مثل هذه المشاعر ما كان لها أن تنمو وتكبر وتترعرع لو أن المجتمع ومنذ وقت مبكر يطبق قوانين تحد من ذلك ويتبعها بعقوبات رادعة. لذا وفي دولة فتية كدولة الإمارات الشقيقة تقطنها جنسيات متعددة ربما تتجاوز الـ100 جنسية من كل أرجاء العالم، تمنحهم الدولة الحق في امتلاك العقار والإقامة والإسهام في البناء والتنمية، كان لا بد من سد الطريق وإصدار مثل هذا التشريع، الذي يكفل للجميع الحقوق والمساواة، بل ويقوي من تماسك وأمن الوطن وعدم السماح لأحد بشق الصف وإثارة النعرات.
المبررات نفسها يمكن وضعها في الحالة المصرية بالنظر إلى تواجد الجماعات الإرهابية هناك، والتي يبدو أن سقوط حكم «الإخوان المسلمين» ومحاكمة رموزهم قد أشعلها في سيناء والقاهرة وغيرهما.
في المقابل وقبل أقل من شهرين، رفض مجلس الشورى السعودي مناقشة قانون مماثل، وطالبت الدولة في مقالة سابقة أن تبادر بإصدار التشريع من دون الحاجة لرأي بعض المؤدلجين في هذا المجلس. قلت ذلك لأن الموضوع لم يعد يحتمل الانتظار، لاسيما بعد تركيز الجماعات الإرهابية على هذه الثغرات، وأقصد بذلك تفجير المساجد واستهداف رجال الأمن. إضافة إلى ذلك، وسواءً أكان الحديث عن المملكة أم غيرها، الدول في هذا العصر ملزمة أمام العالم، بل وأمام مواطنيها بالمحافظة على مكتسباتها وأمنها، وأن تغلق المنافذ أمام كل من يسعى لشق الصف؛ مستغلاً وجود هذه الفوضى الخطيرة؛ الناتجة بسبب الفراغ القانوني، أو بتعبير أوضح عدم تطبيق بعض التشريعات القائمة.
الغريب هنا أن الطريق نحو إصدار مثل هذا القانون يفترض أن يكون سهلاً، لاسيما بعد صدور الأوامر الملكية بتجريم عدد من الجماعات الإسلامية وتصنيفها كجماعات إرهابية.
نحن هنا نتحدث عن إلغاء التفرقة في اللون أو العرق أو المذهب داخل النسيج الوطني الواحد، وتجريم من ينادي لها أو يحرض عليها ومحاكمته ومعاقبته، لسبب بسيط وهو غرس الانتماء للوطن الذي منح الجنسية والإقامة للجميع. كيف يمكن أن نسمح لمن ينادي من على منبر أو يبعثر التغريدات في مواقع التواصل الاجتماعي بقتل هذه الطائفة أو تكفير تلك أو فصل الزوج عن الزوجة؛ بسبب الانتماء لقبيلة من هنا أو هناك؟
هذه الأمور لم تعد بسيطة أو تافهة أو شاذة، بل أساسية في سبيل النجاة بالوطن نحو مستقبل أكثر رسوخاً وأمناً.
كيف لمجلس شورى سعودي جل أعضائه وعضواته منتقين بعناية من حيث مكانتهم وتحصيلهم العلمي أن يعترضوا على بديهيات كهذه؟
تجدر الإشارة إلى أن هذا المجلس نفسه قد رفض في وقت سابق مناقشة قانون للحد من التحرشات الجنسية في الأماكن العامة وأماكن العمل في المملكة، التي يتواجد بها الذكور والإناث. وربما أن نفس من وقف ضد مناقشة مثل هذه القوانين والتشريعات هم من يقف وبثبات عجيب ضد المطالبة بالسماح للمرأة بقيادة سيارتها.
على أن الحديث عن قانون جديد لتجريم من ينادي أو يروّج للطائفية مختلف كثيراً. نستطيع أن نعيش مع الكثير من المعاناة بالطبع، مع التحرش الجنسي وانفلات الشباب، وغياب العقوبات الرادعة وترك كل هذا الموضوع الشائك لجهود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على رغم أن التحرش يعتبر قضية تصنف ضمن الجرائم كما السرقات وغيرها، ومن ثم يعتبر موضوعاً أمنياً جنائياً وليس فقط «مخالفة شرعية». ونستطيع أن نستمر في موضوع منع المرأة من قيادة سيارتها وقبول اختلائها بالسائق الأجنبي على رغم وضوح الشرع في تحريم الخلوة غير الشرعية. ونستطيع أن نمضي ولو ببطء وبعض الارتباك في الكثير من أمور الحياة العادية، لكننا حتماً لن نتمكن من الاستمرار مع بقاء الخونة المتلونين، الذين لا هم لهم إلا شق الصف وإضعاف اللحمة الوطنية وتقديم مصالح الحزب أو القبيلة على الوطن ووحدته وأمنه، بقاؤهم أحراراً طلقاء بلا أي تهم توجه لهم.
لا يمكن أن نستمر أقوياء وبيننا من ينادي بـ«الجهاد» غير المرتبط بالضوابط التي حددها الشرع والذي أصبح «كوداً» أو شيفرة لدعم الإرهاب. اليوم، جميعنا يدرك ومن واقع الأحداث أن من ينفذ للجماعات الإرهابية مخططاتهم هم من شبابنا ومن صغار السن تحديداً. خير مثال على ذلك ما جاء في بيان وزارة الداخلية أخيراً، والذي أشار إلى أعمار المقبوض عليهم في منطقة المونسية قرب الرياض.
المثير أن هذه الأصوات الشاذة المحرضة نفسها ضد مكتسباتنا والتي تفرح بتجنيد الشباب، وإن نددت فهي تفعل ذلك بخجل وتردد، هي نفسها من يقف ضد أي فكرة لتحويل المجتمع إلى الانفتاح والتسامح.
\فلو تحدث أحدنا عن ضرورة التخلص من الانغلاق والانطواء وتطوير أجواء الترفيه والسياحة والارتقاء بالفن والدراما وفتح قاعات للسينما، فسيجد أن عدداً لا بأس به من المعارضين لذلك هم في الواقع من يحرض ويدعو للفتنة الداخلية وإن لم يوضحوا ذلك. هم أنفسهم من يعلو صراخهم مع أي فكرة لتحويل التعليم إلى تعليم حقيقي محفز نحو الإبداع والتقدم واستخدام العقل.
لا أشك على الإطلاق بأن الدولة ستضطر في النهاية لوضع هذه القوانين، بل وستضع غيرها الكثير مما ستفرضه المرحلة. الذي أتمناه ويتمناه غيري من أبناء الوطن هو الإسراع في ذلك. التأخر في وضع القوانين وتنفيذها يؤدي إلى ولادة حالات مشوهة ومشكلات أكبر وأكثر تعقيداً في ما بعد. يكفي إلقاء نظرة خاطفة على موضوع السير وكثرة المخالفات ووقوع الحوادث المميتة.
لو كنا قد بدأنا في ضبط المرور منذ عقود عدة، في السبعينات مثلاً، وحاصرنا المخالفين بتصميم وثبات منذ ذلك الوقت، هل كنا سنعاني ونتجرع اليوم هذا المشهد المؤلم من الفوضى والاستهتار والخسائر البشرية والمادية؟ بكل تأكيد لا. في السياق نفسه أستطيع أن أقول إنه لو كانت لدينا قوانين تجرم الطائفية والقبلية والتفرقة العرقية بكل أشكالها، وتحاصر الخونة المتحزبين ضد مكتسباتنا؛ لتحولت هذه القصص إلى حكايات من الماضي في يومنا هذا، والتفتنا إلى ما هو أهم وأكثر فائدة في مسيرة البناء.
----------
الحياة
المبررات نفسها يمكن وضعها في الحالة المصرية بالنظر إلى تواجد الجماعات الإرهابية هناك، والتي يبدو أن سقوط حكم «الإخوان المسلمين» ومحاكمة رموزهم قد أشعلها في سيناء والقاهرة وغيرهما.
في المقابل وقبل أقل من شهرين، رفض مجلس الشورى السعودي مناقشة قانون مماثل، وطالبت الدولة في مقالة سابقة أن تبادر بإصدار التشريع من دون الحاجة لرأي بعض المؤدلجين في هذا المجلس. قلت ذلك لأن الموضوع لم يعد يحتمل الانتظار، لاسيما بعد تركيز الجماعات الإرهابية على هذه الثغرات، وأقصد بذلك تفجير المساجد واستهداف رجال الأمن. إضافة إلى ذلك، وسواءً أكان الحديث عن المملكة أم غيرها، الدول في هذا العصر ملزمة أمام العالم، بل وأمام مواطنيها بالمحافظة على مكتسباتها وأمنها، وأن تغلق المنافذ أمام كل من يسعى لشق الصف؛ مستغلاً وجود هذه الفوضى الخطيرة؛ الناتجة بسبب الفراغ القانوني، أو بتعبير أوضح عدم تطبيق بعض التشريعات القائمة.
الغريب هنا أن الطريق نحو إصدار مثل هذا القانون يفترض أن يكون سهلاً، لاسيما بعد صدور الأوامر الملكية بتجريم عدد من الجماعات الإسلامية وتصنيفها كجماعات إرهابية.
نحن هنا نتحدث عن إلغاء التفرقة في اللون أو العرق أو المذهب داخل النسيج الوطني الواحد، وتجريم من ينادي لها أو يحرض عليها ومحاكمته ومعاقبته، لسبب بسيط وهو غرس الانتماء للوطن الذي منح الجنسية والإقامة للجميع. كيف يمكن أن نسمح لمن ينادي من على منبر أو يبعثر التغريدات في مواقع التواصل الاجتماعي بقتل هذه الطائفة أو تكفير تلك أو فصل الزوج عن الزوجة؛ بسبب الانتماء لقبيلة من هنا أو هناك؟
هذه الأمور لم تعد بسيطة أو تافهة أو شاذة، بل أساسية في سبيل النجاة بالوطن نحو مستقبل أكثر رسوخاً وأمناً.
كيف لمجلس شورى سعودي جل أعضائه وعضواته منتقين بعناية من حيث مكانتهم وتحصيلهم العلمي أن يعترضوا على بديهيات كهذه؟
تجدر الإشارة إلى أن هذا المجلس نفسه قد رفض في وقت سابق مناقشة قانون للحد من التحرشات الجنسية في الأماكن العامة وأماكن العمل في المملكة، التي يتواجد بها الذكور والإناث. وربما أن نفس من وقف ضد مناقشة مثل هذه القوانين والتشريعات هم من يقف وبثبات عجيب ضد المطالبة بالسماح للمرأة بقيادة سيارتها.
على أن الحديث عن قانون جديد لتجريم من ينادي أو يروّج للطائفية مختلف كثيراً. نستطيع أن نعيش مع الكثير من المعاناة بالطبع، مع التحرش الجنسي وانفلات الشباب، وغياب العقوبات الرادعة وترك كل هذا الموضوع الشائك لجهود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على رغم أن التحرش يعتبر قضية تصنف ضمن الجرائم كما السرقات وغيرها، ومن ثم يعتبر موضوعاً أمنياً جنائياً وليس فقط «مخالفة شرعية». ونستطيع أن نستمر في موضوع منع المرأة من قيادة سيارتها وقبول اختلائها بالسائق الأجنبي على رغم وضوح الشرع في تحريم الخلوة غير الشرعية. ونستطيع أن نمضي ولو ببطء وبعض الارتباك في الكثير من أمور الحياة العادية، لكننا حتماً لن نتمكن من الاستمرار مع بقاء الخونة المتلونين، الذين لا هم لهم إلا شق الصف وإضعاف اللحمة الوطنية وتقديم مصالح الحزب أو القبيلة على الوطن ووحدته وأمنه، بقاؤهم أحراراً طلقاء بلا أي تهم توجه لهم.
لا يمكن أن نستمر أقوياء وبيننا من ينادي بـ«الجهاد» غير المرتبط بالضوابط التي حددها الشرع والذي أصبح «كوداً» أو شيفرة لدعم الإرهاب. اليوم، جميعنا يدرك ومن واقع الأحداث أن من ينفذ للجماعات الإرهابية مخططاتهم هم من شبابنا ومن صغار السن تحديداً. خير مثال على ذلك ما جاء في بيان وزارة الداخلية أخيراً، والذي أشار إلى أعمار المقبوض عليهم في منطقة المونسية قرب الرياض.
المثير أن هذه الأصوات الشاذة المحرضة نفسها ضد مكتسباتنا والتي تفرح بتجنيد الشباب، وإن نددت فهي تفعل ذلك بخجل وتردد، هي نفسها من يقف ضد أي فكرة لتحويل المجتمع إلى الانفتاح والتسامح.
\فلو تحدث أحدنا عن ضرورة التخلص من الانغلاق والانطواء وتطوير أجواء الترفيه والسياحة والارتقاء بالفن والدراما وفتح قاعات للسينما، فسيجد أن عدداً لا بأس به من المعارضين لذلك هم في الواقع من يحرض ويدعو للفتنة الداخلية وإن لم يوضحوا ذلك. هم أنفسهم من يعلو صراخهم مع أي فكرة لتحويل التعليم إلى تعليم حقيقي محفز نحو الإبداع والتقدم واستخدام العقل.
لا أشك على الإطلاق بأن الدولة ستضطر في النهاية لوضع هذه القوانين، بل وستضع غيرها الكثير مما ستفرضه المرحلة. الذي أتمناه ويتمناه غيري من أبناء الوطن هو الإسراع في ذلك. التأخر في وضع القوانين وتنفيذها يؤدي إلى ولادة حالات مشوهة ومشكلات أكبر وأكثر تعقيداً في ما بعد. يكفي إلقاء نظرة خاطفة على موضوع السير وكثرة المخالفات ووقوع الحوادث المميتة.
لو كنا قد بدأنا في ضبط المرور منذ عقود عدة، في السبعينات مثلاً، وحاصرنا المخالفين بتصميم وثبات منذ ذلك الوقت، هل كنا سنعاني ونتجرع اليوم هذا المشهد المؤلم من الفوضى والاستهتار والخسائر البشرية والمادية؟ بكل تأكيد لا. في السياق نفسه أستطيع أن أقول إنه لو كانت لدينا قوانين تجرم الطائفية والقبلية والتفرقة العرقية بكل أشكالها، وتحاصر الخونة المتحزبين ضد مكتسباتنا؛ لتحولت هذه القصص إلى حكايات من الماضي في يومنا هذا، والتفتنا إلى ما هو أهم وأكثر فائدة في مسيرة البناء.
----------
الحياة