاهيم. لا يعود ثمة فارق بين جيش نظامي وبين تنظيم إرهابي. ولا يعود ثمة تمييز بين من يتوسل سيارة مفخخة وبين من يتوسل المدافع والصواريخ والدبابات والطائرات. الأدهى أن مدعي مكافحة الإرهاب يصبح هو أكبر مروج للإرهاب.
في هذه اللحظة، لا تعود ترى إلا الغوطة، وهي ترفع منسوب نهر بردى ليس بالماء المتفجر من الينابيع بل من الدماء المتفجرة من الأجساد
في هذه اللحظة، يصيبك اليأس من كل شيء: من الديموقراطيات. من منابر السلام. من المحاكم الدولية. من برامج التلفزيون. من أفلام السينما. من الكتاب الذي بين يديك. من الحب. من التقدم الطبي. من الابتكارات الكبرى. من مهرجانات الفرح. من المتمايلين على أنغام فنانات الإغواء. من مروجي الأديان، من حقوق الأقليات، من مظلومية الأكثريات، ومن وعود صناديق الاقتراع.
اقرأ للكاتب أيضا: نصر الله في "محكمة الحريري"
في هذه اللحظة، لا تعود تنتظر من الأرض شيئا، فتذهب بخيالك إلى الجنة. حتى ولو كنت لا تؤمن بالجنة إلا أنك تحتاج إليها. تحتاج إليها لترى الطفل المتناثر أشلاء، يلهو ويضحك ويأكل الحلويات. تحتاج إليها لترى الأب الذي يفتش عن عائلته المفقودة تحت الأنقاض، يجمع عائلته إلى طاولة الطعام ويسرد عليها قصص الجدود ويمنحهم نصائح بناء المستقبل. تحتاج إليها لترى الأم المفجوعة باحتضان ما تبقى من أجساد أبنائها، تقف أمام الموقد تجهز لهم فطور الصباح وتشرف على حقائب الكتب وتطبع على جباههم قبلات التشجيع، عند سماع هدير باص المدرسة.
في هذه اللحظة، تنتفض فيك ذكرياتك الموجعة لتقارنها بضحايا المجازر، فيؤلمك أنها، على مرارتها، كانت نزهة بسيطة على أعتاب الجحيم الذي يرسل إليه هؤلاء، جماعات جماعات، حيث يجوعون ويعطشون ويرتعدون ويتألمون ويقتلون، بالحديد والنار والحجر.
اقرأ للكاتب أيضا: لبنان وإسرائيل... والحرب
في هذه اللحظة، يصدمك أن تتعرف على أشكال الشيطان، فهو يتدثر، حينا، بجبة رجل دين يدعي الولاء لله، وهو يتمظهر حينا بزي غربي حديث، يدعي تقديم نفسه على مذبح خدمة الإنسانية.
في هذه اللحظة، لا تعود تسأل عن موازين القوى ولا عن لعبة الأمم ولا عن تقاسم رقع النفوذ. كل ذلك لا تعود له أهمية، أمام استكبار السفاحين
في هذه اللحظة، تهرب إلى أفلام الحيوانات، فتُكبر في الوحش أنه لا يقتل إلا ليأكل هو وعائلته. يصطاد ما يسد حاجته فقط لا غير. هو لا يرتكب مجزرة. إنه يدفعك إلى السخرية من مفاهيمنا للتوحش ومفاهيمنا للإنسان.
في هذه اللحظة، تعرف كل من اختبأ وراء قناع اسمه أبو بكر البغدادي، ومن استعمل واجهة اسمها "داعش". ترى هؤلاء بالعين المجردة. تميزهم واحدا واحدا. لا تعود مخدوعا بمن صنعه، ومن استعمله، فمن ثمارهم تعرفونهم. تعرفونهم من مجازرهم. من استخفافهم بكل قيمة. من احتقارهم لكل حضارة ولكل ما يدب حياة على الأرض.
في هذه اللحظة، لا تعود ترى إلا الغوطة، وهي ترفع منسوب نهر بردى ليس بالماء المتفجر من الينابيع بل من الدماء المتفجرة من الأجساد. تشمها، وهي تستبدل عطر زهر الليمون، بأجساد خمرت موتا حتى العفن. تسمعها، وهي تستبدل زقزقة العصافير بنحيب الأمهات وعويل الآباء وأنين الجائعين، وسخافات قلق الدبلوماسيين، وكذب تعهدات الرؤساء.
في هذه اللحظة، لا تعود تسأل عن موازين القوى ولا عن لعبة الأمم ولا عن تقاسم رقع النفوذ. كل ذلك لا تعود له أهمية، أمام قوافل الموت، أمام تجسيد الجحيم، وأمام استكبار السفاحين.
-------
الحرة

فارس خشّان
الجمعة 23 فبراير 2018