معن عبد السلام صاحب مكتبة
تقول السيدة زيادة ان مكتبة "ايتانا "التي افتتحت مؤخرا هي مشروع حضاري يخدم الأسرة إذ انها توفر للناس صغارا وكبارا وقتا للتعايش مع المعرفة واقامة علاقة جيدة مع الكتاب الذي بتنا نفتقده هذه الايام وخاصة الكتاب الذي لا يروج لآيدولوجيا حزبية او دينية، كفانا تراجع نريد مستقبلا محترما لأجيالنا ".
حالة السيدة زيادة ليست فريدة في سوريا إذ أن آلاف الاسر السورية تبحث عن أماكن مفيدة لها ولأبنائها .
تقول رندة إبراهيم وهي طبيبة سورية "أكاد أحار أين نذهب أنا وعائلتي يوم العطلة، المطاعم لم تعد صحية للكبار والصغار. معظمها يقدم الأراكيل، لا يوجد الكثير من أماكن الترفيهة والمتعة التي تخص العائلات. بدأت اعتقد ان المجتمع يزداد أنغلاقا. لم نعد نجد المساحة الكافية لحرية التفكير مع أولادنا في مستقبلهم خارج دوائر الانغلاق والتشدد ".
منذ مدة حذرت المستشارة السياسية والإعلامية في الرئاسة السورية الدكتورة بثينة شعبان من تعاظم المد الديني في سوريا. وقالت خلال اجتماع لفرع حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في دمشق : "نحن أمام تحد كبير... هناك مد ديني متعصب في البلد حقيقة، ويجب علينا أن نفهم أن هذا المد هو نتيجة فشلنا وليس نتيجة نشاط الآخرين لأنه حين يوجد الفراغ السياسي فلا بد للآخرين أن يملأوا هذا الفراغ".
وأضافت أن هذا المد لم يكن موجودا في السبعينيات من القرن الماضي، مطالبة بأن يكون الحزبيون البعثيون "قدوة في الأماكن التي نوجد فيها وفي العمل الذي نقوم به وفي الفكر الذي نطرحه وفي الفكر الذي نقدمه".
وطالبت باختيار البعثيين الأكفياء، معتبرة أن التحدي "أمامنا هو تحد فكري. أن يعيد الحزب إنتاج الفكر لا أن نعتمد كبعثيين على ما يأتي من وسائل الإعلام " .
يقول معن عبد السلام صاحب مكتبة " إيتانا " التي اتخذت صفة الحداثة والتجدد العلماني منذ افتتاحها تارة من نوعية محتوياتها وتارة من مواقف من يقف خلفها كمشروع تنويري و كذلك من زوارها و قرائها يقول لوكالة الانباء الالمانية " المشروع كان يراودني منذ العام 2000 حيث اشتريت منزلا قديما في حي باب توما الشهير أحد اجمل احياء دمشق العتيقة، لكن حالت العديد من الاسباب دون اكتماله .. بقيت الفكرة إلى أن أشتريت مع زوجتي منزلا متواضعا في حي الشعلان وسط العاصمة وأعدنا ترميمه بشكل حديث مع الحفاظ على جزء من روح التراث السوري التقليدي. انطلق المشروع بين مؤيد ومعارض من معارفي واصدقائي العاملين في الوسط الثقافي والشأن العام. فالمتخوفون قالوا ان المقر الجغرافي للمشروع في منطقة تجارية غالية الثمن يمكن أن يدر ارباحا لو كان مطعما على سبيل المثال، الثقافة لا تطعم خبزا، أما المشجعون فقد رأوا فيه فرصة نادرة ليترك بصمة من انطلاقته و هكذا كان بشهادة الجميع".
يقول معن وهو شاب يقترب من الأربعين من العمر، وتخرج من قسم اللغة الانكليزية في كلية الآداب بجامعة دمشق إن "مكتبة" ايتانا " لوحدها لن تكون ظاهرة، انا أدرك ذلك، لكنني أتمنى ان تكون البداية للعديد من المشاريع التنويرية والحضارية والمنتديات الثقافية التي تبقي الكتاب كمصدر للمعرفة بين آيادي جيل الشباب."
وأضاف معن: "أعتقد ان بلدي سوريا بحاجة لهذا النوع من المشاريع، في كل مكان من العالم يوجد مكتبة تضع طاولاتها وكراسيها في خدمة القراءة او الشراء، بمعنى انها ليست مجرد دكان يدخله المرء ليشتري كتابا أو يسأل عن عنوان صدر حديثا عن دور النشر، بينما في ايتانا، المكان مريح تسمح أجواؤه ببناء علاقة صحيحة مع الكتاب، كما في كل العالم وبإمكان المرء ان يشتري او يشترك بشكل شهري في أوقات القراءة وبتكلفة مقبولة لا تتجاوز 16 دولار والتي توفرها المكتبة، ويتناول قهوته و يختار الكتاب الذي يريده."
ويضيف عبد السلام الذي يملك دار نشر ايضا تحت نفس التسمية "ايتانا " أن المكتبة تخصص يوما في الاسبوع للاطفال، يقرؤون و يلونون و يستخدمون الانترنت للبحث وليس للعب، مع وجود مشرفات عليهم، يعيشون ساعات بين جدران مليئة بالكتب وهذا بحد ذاته علاقة مع الكتاب اذ ليس بالضرورة ان تكون المكتبة متوفرة في منازلهم جميعا وان توفرت فهي بضع رفوف وليس جدران كبيرة .
و عن مستوى ونوعية الفكر أو الخط العام الذي يمكن ان تتبناه "ايتانا " وتقدمه يوضح معن عبد السلام، كل شيء تنويري يخدم المعرفة الحضارية العلمانية التي تنبذ التعصب أو التطرف أو الحالة الحزبية الجامدة المغلقة، أو الآيدولوجية المتحجرة، و أين تكون الجهة التي تقف خلف تلك الافكار الهدامة .
ويكشف عبد السلام ان شيخ جامع حي الشعلان الدمشقي الذي تقع فيه المكتبة، جاء برفقة شابين ملتحيين، بعيد الافتتاح بايام وبدأ جولة في المكتبة وبعد ان رحبت به –يقول معن - وصل إلى رف من الكتب وتناول كتاب الإلياذة لهوميروس، ثم وقف وقال لي أن الإيدز الفكري أشد خطورة على الانسان من الإيدز الجسدي ! وأضاف الشيخ سائلا " هل تصلون في هذا المكان ؟ فقلت له ان الصلاة والايمان يا شيخ في القلب." و أضاف معن لقد قلت للشيخ، جاء دوري في السؤال يا شيخ حيث قلت له هل تريدون كتابا من مكتبتنا لتزويد مكتبتكم في الجامع وبالمجان؟ فما كان من الشيخ الا ان قطب حاجبيه متعجبا رفضا و غادر دون ان يعاود الزيارة .
ويوضح معن وهو يجول بنظره على جدران مكتبته " ان تسمية "ايتانا" هي أسطورة سومرية وهي أول صعود للسماء للبحث في المعرفة وعن المعرفة وفق ما تروي المصادر التاريخية " .
يؤكد عبد السلام ان جدران ايتانا تحوي 7000 عنوان لكل المستويات الفكرية والاجتماعية "وهو الأمر الذي يعزز لدي الثقة أن المشروع لن يفشل وهو سيغذي نفسه بنفسه بعد فترة زمنية من ظهوره، فضلا عن ان " ايتانا " انطلقت ايضا من معرفة الواقع الاجتماعي السوري المحتاج لهذا النوع من المشروعات في بلد يشهد انفتاحا اقتصاديا تدريجيا وعودة شرائح اجتماعية ذات سوية أجتماعية واقتصادية جيدة ما يسهم في تنمية مثل هذه المشروعات الحيوية، ونحن في المكتبة لم نلجأ الى المتطوعين من الزملاء، بل خصصنا دخل شهري للراغبين في التعاون نعتبره مقبولا وليس جيدت، انما يتوافق مع أمكاناتنا المالية" .
وعما اذا كانت " ايتانا " تخشى محاربة المنافسين لها في السوق السورية يقول عبد السلام " لا شك ان قدرة المكتبات التي تلبي حاجة الغالبية من القراء هي اكبر على المنافسة ولذلك " ايتانا " ستعمل لخلق شركاء حضاريين من مختلف اطياف المجتمع من أجل مشاركة جماعية في الحراك العام دون القبول بجماعة من لون واحد، كما هو معروف فإن الثقافة لا تقبل بالعودة إلى الوراء" .
تقول السيدة يمن ابو الحسن لوكالة الانباء الالمانية وهي التي تشرف على اعمال "ايتانا " ان المكتبة توفر مجموعة هامة من أهم إصدارات الكتب باللغتين العربية والإنكليزية التي جمعت من عدد من دور نشر عالمية، كما ان للمكتبة هيئة أستشارية من مثقفين وشخصيات فكرية مرموقة ولهم تواجدهم في الاوساط العامة . ويمكن القول ان تواجد المكتبة في قلب الوسط التجاري للعاصمة دمشق سهل وصول الكثيرين الذين يريدون البحث عن الهدوء والركون الى قراءة متأنية للكتاب في مكان مريح وجميل ذو طبيعة مرنة في التعاطي وخاصة لشريحة الشباب، بعيداً من ضجيج الاسواق المجاورة والمطاعم المزدحمة في حي الشعلان الشهير .
وعن كيفية دمج القراءة من كتاب مطبوع مع تواجد صالة خاصة بالانترنت تقول ابو الحسن، المكتبة تفسح المجال لروادها باستخدام الإنترنت للبحث المعرفي، وليس للقراءة لوقت طويل، وتتيح الخدمات الإطلاع أو شراء نسخ أصلية من أحدث الأسطوانات الموسيقية والأفلام المتنوعة لا سيما منها الوثائقية .
و يرفض الكاتب السوري سهيل عروسي ان يكون عزوف الناس عن الكتاب في بلده ناتج عن أسباب اقتصادية فقط وعلى حد قوله لوكالة الانباء الالمانية ان هناك كتب صادرة عن وزارة الثقافة السورية واتحاد الكتاب العرب الذي هو احد اعضائه، لا يزيد ثمنها عن سعر علبة سجائر، فالثقافة الشعبية متوفرة، ويضيف عروسي وهو قيادي معروف في حزب البعث الحاكم منذ بضع عقود وتقلد مناصب متعددة في الحكومة السورية، شمال البلاد " أي كتاب فيه السيء والجيد، والعبرة هي في عين القاريء والرؤية التي يتوخاها من هذا الكتاب او ذاك"، ويعتبر عروسي ان الفجوة بين الكتاب والناس في بلاده ليست بسبب الرقابة فقط انما هناك بضعة اسباب منها عدم تكريس القراءة كعادة لاكتساب المعرفة .
وكانت بضع مكتبات شهيرة في العاصمة دمشق قد أغلقت في الآونة الاخيرة، مثل مكتبة العائلة ( العلمانية التي لا تعني الألحاد ) في ساحة النجمة التي كانت تشرف عليها الاديبة مهاة فرح الخوري، و مكتبة ميسلون بالقرب من فندق الشام، بعد نحو أربعة عقود من عملها، حيث كانت اشتهرت في سبعينيات القرن العشرين بنشر وبيع الكتب "السوفييتية " بأسعار رمزية.
وتذكر المصادر التاريخية المعنية، انه من أوائل المكتبات التي كانت افتتحت في العاصمة السورية دمشق في عشرينات القرن الماضي، مكتبة عرفة لصاحبها ياسين عرفة، في سوق المسكية القديم لبيع الكتب، وقبلها المكتبة العمومية، التي أسسها أحد أعيان دمشق، أحمد أديب خير، والذي كان من قيادات حزب الكتلة الوطنية الى جانب صديقه الرئيس السوري الاسبق أديب الشيشكلي وكانت توزع المطبوعات الفرنسية والعربية و كتب بلغات متعددة، حيث كانت تصل لدمشق ليتم توزيعها في سوريا ولبنان.
ولا تزال المكتبة العمومية موجودة الى اليوم تشرف عليها وتديرها عائلة خير تركز على الكتب الأجنبية والكتب التخصصية في الفنون والعمارة والأسواق في العالم فضلا عن تعاونها مع معظم دور النشر العربية ذات المستوى الراقي التي تصدر كتب الدراسات التاريخية والروايات .
وتعتبر المكتبة العمومية من أهم المراجع الأساسية لمعظم الجامعات الخاصة في سوريا والتي تجد في المكتبة العمومية ما تدعم به مكتباتها من مراجع اختصاصية مختلفة.
يقول حفيد العائلة أحمد أديب خير ( سمي على أسم جده المؤسس ) لوكالة الانباء الالمانية "لقد حافظت المكتبة العمومية على خطها الحضاري والعلماني المتنور الذي لا يؤمن بالتشدد من أي جهة جاء، ونحن نعتقد اننا اليوم في سوريا نحتاج لمزيد من المكتبات التي تحث وتروج لثقافة تحترم الآخر وتنبذ التعصب" .
وتشير المصادر التاريخية، إلى أن عددا من المكتبات افتتحت في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي كمكتبة اليقظة العربية ومكتبة أطلس لصاحبها سمعان ( لا تزال قائمة تديرها ابنته سمر حداد) ومكتبة دار دمشق التي اهتمت بنشر الأدب الاشتراكي، قبل أن ينتقل ذلك في السبعينيات إلى مكتبتي الزهراء وميسلون.
وشكلت مكتبة النوري في ستينيات القرن الفائت ظاهرة مهمة، حيث انطلق مؤسس المكتبة من بسطة لبيع الصحف اليومية إلى أن أصبحت واحدة من أهم مكتبات بيع ونشر وتوزيع الكتب في سوريا .
ولم تكن المكتبات السورية مكانا لبيع الكتب فحسب، بل كانت حتى سبعينيات القرن الماضي مكانا للقاء المثقفين والسياسيين السوريين وتبادل الأفكار والآراء حول الكتب والأدب والفن والسياسة.
وكانت مكتبة أطلس التي أسسها سمعان حداد ملتقى للنخب السورية التي كانت تلتقي للحوار والنقاش في الشأن العام وكذلك مكتبة العمومية، وكذلك كانت الحال في مكتبة عرفة التي كانت تستقطب الشباب المثقفين، وكانت لهم جلسة حاشدة يوم الثلاثاء وهو موعد وصول (مجلة الرسالة) المصرية لصاحبها أحمد حسن الزيات (1968) وكان هؤلاء الشباب يتشوقون لصدورها، وعندما كانوا يعدون أيام الأسبوع يسمونه يوم الثلاثاء يوم الرسالة.
وانتشرت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ظاهرة غريبة في سوريا هي ظاهرة سرقة الكتب. وقد توسعت هذه الظاهرة إثر انتشار الثقافة وشعبيتها بين الشباب وطلاب الجامعات الذين أدمنوا القراءة دون أن يكون لديهم ما يكفي من المال لشراء الكتب الجديدة. وكان بعض الشباب، خصوصا من الطلاب، يتباهون بمقدرتهم على سرقة أكبر عدد من الكتب دون الإمساك بهم أو ملاحظتهم من قبل اصحاب المكتبات أو دور النشر .
و يقول سامر الزيات وهو احد طلاب الجامعة "انا تعودت الاهتمام بالكتاب منذ طفولتي والدي ووالدتي معنيان بالكتاب والثقافة، معاناتي اليوم تكمن – مثل العديد من اصحابي الذين لديهم نفس الاهتمام – في أننا لا نجد مكتبات تنتشر في الاحياء والأسوأ من ذلك اننا لا نجدها في المولات الحديثة، التي انتشرت في السنوات الاخيرة في سوريا، من المناسب أن تشجع الجهات المسؤولة أن يكون لكل حي مكتبته، وأن يلتزم كل مول يفتتح حديثا بمكتبة الى جانب الصيدلة و دور العبادة، لأن السلطات الرسمية المختصة فرضت بالقانون ان يكون في كل مول صيدلية" .
ويشارك الزيات العشرات من زملائه في مختلف الكليات العامة والخاصة في العاصمة دمشق الذين تم استطلاع أراؤهم. ويبدي المستثمر السوري جورج عظومية صاحب "مول المنشية " وسط مدينة حلب شمال البلاد حماسة كبيرة لهذه الفكرة، ويقول لوكالة الانباء الالمانية: نحن كأدارة لمول المنشية على استعداد كبير لتطبيق فكرة الالتزام بمكتبة كتب في المول ونريد ان نبدأ بها بالسرعة الممكنة ونعلن اننا مستعدون لتقديم كل التسهيلات والمساعدة في تطوير الفكرة وخدمتها بما يتوائم مع احتياجات مجتمعنا السوري، أريد التأكيد اننا سنعمل على تحقيق الفكرة وتحويلها إلى واقع عملي .
تقول الاحصاءات غير الرسمية إن أحياء سكنية كبيرة تضم أحيانا مئات الآلاف من الناس لا يتوفر فيها مكتبة لبيع الكتب وذلك في معظم المدن السورية وليس في العاصمة فقط .
ويقام معرض واحد كل سنة تقيمه مكتبة الاسد وتشترك فيه مئات دور النشر العربية، لكن الحصة الأكبر من المبيعات تذهب لصالح الكتب الدينية، الاسلامية منها بشكل خاص .
يقول الكاتب والناشر السوري لؤي حسين صاحب دار " بيترا " للنشر و هو من المشاركين في معرض الكتاب السنوي " ان المبيع الاغلب هو للكتب الدينية والسطحية، مثل كتب الطبخ والابراج وغيرها، لست ضد ذلك بالمطلق لكن الحكومة بأمكانها ان تلعب دورا تسهم فيه بقوة في تنشيط بيع الكتب الهامة، وأن لا يتم الاقتصار على معرض واحد كل عام، وان يفسح المجال للقطاع الخاص أن ينظم معارض كبيرة و متنوعة " .
و يقول عبد السلام أن مكتبة "إيتانا" مهتمة بالعودة الى روح الكتاب حيث يعتقد الكثير من الناس أن الكتاب بات موجودا في الانترنت، لكن ذلك ليس رأي كل الناس كثيرون لا يزالون يحبون التعامل مع الورق، ويرغبون في استرجاع قيمته الفكرية التي تلاشت مع الكساد الثقافي.
ويبدي الشاب السوري الطموح أسفه لإغلاق مكتبتين مهمتين هما "ابن سينا، و "العائلة" وهو الأمر الذي، يطرح تساؤلاً ملحاً عن موقع الكتاب من حياة المجتمع السوري.
وتنظّم المكتبة نشاطات فردية مثل "نادي التحليل النفسي" حيث يجتمع نحو عشرين شخصاً ويتناقشون بموضوع محدد يديره محلل نفسي، مرة كل أسبوعين. كما تستضيف المكتبة بعض النشاطات الثقافية ومنها حفلات توقيع الكتب. ويوفر نادي "إيتانا" للأطفال مجموعة من أهم كتب الأطفال العربية النادرة في سوق الكتاب السوري (توجد في دمشق مكتبة متخصصة للطفل تبيع الكتب الاجنبية والعربية وتقع قرب فندق أمية التاريخي وسط العاصمة ) .
و يقول تقرير التنمية البشرية في العالم العربي الى ان قارة أوروبا التي يمثل عدد سكانها 12 بالمئة من سكان العالم ، تحتل المركز الاول في انتاج 55 بالمئة من أجمالي الكتب المنشورة حول العالم ، بينما يبلغ انتاج قارة آسيا التي يشكل عدد سكانها حوالي 55 بالمئة من عدد سكان الكرة الارضية حوالي 19 بالمئة من حجم الكتب في العالم فقط بينما لا يتعدى انتاج قارة أفريقيا اكثر من 4 بالمئة .
وتشير احصاءات التقرير السنوي الى أن نسبة انتاج الكتب المؤلفة والمترجمة والمطبوعة بين اعوام 1990 و 2003 في كل من سوريا وليبيا والبحرين وعمان يصل الى مئة كتاب فقط .
ويتساءل أهالي طلاب المدارس السورية ان كان للمدرسة دور توعوي وتثقيفي لطلابها من خلال تخصيص حصص للمطالعة ولو بشكل أسبوعي .
وترى الموجهة التربوية في احدى ثانويات ريف دمشق فاطمة المحمد بان القراءة خارج الكتب المدرسية قضية هامة وضرورية لكن واقع الحال غير ذلك . و يقول تقرير التنمية البشرية الذي يصدر سنويا ان الكتاب الذي يبيع في العالم العربي أكثر من خمسة آلاف نسخة يعتبر انه قد حقق انجازا بهذه النسبة علما أن عدد سكان عالمنا العربي بات يربو عن 300 مليون نسمة بينما نجد بعض الكتب في اميركا وأوروبا تبيع ملايين النسخ ، بطبعتها الاولى على سبيل المثال .
وتذكر ورقة عمل للناشر السوري المعروف رياض نجيب الريس كان قدمها في سنوات سابقة في مؤتمر المعرفة الذي ترعاه مؤسسة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ويقام في دبي " ان تعثر النشر العربي يعود لسببين لا ثالث لهما الاول هو ضمور الأسواق العربية بسبب حواجز الأنظمة السياسية التي تعامل الكتاب معاملة المخدرات ، والناشر معاملة المهربين ، وضعف البنية المالية والاقتصادية لمعظم دور النشر العربية ، نتيجة القيود الرقابية على انواعها ، الدينية والسياسية والامنية والمجتمعية والاعلامية الخ، وهو الامر الذي يمنع تطور هذه الصناعة والاستثمار فيها .
ويؤكد تقرير وضعته مؤخرا جمعية " قوس قزح " الأهلية السورية الى ان سوريا التزمت بتطبيق ألزامية التعليم للمرحلة الاساسية منذ العام 1981 بموجب القانون رقم ( 35 ) والمتضمن ألحاق جميع الاطفال السوريين ومن في حكمهم ،من 6 حتى 12 عاما في مدارس التعليم الابتدائي ، وهو الامر الذي ساهم في محو أمية على نطاق واسع لكن ذلك لم يخلق المعرفة والوعي العام المطلوب ، فبعد ان ركزت المؤسسات الرسمية وعلى مدى عقود على الخطاب الحزبي ، كانت مؤسسات قوى أجتماعية أخرى " تحقن " عقل المجتمع بمزيد من آحادية اللون العقائدي الرافض حتى للحوار مع الآخر ، ومع تقدم الزمن يصبح هناك خشية حقيقية من تصادم آيدولوجيات غير منظورة وغير متكافئة في ظل واقع يشوبه الشحن عند أبسط المفترقات العامة .
و بأنتظار ان يعود القول المأثور " الكتاب خير جليس في الزمان " الى واقع ملموس فان ملء الفراغ لا يتم بدفن الرؤوس في الرمال ، لتقطيع الوقت ، بل بأعتبار صناعة الكتاب المتنور في رأس الأولويات ، إذا أردنا للمستقبل ان يشملنا في دربه .
حالة السيدة زيادة ليست فريدة في سوريا إذ أن آلاف الاسر السورية تبحث عن أماكن مفيدة لها ولأبنائها .
تقول رندة إبراهيم وهي طبيبة سورية "أكاد أحار أين نذهب أنا وعائلتي يوم العطلة، المطاعم لم تعد صحية للكبار والصغار. معظمها يقدم الأراكيل، لا يوجد الكثير من أماكن الترفيهة والمتعة التي تخص العائلات. بدأت اعتقد ان المجتمع يزداد أنغلاقا. لم نعد نجد المساحة الكافية لحرية التفكير مع أولادنا في مستقبلهم خارج دوائر الانغلاق والتشدد ".
منذ مدة حذرت المستشارة السياسية والإعلامية في الرئاسة السورية الدكتورة بثينة شعبان من تعاظم المد الديني في سوريا. وقالت خلال اجتماع لفرع حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في دمشق : "نحن أمام تحد كبير... هناك مد ديني متعصب في البلد حقيقة، ويجب علينا أن نفهم أن هذا المد هو نتيجة فشلنا وليس نتيجة نشاط الآخرين لأنه حين يوجد الفراغ السياسي فلا بد للآخرين أن يملأوا هذا الفراغ".
وأضافت أن هذا المد لم يكن موجودا في السبعينيات من القرن الماضي، مطالبة بأن يكون الحزبيون البعثيون "قدوة في الأماكن التي نوجد فيها وفي العمل الذي نقوم به وفي الفكر الذي نطرحه وفي الفكر الذي نقدمه".
وطالبت باختيار البعثيين الأكفياء، معتبرة أن التحدي "أمامنا هو تحد فكري. أن يعيد الحزب إنتاج الفكر لا أن نعتمد كبعثيين على ما يأتي من وسائل الإعلام " .
يقول معن عبد السلام صاحب مكتبة " إيتانا " التي اتخذت صفة الحداثة والتجدد العلماني منذ افتتاحها تارة من نوعية محتوياتها وتارة من مواقف من يقف خلفها كمشروع تنويري و كذلك من زوارها و قرائها يقول لوكالة الانباء الالمانية " المشروع كان يراودني منذ العام 2000 حيث اشتريت منزلا قديما في حي باب توما الشهير أحد اجمل احياء دمشق العتيقة، لكن حالت العديد من الاسباب دون اكتماله .. بقيت الفكرة إلى أن أشتريت مع زوجتي منزلا متواضعا في حي الشعلان وسط العاصمة وأعدنا ترميمه بشكل حديث مع الحفاظ على جزء من روح التراث السوري التقليدي. انطلق المشروع بين مؤيد ومعارض من معارفي واصدقائي العاملين في الوسط الثقافي والشأن العام. فالمتخوفون قالوا ان المقر الجغرافي للمشروع في منطقة تجارية غالية الثمن يمكن أن يدر ارباحا لو كان مطعما على سبيل المثال، الثقافة لا تطعم خبزا، أما المشجعون فقد رأوا فيه فرصة نادرة ليترك بصمة من انطلاقته و هكذا كان بشهادة الجميع".
يقول معن وهو شاب يقترب من الأربعين من العمر، وتخرج من قسم اللغة الانكليزية في كلية الآداب بجامعة دمشق إن "مكتبة" ايتانا " لوحدها لن تكون ظاهرة، انا أدرك ذلك، لكنني أتمنى ان تكون البداية للعديد من المشاريع التنويرية والحضارية والمنتديات الثقافية التي تبقي الكتاب كمصدر للمعرفة بين آيادي جيل الشباب."
وأضاف معن: "أعتقد ان بلدي سوريا بحاجة لهذا النوع من المشاريع، في كل مكان من العالم يوجد مكتبة تضع طاولاتها وكراسيها في خدمة القراءة او الشراء، بمعنى انها ليست مجرد دكان يدخله المرء ليشتري كتابا أو يسأل عن عنوان صدر حديثا عن دور النشر، بينما في ايتانا، المكان مريح تسمح أجواؤه ببناء علاقة صحيحة مع الكتاب، كما في كل العالم وبإمكان المرء ان يشتري او يشترك بشكل شهري في أوقات القراءة وبتكلفة مقبولة لا تتجاوز 16 دولار والتي توفرها المكتبة، ويتناول قهوته و يختار الكتاب الذي يريده."
ويضيف عبد السلام الذي يملك دار نشر ايضا تحت نفس التسمية "ايتانا " أن المكتبة تخصص يوما في الاسبوع للاطفال، يقرؤون و يلونون و يستخدمون الانترنت للبحث وليس للعب، مع وجود مشرفات عليهم، يعيشون ساعات بين جدران مليئة بالكتب وهذا بحد ذاته علاقة مع الكتاب اذ ليس بالضرورة ان تكون المكتبة متوفرة في منازلهم جميعا وان توفرت فهي بضع رفوف وليس جدران كبيرة .
و عن مستوى ونوعية الفكر أو الخط العام الذي يمكن ان تتبناه "ايتانا " وتقدمه يوضح معن عبد السلام، كل شيء تنويري يخدم المعرفة الحضارية العلمانية التي تنبذ التعصب أو التطرف أو الحالة الحزبية الجامدة المغلقة، أو الآيدولوجية المتحجرة، و أين تكون الجهة التي تقف خلف تلك الافكار الهدامة .
ويكشف عبد السلام ان شيخ جامع حي الشعلان الدمشقي الذي تقع فيه المكتبة، جاء برفقة شابين ملتحيين، بعيد الافتتاح بايام وبدأ جولة في المكتبة وبعد ان رحبت به –يقول معن - وصل إلى رف من الكتب وتناول كتاب الإلياذة لهوميروس، ثم وقف وقال لي أن الإيدز الفكري أشد خطورة على الانسان من الإيدز الجسدي ! وأضاف الشيخ سائلا " هل تصلون في هذا المكان ؟ فقلت له ان الصلاة والايمان يا شيخ في القلب." و أضاف معن لقد قلت للشيخ، جاء دوري في السؤال يا شيخ حيث قلت له هل تريدون كتابا من مكتبتنا لتزويد مكتبتكم في الجامع وبالمجان؟ فما كان من الشيخ الا ان قطب حاجبيه متعجبا رفضا و غادر دون ان يعاود الزيارة .
ويوضح معن وهو يجول بنظره على جدران مكتبته " ان تسمية "ايتانا" هي أسطورة سومرية وهي أول صعود للسماء للبحث في المعرفة وعن المعرفة وفق ما تروي المصادر التاريخية " .
يؤكد عبد السلام ان جدران ايتانا تحوي 7000 عنوان لكل المستويات الفكرية والاجتماعية "وهو الأمر الذي يعزز لدي الثقة أن المشروع لن يفشل وهو سيغذي نفسه بنفسه بعد فترة زمنية من ظهوره، فضلا عن ان " ايتانا " انطلقت ايضا من معرفة الواقع الاجتماعي السوري المحتاج لهذا النوع من المشروعات في بلد يشهد انفتاحا اقتصاديا تدريجيا وعودة شرائح اجتماعية ذات سوية أجتماعية واقتصادية جيدة ما يسهم في تنمية مثل هذه المشروعات الحيوية، ونحن في المكتبة لم نلجأ الى المتطوعين من الزملاء، بل خصصنا دخل شهري للراغبين في التعاون نعتبره مقبولا وليس جيدت، انما يتوافق مع أمكاناتنا المالية" .
وعما اذا كانت " ايتانا " تخشى محاربة المنافسين لها في السوق السورية يقول عبد السلام " لا شك ان قدرة المكتبات التي تلبي حاجة الغالبية من القراء هي اكبر على المنافسة ولذلك " ايتانا " ستعمل لخلق شركاء حضاريين من مختلف اطياف المجتمع من أجل مشاركة جماعية في الحراك العام دون القبول بجماعة من لون واحد، كما هو معروف فإن الثقافة لا تقبل بالعودة إلى الوراء" .
تقول السيدة يمن ابو الحسن لوكالة الانباء الالمانية وهي التي تشرف على اعمال "ايتانا " ان المكتبة توفر مجموعة هامة من أهم إصدارات الكتب باللغتين العربية والإنكليزية التي جمعت من عدد من دور نشر عالمية، كما ان للمكتبة هيئة أستشارية من مثقفين وشخصيات فكرية مرموقة ولهم تواجدهم في الاوساط العامة . ويمكن القول ان تواجد المكتبة في قلب الوسط التجاري للعاصمة دمشق سهل وصول الكثيرين الذين يريدون البحث عن الهدوء والركون الى قراءة متأنية للكتاب في مكان مريح وجميل ذو طبيعة مرنة في التعاطي وخاصة لشريحة الشباب، بعيداً من ضجيج الاسواق المجاورة والمطاعم المزدحمة في حي الشعلان الشهير .
وعن كيفية دمج القراءة من كتاب مطبوع مع تواجد صالة خاصة بالانترنت تقول ابو الحسن، المكتبة تفسح المجال لروادها باستخدام الإنترنت للبحث المعرفي، وليس للقراءة لوقت طويل، وتتيح الخدمات الإطلاع أو شراء نسخ أصلية من أحدث الأسطوانات الموسيقية والأفلام المتنوعة لا سيما منها الوثائقية .
و يرفض الكاتب السوري سهيل عروسي ان يكون عزوف الناس عن الكتاب في بلده ناتج عن أسباب اقتصادية فقط وعلى حد قوله لوكالة الانباء الالمانية ان هناك كتب صادرة عن وزارة الثقافة السورية واتحاد الكتاب العرب الذي هو احد اعضائه، لا يزيد ثمنها عن سعر علبة سجائر، فالثقافة الشعبية متوفرة، ويضيف عروسي وهو قيادي معروف في حزب البعث الحاكم منذ بضع عقود وتقلد مناصب متعددة في الحكومة السورية، شمال البلاد " أي كتاب فيه السيء والجيد، والعبرة هي في عين القاريء والرؤية التي يتوخاها من هذا الكتاب او ذاك"، ويعتبر عروسي ان الفجوة بين الكتاب والناس في بلاده ليست بسبب الرقابة فقط انما هناك بضعة اسباب منها عدم تكريس القراءة كعادة لاكتساب المعرفة .
وكانت بضع مكتبات شهيرة في العاصمة دمشق قد أغلقت في الآونة الاخيرة، مثل مكتبة العائلة ( العلمانية التي لا تعني الألحاد ) في ساحة النجمة التي كانت تشرف عليها الاديبة مهاة فرح الخوري، و مكتبة ميسلون بالقرب من فندق الشام، بعد نحو أربعة عقود من عملها، حيث كانت اشتهرت في سبعينيات القرن العشرين بنشر وبيع الكتب "السوفييتية " بأسعار رمزية.
وتذكر المصادر التاريخية المعنية، انه من أوائل المكتبات التي كانت افتتحت في العاصمة السورية دمشق في عشرينات القرن الماضي، مكتبة عرفة لصاحبها ياسين عرفة، في سوق المسكية القديم لبيع الكتب، وقبلها المكتبة العمومية، التي أسسها أحد أعيان دمشق، أحمد أديب خير، والذي كان من قيادات حزب الكتلة الوطنية الى جانب صديقه الرئيس السوري الاسبق أديب الشيشكلي وكانت توزع المطبوعات الفرنسية والعربية و كتب بلغات متعددة، حيث كانت تصل لدمشق ليتم توزيعها في سوريا ولبنان.
ولا تزال المكتبة العمومية موجودة الى اليوم تشرف عليها وتديرها عائلة خير تركز على الكتب الأجنبية والكتب التخصصية في الفنون والعمارة والأسواق في العالم فضلا عن تعاونها مع معظم دور النشر العربية ذات المستوى الراقي التي تصدر كتب الدراسات التاريخية والروايات .
وتعتبر المكتبة العمومية من أهم المراجع الأساسية لمعظم الجامعات الخاصة في سوريا والتي تجد في المكتبة العمومية ما تدعم به مكتباتها من مراجع اختصاصية مختلفة.
يقول حفيد العائلة أحمد أديب خير ( سمي على أسم جده المؤسس ) لوكالة الانباء الالمانية "لقد حافظت المكتبة العمومية على خطها الحضاري والعلماني المتنور الذي لا يؤمن بالتشدد من أي جهة جاء، ونحن نعتقد اننا اليوم في سوريا نحتاج لمزيد من المكتبات التي تحث وتروج لثقافة تحترم الآخر وتنبذ التعصب" .
وتشير المصادر التاريخية، إلى أن عددا من المكتبات افتتحت في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي كمكتبة اليقظة العربية ومكتبة أطلس لصاحبها سمعان ( لا تزال قائمة تديرها ابنته سمر حداد) ومكتبة دار دمشق التي اهتمت بنشر الأدب الاشتراكي، قبل أن ينتقل ذلك في السبعينيات إلى مكتبتي الزهراء وميسلون.
وشكلت مكتبة النوري في ستينيات القرن الفائت ظاهرة مهمة، حيث انطلق مؤسس المكتبة من بسطة لبيع الصحف اليومية إلى أن أصبحت واحدة من أهم مكتبات بيع ونشر وتوزيع الكتب في سوريا .
ولم تكن المكتبات السورية مكانا لبيع الكتب فحسب، بل كانت حتى سبعينيات القرن الماضي مكانا للقاء المثقفين والسياسيين السوريين وتبادل الأفكار والآراء حول الكتب والأدب والفن والسياسة.
وكانت مكتبة أطلس التي أسسها سمعان حداد ملتقى للنخب السورية التي كانت تلتقي للحوار والنقاش في الشأن العام وكذلك مكتبة العمومية، وكذلك كانت الحال في مكتبة عرفة التي كانت تستقطب الشباب المثقفين، وكانت لهم جلسة حاشدة يوم الثلاثاء وهو موعد وصول (مجلة الرسالة) المصرية لصاحبها أحمد حسن الزيات (1968) وكان هؤلاء الشباب يتشوقون لصدورها، وعندما كانوا يعدون أيام الأسبوع يسمونه يوم الثلاثاء يوم الرسالة.
وانتشرت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ظاهرة غريبة في سوريا هي ظاهرة سرقة الكتب. وقد توسعت هذه الظاهرة إثر انتشار الثقافة وشعبيتها بين الشباب وطلاب الجامعات الذين أدمنوا القراءة دون أن يكون لديهم ما يكفي من المال لشراء الكتب الجديدة. وكان بعض الشباب، خصوصا من الطلاب، يتباهون بمقدرتهم على سرقة أكبر عدد من الكتب دون الإمساك بهم أو ملاحظتهم من قبل اصحاب المكتبات أو دور النشر .
و يقول سامر الزيات وهو احد طلاب الجامعة "انا تعودت الاهتمام بالكتاب منذ طفولتي والدي ووالدتي معنيان بالكتاب والثقافة، معاناتي اليوم تكمن – مثل العديد من اصحابي الذين لديهم نفس الاهتمام – في أننا لا نجد مكتبات تنتشر في الاحياء والأسوأ من ذلك اننا لا نجدها في المولات الحديثة، التي انتشرت في السنوات الاخيرة في سوريا، من المناسب أن تشجع الجهات المسؤولة أن يكون لكل حي مكتبته، وأن يلتزم كل مول يفتتح حديثا بمكتبة الى جانب الصيدلة و دور العبادة، لأن السلطات الرسمية المختصة فرضت بالقانون ان يكون في كل مول صيدلية" .
ويشارك الزيات العشرات من زملائه في مختلف الكليات العامة والخاصة في العاصمة دمشق الذين تم استطلاع أراؤهم. ويبدي المستثمر السوري جورج عظومية صاحب "مول المنشية " وسط مدينة حلب شمال البلاد حماسة كبيرة لهذه الفكرة، ويقول لوكالة الانباء الالمانية: نحن كأدارة لمول المنشية على استعداد كبير لتطبيق فكرة الالتزام بمكتبة كتب في المول ونريد ان نبدأ بها بالسرعة الممكنة ونعلن اننا مستعدون لتقديم كل التسهيلات والمساعدة في تطوير الفكرة وخدمتها بما يتوائم مع احتياجات مجتمعنا السوري، أريد التأكيد اننا سنعمل على تحقيق الفكرة وتحويلها إلى واقع عملي .
تقول الاحصاءات غير الرسمية إن أحياء سكنية كبيرة تضم أحيانا مئات الآلاف من الناس لا يتوفر فيها مكتبة لبيع الكتب وذلك في معظم المدن السورية وليس في العاصمة فقط .
ويقام معرض واحد كل سنة تقيمه مكتبة الاسد وتشترك فيه مئات دور النشر العربية، لكن الحصة الأكبر من المبيعات تذهب لصالح الكتب الدينية، الاسلامية منها بشكل خاص .
يقول الكاتب والناشر السوري لؤي حسين صاحب دار " بيترا " للنشر و هو من المشاركين في معرض الكتاب السنوي " ان المبيع الاغلب هو للكتب الدينية والسطحية، مثل كتب الطبخ والابراج وغيرها، لست ضد ذلك بالمطلق لكن الحكومة بأمكانها ان تلعب دورا تسهم فيه بقوة في تنشيط بيع الكتب الهامة، وأن لا يتم الاقتصار على معرض واحد كل عام، وان يفسح المجال للقطاع الخاص أن ينظم معارض كبيرة و متنوعة " .
و يقول عبد السلام أن مكتبة "إيتانا" مهتمة بالعودة الى روح الكتاب حيث يعتقد الكثير من الناس أن الكتاب بات موجودا في الانترنت، لكن ذلك ليس رأي كل الناس كثيرون لا يزالون يحبون التعامل مع الورق، ويرغبون في استرجاع قيمته الفكرية التي تلاشت مع الكساد الثقافي.
ويبدي الشاب السوري الطموح أسفه لإغلاق مكتبتين مهمتين هما "ابن سينا، و "العائلة" وهو الأمر الذي، يطرح تساؤلاً ملحاً عن موقع الكتاب من حياة المجتمع السوري.
وتنظّم المكتبة نشاطات فردية مثل "نادي التحليل النفسي" حيث يجتمع نحو عشرين شخصاً ويتناقشون بموضوع محدد يديره محلل نفسي، مرة كل أسبوعين. كما تستضيف المكتبة بعض النشاطات الثقافية ومنها حفلات توقيع الكتب. ويوفر نادي "إيتانا" للأطفال مجموعة من أهم كتب الأطفال العربية النادرة في سوق الكتاب السوري (توجد في دمشق مكتبة متخصصة للطفل تبيع الكتب الاجنبية والعربية وتقع قرب فندق أمية التاريخي وسط العاصمة ) .
و يقول تقرير التنمية البشرية في العالم العربي الى ان قارة أوروبا التي يمثل عدد سكانها 12 بالمئة من سكان العالم ، تحتل المركز الاول في انتاج 55 بالمئة من أجمالي الكتب المنشورة حول العالم ، بينما يبلغ انتاج قارة آسيا التي يشكل عدد سكانها حوالي 55 بالمئة من عدد سكان الكرة الارضية حوالي 19 بالمئة من حجم الكتب في العالم فقط بينما لا يتعدى انتاج قارة أفريقيا اكثر من 4 بالمئة .
وتشير احصاءات التقرير السنوي الى أن نسبة انتاج الكتب المؤلفة والمترجمة والمطبوعة بين اعوام 1990 و 2003 في كل من سوريا وليبيا والبحرين وعمان يصل الى مئة كتاب فقط .
ويتساءل أهالي طلاب المدارس السورية ان كان للمدرسة دور توعوي وتثقيفي لطلابها من خلال تخصيص حصص للمطالعة ولو بشكل أسبوعي .
وترى الموجهة التربوية في احدى ثانويات ريف دمشق فاطمة المحمد بان القراءة خارج الكتب المدرسية قضية هامة وضرورية لكن واقع الحال غير ذلك . و يقول تقرير التنمية البشرية الذي يصدر سنويا ان الكتاب الذي يبيع في العالم العربي أكثر من خمسة آلاف نسخة يعتبر انه قد حقق انجازا بهذه النسبة علما أن عدد سكان عالمنا العربي بات يربو عن 300 مليون نسمة بينما نجد بعض الكتب في اميركا وأوروبا تبيع ملايين النسخ ، بطبعتها الاولى على سبيل المثال .
وتذكر ورقة عمل للناشر السوري المعروف رياض نجيب الريس كان قدمها في سنوات سابقة في مؤتمر المعرفة الذي ترعاه مؤسسة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ويقام في دبي " ان تعثر النشر العربي يعود لسببين لا ثالث لهما الاول هو ضمور الأسواق العربية بسبب حواجز الأنظمة السياسية التي تعامل الكتاب معاملة المخدرات ، والناشر معاملة المهربين ، وضعف البنية المالية والاقتصادية لمعظم دور النشر العربية ، نتيجة القيود الرقابية على انواعها ، الدينية والسياسية والامنية والمجتمعية والاعلامية الخ، وهو الامر الذي يمنع تطور هذه الصناعة والاستثمار فيها .
ويؤكد تقرير وضعته مؤخرا جمعية " قوس قزح " الأهلية السورية الى ان سوريا التزمت بتطبيق ألزامية التعليم للمرحلة الاساسية منذ العام 1981 بموجب القانون رقم ( 35 ) والمتضمن ألحاق جميع الاطفال السوريين ومن في حكمهم ،من 6 حتى 12 عاما في مدارس التعليم الابتدائي ، وهو الامر الذي ساهم في محو أمية على نطاق واسع لكن ذلك لم يخلق المعرفة والوعي العام المطلوب ، فبعد ان ركزت المؤسسات الرسمية وعلى مدى عقود على الخطاب الحزبي ، كانت مؤسسات قوى أجتماعية أخرى " تحقن " عقل المجتمع بمزيد من آحادية اللون العقائدي الرافض حتى للحوار مع الآخر ، ومع تقدم الزمن يصبح هناك خشية حقيقية من تصادم آيدولوجيات غير منظورة وغير متكافئة في ظل واقع يشوبه الشحن عند أبسط المفترقات العامة .
و بأنتظار ان يعود القول المأثور " الكتاب خير جليس في الزمان " الى واقع ملموس فان ملء الفراغ لا يتم بدفن الرؤوس في الرمال ، لتقطيع الوقت ، بل بأعتبار صناعة الكتاب المتنور في رأس الأولويات ، إذا أردنا للمستقبل ان يشملنا في دربه .


الصفحات
سياسة








